أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد باليزيد - دموع خارج الوطن















المزيد.....

دموع خارج الوطن


محمد باليزيد

الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


الأسرة1: محمود ، منال والابن أنس. الأسرة2: نرجس، حسن والابن خالد. شريفة صديقة كل من منال ونرجس.
حين سمعت منال، قبل أربع سنوات، من ابنة خالتها شريفة التي حكت لها قصة صديقتها نرجس، حين سمعت القصة لم تصدقها . أو لنقل، لم يقبلها عقلها. سألت منال شريفة: من منهما، الأب أوالأم، اقترح الفكرة؟ وكيف أقنع الآخر؟ أجابتها شريفة جوابا ربما زادها حيرة : أي منهما لم يقنع الآخر يا أختي. الظروف هي التي أقنعتهما كليهما. فحسب رأيهما، ما دام ابنهما لم ينجح لا في دراسته، ولا في التعاطي لأية مهنة. وما دام ما يزال قاصرا، فعليهما أن يستغلا الفرصة: تعامل الدولة الأوربية المجاورة مع المهاجرين الغير شرعيين القُصر. ذلك التعامل، الفريد من نوعه من بين كل الدول الأوربية الأخرى، والذي بمقتضاه أن الدولة تحتضن المهاجر غير الشرعي القاصر وتأويه في ملجإ خاص وتكونه لتدمجه بعد ذلك في المجتمع. أليس هذا أجدى من أن يُضيع الإبن خمس أو ست سنوات أخرى من عمره في التسكع، ثم بعدها يحاول الهجرة بطرق قد تؤدي بحياته؟ هذا إذا لم يوصله تسكع المراهقة إلى الضياع التام لا قدر الله.
- وكيف وصل الإبن هناك؟
- هم أوصلوه. الشائع في هذه الحالات، أن الأبوين، أو أحدهما على الأقل، ينجزا فيزا سياحية برفقة الطفل إلى تلك الدولة. وبعد الوصول. وبعد قضاء يوم أو يومين سياحة، يفترق الأبوان مع الطفل قصدا ويرجعا هما مدعيان أنه هرب منهما. يبيت الطفل على الأكثر ليلتين في الشارع ثم "تلتقطه" السلطات لتقرر بشأنه القرار الوحيد وهو إدخاله ملجأ القُصر.
وفي مناسبة أخرى، حين دار الحديث بين منال وشريفة، وعرجا على قصة ابن نرجس، أضافت شريفة: كانت نرجس، كما حكت لي، في بداية الرحلة مطمئنة وغير قلقة. واستمر اطمئنانها كل اليوم والنصف الذي قضوه هم الثلاثة يتجولون ويزورون بعض المآثر التاريخية. لكن حين اقتربت لحظة الفراق، وكأنها لم تعد هي. في البداية بدأت عيناها تدمع. قال زوجها الذي لم يكن أقل منها حيرة مع نفسه: طبيعي أن تدمع المسكينة. فليس للمرأة في مثل هذه المواقف سوى الدموع. وحين أراد خالد أن يودعها، التصقت به ولم ترد تركه. فرقهما حسن وعانقه. وقف الطفل هنيهة كمن لا يعرف ماذا يفعل. وربما لا يعرف فعلا. أنقذ الأب الموقف قائلا: انصرف ابني. معك الله. فخرجت "الله" من بين شفتيه ضعيفة رافضة الخروج. استدار الطفل. مشى بضع خطوات ثم توقف ونظر إليهما بعينين متسائلتين عن لاشيء وعن كل شيء. صاحت الأم منادية إياه وجرت نحوه. ولولا أنهم في زقاق صغير خال من رجال السلطة لانكشف أمرهم وفشلت الخطة وربما يعاقبوا. هدأ حسن من روعها وتوجه وإياها إلى زقاق آخر كي يختفي الطفل عن أنظارهما ويختفيا عنه. وركبا الطائرة بعد ذلك بساعتين. خلال تلك الساعتين اللتين مرتا كما في الجحيم، لم تكلم نرجس حسنا ولم يكلمها. وهل هناك ما يمكن قوله؟ ما فائدة أن تسأله عن كيف سيقضي خالد ليله أو لياليه قبل أن تلتقطه المصلحة المختصة؟ ما فائدة أن تسأله هل سيتصرف برزانة ويلجأ لكنيسة وينفذ الخطة التي اتفقوا عليها أم أنه سيطيش بفعل الصدمة ويفعل ما لا يتوقع؟ ما فائدة أن تدمع عينيها مطرا خارج أرض "الوطن" وهي ترمي فلذة كبدها بيديها معولة على أن الغرباء سيعتنون به؟
