أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوخنا أوديشو دبرزانا - نواطير الكلاب















المزيد.....

نواطير الكلاب


يوخنا أوديشو دبرزانا

الحوار المتمدن-العدد: 7905 - 2024 / 3 / 3 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


تأكد يا عم هوذا من سيكون صديقك سيأتي يوم لن تلق إلى جانبك أحب الناس إليك. لن تعاتب فكل منهم سيكون مشغولاً بنفسه . ارجوك وفر دمعتك ولا تخجل ولا تعاتب ابنتك وتأكد انك ستشكرها يوما على هذا المخلوق الذي لن ترى معاشراً وفياً غيره هذا ماقاله للعم كيوركيس في لقائه الثاني به
كانت الساعة الرابعة والنصف صباحاً من شتاء شيكاغو القاسي حيث الثلج المتجمد إلى الركبة والعم كيوركيس يقود كلباً ليقضي حاجته خارج الدار إنها أوامر ابنته حسبما أفاد لحنانيا شاتماً منزعجاً مقهوراً عندما أضطر حنانيا إيقاف سيارته قبالته منتظراً شقيقته لأخذها وزوجته إلى العمل حيث يبدأ في الخامسة والنصف تاركاً طفليه لوحدهما في البيت إنه مرغم على ذلك ومن حسن حظه وحظ الأطفال أن عمله مسائي . لم يتمكن من محاشاة لقاء العم تفادياً للاحراج .في اللقاء القادم سيقول له العبارة الشهيرة لصديقه المرحوم وليم حيث كان يقول والضحكة تتراقص ممزوجة بالكلمات المنسابة من شفتيه : كلب صديق أفضل من ألف صديق كلب مثل حنانيا كان التعليق الوحيد على المقولة إذا كنت تقصد بها المديح فالف شكر لك على هذا الاطراء أما إذا لم تجد فيٌَ أهلية الوفاء فالأفضل ألا تظلم الكلاب بإمكانك القول صديق كلب أفضل من ألف ثعلب أو ذئب أو أي حيوان آخر . اليوم وبعد مرور العقد الثالث لهجرة حنانيا وتجاوز شتائه الستيني . تناول شمعة معطرة برائحة الزيزفون تلك الرائحة التي تذكره بربيع تلك الضبعة المستلقية بهدوء على كتف حبيبها نهر الخابور قبل أن يُسرق , يوم كان شباباً يتدفق حيوية وخريره على شلالات تلك السدود الصغيرة المكنية (سكورالنواعير) مثل نغمة جملة موسيقية غير منقطعة . لم ينس علبة الكبريت وكلبه الصغير يراقبه خوفاً من تركه لوحده في الدار. هو ايضاً يشعر بالفراغ تماما مثل الفراغ الروحي لحنانيا . كان احساسه باستعداد حنانيا للخروج مثار شفقة مما جعله في أحيان كثيرة يتوانى عن الخروج وبالأخص عندما يبدأ يتلعثم شبيه تلعثم الأطفال في محاولاتهم الأولى بالنطق لكن في تلك الحشرجات والانات بعض الترجي للبقاء أو لمرافقته في مشواره . كان قصد حنانيا زيارة قبر وليم لإشعال شمعة في يوم ذكرى رحيله الأبدي بناء على طلب ام وليم حيث اتصلت به لينوب عنها في هذه المناسبة فقد أضحت عاجزة. أبنائها وبناتها غير مكترثين و مكترثات . لقد كان حنانيا عند حسن ظنها وفياً للخبز والملح .
