أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عصام بن الشيخ - نتنياهو.. سيثورون ضدّ حماس بعد شتاء ثان: خطط صهيونية لإسقاط 11/9 على 10/7















المزيد.....



نتنياهو.. سيثورون ضدّ حماس بعد شتاء ثان: خطط صهيونية لإسقاط 11/9 على 10/7


عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)


الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 10:19
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


نتنياهو.. سيثورون ضدّ حماس بعد شتاء ثان:
خطط صهيونية لإسقاط 11/9 على 10/7
*******************************
تبنى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتيناهو آراء والده المؤرّخ الفاشي المدعو (بن صهيون نتيناهو)، ليمارس القتل والتجويع والتهجير ضدّ سكّان قطاع غزة ثم الضفة الغربيّة بين عامي (2023 و 2025)، وانتقاما لشقيقه يوناتان، مبديا رغبته في تحقيق حلم توسع الكيان الصهيوني نحو حدود نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط إلى حدود جديدة من الفرات إلى النيل، وكأنّه يقدّم عرضا للقاهرة، لاستبدال دولة ستجمع أجزاء واسعة من سوريا ولبنان والأردن والسعودية ومصر وفلسطين، بالهرم الفرعوني، حيث يوجد هيكل سليمان الحقيقي، وليس أسف المسجد الأقصى كما يزعم الصهاينة في سردياتهم.
تتقارب وجهات النظر التي سجّلها بعض العقلاء العرب والغربيين، في الحكم حول ما حدث خلال العامين الماضيين من عمر أزمة قطاع غزة، من زاوية إنسانية، فقد وحّدت المعاناة الآراء من كلّ جانب، وأصبحت صعوبات تشخيص ما وقع للوعي الفلسطيني والإسرائيلي نتيجة تركيز المسؤولية على المتسبّبين في هذا الزلزال (نتنياهو والسنوار). لكن ما يفرّق طرفي الصراع هو صعوبة مواجهة الأنا من داخل المجتمعين الفلسطيني في غزة، والإسرائيلي في فلسطين المحتلة. وهل كان كلّ من نتنياهو والسنوار محقّين أو منحرفين في سياستهما خلال هذه الأزمة، حين استخدما ميتافيزيقي الذاكرة الدينية اليهودية والمسلمة في الصراع.
سأجمع بعض ما ورد في آراء غربية ولبعض الصحفيين الصهاينة كما رصدتها المجلات والصحف الدولية، لتشكّل مروحة آراء مفيدة، منها آراء: (الصحفي البريطاني جايسون بورك، المؤرخ الصهيوني نوح هراري، الباحثة الإسرائيلية داليا شيندلين، الصحفي الصهيوني أمير تيبون، الصحفي الصهيوني ميرون رابوبورت، ورأي المستشرق الفرنسي جيل كيبيل).
كما سأجمع الآراء من القراء الفلسطينيين للموقف الغزاوي الراهن، آراء فلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية والمهجّرين في الخارج، مثل آراء: (الشاعر كريم قطان، محمد محويش، المؤرخ رشيد الخالدي، سارة عزيزة، رامي مهدوي، الكاتب أحمد فؤاد الخطيب، الكاتبة نسرين مالك).
لذلك، من الصعوبة كتابة نظرية جامعة عما حدث، كتابة La Théorie du Tout عن مشكلة قطاع غزة، كالتي يضعها الفيزيائيون حول الكون، وهو ما يقتضي جمع كل ما يحدث في غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة ودول الجوار لبنان سوريا اليمن ومصر، وجمعها في كونستورتيوم Constortium نظري يفكك الـ Permacrisis الأزمة الدائمة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط الآن. وتعني Polycrisis (الكيمياء الداخلية للأزمة المتعددة، حيث تتحرك البشرية بردّ فعل متأخّر بدل التحرّك الاستباقي)، مما يصعّب الرؤية الهولستية الشاملة بسبب معالجة كلّ أزمة على حدى.