إلى حدود سنتين قبل، كانت منال كلما طفت بذاكرتها قصة ابن نرجس تنتفض من دواخلها وتتساءل عن معنى الأمومة والأبوة وعن "الظروف" التي يمكن أن تقزمهما وتطمسهما. أما محمود زوجها فكاد أن يشتم نرجس وزوجها، حين حكت له منال. ثم تحكم في أعصابه واكتفى بقول لاحول ولا قوة إلا بالله.
كان عُمْر أنس آنذاك اثنتي عشر سنة. في بداية ذلك الصيف كان أنس قد أتم التعليم الابتدائي بمستوياته الست. الثلاث سنوات الأولى قضاها في التعليم العمومي. ولأن أباه لاحط أن الطفل لا يفقه شيئا بعد الثلاث سنوات الابتدائية. قرر أن ينقله من التعليم العمومي للخصوصي. قال محمود لمنال: لا حل لنا سوى نقله للتعليم الخصوصي. مع أن ما أضيف لراتبي بسبب الترقية الجديدة بالكاد سيكفي ذلك. بغض النظر عما تحتاجه المعيشة بسسب ارتفاع الاسعار. حين رافق محمود أنس للمدرسة الخصوصية لتسجيله أخبره مدير المؤسسة أنه عليهم إجراء اختبار له ليعرفوا مستواه. وحين أجروا الاختبار قرروا أن يقهقروه بدرجة/سنة كي يستطيع مسايرة رفاقه وكي يكون عنده (la base) الأساس. رضي محمود بقهقرة ابنه درجة مقتنعا عن مضض بأن ذلك من أجل مصلحة ابنه. قال لمنال كي يقنعها: أن يخسر أنس سنة ليربح مستقبله، ذلك ليس بالأمر المشين. ومن الأفضل أن يحصل هذا في هذا السن المبكر حيث الطفل لن يضر نفسيا كثيرا.
بعد أربع سنوات في التعليم الخصوصي، وحتى قبل أن يتمها، وهاهو أنس يحصل على شهادة الدروس الابتدائية بميزة حسن. بعد كل هذا يرى محمود أن ابنه حتى لا يجيد قراءة نص بالعربية ولا يكتب سطرين من الإملاء من دون أخطاء. ناهيك عن اللغة الفرنسية أو الرياضيات. قبل متم السنة الثانية، حين ذهب محمود للمدرسة ليشتكي من ضعف مستوى ابنه رجع خائبا حائرا. فهو ذهب ليضع المؤسسة في قفص الاتهام ويطلب منهم أن يحاولوا إصلاح ما أمكن. فوجد نفسه أمام المدير متهما. فقد أشار المدير إلى أن الأسر لا تتحمل مسؤوليتها ولا تتعاون. وإلى أن الأساتذة في المؤسسة من خيرة الأطر وأن نتائج مؤسسته أفضل بكثير من نتائج المؤسسات العمومية ومن الأغلبية من المؤسسات الخصوصية. كما حاول أن يلمح بأنه إذا كان التلميذ غبيا، لم يقل المدير الكلمة هكذا لكنه أوحى بها، إذا كان غبيا فلا تستطيع أية مؤسسة أن تصنع منه إنشتاين. وحين وصل المدير هذا المستوى من النقاش سأله محمود: ولماذا إذن تعطوه شهادة وبميزة حسن؟ بدا على المدير التوتر، أو لنقل زاد توتره، وبدأ يخلط المواضيع والحجج: كل الآباء يريدون أن يكون أبناؤهم في الدرجات الأولى. الأساتذة لا يقنعون بأي راتب. هناك اشياء تدخل في سر المهنة وليس من حق الآباء الإصرار على كشفها. الوزارة تربطنا ببرامج بليدة ولا تساير العصر ولو تركنا أحرارا لأبدعنا في التعليم أحسن من الوزارة ولصححنا مرتبة المغرب عالميا في التعليم......
