أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوخنا أوديشو دبرزانا - ضيعتي مرقد الشمس














المزيد.....

ضيعتي مرقد الشمس


يوخنا أوديشو دبرزانا

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


يستذكر حنانيا ويقول :
عندما كنا صغاراً والعائلة أصغر ومشاغل أبي أهون كان يقرأ لنا أكثر. مما أتذكره ذات ليلة بالسريانية قرأ لنا من كتاب كليلة ودمنة قصة السلحفاة والقرد صاحب القلب المركون على الشجر وفي الليلة التالية قرأ لنا قصة يوسف الصديق وبطش أخوته أثناءها كنت مستلقياً في حضن ابنة عمي البالغة . رطبت دموعي فستانها ولم أتمالك نفسي في البداية كانت حشرجة غير مسموعة وبعد حين فار المي بكاء لم اتمكن من كبته تعاطفاً مع يوسف . أبي توقف عن القراءة وأنا ما زلت ابكي كل المقهورين في العالم وأشدهم قهراً في هذا الزمن زمن هيئة الأمم ومؤسساتها أناسي الذين كان لهم الفضل في أنسنة الإنسان وصنع العجلة وترويض الحصان من حمورابي إلى مكتبة بانيبال وبالامس بكيت تمثال المعري ففي شرقنا الرائع اللعين يُبكى إنساننا المهان
عندما كنت صغيراً كنت أظن أن الشمس تنام خلف تلك التلة الأثرية في العقار الشرقي لقريتنا. على منعطف مجرى نهر الخابور تستحم أو تغسل وجهها قبل بدأ مشوارها اليومي . تلك التلة كانت أحد مراتع مراهقتنا أيام الربيع والصيف ، أما اروع ذكرى من ذلك العمر الجميل والايام الربيعية ، كانت عندما اقنعنا صديقنا يوسف سرقة بعض النبيذ من خوابي والده المركونة في حظيرة البقرة وبطريقة ماكرة وذلك بشفطه بأنبوب بلاستيكي عبر كوة تطل على إحدى الخوابي وعلى فناء الدار المسورة . تناوبنا عملية الشفط لتعبئة القناني إلى درجة الانتشاء وكانت غايتنا أخذ النبيذ إلى التلة حيث يشارك الشبان الصبايا فرحة عيدهن (( أحد البنات )) . إنه العيد الخاص بالبنات حيث يحتفي به الآشوريون ببناتهم . في هذا اليوم الأحد السابق للصوم الخمسيني يعزمون المتزوجات ويقدمون لهن الهدايا ويكرمون الصبايا . كنا أربعة أصدقاء المرحومين اوديشو وشابة ويوسف و في طريقنا إلى التلة للمشاركة في الحفلة كان نبيذ ابو يوسف فعل فعلته في رؤوسنا لكننا في النهاية وصلنا بسلام وثُمِنَت هديتنا .
أما في الصيف فكانت التلة المكان الامثل للتزلج وفي ذلك الموقع لم يكن النهر وديعاً ، فقط السباحون المهرة كانوا يكملون مشوار التزلج أولاً لتلقف الضعفاء كي لا يأخذهم النهر بعيداً . في ذلك الزمان وقبل أن يسرق كان النهر ايضاً شاباً ، يتدفق حيوية ، سريع الجريان وخاصة في ذلك المنعطف .
ويضيف حنانيا : كانوا يقولون هازئين أن حنانيا كالطيور يهرع إلى مهجعه باكراً لكن هيهات يستدركون أن حنانيا يريد ن يكون مع حنانيا . نعم يكون الوحيد من أخوته في الفراش المدود على سطح الدار لكنه يعلق ويقول نعم كنت وحيداً في الفراش ولكن كنت مع النجوم وكنت أخال درب التبانة للعشاق في السماء كما كان يوماً الدرب إلى غابة الحور مسلكي وروزالين . في تلك الغابة أيقنت أن رضاب الحبيب هو نسغ الحياة للبشر كما النسغ للشجر. أما غايتي من الاستيقاظ الباكر قبل بزوغ الشمس كي لا تفوتني طلتها البهية ومراقبة نهوضها المتثاقل كعروس منتشية بعد ليلة هنية لذا كان علي الاستيقاظ كي أتمتع بذلك البهاء . كنت أظن أن الشمس لنا لضيعتنا وليست لغيرنا .
ويستطرد حنانيا : كثيراً ما كان غروبها يؤرقني فكنت أعلل نفسي أنها ذاهبة لتغطية موتانا ربما شكوا لها عتمة و برودة جوف الارض . أثناء مرورها منخفضة فوق مقبرة ضيعتنا كنت أناجيها أن تبلغ جدتي إني ما زلت بانتظارعودتها سأعود طفلاً و أرافقها إلى الكنيسة لأداء صلاة رامشا (صلاة المساء ) فأنا قادر على المسير. لن أكون عبئا على ذلك الظهر المنحني تحت وطأة العمر والمآسي ، و مما عاينت من مجازر ومن تهجير إلى تهجير، وعلى ضفاف نهر الخابور كان المطاف الأخير . لإنعاش ذاكرة جدتي ناجيت الشمس أن تبلغها عندما تعود، إني لم أعد أصلي كما في السابق طالباً من الله احتباس المطر كي لا يتسخ حذائها بالطين ، بل أصلي ليزيد من المطر لكي تخضر وتزهر براري ضيعتنا والوطن ولتملأ العنابر بغلال القمح والشعير . ويردف إن ذلك المرور كثيراً ما عَكًر صفو يومي حين أتذكر ايشو وحيد عمتي الذي ضمته المقبرة . كان في بداية صيفه التاسع لقد كان يتيم الأب منذ عامه الأول ، من يومها أكفر احياناً بيسوع . تُرى لماذا لم يعمل أعجوبة ارملة ((عانيا )) ؟ إن العالم في زمن أحوج ما يكون للمعجزات والعجائب ، إن كان ومازال له ذلك السلطان . فأناجي شمسنا مستفسراً هل الله في قيلولة أو إجازة أم أستقال ؟ وإن لم يكن كذلك لماذا صم أذنيه أذنيه عن مآسي البشر؟ ويضيف حنانيا وإذا لم يكن كذلك لما اليوم في وطن الكرمة والزيتون والسنابل كل هذه الدماء والدموع ، بسبب براميل الموت الهابطة من سمائه أو أنصال سكاكين المدافعين عنه وعن الدين وكأن الله عاجز .
أما ما آل إليه مرقد شمسي تلك التلة الاثرية ، الشاهد على زماننا اللعين وعن أزمنة غابرة لقد أضحت مرتعاً لبقايا من البداوة لمن لا يقدرون روحها فقد وطنت وعمرت عليها بيوت يسكنها عابثون بفخارياتها ممن يجهلون أن لتلك اللقى والفخاريات أرواحاً لذا لم يعبث بها أهل ضيعتنا لاعتقادهم أنها ستروي يوما لنا وللأجيال القادمة الحكايات والمآثر . وبحسرة يستطرد لقد خاب ظني لم تكتف الدولة باستيلاء العقار والتوطين فلقد سرقت النهر أيضاً وأصبحت ضيعتي مستباحة كما وطن الكرمة والزيتون والسنابل لكل الوان الجراد وتشتت أهل ضيعتي خلف البحار والمحيطات لكني ما زلت مثل ذلك القرد وفياً تاركاً قلبي يسرح بين البساتين والبيادر وبين الدور المهدمة بقنابل الحقد وآخرها كنيسة مار ((سابا)) ولسان حالي ما أحوجك للأنسنة أيها الإنسان .


