صفاء الصافي
باحث وكاتب في التاريخ الإسلامي
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 17:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لطالما كانت مسألة تولّي المرأة للسلطة والحكم موضوعًا مثيرًا للجدل في المجتمعات الإسلامية. فبين نصوص فقهية استُدل بها لتقييد دور المرأة في المجال السياسي، وتجارب تاريخية وحديثة أظهرت قدرتها على القيادة وإدارة شؤون الدولة، يظل النقاش مفتوحًا. فهل كان استبعاد المرأة من الحكم ضرورة دينية خالصة؟ أم أنه انعكاس لظروف اجتماعية وتاريخية ارتبطت بزمانها ومكانها؟
اليوم، ومع تصاعد حضور المرأة في الساحات السياسية والقيادية في العالم الإسلامي، يتجدد السؤال: كيف نوازن بين النصوص الشرعية، والاجتهادات الفقهية، ومتطلبات الواقع المعاصر؟
ولكي نعرف سبب منع المرأة من الحكم في الفقه الإسلامي، لا بد من استعراض آراء الفقهاء وحججهم الشرعية.
اذ يرى المالكية والشافعية والحنابلة ومعظم الأحناف، إلى أن المرأة لا يجوز أن تتولى الإمامة العظمى (الخلافة أو رئاسة الدولة) واستندوا إلى حديث النبي،(لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) واعتبروا أن طبيعة الحكم في ذلك العصر تتطلب المشاركة في القتال وإدارة شؤون الحرب والسياسة، وهي أدوار لم تكن المرأة مكلفة بها في المجتمع الإسلامي الأول.
وما الأحناف فقد أجازوا للمرأة أن تتولى القضاء في القضايا التي تصح فيها شهادتها، أي في المعاملات المالية، لكنهم منعوها من القضاء في الحدود والقصاص.
قال ابن عابدين الحنفي: تولي المرأة القضاء في الأموال جائز عند أبي حنيفة، لأن لها أن تكون شاهدة فيها"(رد المحتار على الدر المختار، ج5، ص352)
واما ابن جرير الطبري (ت 310هـ) فقد خالف الجمهور، وذهب إلى جواز تولي المرأة جميع أنواع القضاء إذا كانت كفؤًا. وقد نقل ابن حزم هذا الرأي عنه في المحلى (ج9، ص42).
لكن ابن حزم الظاهري (ت 456هـ) كان رأيه أكثر تضييقًا، إذ منع المرأة من أي ولاية عامة. قال: ولا تُولَّى المرأة شيئًا من أمر الناس أصلًا: لا ولاية ولا قضاء"(المحلى، ج9، ص427)
ولم يقتصر هذا الرفض على المذاهب السنة الاربع بل حتى الشيعة الامامية اذ يرى فقهاء الأمامية أن منصب الإمامة (الخلافة بعد النبي) منصبٌ إلهيٌّ منصوص عليه، وليس محل اجتهاد أو انتخاب، وبما أن الأئمة عندهم محددون بالنص، فالمرأة لا يمكن أن تكون إماماً معصوماً، وأما الولاية العامة (مثل الحكم أو رئاسة الدولة في عصر الغيبة)، فقد ذهب أكثر فقهاء الإمامية إلى أنها لا تجوز للمرأة.
فقد قال الشيخ الطوسي(ت 460هـ): لا يجوز أن تتولى المرأة الإمامة، ولا الحكم بين الناس" (الخلاف، ج5، ص17) .ويرى ايضا العلامة الحلي (ت 726هـ) "يشترط في الإمام الذكورة، فلا تصح إمامة المرأة" (تذكرة الفقهاء، ج9، ص62).
ويلحظ من خلال اراء الفقهاء انهم استندوا على رفض حكم المرأة على حديث النبي الذي روي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: (لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً). رواه البخاري (4425)، ولم يستندوا الى اية قرانية كون القران لم يصرح بهذا الامر بل على العكس ،فقد قص لنا قصة امرأة قادت قومها أفضل ما تكون القيادة وحَكمتهم أفضل ما يكون الحُكم. وتصرفت بحكمةٍ ورشد أحسن ما يكون التصرف ونجوا بحكمتها وحصافة رأيها من التورط في معركة خاسرة يهلك بها الرجال وتذهب الأموال ولا يجنون من ورائها شيئاً، وكان أساس حكمها التنظيم والشورى.
