أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريدة عدنان - زيرا حكاية وطن














المزيد.....

زيرا حكاية وطن


فريدة عدنان
كاتبة وشاعرة

(Farida Adnane)


الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


كانت الربوة عالية بما يكفي لتطلّ على الطريق، لكنها لم تكن أعلى من قلبها الصغير الذي ظلّ معلّقًا بظلّ رجل. تجلس زيرا و وحيدة هناك كل مساء، تحدّق في العتمة، وتصغي لصمت الأرض كأنها تستعطف التراب: "متى يعود أبي؟"

لم تعرف زيرا من طفولتها سوى الانتظار؛ كان أطفال الحيّ يعدّون ألعابهم، بينما كانت هي تعدّ خطواته البعيدة. كانوا يحلمون بعرائس من قماش وألوان من شمع، أما هي فكان حلمها بسيطًا حدّ الوجع: أن تجلس فوق ركبة أبيها صباحًا على مائدة الإفطار.

حين يجيء أبوها متعبًا، متأخرًا، مثقلاً بغبار الغياب، تراه كما لو أنه يجيء من أسطورة. تركض نحوه، تتشبّث بذراعه، فيبادلها بابتسامة تتحدّى الإنهاك. تضع رأسها الصغير على كتفيه وتغفو على وعودٍ تشبه القناديل تنير عتمتها: "غدًا سيرافقني أبي إلى المدرسة ويحمل عني حقيبتي. غدًا سأتفاخر به أمام زملائي وهو يرتدي زيّ حماة الوطن." كان ذلك الزيّ بالنسبة لـ زيرا يشي ببطولاتٍ خفيّة، كالأساطير.

-- "لماذا لا تبقى معنا يا أبي؟"

سؤال كانت تردّده على مسامعه في كل مرة يهمّ فيها بالرحيل. كان ينحني إليها، وعيناه عميقتان كجرحٍ لا يُرى: -- "لأن هناك وطنًا لا ينام إن نمتم، وأنا يا زيرا أحرس أحلامكم من بعيد. تذكّري دائمًا أنكِ أنتِ البياض الذي يبدّد عتمة ليلي الحالك أنت القمر، وهذا سرّ اسمكِ الأمازيغي الجميل."

لم تكن زيرا تستوعب كلماته، لكن قلبها الصغير آمن أن أباها بطل. تكرّر الغياب في أيامها حتى صار هو الحضور الوحيد.

"لقد رحلت يا أبي إلى الأبد، وبقي صوتك نداءً محفورًا في ذاكرتي الصاخبة. حين كبُرت، أدركت أن كلماتك كانت رموزًا لا تُقرأ إلا بوعي النضج. فهمت أن الوطن لم يكن بالنسبة لك أرضًا أو حدودًا جغرافية فحسب، بل وجوهًا صغيرة تبتسم مطمئنة تحت سقف بيت، وأنك كتبت تاريخه بخطواتٍ متعبة ودمٍ مؤجّل."

هكذا حدّثت زيرا نفسها ذات مساءٍ شبيهٍ بالبدايات.

لم تنتظر هذه المرة فوق ربوة الصمت طويلًا، ولم تبحث في الأفق عن نجمةٍ بعيدة. أغمضت عينيها، وتمتمت كمن يُصلّي: -- "أبي... الوطن أنت، الوطن أنا، الوطن كل من يترك أثره في ليلٍ طويل ليضيء قلوب الآخرين."



#فريدة_عدنان (هاشتاغ)       Farida__Adnane#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرفة العالم الموازي
- رسالة من مجهول
- نحن إخوة
- ضياعي
- راسائل في طي ااصمت/الرسالة الأولى
- ألا تشتاق؟!!
- دعني أراك
- شيء مني
- من أحق بمن؟!!
- من كل الزوايا
- بلغ مسامعي
- ملكنا سلطان
- ذات صباح
- سقطت سهوا
- إقصائيات التبوريدة بمهد الخيول -تيسة-
- لمن تكتبين؟!
- تدللي
- كلماتك
- عشق أم قدر!
- عذارى أفكاري


المزيد.....




- بعد وفاة بطلته ديان كيتون.. العمل على إنتاج جزء ثانٍ من Fami ...
- البرلمان يقر تشديد شروط تعليم اللغة السويدية للمهاجرين
- انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب بشعار -عاصمة الثقافة.. وطن ...
- -عين شمس- و-بغداد- تتصدران الجامعات العربية في -الأثر البحثي ...
- في ترجمة هي الأولى وغير مسبوقة: ‎الشاعر والمترجم عبد الله عي ...
- الوكيل؛ فيلم وثائقي يروي حياة السيد عيسي الطباطبائي
- تهديدات بن غفير.. استراتيجية ممنهجة لتقويض السلطة والتمثيل ا ...
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن تشكيلة لجنة تحكيم دورته ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالشاعر عذاب الركابي
- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريدة عدنان - زيرا حكاية وطن