أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - امير وائل المرعب - نقد الفكرة غير نقد الشخص














المزيد.....

نقد الفكرة غير نقد الشخص


امير وائل المرعب

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 10:08
المحور: قضايا ثقافية
    


نقد الفكرة لا الشخص: لماذا الهجوم على المعتقد ليس كهجوم على الكينونة
في ساحة الحوار العام، غالبًا ما يُخلط بين أمرين مختلفين جذريًا: نقد الأفكار، والهجوم على الأشخاص. هذا الخلط ليس مجرد سوء فهم، بل هو أساس الكثير من التعصب وتكميم الأفواه وتسميم فضاء النقاش. لتأسيس حوار صحي ومثمر، يجب أن نرسم خطًا واضحًا وفاصلًا بين "كينونة" الإنسان الثابتة، وأفكاره ومعتقداته القابلة للتغيير والنقاش.
## ما هي "الكينونة"؟ ولماذا لا تُنتقد؟
كينونة الشخص (Being) هي مجموعة السمات الجوهرية التي لا يختارها ولا يستطيع تغييرها. هي حقائق بيولوجية أو وراثية أو ظروف قاهرة تشكل جزءًا من هويته المادية والجسدية. عندما تقول لشخص "أنت أسود" أو "أنت قزم" أو "أنت أعمى" في سياق الانتقاص، فأنت لا تهاجم شيئًا اختاره، بل تهاجم وجوده نفسه.
الهجوم على الكينونة هو جوهر التمييز والعنصرية، وهو مرفوض لسببين أساسيين:
* انعدام الاختيار: لا أحد يختار لون بشرته، أو طوله، أو عرقه، أو إعاقته الجسدية. ربط القيمة الإنسانية بهذه الصفات هو ظلم محض، لأنه يحكم على الإنسان بما هو عليه، لا بما يفعله أو يفكر فيه.
* ثبات الصفة: هذه السمات جزء لا يتجزأ من الشخص. الهجوم عليها هو هجوم مباشر على ذاته، يسبب أذى نفسيًا واجتماعيًا، ولا يفتح أي باب للتطور أو التغيير، بل يهدف فقط إلى الإهانة والتجريح.
إن احترام كينونة الإنسان هو حجر الزاوية في الكرامة الإنسانية. هو الاعتراف بأن لكل فرد قيمة متأصلة بغض النظر عن شكله أو أصله أو قدراته الجسدية.
## ما هي "الفكرة"؟ ولماذا نقدها ضروري؟
على النقيض تمامًا، الأفكار هي كيانات مكتسبة ومنفصلة عن الذات. سواء كانت معتقدات دينية، أو نظريات سياسية، أو آراء مذهبية، أو حتى أذواق فنية، فإنها منظومات فكرية نتبناها عبر التعلم والتجربة والتأثر بالمحيط. هي ليست جزءًا من حمضنا النووي.
نقد الأفكار ليس فقط مسموحًا به، بل هو ضرورة حتمية للتقدم البشري، وذلك للأسباب التالية:
* الأفكار كيانات منفصلة: عندما أنتقد فكرة الشيوعية، أو الرأسمالية، أو عقيدة دينية معينة، فأنا لا أهاجم الشيوعي أو الرأسمالي أو المتدين كشخص. أنا أضع "الفكرة" نفسها تحت مجهر التحليل والتشريح. يمكن للشخص أن يغير فكرته غدًا ويظل هو نفسه، لكنه لا يستطيع تغيير لونه أو أصله.
* الأفكار لها تأثير مادي: الأفكار ليست مجرد تصورات مجردة، بل هي التي تشكل القوانين، وتبني الحكومات، وتبرر الحروب، وتنظم حياة المجتمعات. فكرة سيئة أو ضارة (مثل تفوق عرق على آخر) يمكن أن تؤدي إلى كوارث إنسانية. لذلك، فإن ترك الأفكار دون نقد بحجة "قدسيتها" أو احترام "مشاعر" من يؤمن بها هو تواطؤ خطير يسمح للضرر بالانتشار.
* النقد هو محرك التطور: كل التقدم العلمي والفكري والأخلاقي في تاريخ البشرية هو نتاج نقد أفكار كانت تعتبر في يوم من الأيام "مقدسة" أو "نهائية". لقد تقدمنا لأننا انتقدنا فكرة الأرض المسطحة، وفكرة الحق الإلهي للملوك، وفكرة استعباد البشر، وفكرة دونية المرأة. النقد هو الأكسجين الذي تتنفسه الحضارة.
## كيف ننتقد الأفكار بلغة علمية ومؤدبة؟
القدرة على نقد الأفكار دون الانزلاق إلى مهاجمة الأشخاص هي فن ومهارة. وهي تتطلب الالتزام بضوابط واضحة:
* التركيز على الحجة لا الشخص (Ad Rem, not Ad Hominem): انقد منطق الفكرة، أدلتها، نتائجها، وتناقضاتها. لا تقل: "أنت غبي لأنك تؤمن بكذا"، بل قل: "هذه الفكرة غير منطقية للأسباب التالية...".
* استخدام لغة موضوعية: تجنب الكلمات المشحونة بالعاطفة والمصطلحات التحقيرية. بدلًا من "هذه عقيدة متخلفة"، يمكن القول "هذه العقيدة تواجه تحديات في التوافق مع المبادئ العلمية الحديثة".
* الفصل بين النية والأثر: يمكن لشخص طيب أن يحمل فكرة ضارة. النقد يجب أن يركز على "أثر" الفكرة في الواقع، وليس على "نوايا" حاملها التي قد تكون حسنة.
* الاعتراف بالكرامة الإنسانية للجميع: يجب أن يكون هدف النقد هو الوصول إلى الحقيقة أو تحسين الواقع، مع الحفاظ على الاحترام الكامل للشخص الذي يحمل الفكرة المخالفة، والاعتراف بحقه في التفكير بشكل مختلف.
خلاصة القول، إن المجتمع الصحي هو الذي يحمي كينونة أفراده حماية مطلقة، لكنه في الوقت نفسه يعرّض أفكارهم لنقد مطلق. تستطيع أن تكون ما أنت عليه بيولوجيًا دون خوف من الإهانة، ولكن لا يمكنك أن تتوقع من الآخرين احترام فكرة تحملها دون إخضاعها للمساءلة والتمحيص. التمييز بين الذات والفكرة ليس مجرد حذلقة فكرية، بل هو شرط أساسي لوجود مجتمع عقلاني، متسامح، وقادر على التطور.



