أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - مدخلات ومخرجات.. لفهم أسباب الهزائم العربية















المزيد.....

مدخلات ومخرجات.. لفهم أسباب الهزائم العربية


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 22:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المفاوضات وشروطها تأتي استجابة لنتائج الحرب الفعلية وما تحقق على الأرض، يتفاجأ بها فقط من لم يدرك حقيقة ما دار في الحرب واكتفى بتغطية "الجزيرة".. وتناسى أنَّ السياسة تحكمها قوانين تشبه تماماً قوانين الطبيعة والفيزياء والمعادلات الكيميائية.. وهذه القوانين لا تعبأ بالصور الافتراضية التي نخلقها لأنفسنا، ولا يهمها مدى رضانا أو رفضنا لها، أو جهلنا بها..

للتوضيح لنأخذ مثالا علميا، ثم نستعرض أمثلة من التاريخ الحديث لتدعيم الفرضية.

لو أن شخصاً ما قام بتصنيع سيارة (سنسمي مرحلة تجميع وتركيب القطع والأجزاء "المدخلات"، ومرحلة التشغيل والقيادة "المخرجات").. لو أن هذا الشخص ارتكب أي خطأ في المدخلات؛ كأن يهمل قوة المكابح مثلاً، أو كفاءة الموتور، أو ينسى برغيا أو صماما أو يركب قطعة في مكانها الخطأ.. بكل تأكيد بمجرد تشغيلها ستظهر تلك الأخطاء، ربما فورا أو بعد أيام.. قد يهوي في واد سحيق، أو يصطدم بجدار، أو تتركه وحيدا في منطقة معزولة.. ستحصل الكارثة حتماً، بغض النظر عن حجم المديح والثناء الذي تلقاه من أصدقائه أثناء اشتغاله على تصنيعها.. وبغض النظر عن مدى قناعته ورضاه بما صنعت يداه..

سنكتفي بثلاثة أمثلة من تاريخنا المعاصر، وهي كافية للتوضيح لمن أراد أن يفهم:

قبيل العام 1948 كانت المدخلات: جيوش غير كفؤة، قيادات مرتهنة، أسلحة متخلفة، تحالفات سياسية مشبوهة، تقدير الموقف كان خاطئا من الأساس، لا توجد إستراتيجية مشتركة، دعم على شكل فزعات عشائرية. في الإعلام: هؤلاء مجرد عصابات، شذاذ آفاق.. المخرجات: النكبة والتشريد.

قبيل العام 1967 كانت المدخلات: الجيوش العربية غير مستعدة (اكتفى عبد الناصر بعبارة عبد الحكيم عامر "كل شي تمام")، الأسلحة متخلفة، الخطة غير جاهزة وضبابية، لا توجد إستراتيجية، ولا تنسيق، تقدير الموقف خاطئ، القرارات المصيرية بيد شخص واحد، لا يوجد نقد ولا اعتراض ولا مساءلة، الجماهير مغيبة ومقموعة، الإعلام مضلل وكاذب، ثقافة التسحيج والقطيع.. المخرجات: النكسة والهزيمة.

أثناء أزمة الخليج الأولى 1990-1991 كانت المدخلات: اختلال فادح في موازين القوى، تخلف تكنولوجي ومعرفي، فرد مستبد وحده من يخطط ويقرر، جماهير مغيبة ومقموعة، إعلام حزبي أيديولوجي، غياب النقد والمراجعة، تغييب الكفاءات وانعدام الحوار، الترويج لفكرة أن الجيش العراقي رابع جيش في العالم، المدفع العملاق والكيماوي المزدوج والقائد الملهم، الموت لأميركا، تحالف صليبي، شعارات، مظاهرات، أدعية.. المخرجات: هزيمة الجيش وتفككه، وتدمير العراق، وتمزق الموقف العربي، ودخول أميركا إلى المنطقة، وبداية مسلسل الهزائم والتراجعات.

لنأتي إلى العام 2023 والحرب العدوانية على غزة:

المدخلات: رهان على محور المقاومة، رهان على قوة حزب الله وتدخله، رهان على زحف الشعوب العربية والإسلامية واختراقها الحدود، رهان على تدخل الملائكة في الحرب، رهان على صواريخ القسام والأنفاق وتشكيلات حماس العسكرية التي صورتها الجزيرة نسخة عن كوريا الشمالية.. رهان على الموقف الدولي، وتغير الموقف الأميركي، رهان على ضعف إسرائيل (أوهن من بيت العنبوت) وأنها لا تستطيع خوض حرب طويلة، ولا تستطيع الدخول بريا، وسينهار اقتصادها، وستنهار حكومة نتنياهو. إعلام يعتمد على الدويري وجوقة الجزيرة وغابات الزيتون..
من الأسابيع الأولى للعدوان تبين أن كل تلك الرهانات خاطئة وفاشلة ولم يتحقق منها شيء، ببساطة لأنها كانت مجرد أوهام وتمنيات.. وجزء من حملة تضليل ممنهجة.

طوال السنتين وجرائم إسرائيل مستمرة في القتل والتشريد والهدم واحتلال المدن، وأعداد الضحايا في ازدياد مضطرد ومعالم سحق غزة واضحة للعيان.. دون اتحاذ أي خطوة لوضع حد للهزيمة، أو لوقف الكارثة وتدارك الأمر..