بعد السنة الأولى في التعليم الإعدادي بدأت الأسرة تلاحظ تبرم أنس عن المدرسة وعدم اهتمامه بواجباته المدرسية وكثرة البقاء خارج البيت في أوقات غير الدراسة. حاولوا تنبيهه ثم توبيخه ثم... ولا فائدة. الطفل كالحجرة التي بدأت التدحرج في منحدر ولا من قوة قادرة على وقفها دون تكسير إحداهما الأخرى. بالكاد نجح في السنة الأولى من التعليم الإعدادي، ولو أن أباه غير مقتنع بذلك النجاح ومستعد أن يقسم أن ابنه لا يستحقه. وحين جاءت نتيجة السنة الثانية سلبية لم يفاجأ ذلك أحدا، خاصة الأسرة. في منتصف كل سنة من السنتين كان الأب يذهب للمؤسسة ليسأل عن مسار ابنه. فلا يجد في المؤسسة سوى جوابا واحدا: نشكرك على الاهتمام بابنك. نتمنى أن يفعل كل الآباء مثلك. فكثير من التلاميذ غير منضبطين لكن لا وجود لآبائهم. بالنسبة لابنك سلوكه عاد ولا يتغيب. أما عن ضعفه الدراسي فتلك مسألة غير إدارية.
بعد تلك النتيجة، وبنصيحة من المؤسسة، قررت الأسرة إلحاق أنس بمؤسسة تكوين مهني من أجل إنقاذه ما دامت الدراسة شبه مستحيلة بالنسبة له. ألحق بمهنة من اختياره لكنه لم يكد يكمل الشهر الأول حتى بدأ عدم الاتزام بالدروس ووصلت الأب بضعة إخبارات من الإدارة عن تغيب ابنه. لا النصح ولا التهديد ولا الإقناع بأهمية التعلم من أجل المستقبل ساعد على تحسين سلوك أنس. وإذا كان المشكل معه قبل هذه السنة هو عدم رغبته في الدراسة، فقد بدأت الأمور تتعقد وتتجاوز ذلك. لقد بدأ سلوكه ينحرف وبسرعة.
لم يحدث ذلك لا فجأة ولا مصادفة. لقد تسلل إلى عقليهما، وربما بنفس الوقت ثم بدأ ينمو ويختمر، أن ما قامت به نرجس وحسن قد يكون أحسن حل لمشكلة ابنهما أنس. لا يهمهما من الأول الذي صرح بالأمر للآخر. لكن ما فاجأهما ولم يضعاه بداية في الحسبان هو أن ابنهما، عكس ابن حسن، لم تكن لديه فكرة عما قامت به أسرة خالد ولا عن الهجرة أصلا. فبالنسبة لخالد، ونظرا لرفقته، كانت فكرة الهجرة مطروحة لديه ولم يكن ينتظر سوى الفرصة المناسبة والقدرة على ذلك. وحين أخبره أبواه بتلك الطريقة التي ليس فيها تقريبا شيئا من المخاطرة، سر بذلك أيما سرور. أما أنس، فقد لاحظ والداه أن فكرة الهجرة لم تكن قد جالت بعقله يوما ولا هو يعرف عنها شيئا. فكيف يخبراه ويقنعاه بها؟ كيف يقنعاه أن هناك، خارج هذا الوطن ليس كداخله وأن حل مستقبله هناك؟ كيف يقنعاه بأن عليه أن يرحل الآن قبل فوات الأوان؟ كيف يقنعاه بأن المؤسسات هناك ليست كمثيلتها هنا التي جعلته يفضل الجهل عن العلم ويكره المؤسسات؟ كيف يقنعاه.......؟ وهل هما أنفسهما أقتنعا فعلا أم مجرد الهروب إلى الأمام؟ هذا السؤال الأخير جعل محمود يؤجل الحسم مع منال وكذا طرح المسألة على أنس.



#محمد_باليزيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية وحدود نقد الدين
- بين الفتوى الدينية والفتوى السياسية
- تنفيذ الاعدام وتفاهة الاعلام
- أردوكان وماكرون، بطلا الديماغوجيا
- عقاب الروبوتات
- النموذج الأعلى لليبرالية
- الزنا:بدون تعليق
- أسئلة خاطئة من أجل فهم النسبية
- الإسلاموفوبيا
- لا لتضليلنا، لا لتبليدنا
- البيو(Bio)، آخر خطوة نحو العبودية.
- هندسة الفيضانات
- الخرافة والبرهان
- شعب الملائكة
- المغاربة والأبوة الزائفة
- فخ البيتكوين، هل من مخرج؟
- لا وهم بعد اليوم
- الإتحاد الأوروبي ومحاربة الفساد الضريبي
- الطب التقليدي، خيار أم واقع للتكريس؟
- فساد الفساد


المزيد.....




- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد باليزيد - دموع خارج الوطن