عيّنات من الموقف الغربي ووجهات النظر الصهيونية:
بورك، هراري، شيندلين، تيبون، شيميرينسكي، كيبيل
كتب الصحفي البريطاني جايسون بوركJason Burke في منتصف الأزمة، عن هجمات 7 أكتوبر 2023 اليوم الذي غيّر العالم، قُتل فيه أكثر من 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأُسر نحو 250 رهينة، ودخول منطقة الشرق الأوسط في دوامة عنفٍ لا تنتهي، امتدت من غزة إلى لبنان واليمن وسوريا، وتحوّلت إلى حرب إقليمية متصاعدة. لم يكن مجرد هجوم عسكري، بل تعتبر تحولًا زمنيًا ومكانيًا غيّر نظرتنا إلى الزمن والمكان في الشرق الأوسط. أحداث تتسارع بوتيرة غير مسبوقة، مقتل 67 ألف من غزة (أي وفاة شخص من بين 30 شخصا)، أبيدت عائلات بأكملها في قطاع غزة، 2.1 مليون نازح غزي (95 ./. من السكان)، و43600 ألف بيت مدمر، 654 هجوما عل المستشفيات، قتل 1700 ممرض وطبيب، مقتل 400 غزي بسبب المجاعة، تدمير 518 مدرسة، وطرد 745 ألف طالب من الابتدائي إلى الجامعة خارج صفوف الدراسة. تمّ القضاء على قادة حماس الشقيقين محمد ويحي السنوار وقبلهما إسماعيل هنية، كما تم قتل 700 مدني ومقاتل في لبنان بينهم الأمين العام الأول والثاني لحزب الله حسن نصر الله، و هاشم صفي الدين. إضافة إلى ضحايا آخرين في الحرب ضدّ الحوثيين في اليمن.
أصبح7 أكتوبر نقطة تحوّل تاريخية، ليس فقط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل في النظام الجيوسياسي الإقليمي كله. بدأ بهجوم مفاجئ ثم أصبح أزمة عالمية مفتوحة على المجهول، حيث لم يعد أحد قادرًا على التنبؤ بنهاية هذه الحرب أو بمستقبل الشرق الأوسط. فحرب الشرق الأوسط ليست حرب حدود مثل أوكرانيا، لأنّ الحرب في غزة أو لبنان أو سوريا واليمن والسودان، هي حرب ضدّ عدو لا يمارس حربا لها بداية أو نهاية واضحة او تدفق محدد للعنف، حروب لا تنتهي فعلاً، تخمد مؤقتًا لتُنسى من العالم، بينما تبقى جروحها مفتوحة في حياة الضحايا.
ينتقد الصحفي معضلة وهم (اليوم التالي –(Le Jour d après (لحظة انتهاء الحرب وبداية إعادة الإعمار) لأنّها وعد ساذج وغير واقعي، لأنّ الحرب خلقت بنية عنف مستمر لا يمكن إغلاقه. ويلفت النظر إلى ما سميه (الزمن المنكسر)، ويقصد به تحطّم مفهوم الزمن لدى الناس داخل الحرب (، فقد الناس القدرة على قياس الوقت بمعناه الطبيعي). حيث تحسب الأسر الفلسطينية الوقت بالساعات منذ فقدان أحبائها، لا بالأيام أو الأسابيع، كما يعيش الرهائن الإسرائيليون وأسرهم الزمن بطريقة ممزقة (انتظار بلا نهاية، أيام بلا معنى). كما يعيش المحتجزون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية زمنا تعسّفيّا (بلا أفق أو نهاية واضحة). لأنّ الزمن في الحرب أصبح مطّاطًا، غير إنساني، بلا خطّ مستقيم، وكأن كل طرف يعيش في دائرة متكرّرة من الصدمة.
يقول جايسون بورك أنّ تغيّر إدراك الزمان، رافقه أيضا تغيّر إدراك المكان، لأنّ المسافات في الشرق الأوسط صغيرة بشكل مذهل، فالمسافة بين تل أبيب وموقع مهرجان (نوفا) حيث قُتل مئات الشباب الإسرائيليين (خلال 40 دقيقة فقط). وغير بعيد عن موقع مهرجان نوفا هناك غزة القريبة التي تعتبر الآن منطقة مجاعة، وهناك في شمال حيفا وعلى الحدود مع جنوب لبنان تم تهجير عشرات الإسرائيليين من بيوتهم بعد مقتل عشرات منهم بالرشقات القادمة من حزب الله، كما قتل ونزح المئات في جنوب لبنان بالقنابل الجوية الإسرائيلية. لذلك يتحدث بورك عن فوارق (الفطور في الشمس في تل أبيب، الذي يقابله الجوع والموت على بُعد أقل من ساعة في لبنان وقطاع غزة).
كما فقدت الإنسانية معناها في الجهتين، لاجئون جوعى وسيقان مبتورة لدى الأطفال، حروق قاتلة لدى النساء وكبار السن، نقص حاد لأدوية والمضادات الحيوية وأجهزة العمليات والتخدير، وفي الجهة المقابلة أسرى ورهائن إسرائيليون معرضون للقتل على يد جيش الدفاع الإسرائيلي نفسه، أو بسبب ظروف الاحتجاز.
كما استعان الفرنسيون بموقف المؤرخ الصهيوني نوح هراري Yuval Noah Harari الذي يقول في مقاله La grande fracture du sionisme، أنّ التحولات العميقة التي جاء بها (7 أكتوبر 2023) هي الانقسام الكبير داخل الصهيونية، بعد الابتعاد عن الصهيونية الأصلية كما صاغها ثيودور هرتزل، صاحب المشروع القومي الحداثي لإقامة وطن آمن لليهود على أساس مبدأ تقرير المصير السياسي والمدني). فبسبب التيار القومي الديني الجديد الذي بات يهيمن على الدولة الإسرائيلية المعاصرة، تحوّلت الصهيونية من مشروع تحرّر قومي إلى مشروع استيطان لاهوتي قائم على الأسطورة الدينية والهيمنة الأبدية على الأرض.
يرى نوح أن ما حدث في غزة بعد السابع من أكتوبر لم يكن مجرد حرب، بل زلزال فكري يهدد المشروع الصهيوني في صورته الأصلية كما صاغها تيودور هرتزل. فالصهيونية – كفكرة قومية علمانية تهدف إلى تحقيق حق اليهود في تقرير المصير – تواجه اليوم خطرًا داخليًا يتمثل في تحوّلها إلى قومية دينية متطرفة تُقصي الفلسطينيين وتختزل اليهودية في نزعة تَفوّقية عسكرية. فبالنسبة لهرتزل والصهيونية الأصلية، كانت رؤية هرتزل علمانية في جوهرها، متأثرة بأوروبا الليبرالية في مطلع القرن العشرين. أراد أن تكون الصهيونية مشروعًا للخلاص المدني والسياسي من الاضطهاد، لا مشروعًا دينيًا يقدّس الأرض.
وبعد التحول (7 أكتوبر 2023)، وببلوغ الذكرى 76 لتأسيس الدولة الصهيونية، يرى هراري أن الحرب على غزة، وما رافقها من صعود لليمين الديني في إسرائيل، كشفت أن الصهيونية انقسمت على نفسها، بين من يؤمن بمبدأ الدولة الديمقراطية اليهودية، وبين من يسعى إلى دولة توراتية تعتبر السيطرة على كامل فلسطين واجبًا إلهيًا. تحول يهدد مبدأ تقرير المصير نفسه الذي تأسست عليه الدولة، لأن الدولة حين تخضع لمنطق الدين لا تعود تمثل كل مواطنيها، ولا حتى كل اليهود.
فمن منظور الوعي الميتافيزيقي القومي، تحول الخوف إلى هوية، وتحولت الدولة إلى آلة دفاع أبدية، وأصبحت إسرائيل أسيرة لسرديتها التاريخية الخاصة، غير قادرة على تجاوز الماضي نحو مشروع إنساني شامل. ومن هنا فإنّ الخطر الحقيقي على الصهيونية لا يأتي من الفلسطينيين، بل من داخل إسرائيل نفسها، ومن التطرّف الديني الذي يجعلها تفقد طابعها الحداثي والعقلاني.
يرى هراري أّنه على مدى قرن ونصف، تشعبت الصهيونية إلى تيارات متناقضة، بعضها عقلاني وواقعي يقبل بفكرة التعايش وتنازل عن جزء من الأرض (مثل بن غوريون وأنصار خطة التقسيم سنة 1947). وبعضها الآخر متشدد ومتطرف رفض وجود الأمة الفلسطينية وطالب بالسيطرة على كل الأرض من البحر إلى النهر بل وأبعد من ذلك، مثل بن غفير وسموتريش اليوم.
يستعيد هراري مرحلة اتفاقات أوسلو في التسعينيات، حين كان حل الدولتين فكرة واقعية تحظى بتأييد غالبية الإسرائيليين. لكن بعد ثلاثة عقود، تراجع الدعم الشعبي لها إلى الثلث فقط. في نظره، تجاهل هذا التراجع هو تجاهلٌ لواقع جديد: في عام 2024 يعيش أكثر من سبعة ملايين يهودي بين المتوسط والأردن، لا يمكن نفي وجودهم أو إنكار حقهم في الأمن والكرامة، تمامًا كما لا يمكن إنكار حق الفلسطينيين في نفس الشيء. ومن هنا يرفض هراري منطق الإقصاء المزدوج: إنكار الفلسطينيين حق اليهود في الوجود، أو إنكار الإسرائيليين حق الفلسطينيين في تقرير المصير. كلا الموقفين، كما يقول، يقود إلى صراع أبدي أو حتى حرب نووية مستقبلية. الحل الواقعي – وليس المثالي – يمر عبر قبول متبادل بالحقيقة التاريخية المعقدة: أن كلا الشعبين صارا جزءً من نفس الجغرافيا السياسية والروحية.