يوخنا اوديشو ديزانا
شيكاغو 22 أيلول 2025



#يوخنا_أوديشو_دبرزانا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأليه الإنسان وإسقاط الإله
- الأخوة الأكراد والرهانات الخاسرة
- رسالة مفتوحة الى معالي وزير الثقافة السوري الموقر
- القائد أحمد الشرع والي أم أمير ؟
- بين بيريس وبوش هل من شرق متوسطي جديد؟
- انا كنت سيد عقلي هذا ما يقوله فيودورس
- كنت سيد انا كنت سيد عقلي هذا ما كان يقوله فيودورس
- تنهيدات ذلك العصفور الدوري المشاكس
- سالم عابر حائر !
- نواطير الكلاب
- وكانا يسرقان الحمير
- من ماراثون الدراجات الى ماراثون الاعلام وعلامة النصر المنكسة ...
- حنانيا المتخاذل
- ممن الأعتذار ؟ من المشانق أم من أردوغان ؟


المزيد.....




- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...
- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...
- عبد الكريم البليخ في -بكاء الحقل الأخير-... ثلاثون قصة عن ال ...
- استقالة مفاجئة لأشرف زكي من نقابة المهن التمثيلية استعدادا ل ...
- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوخنا أوديشو دبرزانا - ضيعتي مرقد الشمس