تلك المرأة هي بلقيس ملكة سبأ التي ذكرها الله تعالى في سورة النمل: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) } [النمل 32]. وهذه المراة قادت شعبها بالحكمة نحو بر الامان ، وقومها قد فلوحوا في بعد ان ولوا امرهم لها ، فهل من الطبيعي ان يرفض حكم المراة من اجل حديث ربما حرف او كان في حادثة معينة تكلم عنها النبي ونترك قصة ملكت سبأ العظيمة .
باختصار ودون شرح طويل الفقه الذكوري كان لايريد ان يغير الضوابط الخاصة به فهو يرى ان المراة هي مكانها البيت فقط ، ولا يسعها ان تحكم حتى بيتها، قال ابن قدامة في " المغني": لم يول النبي ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا. ـ قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 34}. قالوا: فهذه الولاية وهي ولاية الأسرة هي أصغر الولايات، وإذ منع الله المرأة من تولي هذه الولاية، فمن باب أولى منعها من تولي ما هو أكبر منها، كالقضاء وغيرها،
وفقًا لآراء بعض الفقهاء – لا يجوز لها أن تتولى الحكم، غير أنّ الواقع المعاصر يقدم شواهد مغايرة لذلك. فاليوم مثلاً، تحكم سنغافورة امرأة مسلمة هي حليمة بنت يعقوب، ولم يكن في قيادتها ما يدل على فشل قومها، بل العكس هو الصحيح؛ فقد شهدت بلادها استقرارًا وتقدمًا. وإذا تأملنا التاريخ الحديث، سنجد أن نساءً مسلمات تولّين مناصب رفيعة مثل رئاسة الوزراء في عدد من الدول الإسلامية، ما يثبت أن الكفاءة والنجاح في القيادة لا يرتبطان بجنس الحاكم، بل بقدراته وعدله وحكمته.
كما أنّ التاريخ الإسلامي نفسه يسجّل مواقف تدلّ على ثقة الصحابة بقدرات المرأة وحُسن رأيها؛ فقد جاء في كتابي (تهذيب التهذيب والإصابة) أن عمر بن الخطاب كان يقدِّم الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية في الرأي، ويرضاها، ويفضّلها، بل ولاّها شيئًا من أمر السوق، أي أوكل إليها مهمة الإشراف على تنظيمه ومراقبته، وهو ما يُعدّ من أوائل صور تولية المرأة مسؤولية عامة في الإسلام.
وهكذا، يتبيّن أن الكفاءة والعدل والحكمة هي الأسس الحقيقية للقيادة، لا النوع أو الجنس، وأن التاريخ الإسلامي والمعاصر معًا يقدّمان شواهد متينة على نجاح المرأة حين تُمنح الفرصة العادلة.
وهذه الحادثة اجاب عنها ابن باز وقال: هذا قول ضعيف، والذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يجوز أن تولى المرأة، وإنما تولى ما يناسبها مثل إدارة مدرسة، تدريس طب، وما أشبه ذلك، أما القضاء فلا يتولاه إلا الرجال، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
من العجيب أن تُختزل قدرات المرأة في “إدارة مدرسة” أو “تدريس الطب”، وكأنها خُلقت لتقف دائمًا خلف الستار، لا أمامه. فالواقع يخبرنا أن المرأة التي يُقال إنها لا تصلح للقضاء، قد وصلت إلى سدة الحكم في دولٍ إسلامية وغير إسلامية، فأقامت العدل وأدارت الدول بكفاءة تُحرج كثيرًا من “الرجال الذين لا يتولون إلا الكلام”.
لعل المشكلة ليست في النصوص، بل في الخوف من قراءة النص بعين العصر، فكل جيل يُعيد تفسير الحياء على أنه حدود، والقيادة على أنها جموح، في حين أن المرأة لم تطلب امتيازًا، بل إنصافًا.
والنتيجة أن التاريخ يبتسم وهو يرى كيف تُغلق الأبواب باسم الدين، بينما الواقع يفتحها باسم الكفاءة، فيفوز من عمل، لا من منع.
وهكذا، شاء العصر أن يقول كلمته؛ فقد أثبتت المرأة حضورها، وقادت المجتمعات بإرادتها وعقلها، لا بإذنٍ من أحد. لقد تجاوزت القيود القديمة بالفعل، لا بالعصيان، بل بالتفوّق والإنجاز، فأصبحت القيادة واقعًا لا جدالًا، والحكمة أن نواكب الحقيقة بدلًا من معاندتها. فتبا لآرائكم
#صفاء_الصافي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