#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحت مشرط النقد
- رحل وعي من لينين الى نظرية الوتار والوعي الكمي للمادة
- حلزون الوجود - نص تاملي
- “الصورة التي غيّرت كل شيء”
- صفقة تيك توك: تحليل استراتيجي للسيطرة على السردية في الساحة ...
- خطة لتطوير العراق
- الرياضيات اصلها عدم وهي اكتشاف وليس ابتكار
- الوعي مراة كاربونية معقدة للتناظرات الرياضية للكون
- التردد الكهروكيميائي والديالكتيك الدماغي وانعكاس وصراع الفكر ...
- السيمفونية الكونية: تحقيق في التناغم الفيثاغوري ونظرية الأوت ...
- العدد - ملخص كتاب بروفيسور جون ماكليش
- المعنى في الوجود الصفري - حوار
- المحرك الكمومي: من الفيزياء النظرية إلى إعادة تشكيل البشرية
- زياد الذي غيرني
- شهاب جيكور
- الكون الواعي: بحث في الضبط الدقيق، والواقع الكمومي، وطبيعة ا ...
- العراق عبر العصور 10 الاف عام من الحضارة والصراعات
- المادة والوعي
- رقصة الالكترونات هل تحمل مفتاح اللغز
- المادة الوعي الديالكتيك


المزيد.....




- من الأعلى..مصري يبرز مدينة أموات يقطنها الأحياء في مصر
- نشطاء -أسطول الصمود- يتحدثون عن سوء المعاملة.. وإسرائيل تنفي ...
- في السعودية..عدسة مصور تُظهر امتداد المدرجات الزراعية في جاز ...
- -لماذا نُحاسَبُ وحدنا؟- - غزيّون يستذكرون السابع من أكتوبر
- الانتخابات البرلمانية بعيون السوريين في الداخل والخارج
- ماكرون مطالب بإيجاد حل للخروج من الأزمة السياسية في فرنسا.. ...
- مصر وخطة ترامب حول غزة.. بين الترحيب و-شياطين التفاصيل-
- من النيبال إلى المغرب: مسلسل الصور المتحركة -وان بيس- يتحول ...
- لوفيغارو : الفرنسون يطالبون ماكرون بالاستقالة ويحملونه مسؤول ...
- مأساة عائلة من غزة.. 17 نزوحا متواصلا من التنقل والتشرد والن ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - امير وائل المرعب - نقد الفكرة غير نقد الشخص