أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - الأصابع بوصفها أثرًا وجوديًا.. قراءة في قصة حثالة الابتهاج للأديب واثق الجلبي














المزيد.....

الأصابع بوصفها أثرًا وجوديًا.. قراءة في قصة حثالة الابتهاج للأديب واثق الجلبي


واثق الجلبي

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 18:07
المحور: الادب والفن
    


قراءة / منال رضوان
السمة العامة الملاحظة في أعمال الأديب والشاعر العراقي واثق الجلبي أنها تتشكّل على تماس مع تفاصيل التجربة الصوفية، إذ كما يبدو أن الأدب لديه يعلو مجرد الحكاية أو الزخرف اللغوي، وإنما يطرح أسئلته من دون انتظار الأجوبة الشافية، وقد يجيب على أسئلة أكثر تماسًا مع متلقيها مما يظن هو ذاته أو يعرف عن نفسه؛ فقصصه تنوس دومًا في منطقة بين الشعر والسرد، بين السؤال الوجودي واليقظة الروحية، حيث تتحول اللغة إلى أداة لتعرية المعنى واستدعاء الغائب، إن هذا الانشغال بالملمح العرفاني لا يُقارب نقديًا بوصفه استعادة للموروث الصوفي في صيغية تقليدية، بقدر ما هو إعادة تشكيل لرحلة السالك في أفق معاصر، ففي القصة أو الرواية أو الشعر يستعيد الجلبي الماضي ويعيد تأويله وتثبيته في سياق إنساني مأزوم لواقعنا المثقل.
النص الذي بين أيدينا نص قصصي من مجموعة الأعمال الكاملة وهو موسوم ب.. حثالة الابتهاج، ينهض فيه على هذه الرؤية بعينها؛ فهو يتأسس على سلسلة من التنقلات بين أصوات مهنية تبدو عابرة، مبتورة الصلة مجرد انتهاء مهمتها قصيرة المدى لتظهر صفات اعتبارية ل..( إسكافي، جزار، عطار، جراح،) لكنها سرعان ما تكشف لنا بوصفها مقامات رمزية تقود الصوت المركزي في رحلة بحث متشظية.
كل إجابة يتلقاها تتصل بالأصابع، بما يجعل الأصابع علامة كبرى دالة على أثر الإنسان؛ العمل، الذبح، اللمسة، حتى الموت.
في قلب هذه الاستعارة تتواشج الدلالات الصوفية مع الأسئلة الوجودية؛ فما بين الأصابع الأولى التي لمست الشجرة في الجنة، والأصابع التي تقطع وتذبح وتشفي، يتبدى لنا تاريخ الإنسان كله كأثر متكرر للخطيئة والبحث.

