أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - بين الرصانة والتجريب قراءة في الحس الشعري وبينة اللغة في قصص الأديب واثق الجلبي














المزيد.....

بين الرصانة والتجريب قراءة في الحس الشعري وبينة اللغة في قصص الأديب واثق الجلبي


واثق الجلبي

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


قراءة / منال رضوان *

يُفاجئ واثق الجلبي قارئه من الصفحات الأولى لمجموعة الأعمال القصصية الكاملة بمستوى لغوي لا يُخفي شعريته، حتى في أكثر مشاهده واقعية أو سردًا مباشرًا، إننا بإزاء نصوص تنطوي على "حس شعري" داخلي لا يغادرها بحال، بل ينسرب في تركيبها من العنوان إلى الخاتمة؛ ليجعل من القصة القصيرة لحظة انخطافٍ وجداني، تُجاور الشعر بقدر ما تُجاور السرد، وبخاصة عناوين القصص اللافتة والتي نجدها أميل لترميز الشعر مثل (قشرة الملح - أحاسيس السكائر- قيعان الرؤوس... ) فالتراكيب لدى الجلبي ليست محض أداة تعبير، بل كائن حيّ يحمل إيقاعًا داخليًّا خاصًّا، ويعكس ما يمكن تسميته بـ"حدس اللغة"، ذلك الحدس الذي يجعل الجملة تولد في غير موضعها المتوقع، لكنها تبلغ تمامها هناك.
يُحسن الجلبي تطويع اللغة؛ فتبدو لينة بين يديه دون تكلف، يخدم بها الفكرة دون أن يغتال دهشة التعبير، لا يحشو جمله بالزينة المجانية، لكنه يعرف متى يوظف المجاز، ومتى يُباغت القارئ بصورةٍ خاطفة تفتح أفقًا أوسع من الواقع، وبذلك يتجاور الشعر والفكرة في سلاسةٍ لا تفقد المعنى، ولا تُسرف في الترميز.
وفي ضوء هذه الخصائص الأسلوبية، تَظهر مجموعة الجلبي أشبه بذلك المختبر اللغوي والفكري المفتوح؛ حيث لا يستقر على شكل، ولا يتقيد بصرامة البنية السردية المتوقعة لدى القارئ سلفًا؛ فالقصص هنا ليست "قصصًا" بالمفهوم التقليدي، وإنما لحظات تأمل أو شذرات وعي، تختزن ما يشبه الومضة أو البرق، إذ لا يبدأ النص من نقطة سردية، بل من لحظة انفعال داخلي، تُستدعى فيها اللغة لتُجسّد عمقًا وجدانيًّا لا يُقال بالتصريح.

ولعلّ من السمات الأكثر ملاحظة في تجربة الجلبي هي قدرته اللافتة على اختصار المشاعر في لحظة خاطفة، تتقاطع فيها الذات مع العالم، ويُختزَل فيها التوتر الإنساني في جملة واحدة أو مشهدٍ رمزي دقيق، فهو لا يسترسل في الوصف، ولا يطنب في رسم الانفعالات، بل يكتفي بالتقاط لحظة انفجار داخلي أو ارتجاج شعوري، ثم يغلق النص، تاركًا القارئ في مواجهة أثرٍ لا ينتهي. ونستطيع أن نلمس ذلك في قصته دقائق رغم سلاسة الفكرة المتمحورة حول انتظار الحبيب لحبيبته غير أنه يمنحها بعدا فنتازيا أو ما ورائيا فيصور البطل يأكل أصابع كفه، ويكتب اسم حبيبته على أوراق الصفير، فهذه الصورة العجائبية لا تعد مبالغة في وصف انتظار العاشق لمعشوقه وإنما هي البحث الدائم عن فكرة الأمل المنتظر بعيد المنال رغم ظنية وقوعه ذات لحظة، لكن فكرة الانتظار هي ما حاول الجلبي ترسيخها ليصنع منها لا اللحظة وإنما الإطار العام الذي تتحرك فيه عقارب الساعة.
إن هذه القدرة على "القبض على اللحظة" وتثبيتها في لغة مشحونة ومكثّفة، تذكّرنا بما يسعى إليه الشعراء الحقيقيون حين يتنازلون عن كل شيء إلا عن الدهشة.
في هذا التكثيف الشديد، يفتح الجلبي مساحةً تأويلية رحبة، تُفضي إلى قراءات متباينة، كلٌّ منها يُعيد ترتيب عناصر النص وفق زوايا التلقي الفردي، ووفق اتساع قوس تلقي النص؛ فهو لا يفرض معنى محددًا، بل يُراوغ القارئ، ويدعوه إلى أن يكون شريكًا في توليد الدلالة، لا مجرّد مستهلك لها، هذا الأسلوب لا ينتجه الكاتب من رغبة في الغموض، بل من إيمان عميق بأن المعنى في الأدب لا يُقال، بل يُومأ إليه، وأن الصمت بين الجمل قد يقول أحيانًا أكثر مما تفصح عنه الكلمات.

