أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد باليزيد - عقاب الروبوتات















المزيد.....

عقاب الروبوتات


محمد باليزيد

الحوار المتمدن-العدد: 6627 - 2020 / 7 / 25 - 02:12
المحور: الادب والفن
    


قال أحد الفلاسفة ما معناه أن البشر لا يستطيعون أن يتصوروا آلهتهم سوى على شاكلتهم، ولذك نجد الجبروت والكرم و الحِلم والمكر.......وحتى الندم من صفات بعض الآلهة. أعتقد أن القائل هو جبرا إبراهيم جبرا في كتابه "ما قبل الفلسفة" (1)
كان طفلا ككل الأطفال، رغم أنه لم يكن يتذكر أن له أقرانا أو أصدقاء يلهو ويكبر معهم.
كان ككل الأطفال يتميز بغريزة حب اللعب. يشكل أشكالا كثيرة، دونما أسماء، فهو لم يفكر بعد في أن يعطيها اسماء. كان يجد متعة في صيرورة تشكيل هذه الأشكال ثم في النظر إليها بعد أن تتشكل، لكن سرعان ما يملها ويجد نفسه في حاجة إلى تشكيل أشكال أخرى علها تكون أكثر جمالا وأجلب للمتعة إبان تشكيلها وبعده. ويمر الزمن، وهو لم يكن يهتم بعد بأن هناك زمنا ولا أن هذا الأخير يمر، أو على الأصح لم يكن يع شيئا بهذا المعنى. كذا لم يكن ليع كم من شكْل شكلَ ولا كم أعجبه منها وكم منها لم يتمم حتى تشكيله وهدمه تهديما قبل أن يتم. لم يكن لدى الطفل السعيد هذا مفهوم العدد. المهم أنه، وذاته، يفكر في ما يريد [إذا سلمنا أن التفكير يأتي عن إرادة] أو على الأصح يفعل ما يخطر على باله، من غير أن يفكر أو يتردد، دون أي عائق مهما كان. كثرة التكرار للعبة هذه للمرة الألف أو المليون أو....، حتى دون وجود وعي لا بالزمن ولا بالعدد، كثرة التكرار جعلت إحساسا غريبا يطفو على عقله: اللعبة صارت مملة!! فجأة التفت حواليه، "آلاف"،.... "ملايين" ….. الأشياء والأشكال حوله لكنها لم تعد مسلية. بدأ ينظر إلى هذا الكم الهائل ويتساءل هل هو فعلا من شكل كل هذا؟ كان إلى حدود قبيل تلك اللحظة يشكل ويلهو ثم يرم خلفه ويبدأ لعبة/تجربة أخرى وكأنه لم يفعل شيئا قبلها. والآن وهو يتفاجأ بهذا الكم الهائل من الأشياء صدم، أو لنقل فوجئ، هل من المعقول أن يكون هو من فعل كل هذا؟ بدأ يجول ببصره في كل هذه الفوضى، في كل الاتجاهات، وفجأة بزغت لديه فكرة أن "يعد"، رغم عدم وضوح المفهوم لديه، يعد كل هذه الأشكال. لقد بدأ مفهوم العد يتبلور لديه. أمضى وقتا قليلا في التفكير في "مسألة العد" ومحاولة تعداد ما صنع ثم ما لبث، حين لم يتضح له كفاية ما يريد، ما لبث أن عاد إلى التفكير في اللعب وكيف يصنع ما يمتعه وكيف سيكون ذلك ممتعا ما دامت كل هذه الأشياء لم تمتعه. جال ببصره حول كل هذه الأشياء وفجأة لاحظ أن كل هذه الأشياء مجرد "جماد" لا حركة فيها. فكر أنه يمكن أن يصنع أشياء غير جامدة، تتحرك....
بدأ بتشكيل أجسام مختلفة الأشكال والأحجام وكل منها، ما إن يتم تشكيله مباشرة حتى يبدأ يدب حوله وفي جميع الاتجاهات دون نظام. وما أن صنع عددا لا بأس به من هذه الأشياء حتى لاحظ أن النتيجة تكاد تكون أشبه مما كان سابقا. ففي السابق كانت أشياؤه رغم جمودها في مكانها تمثل بعض الجمال والتنوع، لكن الآن، فوضى حركية هذه الأشياء تكاد تتعب العقل بدل أن تمتعه إن هو حاول تتبعها. وما هي إلا لحظات ظل خلالها يتمعن هذه الفوضى حتى اقتنع أنه لا بد من "نظام" لهذه الفوضى الغير ذات معنى، قال مع نفسه، أو بالأحرى خمن. لكن أي نظام؟
