|
الوجودية الأزلية وثقافة الجيو اركيولوجيا - الاحقاف
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 10:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ادعت الوجودية الأزلية الإسرائيلية ان البعث والنشور الأخروي أفك من الماضي ، ولو كان القيام من الأجداث فعلي وحقيقي لخرج الذين خلت منهم القرون من قبل ، وبناءا على تلك المعطيات التاريخية ، تحدت البراغماتية الوجودية محمد بعذاب الله ، بما ان المجتمع المكي خليط من المؤمنين والمشركين ، إذن لا يمكن معاقبة المؤمن بجريرة الكافر ، لذا أعطى التنزيل للوجودية الأزلية فرصة أخرى مغيرا نمط الحوار العقائدي ، ومستعينا باركيولوجيا الأمم السابقة ، كدليل مادي على الخزي الدنيوي ، يعتبر قوم عاد ثاني حقبة تاريخية بعد نوح اتخذت من الاحقاف مستوطنا لها ، فكانوا يعبدون الجن من دون الله ، بما ان والوجودية الأزلية الإسرائيلية اتخذت من الجن والريح وهيكل سليمان ثقافة سياسية اركيولوجية ، فلا بد من اطلاعها على عاقبة قوم عاد لتشابه الاعتقاد ، قال الله واذكر أخا عاد اذ انذر قومه بالاحقاف ، وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ، خلت النذر تعني استنفذ هود كافة الوسائل الدعوية الحاثة على عبادة الله وحده ، إلا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{21}
انبثق عن حوار الله مع الملائكة ، وحوار الله مع ادم ، وحوار ادم مع إبليس أربع اعتقادات ، منها عبادة الملائكة بنات الله ، وعبادة الجن ، واعتقاد الصلب والفدى ، واعتقادات سماوية كعبادة الشمس والكواكب ، تتمحور الأفكار والاعتقادات البشرية البدائية حول بداية الخلق ، فكل حقبه تاريخية اتخذت من تلك البداية آلهة لها ، مثلا قوم نوح اتخذوا من ظهور بني ادم آلهة لهم ، وقوم عاد اتخذوا من الجن آلهة لهم ، والمسيحية اتخذت من الفدى إلها لها ، والمشركين العرب اتخذوا من الملائكة بنات الله آلهة لهم ، معظم تلك الاعتقادات تستغل مقدرات الفرد المعيشية للمصالح السياسية والاقتصادية ، أما عبادة الجن فأكثر الاعتقادات تعلقا بالملذات والأهواء الرغبوية لان إبليس من عام الجن توعد ادم وذريته بالإغواء ، ولقد أدى اختفاء التوبة الدنيوية والبعث والنشور من معتقدات المؤمنين الى بروز عبادة الجن في قوم عاد كمعتقد أزلي رافض للبعث والنشور ، كما برزت أيضا عبادة الجن في بني إسرائيل بعد الانشقاق العقائدي للمملكة السبئية في اليمن ، متخذين من الجن وهيكل سليمان ثقافة جيواركيولوجية للدعوة الوجودية الأزلية ، كان رد قوم عاد على تهديدات هود ، قالوا أجئتنا لتافكنا عن آلهتنا، فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{22}
ظهر اعتقاد عبادة الجن في الحقبة التاريخية الثانية ، من أفكاره الشيطانية إنتاج الوجودية الأزلية التي ترتكز سياسيا على أيديولوجيا رفض انهيار المنظومة الكونية في أخر الزمان وبداية القيام من الأموات ، مدعين ان الله خلق الجن لإعانته في خلق السماء والأرض موكلا لهم حفظهما من الزوال ، وبهذا الاعتقاد غيب شياطين الوجودية الأزلية عقيدة يوم القيامة والحساب الأخروي عن وعي المجتمعات ، ولما تحدى قوم عاد نبيهم هود بالعذاب ، رد عليهم قائلا ، قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ، ولكني أراكم قوم تجهلون
قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{23}
شهد قوم عاد طفرة ثقافية في انثروبولوجيا الوعي البشري مدركا العواقب الدنيوية والأخروي من دعوة نوح ، وعلى الناجين من الغرق ، نشأ قوم عاد على الإيمان بالله واليوم الأخر ، ومع ابتعاده عن مبعث الرسالة استغل شياطين الاعتقادات الوثنية غياب الإيمان بالله واليوم الأخر للمصالح السياسية والاقتصادية ، وعلى إسلاف المؤمنين ظهرت الوثنية من جديد ، غير ان الأجيال بقيت تحمل في ذاكرتها عواقب الغرق ، مغيرين استيطانهم من اودية المناطق الجبلية ، الى اودية الصحارى المفتوحة ، وبهذا التحول في الطبوغرافيا جعل قوم عاد في مؤمن من الغرق ، متناسين ان الظالمين لا مفر لهم من الله ، سكن قوم عاد بالاحقاف الأرض الصحراوية المفتوحة وبناءا على أمنية الموقع الجغرافية تحدوا هود بالعذاب ، قال الله فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ{24}
