محمد دحاني
الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شكل الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية التشريعية الحالية، خيبة أمل بالنسبة للكثير من أعضاء ومتعاطفي الحراك الشبابي الملقب بحراك جيل زاد، ولعل هذه الخيبة ترتبط أساسا بسقف التطلعات وسقف الآمال الذي كان عاليا، بل أحيانا كان مبالغا فيه لدرجة يمكن وصفه بنوع من أنواع الرومنسية السياسية ولا سيما ما يتعلق بمطلب حل الأحزاب السياسية أو بعضها ومحاكمة علنية للفاسدين وناهبي المال العام.
وكما أسلفنا في أحد التدوينات على حساب الفايسبوك قبل الخطاب بأربعة أيام، بأن على من ينتظر من الخطاب الملكي شيء ثوريا أو قرارات حاسمة تتصل مباشرة بشعارات ومطالب الاحتجاج، ألا يتأمل كثيرا، وأن الخيبات تكون بمقدار حجم الطموحات والأحلام، وهذا ما حصل بالفعل، بالنسبة للكثيرين من شباب الحراك ومناصريه.
لكن، النظر من هذه الزاوية إلى مضامين الخطاب الملكي قد لا تنظر إلى كل الكأس، فمضامين الخطاب جاءت تحمل إشارات تتفاعل مع مطالب الشباب وعموم المغاربة، ولا سيما في النقاط التالية:
- الإشارة إلى وجوب النهوض بقطاعات الصحة والتعليم؛
- تنبيه مدبري الشأن العام إلى وجوب الحذر من التعارض الممكن بين مختلف البرامج والمشاريع العمومية والحقوق والخدمات الواجب توفيرها للمواطنين؛
- التذكير بضرورة تصريف رد السلطة على شعارات المحتجين من خلال العمل وأجرأت الوعود ولا سيما من خلال برامج التنمية الترابية المندمجة والعناية بالمناطق الجبلية والواحات من مطلق رابح ابح بين العالمين القروي والحضري؛
- تنبيه الحكومة إلى أن العدالة الاجتماعية والمجالية لا يجب أن تكون فقط شعارات ضمن الخطاب السياسي بل يجم أن تترجم من خلال السياسات والتدابير الحكومية.
ومن الملاحظ أيضا أن يقر الخطاب الملكي بوجود إشكالية تواصلية لدى الحكومة والبرلمان اتجاه المواطنين، بحيث نبه الفاعلين السياسيين بمن فيهم الأحزاب السياسية إلى ضرورة التواصل مع المواطنين لتنوير الرأي العام حول الاختيارات الحكومية ومبرراتها ودوافعها.
لقد أمسك الجالس على العرش العصى من الوسط، فلا هو تماهى مع مطالب الشارع ولا هو أعرض عنها بشكل مطلق، وفي ذلك رسالة إلى الشارع والمجتمع والسلطة، إلى وجوب تفعيل أدوار المؤسسات السياسية، وأن أي نقاش أو تفاعل يجب أن يتم عبرها وليس خارج إطارها، وإلا سيغدو السؤال حول فائدة وجدوى هذه المؤسسات جديرا بالاعتبار؟
وقد تشكل هذه الصيغة التي اختارها عاهل البلاد في التعاطي مع الوضع الحالي، هو دعوة صريحة للشباب من أجل التنظيم في صيغ وإطارات مؤسساتية وقانونية، من أجل الدفاع عن مطالبهم، طالما أنهم هم يستندون في مطالبهم إلى دستور 2011.
والحركة هنا من وجهة نظري، أمام مفترق طرق، إما محاولة الاستمرار في حراكها بالصيغة الحالية وما تحمله من مخاطر وانزلاقات على الدولة والشباب والمجتمع، وأيضا على الحركة التي قد يتسرب لعناصرها الإحباط والخيبة، وإما أن تنسحب بشكل سلس من المشهد وتتراجع إلى الخلف، ليعود هذا الشباب إلى الانطواء على نفسه أكثر فأكثر في انتظار صحوة جديدة، أو أن ينتقل الحراك الشبابي إلى واقع مؤسساتي من خلال تأسيس كيانات سياسية لتنظيم هذه الشرائح الاجتماعية والمساهمة بقوة في العملية السياسية والانتخابية، طالما أنها تعتبر نفسها تمثل قوة عددية وقوة حيوية تخول لها اقتحام غمار التدبير السياسي والحكومي.
ويمكن اعتبار الخيار الأخير هو الأجدر بالاتباع، لاعتبارات عدة:
- عدم ترك الساحة للفاعلين السياسيين الراغبين في الركوب على الموجة الاحتجاجية واستغلالها لمساومة السلطة على بعض المقاعد أو المكاسب الانتخابية والسياسية؛
- إن التغيير الحقيقي يبقى رهين وجود قوة اجتماعية حاملة للمشروع المجتمعي ومدافعة عنه وملتزمة به، وليس مجرد احتجاجات عفوية أو عشوائية مؤقتة ومتناثرة؛
- ترك الساحة الآن وبأي شكل وتحت أي ظرف، سيساهم في مزيد من التحكم والتغول، وربما بأشكال ومستويات لم نشهدها من قبل.