بدا له أنه يمكنه رسم خط/مسار لكل جسم يصنع. وهكذا، كلما أتم تشكيل جسم ما رسم له خطا فيبدأ الجسم بالحركة متتبعا ذلك الخط. في البداية كان يرسم خطوطا مفتوحة منتهية، فيتحرك الجسم منذ تمام صنعه، لكن حين يصل نهاية الخط يتوقف، فيضطر الطفل، حين يراه متوقفا، يضطر لأن يضيف للخط مسافة أخرى وهكذا. ثم، لا يدري كيف وجد نفسه يرسم خطوطا مغلقة فلاحظ أن الجسم الذي يوضع على مثل هذه الخطوط يستمر في الحركة دون الحاجة كل مرة إلى الزيادة في طول خطه. فأعطاه هذا، مؤقتا على الأقل، متعة مختلفة عما سبق.
الحركة....التوقف... الإضاءة....النمو...التنفس...التغذية…النوم....التجاذب....التنافر.....هكذا وجد نفسه قادرا، بعد "ابتكار" الحركة ومنحها للعبه، وجد نفسه قادرا على "ابتكار" أشياء/خصائص أخرى وتزويد لعبه بما يريد منها. فابتهج لما توصل إليه أيما ابتهاج.
أمضى كثيرا من الوقت مع هذه اللعب ولم يعد يضيف إليها أشياء أخرى مكتفيا بما تحققه له هذه الأشياء المبتكرة مؤخرا من متعة. ثم فجأة اكتشف، أنه ومن دون أن يقصد، لم يعد يرسم للعبه الأخيرة خطا تتحرك عليه. ومع ذلك فهي تتحرك دون مشاكل وأكثر من ذلك تبدو حركتها غير عشوائية وكأنها محكومة بنظام ما. أين يكمن هذا النظام إذن؟ كيف حصلت عليه هذه اللعب؟ خمن وخمن لكنه لم يصل إلى نتيجة. أهمل المسألة معتقدا أنها غير ذات قيمة وتابع تمتعه بصيرورة لعبه.
فجأة لاحظ جسمان يقومان بحركات غريبة لم يقم بمثلها قبلهما غيرهما! ماذا يفعلان؟ تساءل مع نفسه. يتصادمان يفترقان يلتقيان مرة أخرى... طال ذلك وقتا وهو يرى دون أن يتدخل ودون أن يفهم من أين أتت هذه الحركات. بعد قليل لاحظ أن أحد الجسمين لم يعد يتحرك. أخذه يتفحصه فوجد به بعض التشوهات. وضعه/تركه ولا حركة. بعد فترة لاحظ أن الجسم الثاني الذي بقي يتحرك اتجه نحو جسم آخر فتكرر المشهد السابق: حركات غريبة ثم جسم آخر يفقد الحركة. فهم أن هذا يجب أن لا يستمر. لكن ما العمل؟ قبل ذلك يجب أن يفهم ما يجري. وكي يفهم ما يجري عليه مراقبة والتفرج على نفس اللعبة تتكرر حتى يستوعب ما يجري. تكررت اللعبة أمام عينيه مرات ومرات ولم يخرج سوى بنتيجة واحدة: لعبه يدمر بعضها بعضا. ولا بد من إيقاف هذا حتى ولو أنه لم يفهم له سببا. ماذا يفعل كي يوقف هذا؟ ما الذي عليه أن ينتزعه من تلك الأجسام التي تدمر الأخرى؟ الحركة؟ لقد أعطى لعبه الحركة منذ البداية ولم تولد لديها رغبة التدمير تلك. التغذية؟ هي الأخرى لم تنتج هذا السلوك. ....التنفس ... النوم....؟ كل تلك الخاصيات لم يلاحظ أنها ولدت لدى لعبه، حين منحها لها مباشرة، رغبة التدمير تلك. فما هي الخاصية التي يجب سلبها من هذه اللعب كي تصبح مسالمة؟ لكن، كل هذه الخاصيات موجودة لدى الكثير من لعبه، او جل ما صنع مؤخرا، أما رغبة التدمير فلدى القليل منها فقط. إذن، هل يمكن أن يقول أن رغبة التدمير لا علاقة لها بتلك الخاصيات.