لا يرفض نوح هراري فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية لكنه يحذر من طوباويتها. فالتاريخ مليء بالأمثلة على (اليوتوبيا التي انتهت بكوابيس)، إذ يمكن أن يؤدي فرضها بالقوة إلى حرب أهلية أو ديكتاتورية دينية. ومع ذلك، يقول إنه إذا أمكن بناء دولة واحدة ديمقراطية تضمن المساواة الكاملة بين اليهود والعرب، فإنها لن تكون نقيضًا للصهيونية بل تحقيقًا جديدًا لها، لأن الصهيونية الأصلية كانت تسعى في جوهرها إلى الكرامة لا إلى الهيمنة. وهو ما يعبّر عنه حزب ميرتس الذي يصف إسرائيل بأنها (دولة الشعب اليهودي وجميع مواطنيه). غير أن حكومة نتنياهو بتحالفها مع اليمين الديني انقلبت على هذا الاتجاه وأعادت الصهيونية إلى صورتها اللاهوتية الإقصائية.
خلص هراري إلى خلاصة مفادها أنّ الصراع لم يعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل بين شكلين من الصهيونية، واحدة إنسانية علمانية تبحث عن التعايش، وأخرى دينية قومية تدفع الجميع نحو الفوضى. يرى هراري أن التحالف اليميني المتطرف الذي يقوده بنيامين نيتنياهو لم يعد مجرد ائتلاف حكومي، بل تحوّل إلى مشروع أيديولوجي شامل يسعى لتكريس واقع دولة واحدة تمتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، تُمنح فيها الحقوق الكاملة لليهود فقط، وحقوق منقوصة لعدد محدود من الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية، فيما يُحرم ملايين الفلسطينيين من أي وضع قانوني أو إنساني. بالنسبة لهراري، لم يعد هذا المشروع مجرد احتمال سياسي، بل صار واقعًا قائمًا على الأرض.
هذه الرؤية القائمة على (الحق الإلهي الحصري) للشعب اليهودي في كل أرض (إيرتس يسرائيل) تُجسد، في نظره، جوهر الخطر الذي يهدد الصهيونية نفسها من الداخل. فهي تعني أن القومية الدينية حلت محل الصهيونية الليبرالية، وأن الدولة التي وُلدت تحت شعار التحرر الوطني باتت تجسد القهر والاستعلاء ذاتهما اللذين عانى منهما اليهود عبر التاريخ.
يحذّر هراري من الخلط بين الوطنية (patriotisme) والتعصّب (intolérance)، لأن هذا الخلط هو ما يمنح نيتنياهو شرعيته ويغلق أفق البديل السياسي. فإذا كانت الوطنية الإسرائيلية تعني كراهية غير اليهود، فإن إسرائيل ستستمر في انتخاب نيتنياهو إلى ما لا نهاية. غير أن هراري يرى أن هناك فرصة أخيرة أمام المعارضة الصهيونية الديمقراطية لإعادة تعريف الوطنية الإسرائيلية على أسس إنسانية، تنقذ اليهودية من تحالفها المميت مع التمييز والعنف.
ويمضي أبعد من الحاضر نحو المستقبل، بل وحتى الماضي: فـإذا ترسخ نظام نيتنياهو، فسوف يُعاد تفسير التاريخ الصهيوني كله بأثر رجعي؛ إذ ستُختزل التجربة اليهودية في خطاب التفوق والاستثناء، وسينقطع الصلة بين اليهودية وقيم العدالة والإنسانية التي بشّر بها تيودور هرتزل نفسه.
يذكّر هراري بأن هرتزل، في روايته الشهيرة الأرض القديمة الجديدة (Altneuland, 1902)، حذّر من نبوءة مخيفة: صعود زعيم ديني متطرف، هو الحاخام غير (Geyer)، يدّعي تفوق اليهود واستحقاقهم لامتيازات خاصة، واعتبره (كافرًا) يسيء إلى جوهر الرسالة اليهودية. بالنسبة لهراري، فإن نيتنياهو اليوم هو تجسيد واقعي لتلك النبوءة القديمة، وأن انتصاره يعني انزلاق إسرائيل نحو نهاية أخلاقية لا مجرد مأزق سياسي.
في رواية هرتزل، يعود بطلان يهوديان إلى (الأرض القديمة الجديدة) بعد سنوات من الغياب، ليجدا أن (أرض الميعاد) تحوّلت إلى نموذج مثالي للدولة الحديثة: (مصانع، موانئ، تعاونيات، نظام ديمقراطي، ومجتمع مزدهر). أراد هرتزل من خلال هذا الخيال الأدبي أن يُقدّم نموذجًا سياسيًا وفكريًا يقنع الأوروبيين (واليهود بالخصوص) بجدوى مشروعه القومي. لكن يغيب عن نوح هراري أنّ الفيزيائي إسحاق نيوتن هو صاحب الفكرة السرية لدولة اليهود، وأنّ نيون هو من يصرّ على النظرة اليمينية لكينونة الدولة اليهودية، قبل ظهور هرتزل بعقود.
يربط يوفال نوح هراري في هذا الجزء بين مأساة التمرد اليهودي على الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي ومأزق إسرائيل الراهن تحت قيادة نيتنياهو. بالنسبة له، التاريخ يعيد نفسه لا كقدرٍ ميتافيزيقي، بل كفشلٍ متكرر في التعلم من دروس الماضي. فكما قاد التعصب الديني القديم إلى تدمير الهيكل وتشريد الشعب، فإن التعصب القومي الديني الحالي يهدد بتدمير المعنى الأخلاقي لليهودية ذاتها.
من خلال قصة الحاخام يوحنان بن زكّاي الذي فضّل العلم على العنف ونجا ليؤسس مدرسة (يفنه)، يرى هراري أن الخلاص اليهودي الحقيقي كان في المعرفة لا في القوة، وفي بناء (أمة دارسة) لا (أمة محاربة). فالتاريخ اليهودي، كما يصوّره، هو انتقال من لاهوت الدم والهيكل إلى لاهوت الفكر والنص. ولكن ما يراه اليوم في إسرائيل هو انتكاس لهذا التحول الحضاري: عودة من (يفنه) إلى (الهيكل)، من الفهم إلى السيف، ومن الدراسة إلى الاستعلاء.
إن تحذير هراري ليس سياسيًا فحسب، بل هو إنذار أنثروبولوجي–إبستمولوجي: فإذا غلبت النزعة الثيوقراطية الحالية، فلن يُعاد تعريف الدولة الإسرائيلية وحدها، بل سيُعاد تأويل ثلاثة آلاف عام من التاريخ اليهودي باعتباره مسارًا نحو السلطة لا نحو الحكمة. ومن هنا، فإن صراع نيتنياهو ليس مع الفلسطينيين فقط، بل مع ذاكرة اليهود أنفسهم.
ولهذا يستدعي هراري روح هرتزل الذي دعا إلى (سِعة العقل والتسامح وحب الإنسانية) وجعلها شرطًا لجدارة الوجود في (الأرض المقدسة). فبينما أراد هرتزل أن يكون (صهيونيًّا إنسانيًّا)، يسعى نيتنياهو –بحسب هراري– إلى أن يكون (يهوديًّا متفوّقًا)، محوّلًا النبوءة إلى كابوس تاريخي جديد.
والحقيقة، أنني لما قرأت ما قاله نوح هراري، لم أستطع أن أفصله عما تحدث حوله في كتابه (العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري، 2011) عن تحسين لوح وعي الإنسان المعاصر بسبب خلل خلقيّ تسبّب فيه الخالق؟، وهو رأي مرفوض خاصة وأنّ النقاد فنّدوا مسلمات نوح هراري البيولوجية في كتابه الذي روجت له بعض وسائل الإعلام الإماراتية عن جهل.
وفي رأي آخر، يقول عميد كلية الحقوق في جامعة بيركلي إروين شيميرينسكي Erwin Chemerinsky أنه واجه صدمة أخلاقية من ردود الفعل التي صدرت عن طلاب وأكاديميين غربيين احتفلوا بهجوم حماس، واصفًا إيّاها بانحطاط الحسّ الإنساني: كيف يمكن للعقل الأكاديمي أن يجد (انتصارًا) في مذبحة مدنيين؟ فما هي المعايير المزدوجة للتعاطف، وهل كانت ردود الأفعال لتكون نفسها لو لم تكن الضحايا يهودًا؟.
تقول الباحثة الإسرائيلية داليا شيندلين Dahlia Scheindlin في مقال لها على هآارتس أنّ هنالك تماثلا نفسيا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأنّ كلاهما أسير سردية الضحية، وأنّ تاريخه المأساوي يمنحه الحق الأخلاقي لممارسة العنف، فلم يعد الصراع بينهما مجرد مواجهة بين محتل ومحتَل، بل أصبح مرآة مأساوية يرى فيها كل طرف نفسه في صورة الآخر. الإسرائيلي يبرر عنفه باسم الدفاع عن الوجود بعد قرون من الاضطهاد، لكنه يقف في تماثل غريب مع الفلسطيني الذي يبرر مقاومته المسلحة باسم استعادة الكرامة بعد عقود من الاحتلال. أصبح الصراع إغلاقاً مزدوجًا للوعي الإنساني، ولم يعد يعني مجرد نزاع سياسيّ أو حدودي. كل منهما حّل الألم إلى هوية والمظلومية إلى أيديولوجيا. أصبح هنالك تشابه بين الضحية والجلاد في اعتبار (المعاناة) امتيازا يشرعن به سياسته.

