حسين قنبر
المفكر و الباحث
(Hüseyin Kambur)
الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 23:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة
على مدى أكثر من عقد من الزمن، شكلت الثورة السورية واحدة من أعقد التحولات السياسية والاجتماعية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. لم تكن هذه الثورة مجرد احتجاج شعبي على نظام استبدادي، بل كانت محاولة حقيقية لإعادة صياغة الهوية الوطنية وإقامة دولة تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ومع ذلك، فإن التدخلات الدولية والإقليمية، على رأسها روسيا وإيران، أفرغت هذه الثورة من بعض محتواها الوطني، وحوّلتها إلى ساحة لصراعات القوى الكبرى، حيث أصبح المواطن السوري ضحية هذه الحسابات السياسية.
في هذا السياق، يأتي صعود الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع كمرحلة حاسمة. فهي تمثل محطة سياسية مفصلية في تاريخ سوريا، وتطرح أسئلة عميقة حول أخلاقيات الحكم، واستراتيجيات التعامل مع القوى الأجنبية، ومدى الالتزام بالعدالة وحقوق الشعب السوري. هذا المقال يهدف إلى تقديم تحليل سياسي واقعي ومفصل لأداء هذه الإدارة، مع مراعاة السياق التاريخي والإقليمي، ومقارنة سلوكها بالمعايير الدولية في مواجهة جرائم الحرب، لا سيما في أوكرانيا.
الواقع السوري قبل الإدارة الجديدة
مع انهيار الدولة في بعض المناطق السورية، ظهرت فصائل متعددة تمثل تيارات إيديولوجية متنوعة. من أبرز هذه الفصائل كانت هيئة تحرير الشام، التي لم تمثل حركة مقاومة وطنية، بل نشأت من اندماج فصائل مرتبطة بالأفكار الإسلامية الجهادية المتطرفة، وارتكبت ممارسات إرهابية واسعة، بما في ذلك السيطرة بالقوة على مناطق استراتيجية واستخدام العنف لترهيب السكان.
هذا الواقع أسس لبيئة معقدة للأزمات، حيث تداخلت السياسة والإرهاب، مما ترك فراغًا كان من المفترض أن تملؤه الإدارة الجديدة بعد صعود أحمد الشرع. إلا أن القرارات السياسية لهذه الإدارة، بما فيها التطبيع مع القوى الدولية التي تورطت بدماء السوريين، تعكس استمرارًا لنهج تسييس الأزمة واستغلال الفوضى بدل معالجة جذور المشكلة.
الدور الروسي في سوريا: من القوة العسكرية إلى التحولات السياسية
منذ سبتمبر 2015، تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا، مدعية مكافحة الإرهاب ودعم الدولة السورية. لكن الواقع التاريخي والسياسي يُظهر أن تدخل موسكو كان موجهًا لتثبيت حكم النظام وضمان نفوذ استراتيجي في الشرق الأوسط.
قامت روسيا بمئات الغارات على المدن والمناطق السكنية، مستهدفة المدارس والمستشفيات والأسواق، وأسفرت هذه العمليات عن سقوط آلاف المدنيين وتشريد ملايين آخرين. هذا التدخل لم يكن مجرد دعم عسكري، بل تحويل سوريا إلى ملعب نفوذ دولي، يتيح لموسكو السيطرة على القرار السياسي الداخلي، مع تجاهل كامل لحقوق الشعب السوري.
تضحيات الشعب السوري: محور الثورة واستغلالها السياسي
تضحيات السوريين كانت هائلة: عشرات الآلاف من الشهداء، ملايين المهجرين، ودمار واسع للبنية التحتية. لم يكن الهدف مجرد إسقاط النظام، بل إقامة دولة تحترم الكرامة والحقوق.
لكن الإدارة الجديدة، بدل أن تحمي هذه التضحيات، اختارت مصافحة القوى المتورطة في الجرائم. هذا السلوك يعكس ازدواجية أخلاقية وسياسية، إذ تُستغل دماء السوريين كأداة للضغط السياسي، وتصبح الثورة ورقة مساومة على الساحة الدولية.
الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع: التطبيع مع المجرمين
وصول أحمد الشرع يمثل تحولًا استراتيجياً وأخلاقيًا: الإدارة الجديدة اختارت مسار المصافحة مع موسكو بدل المطالبة بالمحاسبة. هذه السياسة لا تُظهر فقط ضعفًا في الموقف الوطني، بل تعكس تحولًا براغماتيًا على حساب المبادئ والثوابت الوطنية.