هذا التوتر الذي يخلقه الجلبي بين المقدس والمدنس يحضر بلغة مشحونة بالرموز اللاهوتية، كأنه يؤرخ ويؤرشف ويوثق الطقس عبر الحكي فنجد مفردات ( الملكوت، اللاهوت، آدم، الأسماء) مع ذلك فإن القصة لا تتعامل معها في بعدها الطقسي الجامد، بقدر ما توظفها في سياق احتجاجي، ينتفض ضد الثبات والتسليم؛ حيث تتحول الصرخة إلى فعل مقاومة، وحين يعلن الصوت "أنا آدم فأين الشجرة"، فإننا إزاء حكاية لا تستعيد لحظة الخلق الأولى، بل تنسدل على كتفي تجربة كشفية تتماس مع جوهر المعرفة، حيث تصبح الأسماء علامة على حضور المعنى الإلهي وقدرته الكلية على ضبط ناموس الكون، لكن هذه الصرخة تظل معلّقة في فراغ لا يجيب، لتتكشف المفارقة: الانكشاف إن لم تصاحبه القدرة على الاختيار لا يقود صاحبه إلى يقين، بل إلى سقوط جديد.
وإذا قرأنا النص في ضوء الإرث الصوفي، يمكن أن نتذكر أصداء تجارب الحلاج والنفري وابن عربي في مكابداتهم؛ فالحلاج الذي صاح "أنا الحق" لم يكن يطلب إلا الفناء في المطلق، والنفري حين قال "إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" كان يقف في الموضع ذاته الذي يقف فيه بطل الجلبي؛ اللسان عاجز، والرؤية تحضر بما يتجاوز القول، أما ابن عربي، فقد ربط بين الأسماء والوجود، معتبرًا أن التعرف إلى الأسماء الإلهية هو سبيل الكشف عن سر الخليقة.
بالمثل في ذلك النص، يرجع هذا الصدى بوضوح حين يطلب الصوت تعليمه الأسماء كما عُلّمت حواء وآدم، غير أن الفارق يكمن في أن الجلبي يعيد إنتاج هذا الإرث في لحظة احتجاج معاصرة؛ حيث يغيب صوت الاستجابة، ولا يبقى سوى الفراغ والخذلان.
هكذا يكتب واثق الجلبي نصوصه، التي تنتج أثرًا مهمًا في اكتشاف اللغة بغض النظر عن إبراز قلق الوجود وتوقه إلى المطلق، لكنك كقارئ تلمس دلالة المفردات وتأثيرها في كل مرة يعود فيها إلى اللاهوت والميتافيزيقا، لكنه يذيبها في سياق إنساني يضج بالخذلان والرجاء، فيتحول النص إلى مقامات روحية معاصرة، حيث الكشف يُعطى كحقيقة ناجزة، وكتجربة متواصلة من السؤال والانتظار.
ومن هنا تتبدى فرادة قصصه، فهي ليست القص التقليدي بقدر هذا التزاوج بين السرد القصصي والصرخة الصوفية، ليترك القارئ معلقًا في منطقة تتجاوز الحكاية إلى أفق التجربة الروحية المفتوحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منال رضوان - ناقد أدبي
عضو لجنة التنمية الثقافية ومنظمات المجتمع المدني بنقابة اتحاد كتاب مصر



#واثق_الجلبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعرية التناص في قصيدة (نحمل الدماء) للشاعر واثق الجلبي
- (التبئير الداخلي ) في روايات واثق الجلبي
- بين الرصانة والتجريب قراءة في الحس الشعري وبينة اللغة في قصص ...
- رسالة إلى نفسي
- الحوار العاطفي في شعر( واثق الجلبي )
- الناقدة منال رضوان تكتب سردية التعدد الرمزي والحوار الوجودي ...
- رحلة الخلود بين الأسطورة والواقع في رواية -كلكامش: عودة الثل ...
- منبع الحكمة وفتنة المعرفة يُرَوِّيهما كلكامش على لسان الكاتب ...
- إشارة معرفية .. واثق الچلبي ..الزمن دونما أعتاب
- أجمل ما قرأت.. واثقيات الچلبي..اشتباكات الذات الفطنة
- تشظي الذات وسقوط اليقين .. قراءة في جدلية الوجود والعبث في ن ...
- معارضات يوسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للأديب واثق الج ...
- يوسفيات الشاعر واثق الجلبي ... أنسنة الشعور وشمعة في عالم ال ...
- قصة يوسف الإبن والنبي تتحول الى ملحمة فلسفية في الديوان الشع ...
- حفريات معرفية متوارية في ثلاث روايات قصيرة للكاتب واثق الجلب ...
- واثقيات 52 .. استعارات الظلام في أنوار الشموع
- الآخر في قصيدة (الجن) للشاعر واثق الجلبي
- أحكام البناء الهندسي في ( يوسفيات واثقية 46 ) للشاعرواثق الج ...
- حامد الحمراني .. وداعا
- الزمن الاستباقي وأنواعه في روايات واثق الجلبي .. التوظيف وال ...


المزيد.....




- في النظرية الأدبية: جدل الجمال ونحو-لوجيا النص
- السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا ...
- فنانون ومشاهير يسعون إلى حشد ضغط شعبي لاتخاذ مزيد من الإجراء ...
- يوجينيو آرياس هيرانز.. حلاق بيكاسو الوفي
- تنامي مقاطعة الفنانين والمشاهير الغربيين لدولة الاحتلال بسبب ...
- من عروض ايام بجاية السينمائية... -سودان ياغالي- ابداع الشباب ...
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- وَجْهٌ فِي مَرَايَا حُلْم
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- نظارة ذكية -تخذل- زوكربيرغ.. موقف محرج على المسرح


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - الأصابع بوصفها أثرًا وجوديًا.. قراءة في قصة حثالة الابتهاج للأديب واثق الجلبي