شهادة الصحفي أمير تيبون من جريدة هآرتس الإسرائيلية، كان في منزله مع عائلته في كيبوتس ناحال عوز، عندما شنّت حركة حماس هجومها على البلدات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023. هجمة غير مسبوقة من على بعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب، تحوّل مهرجان الموسيقى Tribe of Nova إلى مسرح مشاهد سريالية، تكاد تكون من نهاية العالم، وفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. وكانت الحصيلة مأساوية: حوالي 1100 قتيل و251 رهينة أُخذوا إلى غزة. كشفت المأساة فشل الاستخبارات الإسرائيلية، مجندات في الجيش الإسرائيلي يراقبن حدود غزة قد قدّمن، خلال الأشهر السابقة، سيلًا من التقارير لقيادتهن بشأن نشاط غير اعتيادي لحماس، ما كان يمكن أن يوحي بالتحضير لعملية كبيرة، وفق ما كشفته هآرتس. بالنسبة للجريدة الإسرائيلية اليسارية، فالأمر في جوهره هو فشل رجل واحد: الكارثة التي حطّمت إسرائيل تقع مسؤوليتها بوضوح على شخص واحد: بنيامين نتنياهو. على مدى سنوات، دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي حركة حماس ضد السلطة الفلسطينية، وتعامل مع الجماعة الإرهابية كشريك، بهدف منع قيام دولة فلسطينية، كما ذكرت تايمز أوف إسرائيل. في عام 2022، شكّل حكومة الضمّ والمصادرة للأراضي الفلسطينية بالتحالف مع اليمين المتطرف بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، كما أضافت هآرتس. بعد السبت الأسود، شنّت إسرائيل هجومًا واسع النطاق على غزة ردًا على صدمة السابع من أكتوبر. كتب الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان في نيويورك تايمز: الخوف، الصدمة، الغضب، الحزن، الإهانة، العطش للانتقام، والطاقة الذهنية لأمة بأكملها ظلت تتدفّق نحو الجرح الذي خلّفه 7 أكتوبر.
وهذا الجرح تجسّده قضية الرهائن لدى حماس. ففي إسرائيل، أصبحت صور الأسرى (في كل مكان)، كما لاحظت مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية. ومن بين 251 رهينة تم أسرهم يوم الهجوم، أُطلق سراح أكثر من مئة في نوفمبر 2023، بينما لا يزال 97 محتجزين في غزة، بينهم 33 قُتلوا في الأسر. تعيش العائلات، ومعها جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي، في حالة حداد جماعي ممزوجة بـ: (غضب موجه مباشرة إلى نتنياهو)، الذي يُتَّهم برفض وقف إطلاق النار الذي يمكن أن يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن، خدمةً لمصالحه السياسية. بعد فترة قصيرة من الوحدة الوطنية، تبددت تلك اللحمة التي أظهرها الإسرائيليون عقب 7 أكتوبر، كما كتب الكاتب الأمريكي الإسرائيلي يوسي كلاين هاليفي في وول ستريت جورنال. لقد أعادت الحرب في غزة إحياء الانقسامات التي تشقّ المجتمع الإسرائيلي، بل عمّقتها. إلى درجة أن البعض يرى أن مستقبل إسرائيل كدولة أصبح مهدّدًا. وحذّر الكاتب والمحلل الإسرائيلي بن كاسبيت في صحيفة معاريف قائلًا: (نحن على بُعد خطوة واحدة من الحرب الأهلية).
الصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت يصف التحولات العميقة التي عرفها المجتمع الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، الذي تركه ممزقًا بين نزعات تطرف خطيرة لدى بعض الإسرائيليين، ودعوات إلى الاعتدال لدى آخرين، في مشهد يضم معسكرين موحَّدين في الألم والغضب، لكن برؤى لا يمكن التوفيق بينها.
لفهم الحالة التي وصل إليها المجتمع الإسرائيلي بعد قرابة عام على اندلاع أطول حرب في تاريخه، يمكن أن نبدأ بمثالين متناقضين: غيورا إيلاند وعيناف زانغاوكر.
غيورا إيلاند، جنرال متقاعد ورئيس سابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، لطالما اعتُبر أحد العقول المفكرة النادرة في مؤسسة أمنية إسرائيلية لا تشتهر بالفكر النظري. كثيرًا ما يظهر في البرامج التلفزيونية لتحليل الوضع السياسي، وهو ليس من التيار الديني الميسياني، وينتقد نتنياهو علنًا، ويُنظر إليه عادة باعتباره شخصية عقلانية ومستنيرة. لكن منذ بداية الحرب، كان إيلاند من أوائل الداعين إلى تدمير غزة بالكامل. كتب في مقال: ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى أن تجعل من غزة مكانًا يستحيل العيش فيه، مؤقتًا أو نهائيًا. ثم أضاف بعد أسابيع: (يجب أن نقول للسكان إن أمامهم خيارين: إما البقاء والموت جوعًا، أو الرحيل. هذا التصريح جعله من الشخصيات التي استشهد بها قرار محكمة العدل الدولية في يناير، التي رأت أنه من المعقول أن تكون إسرائيل قد ارتكبت أفعالًا قد ترقى إلى انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية. شارك إيلاند في إعداد ما سُمّي بخطة الجنرالات– وهي مقترح يدعمه ضباط بارزون متقاعدون، ينص على عملية بثلاث مراحل: إعلان مدينة غزة ومحيطها منطقة عسكرية مغلقة، منح السكان المدنيين المتبقّين (حوالي 250 ألفًا) أسبوعًا واحدًا فقط للمغادرة، اعتبار كل من يبقى بعدها (إرهابيًا من حماس) يجب أن يستسلم أو يُقتل.
ورغم أن هذه الآراء تجد صدى لدى بعض الإسرائيليين، فإنها لا تعبّر عن جميعهم. فهناك وجه آخر هو عيناف زانغاوكر، التي تمثل تيارًا مختلفًا تمامًا في المجتمع الإسرائيلي. ابنها ماتان اختُطف في 7 أكتوبر ولا يزال أسيرًا في غزة. تعيش زانغاوكر في مدينة عوفاكيم جنوب إسرائيل، التي كانت من بين المدن التي اقتحمها مقاتلو حماس أثناء الهجوم. ورغم أنها، مثل أغلب سكان عوفاكيم، تنتمي إلى حزب الليكود (حزب نتنياهو)، فإنها أصبحت اليوم الوجه الأبرز لحركة احتجاجية ضخمة تطالب بإبرام اتفاق مع حماس يقضي بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين، ووقف إطلاق النار في غزة. تتحدث زانغاوكر بجرأة نادرة، وتهاجم نتنياهو بلا مواربة، واصفةً إياه بأنه قاتل مسؤول عن موت عدد من الرهائن الإسرائيليين – سواء الذين ماتوا في الأسر، أو الذين حياتهم مهددة بسبب رفض نتنياهو لأي اتفاق. كما تنتقد خطابه الدعائي، من شعاره حول النصر الكامل على حماس، إلى مزاعمه الأخيرة بأن بقاء إسرائيل يتوقف على السيطرة على ممر فيلادلفيا بين غزة ومصر. من خلال ألمها وغضبها ويأسها، تُجسّد زانغاوكر مشاعر فئة كبيرة من الإسرائيليين الذين خرجوا بالآلاف في أواخر الصيف للمطالبة باتفاق فوري. لقد سئموا الانتظار، وسئموا استقبال جثث الرهائن في أكياس سوداء، وسئموا القلق المستمر منذ عام تقريبًا.
وبين غيورا إيلاند وعيناف زانغاوكر، يبدو أن إسرائيل اليوم عند مفترق طرق. والطريق الذي ستسلكه سيحدد مصير الرهائن الإسرائيليين، وسكان غزة، بل ومصير الشرق الأوسط بأسره.
من جهة، هناك طريق الحرب التي لا نهاية لها؛ ومن جهة أخرى، إمكانية العودة إلى الحياة الطبيعية.
ومع ذلك، ورغم التباين العميق بين المعسكرين، فإنهما يتفقان على نقطة محورية واحدة: كلاهما يتجاهل الفلسطينيين تمامًا في معادلاته. فالرأي العام الإسرائيلي لا يُصدم بالعنف الممارس ضد غزة، ولا يهتم بمستقبل العلاقات مع الفلسطينيين. وهذه الثغرة الأخلاقية والسياسية العميقة تثير شكوكًا جدية حول قدرة إسرائيل على إيجاد حل حقيقي ومستدام يخرجها من كوابيس هذا العام، أياً يكن المسار الذي تختاره.
إسرائيل لم تكتف بتدمير البنية التحتية والسكّان في الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر، بل تنتقل الآن نحو منطق الاستعمار الثاني، أي إعادة احتلال غزة لكن تحت غطاء أمني أو إداري، مع تفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل.
الفلسطينيين في شمال القطاع، بعد التهجير، التجويع، والدمار الممنهج، قد يُدفعون تدريجيًا إلى الخروج الدائم مثلما طُرد الأرمن من الإقليم بعد حملة عسكرية قصيرة لكنها حاسمة، أدت إلى محو وجودهم التاريخي هناك. تحولٌ استعماري استراتيجي يرمي إلى: خلق مناطق عازلة تُدار مباشرة من الجيش الإسرائيلي. تقليص عدد الفلسطينيين المقيمين فعليًا في القطاع عبر الحصار والضغط الإنساني. إعادة فتح مشاريع استيطانية بزعم ضمان الأمن الدائم لإسرائيل.
إسرائيل تعود إلى منطق ما قبل 2005، أي ما قبل الانسحاب من غزة، ولكن بذهنية استعمارية محدثة استعمار لا يعتمد على المستوطنين فقط، بل على إدارة عن بُعد، واحتلال ذكي، وشرعنة دولية تحت عنوان مكافحة الإرهاب. إسرائيل تدخل المرحلة الثانية من حربها على غزة. هدفها؟ السيطرة الكاملة على شمال القطاع: من الحدود القديمة إلى ممر نتساريم (محور عسكري شرقي غربي يقطع غزة نصفين). ثم يُنتظر إقامة مستوطنات في هذه المنطقة، التي ستُنضم في نهاية المطاف إلى إسرائيل بحسب مدى الغضب الدولي الذي ستثيره هذه الخطوة.
الفلسطينيين المتبقين في شمال غزة سيُطردون كما اقترح الجنرال غيورا إيلاند وسيعيشون تحت تهديد دائم بالمجاعة واضطرارًا إلى حماية حياتهم، بينما تطاردهم القوات الإسرائيلية بحثًا عن مقاتلي حماس في تلك البقعة.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو راودته الرؤية في أحلامه، توسيع رقعة إسرائيل لأول مرة منذ خمسين عامًا، منذ أن بدأت اتفاقات ما بعد حرب يوم الغفران تمهيدًا لانسحاباتٍ محدودة عن أراضٍ محتلة. مثل كثيرين من أسلافه، تنازل نتنياهو سابقًا عن تلك الأراضي، لكن يبدو أن ساعة استرجاعها قد دقت، وسيُصوِّر مؤيدوه هذا كنصر تام ورد صهيوني على مذبحة 7 أكتوبر. إذا نفّذت الحكومة الإسرائيلية هذا المشروع، فسيكون مصير سكان شمال غزة مماثلًا لما حلّ بالأرمن في ناغورنو-قره باغ الذين طُردوا من منطقتهم قبل عام بأمر إلهام علييف، حليف إسرائيل المقرب. شهد العالم ذلك ثم تابع حياته؛ اليوم ما زال نحو مئة ألف لاجئ عالقين في أرمينيا بلا اندماج سريع. سيُواجه النازحون من شمال غزة مصيرًا مشابهاً: التكدس مع اللاجئين في المنطقة الإنسانية جنوب غزة.
لم تبدأ هذه المرحلة العسكرية الكبرى بعملية اقتحام ضخمة، بل بإعلان رسمي في 28 أغسطس عن تعيين المقدم إلعاد غورين رئيسًا للجهود الإنسانية والمدنية داخل منسق أنشطة الحكومة في المناطق (COGAT). هذا اللقب الطويل، الذي سينوب عنه اختصار لاحقًا، يعادل منصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة (وهو جهاز عسكري رغم اسمه) وبواقع الأمر سيكون غورين حاكمًا لغزة. ثم طلب نتنياهو أوائل سبتمبر من الجيش أن يستعد لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة بدلًا من المنظمات الدولية. حذر رئيس أركان الجيش، الجنرال هرتزل هاليفي، من أن هذا القرار سيعرض الجنود للخطر وسيكلف ثمنًا باهظًا. لكن نتنياهو لم يتراجع وظل متمسكًا بموقفه. السبب واضح: من يوزّع الطعام والدواء يمتلك وسيلة ضغط قوية. وبهذا الأسلوب، ستتمكن إسرائيل من التخلص نهائيًا من وكالة الأونروا في غزة — التي تعتبرها اليمين بمثابة حركة مناوئة للصهيونية.
سيظل حماس يسيطر على المساحة الممتدة بين ممر نتساريم وممر فيلادلفيا في الجنوب، محاصرًا ومحاطًا بإسرائيل. لهذا السبب يرفض نتنياهو التخلي عن السيطرة العسكرية على المنطقة العازلة بين غزة ومصر (ممر فيلادلفيا).
يرجو نتنياهو وفريقه أنه بعد شتاء ثانٍ يقضيه نحو مليوني فلسطيني في خيام وبدون بنى تحتية مناسبة في رفح وخان يونس ومنطقة المواصي الإنسانية، سيُدرك الناس أنهم لن يعودوا إلى بيوتهم، فيثورون على حكم حماس أو سيختار معظمهم الرحيل النهائي عن غزة.
إذا اختار نتنياهو التخلي عن ملف الرهائن، رافضًا وقفًا لإطلاق النار على حساب تحرير أسرى، فذلك لأن في ذلك مصلحة استراتيجية: إضعاف حماس. بهذا المخطط، تتوقّف قيمة الرهائن كوسيلة ضغط ومقايضة لدى الحركة، فتتحول إلى عبء عليها وحجة لا تُقاوم لدى الحكومة الإسرائيلية لتبرير استمرار الحرب والاحتلال.
جيل كيبيل (Gilles Kepel) – أحد أبرز المستشرقين الفرنسيين المتخصصين في الإسلام السياسي والشرق الأوسط – يمثل رؤية غربية تحليلية عميقة لما بعد صدمة 7 أكتوبر 2023، ويقارنها بزلزال 11 سبتمبر 2001، في محاولة لفهم التحولات الجيوسياسية والدينية التي أحدثتها.
فيما يلي تلخيص وتحليل مركز للنقاط الجوهرية:
الهولوكوست، هجوم حماس، حرب نتنياهو، كلاها ليست مجرد صدام عسكري، بل تداخل بين الدين والسياسة، أي أن العنف صار ذا وظيفة لاهوتية عند الطرفين. مجازر متبادلة مشحونة بالعقيدة، صورة مرعبة من القرابين البشرية باسم الإله والتاريخ.
ما وقع لم يبقَ داخل حدود فلسطين/إسرائيل، بل فتح شقًّا عالميًا جديدًا: من ثنائية الغرب/الشرق إلى ثنائية الشمال/الجنوب. الشمال: أوروبا، أميركا، إسرائيل القوى الاستعمارية. الجنوب العالمي: محور بريكس+ (الصين، روسيا، الهند، إيران، جنوب أفريقيا...) القوى المُستعمَرة سابقًا. وهكذا صار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي رمزًا لهذا الانقسام الكوكبي الجديد.
حين رفعت جنوب أفريقيا دعوى إبادة ضد إسرائيل في لاهاي، إنما قامت بـ«انقلاب دلالي» يحوّل اليهود (ضحايا المحرقة) إلى متهمين بـ«إبادة جديدة». انقلاب لغوي/رمزي يعيد كتابة أخلاق العالم.
حققت حماس «انتصارًا رمزيًا» أكبر من ذلك الذي حققه بن لادن عام 2001، لأنّ: 11 سبتمبر ضرب أميركا من الخارج؛ أما 7 أكتوبر فقد ضرب إسرائيل من الداخل، في قلب حدودها، وبين كيبوتزاتها.
هزّ ذلك الشعور الإسرائيلي بالتفوّق الأمني التام، وأحدث في الوعي الإسرائيلي صدمة وجودية غير مسبوقة.
يصف كيبيل يحيى السنوار بأنه «بن لادن عصرنا» — زعيم متخفٍّ، يجسّد نموذج «الإسلام الثوري الشيعي المغلّف بواجهة سنّية». يقيم كيبيل مقارنة مباشرة بين: الإسلاميين في غزة وطهران، والصهاينة الدينيين في حكومة نتنياهو (بن غفير، سموتريتش). كلا الطرفين، في رأيه، ينهل من نصوص دينية تبرّر الإبادة: الإسلاميون يستحضرون خيبر (628م) حيث قُتل اليهود ووزعت النساء، ويستعملون رمزيته في تسمية الصواريخ خيبر 1. اليهود المتدينون يستحضرون إبادة عماليق وتطهير أريحا لتبرير قتل الفلسطينيين أو تهجيرهم من يهودا والسامرة.
يخلص كيبيل إلى أن الطرفين يعيشان توازيًا لاهوتيًا مرعبًا: كل طرف يرى نفسه أداة لتحقيق نبوءة إلهية بالدم. يلفت كيبيل إلى أن إسرائيل التي أسسها العلمانيون تتحول ديمغرافيًا إلى دولة دينية: المتدينون (الحريديم والصهاينة الدينيون) يمثلون الآن 20% من السكان، وسيتجاوزون 35% بحلول 2040. وهم يسيطرون اليوم على 32 مقعدًا في الكنيست.
يرى أن مستقبل إسرائيل يسير نحو ثيوقراطية قومية، مما يعني نهاية إسرائيل العلمانية – الديمقراطية التي كانت يومًا حلم مؤسسيها الأوائل.