إن المصافحة مع بوتين، القائد المتورط بجرائم الحرب، ليست مجرد خطوة دبلوماسية، بل إشارة ضمنية إلى قبول المساومة على دماء الشهداء. هذا الاختيار السياسي يشير إلى أن الإدارة الجديدة تنتهج سياسة مصالح آنية على حساب العدالة والكرامة الوطنية.
هيئة تحرير الشام: إرهاب متجذر وتأثيره على السياسة
هيئة تحرير الشام لم تكن حركة مقاومة وطنية، بل فصيلًا إرهابيًا مسلحًا نشأ من تيارات جهادية متطرفة، سيطر على مناطق استراتيجية واستخدم العنف لتثبيت موقعه السياسي.
ارتباط أحمد الشرع بهذا التاريخ يعكس استمرار النهج القائم على المصالح السياسية الضيقة وتجاهل القيم الأخلاقية، ويضع الإدارة الجديدة في موضع صراع مستمر بين المصالح والعدالة.
التحركات الإقليمية للإدارة الجديدة: الإمارات وإيران كمحطات استراتيجية
قبل التوجه إلى روسيا، قام أحمد الشرع بزيارة الإمارات، الدولة التي لعبت دورًا معروفًا في الثورة المضادة السورية، وسعت لإجهاض الثورة بكل الوسائل الممكنة.
هذا الترتيب يطرح عدة أسئلة تحليلية:
1. لماذا تبدأ الإدارة زياراتها بالدول التي حاولت إجهاض الثورة السورية؟
2. هل الإمارات مجرد محطة تفاوض أم بوابة لتبييض الانتهاكات التاريخية؟
3. هل ستكون إيران المحطة التالية بعد روسيا؟ وهل هذا يعني استمرار المساومة مع القوى المتورطة في جرائم مباشرة ضد الشعب السوري؟
يمكن قراءة هذه التحركات ضمن براغماتية سياسية مليئة بالمخاطر الأخلاقية والسياسية:
إدارة التوازن بين القوى الدولية والإقليمية قد تجعل الإدارة الجديدة وسيطًا بين المجرمين.
المساومة على دماء الشهداء تصبح أكثر وضوحًا.
أي سياسة تقوم على التطبيع مع الأطراف المسؤولة عن القمع لن تضمن العدالة أو الاستقرار.
ازدواجية المعايير الدولية: مقارنة مع أوكرانيا
المجتمع الدولي، عند محاسبة روسيا في أوكرانيا، فرض عقوبات صارمة وفتح تحقيقات لملاحقة مجرمي الحرب. بالمقابل، تجاهل جرائم روسيا في سوريا، ووجدت الإدارة الجديدة طريقها نحو تطبيع صامت.
هذا يوضح ازدواجية المعايير الدولية ويضع الإدارة الجديدة في موقف أخلاقي وسياسي معقد، حيث يتم تجاهل العدالة وحقوق الضحايا لصالح مصالح سياسية قصيرة المدى.
التجارة بدماء الشهداء: استغلال الثورة سياسيًا
إحدى أبرز الانتقادات الواقعية هي استغلال دماء الشهداء كأداة سياسية:
للمساومة الدولية.
لتعزيز مواقع سياسية على حساب حقوق المواطنين.
تجاهل العدالة الدولية التي قد تحمي المدنيين من الانتهاكات المستقبلية.
هذا السلوك يهدد مصداقية السلطة ويضع الشعب السوري في مواجهة واقع يُستغل فيه الدم والتضحيات لتحقيق مصالح سياسية ضيقة.
رؤية مستقبلية واستنتاجات استراتيجية
لضمان العدالة والاستقرار:
1. يجب محاسبة مجرمي الحرب محليًا ودوليًا.
2. رفض التطبيع مع القوى المسؤولة عن الجرائم.
3. دعم مؤسسات الدولة المستقلة وبناء المجتمع على أساس العدالة.
4. ضمان مشاركة السوريين في أي عملية سياسية مستقبلية بعيدًا عن المساومات والصفقات الضيقة.
الخاتمة
الثورة السورية تظل رمزًا للصمود والكرامة، لكن تضحياتها تُستنزف في السياسات البراغماتية والمساومات الدولية. الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، عبر مصافحتها للمجرمين وتجاهل العدالة، تجعل الثورة السورية عرضة للاستغلال.
العدالة وحدها هي الطريق نحو السلام الحقيقي، والكرامة الوطنية، ومحاسبة من ارتكب الجرائم. أي سلطة تتجاهل هذا الواقع لا تمثل الشعب، بل مصالحها السياسية الضيقة على حساب مستقبل الوطن.
#حسين_قنبر (هاشتاغ)
Hüseyin_Kambur#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