اعتاد قوم عاد على العارض المناخي الممطرة ، كالغيوم التراكمية الثقيلة التي تنقلها الرياح باتجاه أوديتهم فلما رأوه استبشروا خيرا ، ولكن بالحقيقة هي عاصفة ثلجية قطبية ساقتها الرياح من المناطق المتجمدة باتجاه المناطق الصحراوية الحارة موطن قوم عاد ، سخرها الله عليهم سبعة أيام دمرت الكائن حي ، قال الله تدمر كل شيء بأمر ربها ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، بمعنى لا وجود للكائن الحي سواء كان بشري أو حيواني ، كذلك نجزي القوم المجرمين
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ{25}
أكثر الشرائح وعيا هم الأنبياء والرسل والذين امنوا معهم ، بينما أكثرهم دوغمائية هم الرأسماليون ورجال الدين وأصحاب الأهواء والملذات الرغبوية ، ففي كل الأزمنة والعصور النجاة كان من نصيب الرسل الأنبياء والمؤمنين ، بينما كانت الكوارث الطبيعية من نصيب الدوغمائية ، عقَّب التنزيل على نهاية قوم عاد ، لاطلاع الوجودية الأزلية الإسرائيلية على وسائل التمكين المادي والمعنوي لقوم عاد ، الذي لا يختلف عن إمكانياتهم المادية والمعنوية ، فما هو المانع من ان يكونوا أمثالهم ، قال الله ولقد مكناهم فيما ان مكانكم فيه ، وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفادتهم من شيء ، اذ كانوا يجحدون بآيات الله ، وحاق بهم ما كنوا به يستهزئون
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{26}
كانت المنطقة العربية مهدا للحضارة البشرية ، حيث شهدت الحقب التاريخية الخمسة تكتلات سكانية مختلفة ، موزعة جغرافيا على المنطقة ابتدأ من جنوب العراق وشماله ، وشمال سوريا والأردن وشبه جزيرة العرب ، ولقد اتخذ التنزيل من بقايا اركيولوجيا تلك الأمم ، أمثال تاريخية لدعوة الأمم الناشئة الى الإيمان بالله واليوم الأخر ، فكلما نهضت امة ذكرها الله بكارثة من قبلها ، بما ان الوجودية الأزلية الإسرائيلية جزء من التحالف المكي الرأسمالي إذن هي مشمولة بالخزي الدنيوي المرتقب في سنة 8 للهجر ، المتمثل بتدمير ديموغرافي شامل للمصالح السياسية والاقتصادية المكية ، عرض التنزيل على الوجودية الأزلية بقايا القرى المدمرة للاعتبار منها قبل بلوغ ذلك التاريخ ، قال الله ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ، فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربا آلهة ، بل ضلوا عنهم وذلك افكهم وما كانوا يفترون
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{27} فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ{28}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوجودية الأزلية وعقوق الوالدين - الاحقاف
-
أوهام الأمل
-
أولياء الله بين الوثنية والدين السياسي - الاحقاف
-
المصير الأخروي للوجودية اللادينية - الجاثية
-
الوجودية وديموغرافيا الجيوعقائدية - الجاثية
-
الدين السياسي دين للادينيين - الجاثية
-
الوجودية اللادينية والتحيز اللاواعي - الجاثية
-
الوجودية اللادينية والدين السياسي- الجاثية
-
المصير الأخروي للشمولية الوجودية - الدخان
-
التاريخ المخزي للشمولية الفاشية - الدخان
-
الشمولية والتحيز اللاواعي - الدخان
-
الديانة الإبراهيمية وامبريالية الثيولوجيا - الزخرف
-
الديانة الإبراهيمية وفيلولوجيا النصوص - الزخرف
-
الديانة الإبراهيمية ولاعتقاد الأركيولوجي- الزخرف
-
الرأسمالية بين الراديكالية ودوغمائية البنات - الزخرف
-
الرأسمالية وميثولوجيا بنات الرحمن - الزخرف
-
ميثولوجيا بنات الرحمن- الزخرف
-
لماذا قرأنا عربيا - الزخرف
-
الظلم والاستبداد الطبقي الرأسمالي - الشورى
-
الكادحون بين الرأسمالية والتنزيل - الشورى
المزيد.....
-
مسيحيو العراق قلقون: تمثيلنا يُختطف من قبل جماعات مسلحة والك
...
-
جدل الإجازات في ألمانيا .. عندما تصطدم الأعياد الدينية بجداو
...
-
تقرير: إسرائيل تجند طلابا يهودا من العالم للانضمام لجيشها وم
...
-
حرس الثورة الاسلامية يكرم الاعلامية سحر إمامي
-
كأن المسيح المخلّص يحتضنه بين ذراعيه.. مصور برازيلي يرصد مشه
...
-
كيف تغيرت حياة اليهود الأمريكيين بعد 7 أكتوبر؟
-
رئيس القضاء العراقي يدعو إلى خطاب وطني موحد بعيد عن الطائفية
...
-
وكالة معا الفلسطينية: فتح معبر رفح بعد أعياد اليهود بموجب ات
...
-
فوق السلطة.. ممثلة يهودية: هتلر من انتصر بغزة والسيسي يحذر م
...
-
دخول الاسلام الى بلاد السودان
المزيد.....
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
المزيد.....
|