أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نصار يحيى - المثقف الداعية والمثقف التحريضي















المزيد.....

المثقف الداعية والمثقف التحريضي


نصار يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 02:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يخطر ببال المفكر اللبناني علي حرب، الذي اشتغل كثيراً في أكثر من كتاب -وخاصة ثلاثيته عن النص والحقيقة: نقد النص، نقد الحقيقة، نقد الذات العارفة- عن المثقف والداعية، من زاوية زعزعة اليقينيات وهتك ما كان يعرف بالبديهيات، حيث تحول المثقف من كونه باحثاً عن الحقيقة، إلى كونه داعية لافكار تزعم أنها هي المرجع، ولا اختلاف في ذلك بين اليقين السماوي (اللاهوتي)، ودعاة اليقين الارضي، الايديولوجيات ذات الصلة بأنها تفكر في المستقبل وليس في الماضي كما تلك..
لم يخطر بباله أنّ هناك "مثقف تحريضي"، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي منتشرة حينما بدأ بكتابة نصوصه (بداية تسعينيات القرن الماضي)، يعرف مثل غيره من المفكرين والسياسيين، أنّ الاحزاب السياسية بالعموم لديها بعض الرؤى عن التمييز بين المرحلة الدعوية والمرحلة التحريضية، التي سمتها العامة التركيز على الخصم من زاوية التكتيك خاصة في مقارعة نظام ما مستبد، من أجل نيل الحرية وانتزاع تحقيق المطالب المحقة.
"المثقف التحريضي" إن جازت التسمية "براءة اختراع الفيس" الذي يتغندر بترندات تنال الاعجاب والمتابعة، وبالنهاية ليس همها الحقيقة.
فقط كيف يحقق هذا الوجود "النوعي" لم يكن يحلم بهذا الحضور؛ للأسف قلة منهم فكفكتْ الحروف الاولى بعد حروف العلة التي لها قلق خاص، مسكينة هذه الحروف يأتي حرف الجزم ويقول لها: "اغربِ عن وجهي" دون سلام أو كلام، تتملق لحفظ ماء الوجه: فقط اريد كرسي اتعكز عليها من العلل الدائمة، حتى لو كان كرسي من قش قديم مهترئ!!

نعود للفكرة الرئيسية التي اعتمدها علي حرب، وعلى لسانه من الطبعة الثانية لكتابه نقد النص عام 1995:
"إذا كان هناك ثابت أقف عنده، فهو ممارسة حريتي في التفكير بعيداً عن أي إكراه..ماتعنيه هذه الحرية: إمكانية التفكير في كل أمر بصورة نقدية تتيح تفكيك ما يستوطن عقل المرء من البنى والآليات، التي تحول دون فهم الأحداث..هتك العادات الذهنية الراسخة والبداهات الفكرية المحتجبة..".
دعونا نتحاور مع هذا الرأي في سياق "الحرب الاهلية" الراهنة بين المجاميع الافتراضية وارتكازها الواقعي.
هل يمكننا أن نمارس حريتنا في التفكير في ظل هذا الضغط الإكراهي؟
في زمن الهدوء والاسترخاء ينفرد التفكير بنفسه ويصغي لنداءات "العقل" على افتراض أنه على حق، علماً ان الدراسات النفسية أثبتت وتثبت أن العقل ليس سيد نفسه ومتحكماً بنوازعه، هناك اللاشعور "اللاعقل" بلغة الفلاسفة..
هناك أيضاً الجَمع الذي يفرض تداعياته الاكراهية، خاصة في زمن "الاحتراب" وشحذ السيوف، وان مثل مجتمعاتنا التي زعمتْ "نخبتها"، أنها غادرتْ تلك الانتماءات الى فضاء الأوطان بل امم الارض مجتمعة. تلك النخب كانت ترمي مفردات مثل القبيلة والعشيرة والطائفة والقرية والمكان الذي ولدت فيه "بحجارة من سجيل"، على زعمٍ: انها مضتْ ولن تعود..

كان الفيلسوف هيجل -في كتابه فلسفة الحق- يكرر: "ان بومة منيرفا لا تحلق الا في الغسق"..وكان يقصد انه علينا ان نترك ضجيج النهار وصرخات "اللاعقل"، حيث أحلك الأوقات والزمن المستعصي، وأن نعمل في الغسق، عندما ينسدل الليل ويرُخي ظلاله باستحياء!
يعلو صوت الفلسفة (العقل) هنا كمحاولة للخروج من النفق النهاري المظلم..
-بومة منيرفا بالأسطورة اليونانية والرومانية تعبير عن الحكمة، عكس ما توحي البومة عندنا من رمز الشؤم والخراب-