وتتجلى هذه النزعة بوضوح في قصة "أحاسيس السكائر"، التي تحفر في هشاشة الوجود الإنساني بعين شاعر يكتب لا عن القلم، بل عن ما تُثيره من وحشة، وما تُولده من شعور بالخسارات العابرة، والنهايات البتراء، وفي إحدى العبارات اللافتة في المجموعة، يقول الجلبي:
"لا وجود لقلمٍ يبكي قرونًا من الرمال والضياع".
تبدو الجملة في ظاهرها استسلامًا لعجز التعبير، لكنّها في عمقها تقرّ بعقم اللغة عن الإمساك بكامل التجربة الإنسانية، وتُلقي بالمسؤولية على القارئ لملء الفراغ بما تبقّى من رمال ذاكرته هو، إن هذا التصريح ليس يأسًا من الأدب، بل وعي مأساوي بحدوده، ورغبة في تجاوزها بالحدس لا بالشرح.
وبالمجمل فإن نصوص واثق الجلبي القصيرة تكتب نفسها في المسافة الحرجة بين الانفعال الخالص، والتأمل المصفّى، ليس مهمًا أن تنتهي القصة نهاية تقليدية، ولا أن تُبرّر سردها بمنطقٍ مألوف، بل المهم أن تترك في النفس ذبذبة ما، أو رعشة سؤال، أو أثرًا أشبه بما تتركه القصائد الحائرة، وهذا هو جوهر الأدب حين يُكتب بموهبة لا تهادن الواقع، ولا تستكين للغة على حساب الدهشة.
ناقد أدبي - مصر



#واثق_الجلبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى نفسي
- الحوار العاطفي في شعر( واثق الجلبي )
- الناقدة منال رضوان تكتب سردية التعدد الرمزي والحوار الوجودي ...
- رحلة الخلود بين الأسطورة والواقع في رواية -كلكامش: عودة الثل ...
- منبع الحكمة وفتنة المعرفة يُرَوِّيهما كلكامش على لسان الكاتب ...
- إشارة معرفية .. واثق الچلبي ..الزمن دونما أعتاب
- أجمل ما قرأت.. واثقيات الچلبي..اشتباكات الذات الفطنة
- تشظي الذات وسقوط اليقين .. قراءة في جدلية الوجود والعبث في ن ...
- معارضات يوسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للأديب واثق الج ...
- يوسفيات الشاعر واثق الجلبي ... أنسنة الشعور وشمعة في عالم ال ...
- قصة يوسف الإبن والنبي تتحول الى ملحمة فلسفية في الديوان الشع ...
- حفريات معرفية متوارية في ثلاث روايات قصيرة للكاتب واثق الجلب ...
- واثقيات 52 .. استعارات الظلام في أنوار الشموع
- الآخر في قصيدة (الجن) للشاعر واثق الجلبي
- أحكام البناء الهندسي في ( يوسفيات واثقية 46 ) للشاعرواثق الج ...
- حامد الحمراني .. وداعا
- الزمن الاستباقي وأنواعه في روايات واثق الجلبي .. التوظيف وال ...
- كُوَّةٌ فِي زَوَايَا مَخْفِيَة مِن التَارِيخ.. قراءةٌ في كتا ...
- كتاب ( أربع شخصيات عراقية من التاريخ ) الكاتب واثق الجلبي .. ...
- واثق الجلبي .. الشغف وانفتاح الدلالة وتدجين المستحيلات


المزيد.....




- ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة ت ...
- مصر.. فتح تحقيق بعد اكتشاف محاولة تنقيب عن الآثار خلال زيارة ...
- الحِكمة والحُكم أو كيف تنعكس المزايا العقلية والثقافية على ت ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة سلطان العويس في دورتها الـ 19
- مدير متحف في برلين يحذر من صراع ثقافي عالمي تقوده واشنطن
- حين ظهرت مكة والمدينة في خريطة أميركا.. قراءة في التسمية وال ...
- المستعرب الإسباني خوسيه بويرتا: غرناطة مركز التراث الأندلسي ...
- المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأ ...
- باستخدام الدم وقشر البيض ويرفض الأدوات الحديثة.. هذا الفنان ...
- إطلاق مشروع ترجمة خطبة -يوم عرفة- بـ34 لغة


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - بين الرصانة والتجريب قراءة في الحس الشعري وبينة اللغة في قصص الأديب واثق الجلبي