فتح 7 أكتوبر دورة جديدة من الحروب المقدسة (jihadismes croisés). العالم يعيش تفتت النظام الدولي الأخلاقي الذي قام على لن يتكرر ذلك بعد النازية. الصراع لم يعد فقط سياسيًا أو جغرافيًا، بل أنثروبولوجي-ديني-رمزي. الجزء الأخير من حوار جيل كيبيل يعمّق فكرة تحول الصدمة إلى انتصار رمزي، ويكشف كيف أن 7 أكتوبر 2023 لم يكن حدثًا محليًا فحسب، بل زلزالًا جيوبوليتيكيًا وثقافيًا أعاد تشكيل الخريطة الفكرية والسياسية بين الشمال والجنوب، بين الغرب والعالم الإسلامي، بل وحتى داخل المجتمعات الغربية نفسها.
يُظهر كيبيل أن انتصار حماس يتجاوز 11 سبتمبر ليس من حيث القوة العسكرية، بل من حيث القدرة على قلب الخطاب العالمي: إذ نجحت الحركة – رغم مأساة غزة – في تأليب الرأي العام الدولي ضد إسرائيل، وتحويل صورة الضحية إلى الجلاد، والعكس. هذا التحول، في نظره، يعكس انهيار المنظومة الأخلاقية لما بعد الحرب العالمية الثانية القائمة على شعار لن يتكرر أبدًا، والتي أصبحت اليوم موضع إعادة تفسير من قِبَل الجنوب العالمي الذي يسعى لفرض سرديته الخاصة عن الاستعمار، المقاومة، والعدالة.
كما يربط كيبيل هذا التحول بتغيرات ديموغرافية وثقافية عميقة داخل الشرق الأوسط نفسه: من صعود القوى الدينية في إسرائيل وتركيا ولبنان، إلى التحول الليبرالي في السعودية، ما يجعل المنطقة كلها في حالة فوضى إبستمولوجية حيث تختلط العقيدة بالسياسة، والمقدّس بالاستراتيجي.
يشير في الوقت نفسه، إلى أن المعركة انتقلت إلى الغرب ذاته، وخاصة في الجامعات ومراكز الفكر (من Harvard إلى Sciences Po)، حيث لم يعد النقاش حول الشرق الأوسط مسألة علمية باردة، بل أصبح رهانًا أيديولوجيًا وهوياتيًا يعكس الانقسام الداخلي للغرب بين خطاب ما بعد الكولونيالية وخطاب الدفاع عن القيم الغربية.
بهذا المعنى، يرى كيبيل أن العالم يعيش مرحلة ما بعد الفوضى الخلّاقة فوضى رمزية، لغوية، وأنطولوجية — حيث تتقاطع الأزمات الديموغرافية والدينية والسياسية لتنتج ما يسميه هو هولوكوستات متعدّدة: مذابح مادية ورمزية تجري باسم الله، أو باسم حقوق الإنسان، أو باسم سردية جديدة للعالم. الفقرة الختامية من حوار جيل كيبيل تمثل خلاصة فكرية قوية حول التحول الجيوسياسي والأنثروبولوجي في زمن ما بعد 7 أكتوبر.
يرى كيبل أن ما حدث لم يكن مجرد حرب بين إسرائيل وحماس، بل زلزال في البنية الرمزية للعالم، حيث تفجّر من جديد الصراع بين الشمال والجنوب، ليس كصراع اقتصادي فقط، بل كصراع على المعنى والهوية والشرعية الأخلاقية.
يحاول فرض سرديته التحريرية ضد الغرب الاستعماري، لكنه في جوهره مكوَّن من أنظمة سلطوية وغير ديمقراطية (روسيا، الصين، إيران…) تحاول تقويض النظام الليبرالي الغربي باسم مقاومة الهيمنة. أما النتيجة المفارِقة فهي أن الجنوب، الذي يدّعي مقاومة الاستبداد، يُدار نفسه بأنظمة استبدادية، بينما يظل الملايين من شعوبه يحلمون بالهجرة إلى الشمال الذي يصفه بالاستعماري لأنه، في العمق، ما يزال النموذج الأكثر جذبًا من حيث الحرية، الحقوق، والتنوع.
يشير كيبيل أيضًا إلى أن الغرب يعيش أزمة داخلية مزدوجة: من جهة، فقدان السيطرة على السردية داخل فضائه الأكاديمي والإعلامي (كما في حالة Sciences Po وHarvard)، حيث حلّت الأيديولوجيا محلّ المعرفة، ومن جهة أخرى عجز أوروبا عن صياغة مشروع اندماجي حضاري يجعلها قادرة على استيعاب أبناء الهجرة الإسلامية والعربية ضمن نموذج ثقافي ديمقراطي متماسك.
في هذا السياق، يرى كيبيل أن فشل أوروبا في بناء هوية جامعة، وسماحها بانتشار الخطابات الإسلاموية وما بعد كولونيالية، سيقودها نحو صعود حتمي لليمين المتطرف، لأن الخوف من الاستبدال الكبير ورفض المهاجرين سيصبح المحرك السياسي المركزي.
وفي النهاية، يحذّر كيبيل من أن الانقسام بين الشمال والجنوب لم يعد جغرافيًا بل ثقافيًا — أصبح ينخر قلب الشمال نفسه. الغرب مهدَّد من الداخل بما أنتجه هو ذاته:
العولمة، التعددية، وحرية الخطاب، التي تحوّلت اليوم إلى فوضى رمزية تهدد المشروع الحداثي الغربي في ذاته.