الجميع يعلم الإكراهات التي يمكن أن توجه أي كيان سياسي قانوني شبابي يحاول اقتحم الساحة السياسية، ولا سيما السعي الى المشاركة في العملية الانتخابية، ولكن أعتقد بأن الحركة بها من الأطر والكفاءات القادرة على التعامل بشكل إيجابي وواقعي مع هذه التحديات، وإلا لما استطاعت إحداث هذه الرجة في المشهد السياسي والإعلامي بالمغرب.
إن الحقوق تنتزع ولا تمنح، وأحد أدوات انتزاعها المشاركة الواعية والمنظمة والملتزمة في العمل السياسي، ولا سيما بناء إطار حزبي ديمقراطي، يكون غير قابل للترويض لا سيما أمام منافع السلطة وامتيازاتها.
وأعود هنا إلى مضامين الخطاب الملكي، ولا سيما في تلك الجزئية التي يحمل فيها عاهل البلاد ضمنيا، مسؤولية الاحتجاجات لضعف ومحدودية العملية التواصلية بين الفاعل السياسي والحكومي من جهة والمواطنين، وهنا لا بد أن نقف عند إمكانيات العاطي مع هذه المسألة الحيوية ضمن أي منظومة حكم، خاصة في زمن الوفرة التواصلية.
يحتاج التواصل أساسا إلى عدة عناصر أساسية يمكن إجمال أهمها في وجود الثقة بين طرفي العلاقة التواصلية، ثم الفضاء الذي تجري عبره أو من خلاله العملية التواصلية، وهذين العنصرين يكادان ينعدمان بين الطبقة والنخبة السياسية بمجملها أو في أغلبها، وبين عموم المواطنين ولا سيما الشباب وذلك للأسباب التالية:
- تحول العمل السياسي داخل الأحزاب السياسية إلى مجرد صراع حول المواقع والمصالح؛
- وضع الاستراتيجيات والسياسات الكبرى للبلاد مسألة تتجاوز حدود أدوار الأحزاب السياسية، وبالتالي حتى إن أرادت هذه الأحزاب وقياداتها أن تدافع عن تلك السياسات، قد تجد نفسها تدافع عن مشاريع وبرامج لا تنسجم مع خطابها وبرنامجها؛
- الاختلالات التي تعتري العملية الانتخابية، التي تمكن سماسرة الانتخابات من تغيير الانتماء الحزبي مع كل انتخابات، دون أي ردة فعل لا من المشرع أو من الأحزاب أو من الإدارة الانتخابية؛
- وجود عدد مهم من برلماني الأمة وكوادر الأحزاب السياسية محل متابعات قضائية، بعضها يتصل بالاتجار الدولي بالمخدرات؛
- ضعف المؤسسات الدستورية ولا سيما التمثيلية على مستوى احتضان النقاشات المجتمعية التي ترتبط بالقضايا المصيرية للأمة، لا سيما أمام التغول الأغلبي للحكومة، وضعف أغلب الكوادر البرلمانية من حيث الكفاءة والقدرات التواصلية؛
- الفضاء الإعلامي الوطني ولا سيما العمومي منغلق على نفسه، أمام تضاؤل منسوب حرية الاعلام والصحافة بالمغرب حسب أخر تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود برسم سنة 2024، يضاف إليه متابعة الصحفيين في إطار القانون الجنائي عوض قانون الصحافة؛
- وجود تقارير رسمية "تقرير الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة" حول استشراء الفساد الإداري والمالي داخل مختلف بنيات الإدارة المغربية، في مقابل غياب أية آليات للمتابعة والمحاسبة والمسائلة، وهو ما سيستفحل أمام سحب ما يعرف بقانون تجري الاثراء غير المشروع، وتعديل المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية التي تغل يد النيابة العامة في تحريك ومتابعة الجرائم المتعلقة بالمال العام؛
- تضارب فاضح للمصالح بين أعضاء في الحكومة وعلى رأسهم رئيس الحكومة ووزيري الثقافة والتعليم.
ان انعدام الثقة يشكل الأساس الذي فجر الاحتجاجات، وهو شيء ليس بالجديد، فقد سبق لتقرير لجنة النموذج التنموي أن أشار إليه وحدر منه، إلا أن الفاعلين السياسيين بالمغرب ولا سيما الأحزاب السياسية، لا تكترث للأمر، على اعتبار أنه مهما بلغت الأمور من سوء، فإن وجودها ومصالحها تبقى محمية لمجرد وجود مؤسسة جامعة للمغاربة قاطبة، وهي المؤسسة الملكية.
وفي الختام، على هذا الجيل أن يختار بين الحراك المنظم والمسؤول من أجل إحداث التغير المنشود مستغلا الزخم الحالي بشعارات وعناوين جامعة توحد مختلف أطياف الشعب المغربي، وبين التراجع والتقهقر إلى الخلف، وبالتالي الانضمام إلى الأجيال السابقة التي تعيش حالة من الانتظار، انتظار إصلاح جوهري، قد يأتي وقد لا يأتي.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