كل تلك الأخطاء بُنيت أساسا على أخطاء سابقة (مدخلات) تشبه تماما مدخلات النكبة والنكسة وسائر الهزائم العربية: فساد، نظم شمولية، القرار بيد شخص واحد، وحده من يخطط ومن يقرر ومن ينفذ.. لا توجد ثقافة النقد والمراجعة والاعتراض والمساءلة والمحاسبة، بل ثقافة التسحيج والتقديس والمباركة وغض الطرف عن كل الأخطاء والممارسات.. لا توجد قيادة جماعية ولا تخطيط جماعي ولا إستراتيجية مشتركة، كل فصيل يريد أن يتفرد بالقضية الفلسطينية ويعتبر تاريخ انطلاقته هو تاريخ بدء المقاومة، وقد توجنا ذلك بالانقسام وسلخ غزة عن الضفة، والارتهان للعبة المحاور الإقليمية، والتجند للأجندات الإيرانية، أو الأميركية..

لا توجد مراكز دراسات وتفكير إستراتيجي وتقدير موقف.. ما كان موجودا ثقافة غيبية تعتمد على حسابات الإعجاز العلمي، ونبوءات موعد زوال إسرائيل، ووعد الآخرة.. ثقافة أصحاب الأخدود، التي لا تقدر قيمة الحياة والإنسان ومستعدة للتضحية بملايين البشر مقابل الأيديولوجيا.. مع أمثلة الجزائر وفيتنام الحاضرة في كل وقت، والمسقطة حتى دون دراسة وفهم.. ثقافة حزبية ضيقة تضع الحزب قبل الشعب وقبل القضية، وتخوض مراهقات سياسية بحسابات مرتجلة.. ينجم عنها شيوع نظريات المؤامرة وأن الغرب كله عدو، والأنظمة عميلة، والجميع خذل المقاومة..
قرارات مصيرية تُتخذ دون تخطيط إستراتيجي، ودون بناء تقدير موقف شامل لقوة العدو وإمكانياته، مع جهل لدوره الوظيفي ولمكانته في المعادلة السياسية الكونية، وفي النظام الدولي، وحجم الدعم الجاهز دوماً من حلف الناتو وأميركا ومنظومة الدول الغربية.. تقدير موقف مرتجل لم يقدر مدى ضراوة الرد الإسرائيلي، ولا أهمية الفرصة السياسية التي حصلت عليها إسرائيل للتو..

كل تلك المدخلات الخاطئة لا بد أن تنتهي بهذه المخرجات الكارثية: تدمير قطاع غزة واحتلاله، وقتل وجرح وتشويه وتشريد سكانه وتهيأة ظروف التهجير..

قبل أن تُفجع وتتفاجأ وتنصدم ويصيبك الإحباط وتوزع اتهاماتك شرقا وغربا وتحمّل جميع الأطراف المسؤولية وتبرئ نفسك.. تذكر أن العالم والكون والسياسة والحروب والدول والنظم تقوم على أسس موضوعية: مدخلات ومخرجات.. لا مكان للمعجزات، ولا للأوهام والرغبات..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحدث في الغرب الإفريقي؟
- ابن عربي.. حياته وفكره
- القولبة والتنميط وثقافة القطيع
- الحرية في بلدان المشرق
- الجذر التاريخي لتفوق الغرب على الشرق
- الشيخ متولي الشعراوي، وأسباب الضياع
- المليار الثامن
- كيف نشأت المسيحية؟
- كيف يفكر العقل الذكوري؟
- الإنسان والزراعة، من طوّر الآخر؟
- الهرمسـية والغنوصية
- عشر سنوات حاسمة
- ثلاثة تلسكوبات، غيّرت وجه العِلم
- كيف نشأت الديانة اليهودية - دراسة تاريخية
- قلعة الشقيف وقلعة متسادا
- لماذا منظمة التحرير الفلسطينية؟
- مرايا
- روح العراق وأسراره
- لباس المرأة
- التقويم العالمي والزمن الشبحي، وأعياد النوروز


المزيد.....




- -مظهر سيىء-.. وزير الدفاع الأمريكي منتقدًا جنود الجيش -البدن ...
- خطة غزة.. ترامب يمنح حماس مهلة -من 3 لـ4 أيام- للرد ويحذرها ...
- فيديو- كيف ينظر الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة إلى مقت ...
- جمال كريمي بنشقرون : رجاء اسمعوا صوت الشباب.. من أسلوب الاحت ...
- ضمانات أمنية وحكومة انتقالية.. ماذا تتضمن خطة ترامب لإنهاء ح ...
- ترامب في اجتماع مع كبار القادة العسكريين: الولايات المتحدة ت ...
- رغم الإعلان عن خطة ترامب للسلام.. الموت مازال يحصد أرواح الع ...
- العثور على سفير جنوب إفريقيا لدى فرنسا ميتا أمام فندق بباريس ...
- واشنطن بوست: انقسام ديني يزلزل أركان السياسة الأميركية
- باحثون يوصون بإضافة التوابل الحارة إلى الوجبة الغذائية


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - مدخلات ومخرجات.. لفهم أسباب الهزائم العربية