القراءة الفلسطينية: قطان، محويش، الخالدي، عزيزة، مهدوي، الخطيب، نسرين مالك

الكاتب الفلسطيني كريم قطان (Karim Kattan)، وهو من الأصوات الأدبية الفلسطينية الشابة التي تعبّر عن تجربة الاحتلال والاقتلاع بلغة فكرية وأدبية عميقة. حول فهم 7 أكتوبر 2023 من وجهة نظر فلسطينية، وما تلاه من حرب مدمّرة على غزة.
التفكير في 7 أكتوبر يعني مواجهة حدثين متتابعين ومتطرفين في عنفهما: هجمات حماس، ثم الحرب على غزة التي تحولت إلى دمار شامل. بالنسبة له، هذه اللحظة ليست مجرد واقعة زمنية، بل انكسار في التاريخ، إذ يقول: قلت لنفسي: لقد انتهى كل شيء. لكني لم أعرف آنذاك ماذا انتهى بالضبط، ولا أعرفه اليوم بعد.
يشرح قطان أن الإسرائيليين يملكون تاريخًا محددًا يُبنى حوله وعيهم بالصدمة (يومًا يُخلّد في الذاكرة الجماعي)، بينما الفلسطينيون يعيشون في زمنٍ بلا نهاية، حيث العنف لا يتوقف، فلا توجد بداية ولا خاتمة، بل استمرارية في المأساة. وهكذا تتقاطع زمنية اللحظة الإسرائيلية (الحدث المغلق) مع زمنية الفلسطينيين (الحدث المفتوح)، لتنتج تناقضًا أنكرونيًّا (anachronique) بين من يحيي ذكرى يوم واحد ومن لا يعرف متى تبدأ ولا متى تنتهي أيامه في الحصار والموت.
يشير قطان إلى أن كل مجزرة تمحو سابقتها، وأن غياب الصورة الدولية عن غزة يُحوّل المأساة إلى حدثٍ بلا أثر مرئي. فالصحفيون الغربيون غير قادرين على الدخول، والإعلام الغربي لا يعترف بما يوثّقه الصحفيون الفلسطينيون إلا بشكّ أو ازدراء، ما يجعل غزة موجودة في كل مكان، لكنها في الوقت ذاته غير مرئية. هذا التناقض — بين الحضور الكلي والغياب الكلي — يعمّق مشكلة اللايقين (uncertainty): فلا أحد يعرف إلى أين تتجه الحرب، ولا ما إذا كان المستقبل قابلًا للتنبؤ أصلًا في ظلّ هذا الفيض من العنف والتكرار. فالأحداث في غزة لا تتبع منطقًا سببيًّا واضحًا، بل تخضع لما يشبه دينامية الفوضى (chaos theory)، حيث كل فعل يولّد سلسلة غير متوقعة من التفاعلات، تمحو آثار ما قبلها وتفتح على لانهائية من الألم.
ومن هنا، تصبح غزة كما يقول قطان مجازًا للعالم الحديث نفسه: (غزة موجودة في كل مكان، لكنها غير مرئية في أي مكان.) عالمٌ فائق الاتصال لكنه أعمى، متخم بالصور لكنه عاجز عن الرؤية، غارق في البيانات لكنه لا يفهم الزمن الذي يعيش فيه. وغزة هي نقطة التقاء اللازمن واللايقين واللانهاية، حيث يعجز الإنسان عن كتابة التاريخ أو التنبؤ بالمستقبل، لأن الفوضى صارت قانونًا خفيًّا يحكم الوجود ذاته.
هذا اليوم شكّل نهاية شيءٍ ما، لكنّه لا يعرف بالضبط ما هو وكأن الزمن نفسه انكسر بعد هذا التاريخ. الإسرائيليون لديهم تاريخ محدّد (7 أكتوبر) يشكّل صدمة وطنية ومعلَمًا في الذاكرة الجمعية. أما الفلسطينيون، فهم يعيشون داخل عملية مستمرة من العنف بلا بداية ولا نهاية، فلا يمكن تثبيت تاريخ واحد عليها.
زمن إسرائيلي منضبط حول ذكرى وصورة. وزمن فلسطيني فوضوي، مفتوح، بلا ذاكرة مغلقة أو سرد مكتمل. كل فظاعة تمحو الفظاعة التي سبقتها. لأن الكارثة مستمرة، لا يستطيع الفلسطينيون ولا المراقبون التقاط لحظة ثابتة للتأمل أو الكتابة. الصحفيين الغربيين لا يُسمح لهم بالدخول إلى غزة، غياب الأيقونوغرافيا (أي الصور والرموز البصرية) عن الدمار.
غزة تُذكر في كل نشرات الأخبار والمنتديات، لكنها ممحوة بصريًا وإنسانيًا: لا صور، لا وجوه، لا قصص فردية. في المقابل، الوجع الإسرائيلي يُعرض على نحوٍ مكثّف ومتعاطف. وهكذا، يتم تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، كما لو أنّ المعاناة هي وضعهم الطبيعي.
يرى قطان أن مسألة فلسطين أصبحت مجددًا بوصلة أخلاقية عالمية: فهي تكشف نفاق الغرب حول العدالة وحقوق الإنسان. وتعيد تفعيل خطوط التمايز بين الجنوب العالمي والشمال الغربي. بالنسبة لبلدان الجنوب، فلسطين تمثل رمزًا للظلم البنيوي في النظام الدولي.
يشير قطان إلى تحذير محكمة العدل الدولية من خطر الإبادة، معتبرًا أن ما يجري اليوم ليس مشكلة عنف وعنف مضاد بل عملية إفناء ممنهجة من قبل الكيان الصهيونيّ. كما أنّ الزمن الفلسطيني تحت الحصار، لا توجد بداية أو نهاية، ولا مجال للحداد أو التوثيق أو النسيان، مما يصعب مهمة وقف الحرب، ويسهل على المسؤولين الصهاينة الإفلات من المحاسبة والعقاب.
مقاومة عاطفية، موقف أنطولوجي: رفض الاضمحلال، رفض محو الهوية رغم التهجير.
عاش الصحفي الغزّيّ محمد مهويش (Mohamed Mhawish) جحيم الحرب، أي تجربة الموت اليومي، فقدان البيت، وانقطاع الكهرباء والماء، وشلل الحياة. صحفي، أي شاهد وكاتب في آنٍ واحد. ينقل التجربة لا كضحية فحسب، بل كـ منتج للذاكرة الفلسطينية الجديدة.
اللجوء إلى مصر هو عبور من الجحيم إلى المنفى. لكنه ليس خلاصًا، بل بداية مرحلة أخرى من الألم: هناك النجاة الجسدية، لكنها تقابلها التمزق الروحي. المنفى هنا امتداد للنفي الأول عام 1948، ما يسميه هو بـ: (النكبة الجديدة). النكبة الجديدة ليست حدثًا لحظيًا، بل تكرار بنيوي للكارثة الأصلية — نظام كامل من الطرد والمحو والتغريب. يربط بين ذاكرة أجداده المهجّرين عام 1948 وبين تجربته الشخصية في 2023. الفلسطيني وريثًا للمأساة نفسها، جيلاً بعد جيل. النكبة ليست تاريخًا، بل تجربة حيّة تنتقل بالدم والسرد. المنفى لا يقطع الجذر، بل يضاعفه. العودة هنا ليست مجرد حق سياسي أو جغرافي، بل فعل وجودي: العودة إلى الأرض العودة إلى الذات العودة إلى التاريخ الذي حُرم منه الفلسطيني. إنها مقاومة النسيان — رفض التحول إلى لاجئ أبدي.
فلسطين ليست فكرة ماضية، بل وعدٌ مستمرّ.
محمد مهويش يمثّل جيل النكبة الثالثة — الجيل الذي: وُلد بعد أوسلو، كبر في ظلّ الحصار، وكتب شهادته وسط الإبادة. يربط بين الذاكرة (memory) والمنفى (exile) والهوية (identity) في سرد واحد، يعلن أن الفلسطيني، وإن فقد أرضه، لن يفقد حقه في السرد، وفي العودة إليها رمزيًا وماديًا. أي أنّه عاش النكبة كحدثٍ دائم، ليس تاريخًا من الماضي بل زمناً دائرياً يعيد نفسه.
كلما كتب عن النكبة كذاكرة، وجدها تعود كحاضر. يعبّر عن النكبة المستمرة عن الاستمرارية البنيوية للاستعمار، حيث كل جيل فلسطيني يعيش الطرد والاقتلاع ذاته. تتحول غزة من مكان إلى ذاكرة متجسدة. ليست فقط مسقط رأسه، بل الوريثة الرمزية لفلسطين الكبرى. قطعة الأرض التي صارت تجمع كل الفلسطينيين المطرودين. لكنها الآن مهددة بالإبادة، تحولت من ملجأ إلى مقبرة. ومن ثم تصبح غزة اليوم نكبة داخل النكبة، أي المعادل الميتافيزيقي لاحتراق الذاكرة نفسها.
يصف مهويش المنفى كجريمة ثانية، لأن الرحيل القسري يقتل المعنى حتى لو أنقذ الجسد.
لكنه لا يتحدث عن المنفى كضياع فقط، بل كـ مسؤولية سردية: أن يكتب، أن يشهد، أن يُبقي الذاكرة حيّة. فالمنفى يصبح المكان الوحيد الممكن للكتابة. كتابة الأمل ضد الفناء. الكتابة هنا فعل مقاومة أنطولوجي. هي تثبيت الوجود عبر اللغة، ورفض أن يكون الفلسطيني مجرد رقم أو ضحية.
الكتابة تصبح شكلاً من التحرير الرمزي، إذ تخلق مكانًا بديلًا للعودة — مكانًا لغويًا وزمانيًا للذاكرة الفلسطينية.
الأمل كقوة ميتافيزيقية مهويش يعيد تعريف الأمل لا كحالة نفسية بل كـ طاقة حيوية جماعية، تُماثل ما يسميه إرنست بلوخ Principe Espérance — مبدأ الأمل. الأمل هو ما يربط الفلسطيني بالزمن، يمنعه من الانهيار في العدم. الضوء الذي يرفض أن يُطفأ في العتمة المطلقة.
أناشيد العودة هي صيغة ثلاثية: رفض النسيان، رفض الاستسلام، والإيمان بالعودة. بهذه الجملة يختزل مهويش معنى فلسطين: أن تبقى، أن تأمل، وأن تكتب كي تظلّ موجودًا.