في هذه المهمة سيرافقه كلبه ايضاً لتوكيد مقولة وليم . كثيراً ما تعرض حنانيا لتهكم أصدقائه لدرجة الاستهزاء حين يحدثهم عن كلبه أو اضطراره البقاء من أجله . عندما هم حنانيا بالخروج دعاه باسمه المدلل والمحبب بالسريانية ( تًاميز) التي معناها النظيف ، أما هذه التسمية فهي تيمنا باسم أحد كلاب قريتهم صديق أطفالها بدون إستثناء المرافق الدائم لتحركاتهم كحارس وشريك في العابهم بالأخص أثناء مباريات كرة القدم كثيراً ما سبب مشاكل بينهم في دخوله الملعب محاولا الاستئثار بالكرة لم يكن يهمه أي من الفريقين وإنما مداعبة الكرة . كان خلاف باقي كلاب القرية لم يقصد أبداً السواقي أو الترع الطينية أيام الصيف القائظ بل كان يقصد ترعة النواعير حيث الرمل والحصى . كان محافظاً دائماً على بياضه الناصع .
أما رائحة بارود رصاصة الرحمة التي أطلقها عليه أبويوسيب ما زال يشعر بها حنانيا وكأنه يشمها للتو كلما تذكره . كانت رائحة مختلفة عن رائحة بارود خراطيش بنادق الصيد أو المسدسات والأسلحة العسكرية الفردية , لقد كانت رائحة ذلك البارود حاملة رائحة موت عزيز لذلك هي رائحة مميزة وذلك الثقب الذي فتحته الرصاصة في جبينه أشبه بشامة حمراء غير منتظمة على جبين هندية حسناء . بكاه حنانيا وأقرانه الأطفال بمرارة ودفنوه بما كان يليق به . لم يكن تأثر أبو يوسيب أقل منهم فرمى البارودة جانبا نادماً على فعلته لماذا لم يدعه يموت ببطء بشيخوخته .
اثناء عودته من المقبرة شاهد كل من العم كيوركيس والعم مرقس برفقة كلبيهما أنه يحلو له تكنيتهما بالعم . ثمانية سنين مرت على تلك اللقاءات الصباحية الباكرة مع العم كيوركيس هذه المرة الكلب المرافق كبير الحجم , أوقف سيارته قريباً منهما تاركاً كلبه الصغير يأن داخلها وبعد المصافحة والاستفسار عن الأحوال سال حنانيا العم كيوركيس أرى أن ابنتك غيرت كلبها , ضحك آه يا حنانيا كم كنت أتذمر وأشعر بالخجل عندما كنتم تلتقون بي في الصباح الباكر وأنا سارح بذلك الكلب وفي يدي كيساً لجمع فضلاته مرغماً وكذلك كم اتذكر كلماتك كنت اعتبرها مواساة لكنك كنت على حق . إنه كلبي أنا با حنانيا وليس كلب أبنتي إني أعيش وحيداً, أبنائي وبناتي كل مشغول بنفسه وبعائلته يزوروني احياناً أثناء المناسبات وحالي كحال أي اشوري مهاجر وخاصة نحن الذين داهمنا الشيب لقد أضحى وضعنا كذلك المثل عن مشية الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمام فما استطاع ونسي مشيته ايضاً فأخذ يمشي بالنط . نعم أصبحنا جميعاً نرتاد الكنائس ليس من باب الإيمان والتقوى وإنما لأجل الالتقاء بالخلان أو لإتمام واجبات معينة . هذه اللقاءات رغم قصرها وقلتها تشعرنا ببعض الاطمئنان الكل مستعجل ومشغول .تأكد يا حنانيا أن المخلوق الوحيد الذي يقتل هذا الضجر والسأم والفراغ الروحي هو هذا المخلوق وقطع كلامه أرى كلباً في سيارتك , إنه هائج انظر كيف يلطم النافذة كيف تطاوعك نفسك سجنه هكذا ؟ رد حنانيا لأني رأيتك ولم أعتقد أن حديثنا يطول وخوفاً عليه من كلبك وكلب العم مرقس . ضحك العم كيوركيس قائلاً أما الخوف فدعك منه أن كلبينا انيسين حتى مع الكلاب أما أن تعامله هكذا فهذه منتهى القسوة . اجلبه حالاً إن لم تكن على عجل تأكد أنهما سيشركانه في لهوهما . تأكد أنا ايضاً لست أقل حنية منكما وكثيراً ما ألغى مواعيداً ولقاءات كي لا ادعه لوحده إنه يشعرني بحاجته للحنان والملاطفة كالأطفال.