كان يلهو ويتمتع بلعبه، والآن هاهي ذي تلك اللعب تتعب عقله. هل يحطم كل تلك اللعب التي تحاول تدمير الأخرى؟ قد يتوقف التدمير بذلك، لكن إذا دمرها وتوقف تدميرها لبعضها فلن يبق له سبيل ليفهم ما حصل. ثم أن التدمير ذلك قد لا يكون الحل النهائي، فقد تبزغ رغبة التدمير من جديد لدى لعب أخرى وهكذا....
خمن وفكر فارتأى أنه بدل التدمير النهائي لتلك اللعب الشريرة، يمكنه فقط معاقبتها بشكل يمكنه إفهامها رغبته في تخليها عن تدمير أخواتها.
بدأ يعاقب كل لعبة يرى أنها تتجه نحو أخرى لتبدأ تلك الحركات. وبعد ما تكرر الأمر كثيرا لاحظ ان القليل منها فقط يصبح مسالما بعد العقاب. فتساءل إن كان العقاب فعلا هو سبب تعديل سلوك تلك اللعب فلماذا لم يعدل سلوك كل اللعب التي عوقبت؟ واللعب التي تصحح سلوكها، هل عدلت سلوكها لأنها فهمت قصده من العقاب؟ فجأة تساءل مع نفسه: ماذا يعني أنها "فهمت قصده"؟ وكيف تفهم وهو لم يوجه لها خطابا مباشرا؟ وإن أراد توجيه مثل ذلك الخطاب بأية "لغة" سيتعامل؟
أسئلة مؤرقة لم يجد لها جوابا بعد كما أن مسألة تدمير اللعب بعضها بعضا مؤرقة. ذلك أنه حتى بعد أن عاقب بعض اللعب ما يزال غير مقتنع تماما بمسألة العقاب تلك. ليس فقط لأنها لم تعط نتيجة، ولكن لأن العقاب، وهذا لم يتبلور في ذهنه إلا بعد ما عاقب بعض اللعب ولاحظ ألمها، لأن العقاب يجب أن يكون جزاء من قام بفعل عن اختار وإرادة. وهو، إلى حدود تلك اللحظة لم يفهم مصدر العدوانية تلك كي يعرف أهي اختيار وإرادة يستحق عليها صاحبها العقاب أم هي شيء آخر لا يمكن إرجاع المسؤولية فيه للفاعل المباشر. رغم ذلك، قرر الإبقاء على العقاب عله، العقاب، عله مع أثره يساعده في فهم المسألة أكثر.
بقيت الأمور على هذا النحو، لعب تحاول تدمير الأخرى أو تدمرها فعلا، يعاقب بعضها، يصحح سلوك القليل منها ويبقى سلوك الكثير، رغم العقاب، يبقى عدوانيا بقدر أو بآخر. بقيت الأمور على هذا النحو وهو يراقب كي يفهم ومع مرور الوقت بدأ يفقد الاهتمام بمسألة فهم ما يجري حتى صار ذلك الوضع اعتياديا ولا يثير أي اهتمام. ومع مرور الوقت، ولكثرة ما كرر اللعبة، أصابه الملل من مراقبة لعبه كما فقد الرغبة في معاقبة اللعب الشريرة واستمرت اللعبة تلعب نفسها.

1) المرجو من أي قارئ متأكد من الاقتباس أن يضيفه في تعليق بأسلوب الكاتب واسم الكاتب. مع جزيل الشكر.



#محمد_باليزيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النموذج الأعلى لليبرالية
- الزنا:بدون تعليق
- أسئلة خاطئة من أجل فهم النسبية
- الإسلاموفوبيا
- لا لتضليلنا، لا لتبليدنا
- البيو(Bio)، آخر خطوة نحو العبودية.
- هندسة الفيضانات
- الخرافة والبرهان
- شعب الملائكة
- المغاربة والأبوة الزائفة
- فخ البيتكوين، هل من مخرج؟
- لا وهم بعد اليوم
- الإتحاد الأوروبي ومحاربة الفساد الضريبي
- الطب التقليدي، خيار أم واقع للتكريس؟
- فساد الفساد
- فتوى دارت من أجل البنوك الإسلامية.
- وماذا بعد
- من أزمات الأحزاب المغربية
- كي لا نهلوس مع هلوسة ترامب
- استقالة محققة (سوريا)


المزيد.....




- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد باليزيد - عقاب الروبوتات