يقول المؤرخ الفلسطيني/الأمريكي رشيد الخالدي الأستاذ بجامعة كولومبيا، أنّ كلاّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية صورة طبق الأصل عن بعضهما، فكلاهما يعاني من التفكّك بسبب التركيز على منطق القوة، يحكمان على بعضهما كضحايا ليبرروا العنف. يرى الخالدي أنّ إسرائيل لم تعد قادرة على تجاوز هوسها بالقوة (المنطق الأمني العسكري)، وأنّ على الساسة الصهاينة التحرّر ابستمولوجيا من منطق القوة والعودة إلى وعي حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، لأنّه يمكن اخضاع الفلسطينيين بسهولة أكبر إذا تم الاعتراف بحقوقهم، والاعتراف بوجود شعبين متساويين في الحق على نفس الأرض، لا شعبٍ سيدٍ وآخر محتل. وفي المقابل يقول الخالدي أنّ مشكلة الفلسطينيين في المقابل هي الفصائلية التي جعلت المشروع الفلسطيني غير فعال، وأنّ هنالك مسؤولية داخلية فلسطينية لتوحيد الفصائل عبر إعادة تأسيس منظمة تحرير فلسطينية جديدة تتجاوز الانقسامات.

تقدم الكاتية الفلسطينية الأمريكية سارة عزيزة (Sarah Aziza) شهادة مؤثرة تعبّر عن تجربة الفلسطينيين في الشتات بعد السابع من أكتوبر 2023، وتصف المعاناة المركّبة التي يعيشها الفلسطينيون بين الألم والذنب والمنفى. تقول الكاتبة إن الفلسطيني في المهجر يعيش ازدواجية موجعة: فهو ينجو من القصف والقتل، لكنه يعيش عنفًا آخر هو عنف الاغتراب، ويحمل جراحه النفسية في عالم يرفض الاعتراف بمأساته أو يحاول تبريرها. وتشير إلى أن القمع المتزايد في الغرب ومحاولات إسكات الأصوات الفلسطينية تمثل امتدادًا للظلم الذي يتعرض له الشعب في أرضه. غير أن هذه المأساة، أيقظت أيضًا وعيًا عالميًا جديدًا. ففلسطين أصبحت اليوم رمزًا عالميًا للمقاومة ضد كل أنظمة القهر، واسمها يتردد في المظاهرات، على الشاشات، وفي الخطابات، كما أصبح علمها يرمز إلى نضال الإنسانية جمعاء ضد الاستعمار والعنصرية، كما كان شعار Black Lives Matter حياة السود مهمة في 2012.
ترى الكاتبة أن مأساة غزة كشفت زيف القيم الغربية التي تدّعي الدفاع عن العدالة وحقوق الإنسان، وأن صمت العالم أمام الإبادة جعل كثيرين يدركون أن القضية الفلسطينية ليست محلية، بل مرآة لنظام عالمي غير عادل يقوم على استبعاد الشعوب الفقيرة وغير البيضاء والمستعمَرة.
تؤكد سارة عزيزة أن التحرر والعودة إلى الأرض هما الغاية الكبرى، لكن مجرد اتساع التضامن العالمي اليوم يمثل انتصارًا للوعي، وبدايةً لتاريخ جديد تُكتب فيه فلسطين لا كضحية، بل كرمز للكرامة الإنسانية.

يصف إبن رام الله، رامي مهدوي (Rami Mehdawi)، المشروع الإسرائيلي الراهن بقيادة بنيامين نتنياهو بوصفه خطة ممنهجة لتدمير أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. حكومة نتنياهو المنتخبة في نوفمبر 2022 هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، تضم شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذين يجسدان تيارًا صهيونيًا يهدف صراحة إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة. منذ وصول هذه الحكومة إلى السلطة، شهدت الضفة الغربية تسارعًا غير مسبوق في وتيرة الاستيطان، إلى درجة أن الحكومة أعادت تفعيل مستوطنات سبق أن أُخليت بموجب خطة الانسحاب التي وضعها أرييل شارون عام 2005. كما تصاعدت هجمات المستوطنين ضد القرى الفلسطينية تحت حماية الجيش ودعم سياسي مباشر من الحكومة، التي تستخدم العنف وسيلة لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

قدّم نتنياهو علنًا خريطة تُظهر الضفة الغربية كجزء من إسرائيل، ما يعكس نية واضحة في ضمها رسميًا ضمن مشروع إسرائيل الكبرى. وفي الوقت نفسه، اتخذ خطوات تمهّد لإعادة الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى غزة، في مسعى لإلغاء ما تبقى من إنجازات اتفاق أوسلو، خصوصًا فكرة حق الفلسطينيين في تقرير المصير. أما سموتريتش، فيشنّ حربًا اقتصادية ضد السلطة الفلسطينية عبر تجفيف مواردها المالية، مثل اقتطاع أموال الضرائب الفلسطينية لتغطية تعويضات لضحايا الإرهاب، في خرق واضح لبنود اتفاق باريس الاقتصادي (1994).
سياسة بن غفير القائمة على تسليح المستوطنين والدعوة إلى الهجرة الطوعية للفلسطينيين، وهو تعبير يُخفي في جوهره مشروع ترحيل قسري ممنهج. ومع أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (الشاباك والموساد) حذّرت من تصاعد الإرهاب اليهودي، فإن الحكومة تواصل تجاهل هذه التحذيرات والمضي قدمًا في تطبيق مشروعها التوسعي.