جلب حنانيا كلبه ايضاً وكان الانسجام التام بين الكلاب الثلاثة . انظر يا حنانيا ألم أقل لك أن كلابنا ودودة انها عكس بعض منا نحن البشر أنا لم أعد أصدق مقولة أخوتنا الإسلام أننا أشرف المخلوقات . أخذ الحديث مناح أخرى عن هموم الوطن والهجرة والتهجير وعن أنظمة الأوطان الاستبدادية وما آلت إليه أحوال ذلك الشرق الرائع اللعين الذي خُرِبَ إنسانه وبنيانه . وتناول الحديث العم مرقس الذي كان صامتاً ومنصتاً قائلا مستذكرٍاٍ قول الأعرابي إن الحضن الذي يضمك هو أمك . ها نحن نعيش هنا بأمان ورغد العيش وشكراً لهذه الكلاب التي جمعتنا في هذا اللقاء المقتضب وهذه بحد ذاتها مأساة لقد شُتتنا في أصقاع المعمورة حتى العائلة الواحدة أضحت موزعة بين القارات وضرب أمثلة وهنا أبناؤنا يسابقون الزمن وكل مهتم بغده والشغل يسرق الآباء عن أبنائهم وبالاخص القادمون الجدد ومهما حاولنا التأقلم والتكيف تظل أرواحنا معلقة بتلك الأوطان لا يمكننا الانسلاخ عن ماضينا بعضنا في حسرة لملاعبة الأحفاد بشكل يومي . إن رغد العيش لا يملأ الفراغ العاطفي والروحي الذي نعايشه على مضض اغرورقت عيناه بدموع ابت السقوط قائلاً تذكروا حيث كنا كانت أحاديثنا عن المواسم وعن مناقب وسلوكيات اصحاب وخلان أما هنا فبعض أحاديثنا عن
وفاء الحيوان وأردف مستودعا ً في تلك الأوطان كانت الكلاب تنطرنا . هنا نحن أضحينا نواطيراً للكلاب فليسقط الإنسان الذي كان السبب في أقتلاعنا من جذورنا ولتحيا الكلاب . قالها حنانياً مودعاً نعم هناك كان ظلم وقهر ومآسي لكن الا تتفقان معي أن للشخص هناك اعتبار فيحسب له حساب مثلاً في انتقاده للدولة ويا ويله إن تذكر القائد بكلمة سوء ؟ نعم الأجهزة الأمنية جاهزة وكذلك الزنازين على مختلف أنواعها أما هنا للمواطن حق الكلام والنقد والشتم لأعلى مسؤول فلا اعتبار يبقى كنهيق الحمار . رد العم كيوركيس أنا راضٍ أن انهق كالحمار بدل أن أهان وأذل على
يد ذليل ابن ذليل وتهان عائلتي وتشتت برفسة ذلك الحمار . رد حنانيا مودعاً اتفق معكما تماما هنا كرامة الإنسان مصانة . أما العم مرقس أردف قائلاً تذكر يا حنانيا أن تقول لمحديثيك ومن تكاتبهم أننا أصبحنا في غربتنا مجرد رعاة ونواطيراً للكلاب إنه زمن السقوط الأخير لإنساننا المشرقي .


شيكاغو 28 شباط 2024



#يوخنا_أوديشو_دبرزانا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ماراثون الدراجات الى ماراثون الاعلام وعلامة النصر المنكسة ...
- حنانيا المتخاذل
- ممن الأعتذار ؟ من المشانق أم من أردوغان ؟


المزيد.....




- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوخنا أوديشو دبرزانا - نواطير الكلاب