يرى مهدوي أن ما يسمى بمشروع إسرائيل الكبرى ليس مجرد خطر على الفلسطينيين فحسب، بل هو قنبلة جيوسياسية تهدد استقرار الشرق الأوسط برمّته. فبدعم غربي وصمت عربي، تسير إسرائيل نحو سياسة إلغاء الوجود الفلسطيني، ما قد يؤدي إلى انفجار شامل يعيد رسم خريطة المنطقة.
أحمد فؤاد الخطيب محلل سياسي أمريكي من أصل فلسطيني يعبر عن صرخة أمل مأساوية نابعة من قلب الكارثة الغزّاوية بعد عام من الحرب. يقول فيه إن شعب غزة، بعد معاناة لا تُوصف، يتوق إلى مستقبل يتحرر فيه من هيمنتين خانقتين في آن واحد: (هيمنة حركة حماس من الداخل، وهيمنة الاحتلال الإسرائيلي من الخارج).
ويضيف أن أقل ما يمكن أن يُنتظر بعد هذا الكم الهائل من التضحيات والدمار والمعاناة هو أن تفضي إلى تحول جذري في مستقبل القطاع، إلى واقع جديد لا يشبه الماضي، لا من حيث القمع الداخلي ولا من حيث الاحتلال الخارجي.
غير أن الخطيب، رغم هذا التطلع إلى مستقبل آخر، يختتم مقاله بعبارة قاتمة: لكن، في اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، لا يبدو أن هناك أي مخرج في الأفق. غزة، عالقة في حلقة مفرغة من الحصار، والتطرف، والعنف، دون بادرة أمل حقيقية في حل سياسي أو إنساني قريب.
موقف يعبّر عن تيار جديد في التفكير الفلسطيني في الشتات، يسعى إلى تجاوز الثنائية التقليدية (الاحتلال/المقاومة) نحو تصور ثالث، يقوم على تحرير الإنسان الفلسطيني من كل أشكال السيطرة، سواء كانت إسرائيلية أو داخلية، في ما يمكن تسميته بما بعد حماس وما بعد إسرائيل.
الحملة العسكرية الإسرائيلية، رغم أنها أضعفت القدرات القتالية لحركة حماس، جاءت بثمن إنساني باهظ لا يمكن تبريره بأي مقياس. فبعد 24 شهرًا من القصف والقتال، وصل عدد القتلى إلى أكثر من 60 ألف شخص، أغلبهم من المدنيين، فيما تحوّلت غزة إلى ركام شامل – «لم تعد هناك حياة ولا حجارة»، كما كتب الحيـاة الجديدة الفلسطينية.

الكاتبة نسرين مالك في The Guardian تذهب أبعد من ذلك، معتبرة أن ما يجري هو «محو لشعب بأكمله»، أي ليس فقط تدميرًا مادّيًا، بل إبادة وجودية وهوياتية. أما من نجا من الموت، فحياته أصبحت كابوسًا دائمًا: نزوح متكرر، خيام من قماش وبلاستيك، مجاعة، عطش، وانهيار نفسي شامل. ما يجري «اقتصاد بقاء» (économie de subsistance)، حيث لا شيء يُتداول سوى الطعام والماء والمأوى — أي أن غزة انتقلت من مجتمع إلى سوق للبقاء.
مفارقة الوعي الداخلي في غزة: فبينما إسرائيل تواصل القصف والقتل، هناك من الغزّاوين من لا يُبرّئون حماس من مسؤوليتها، بل يحمّلون قائدها يحيى السنوار جزءً من المأساة. تقول هذه الكاتبة أنّ المأساة اليومية دفعت بالكثير ممن نفذ صبرهم إلى اتهام قادة حماس القريبين منهم بالتقصير، وعدم القدرة على فرض توازن الرعب مع الكيان الصهيوني كما كانوا يزعمون؟.
تناقش نسرين مالك مقولة: (كم من القتلى يلزم حتى ننتقل من الغضب إلى اللامبالاة؟)
وتعني هذه المقولة المعضلة التي تختزل أزمة الضمير العالمي في قطاع غزة، حين يصبح الموت اليومي متكرّرًا للموت والجوع والتهجير، ويصل هذا الألم إلى درجة التطبيع والبلادة والتعوّد، وتتحول الكارثة إلى مشهد روتيني. تدعى هذه المشكلة (لحظة ما بعد المأساة)، حيث تفقد الإنسانية قدرتها على الإحساس، ويصبح الحياد شكلًا من أشكال التواطؤ.

نلاحظ في تجميع كل القراءات السابقة، أنّ متغيرات (ميتافيزيقيا الذاكرة، الحزن المزمن، تفاوتات الزمن، تكريس التعصّب، الأسرى واللاجئين.. )، هي المفاهيم المشتركة التي ركز عليها غالبية العقلاء من الجانبين، وأنّ هذه الأقلام حاولت تدوين ما وقع في غزة من زاوية إنسانية، محايدة تارة ومنحازة تارة أخرى.



#عصام_بن_الشيخ (هاشتاغ)       Issam_Bencheikh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة إلى عام 1991.. من تونس إلى اليمن: الحنين إلى عصر -الس ...
- الجزائر وسوريا الجديدة: نحو طي الخلافات، وتأسيس علاقة مختلفة
- الجزائر وسوريا الجديدة.. نحو طي الخلافات، وتجنب المطبات
- المسوّرون.. رؤية متقاطعة لمعاناة الإنسان: دراسة مقارنة بين م ...
- قذارة الحملة المغرائيلية الفرنسية.. هاشتاغ انقلابي مثير للشف ...
- تمزيق شبكة النفوذ الإقليميّ الروسيّ: كيف نقل الغرب الجماعيّ ...
- برق الشرق العظيم... مأساة كبرى للأمة الفارسية
- حوار دانيال استولين مع دولة الرئيس اليمني عبد العزيز بن حبتو ...
- رجل اقتصاد لا يقرأ الفنجان.. ويقرأ اليمن صفحة بصفحة: حول سيا ...
- تقديم موعد الرئاسيات الجزائرية.. خطوة استباقية لحسم الجدل
- الضمير اليساري ليهود الجزائر: قصبة العاصمة من بيبي لوموكو إل ...
- الذين يرفضون التعامل مع هنيّة، سيتعاملون مع السنوار وأبو عبي ...
- ثورة المزارعين واحتجاج سائقي الجرارات: المجتمع الأوروبي مجتم ...
- مشكلة أنصار قاضي إحسان مع الرئيس هواري بومدين.. تفاصيل الحيا ...
- موقف إيمانويل تود Emmanuel Todd حول هزيمة الغرب LA Défaite d ...
- اختلال الميغا-إمبريالية في عصر الذكاء الاصطناعيّ AI: قراءة ل ...
- النكبة 2.0 في (نرد) حرب غزة: دراسة لآراء الشيربا بيب إسكوبار ...
- -أنفاق غزة-.. حرب المساحات الجوفية: هل تنجح حماس في كسر الجم ...
- فرحين لمنظر الدبابة: الحجج الذرائعية لتقبل الجماهير الإنقلاب ...
- خطة جاك أتالي لاستخدام فناني الRap والPop والHiphop ضد أوليا ...


المزيد.....




- الإمارات تعزي قطر في وفاة 3 دبلوماسيين بحادث شرم الشيخ
- شاهد.. فلسطينيون يهرعون للحصول على المساعدات من الشاحنات الم ...
- وكالة: إيران لن تشارك في قمة شرم الشيخ بمصر رغم تلقيها دعوة ...
- قمة شرم الشيخ: مصر تستضيف قادة العالم لإنهاء حرب غزة
- وثائق مسربة تكشف عن تعزيز دول عربية للتعاون العسكري مع إسرائ ...
- اشتباكات دامية بين باكستان وأفغانستان.. تضارب في حصيلة القتل ...
- لبنان يستعد لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل
- عشرات القتلى باشتباكات بين باكستان وأفغانستان وإسلام آباد تت ...
- سباق الرئاسة في غينيا يشتعل.. 50 حزبا و16 مستقلا يعلنون ترشح ...
- مسعد بولس: السلام في الكونغو -مسار طويل لا يُدار بمفتاح-


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - عصام بن الشيخ - نتنياهو.. سيثورون ضدّ حماس بعد شتاء ثان: خطط صهيونية لإسقاط 11/9 على 10/7