على صعيد آخر لنقترب من خشبة المسرح كمقاربة حوار ما يجري هناك:
في كتابه سورية الدولة المتوحشة، يتطرق ميشيل سورا إلى اقتباس عن المذهب البيراندللي في المسرح نسبة إلى لويجي بيراندللو (كاتب ومسرحي إيطالي 1867-1936):
"الحوار ليس سوى خديعة، وكل فرد يملك أنا متعددة، متنافرة ومتضاربة ..هناك تعارض عميق بين حركة الحياة وتبدلاتها وثبات الاشكال الفنية.."
ميشيل سورا يتناول التناص مع هذا المذهب المسرحي، في سياق تفكيكه لحالة النظام الأسدي المتناقضة، بين الخطاب الرسمي اللفظي والممارسة الواقعية، حيث البنية العصبية المرتكزة على جذور المنشأ والتكوين للجماعات، خاصة ماتستند إليها الحالة الاسدية (الاخ الاكبر وشقيقه الأصغر رفعت)..
سيكمل الحفر على الأعماق: "تلك المدرسة هي طريقة لخلق مواقف مسرحية غامضة، يعجز المشاهد أو القارئ على فهم مداخلها ومخارجها، تدفع به الى ما يشبه حالة اللا أرض بين اليقين والشك، بين الحقيقة والخيال"..
مايهمنا هنا، فكرة الاختلاف العميق بين حركة الحياة وتبدلاتها ومانراه على المسرح، هذا من جهة ومن أخرى حالة الإيهام الفني، التي تجعلنا كمراقبين لما يحصل، في حالة عجز عن التمييز بين الحقيقة والخيال، أو الشك واليقين.
يتساءل قارئ يا "مرحوم البي" أين أخذتنا، بدأتَ بالكلام عن "المثقف التحريضي"؟
ربما هناك رابط خفي أو "علاقة خيطية" بين المذهب البيرانللي -المشار إليه فوق- وبين حالة "المثقف التحريضي" حيث هذا الأخير يعمل على الإيهام، هو لاشك أنه مقتنع بمكان ما، أنه يزعم الحقيقة كمن يتخيل فكرة ما و يصدقها.
ثم يعمل على استعراض "هذه الحقيقة" ويقدمها الى الفضاء العام (العالم الافتراضي بذات لون أزرق).

لنعاودّ مسك "الدفة" من جديد:
ماهي الدوافع التي جعلت مفكراً كعلي حرب، يهتم بالحوار "الساخن" مع ما يدعيه المثقف "العضوي" والمثقف "الداعية"؟
-بعد الايضاح لتلك يمكننا النفاذ إلى "المثقف التحريضي"-
المثقف العضوي (غرامشي)، حسب علي حرب : "كلمة عضوي كلمة خادعة..مايقوله المثقف العضوي هو أن يتماهى مع هموم الناس، لكن ما لا يقوله هو أنه يريد لهم أن يتماهوا مع همومه وأحلامه.."
سيرد التوصيف باسم المثقف الداعية، كون "العضوي" قد بات داعية أو بالتعبير الفقهي لبعض الفرق الدينية الباطنية (داعي دعاة).
"المثقف الداعية أن تتبنى الناس آرائه حيث هي رؤية الامة كما يزعم." (من كتاب نقد النص)..
ما يفيدنا هنا -إذا اتفقنا مع رأي علي حرب- أن تلك الأفكار والادعاءات ستجعل من المثقف الداعية، هو "المركز والمحور" وخطورة الفكرة انها تحمل في أحشائها "بذرة الاستبداد"..
أما أنت "المثقف التحريضي" فإنكَ تلملمْ شتات الكلام من هنا وهناك، تنخرط في إطار جمعي هو "جمهور نفسي " بلغة غوستاف لوبون / سيكولوجية الجماهير:
" تنطمس الشخصية الواعية للفرد، تصبح عواطف وأفكار الوحدات الصغيرة المشكّلة للجمهور، موجهة في نفس الاتجاه، عندها تتشكل روح جماعية عابرة ومؤقتة..".
هذا ليس من باب السجال الاقصائي أو (ثقافة إما أو) التي تتضمن الرجم، إنما لا مندوحة من التوصيف، حيث يقودكَ "الجمهور" بوعي أو لاوعي إلى هذا الحضور الانفعالي المتوتر، بصيغته التحريضية والتي تشبه في كثير من محطاتها، طنين السيوف كي تخرجَ من غمدها..
لطالما تمشي مع "الركب" حيثُ يمضي -على افتراض النية الطيبة- إلى القاع السحيق من الانتماء، عندما كان "شيخ القبيلة" هو السيد وإليه المرتجى، وماتبقى ليس إلا رعايا ضمن "القطيع" الخاص به..
تتماهى الأنا التحريضية مع "الأصل" وتغدو احيانا هي الجمع، لكن من زاوية مدى استبطان هذا الجمع لاستقبال واحتضان ماتتفوه به هذه الأنا النرجسية أو التحريضية.
من الأهمية بمكان تبيان أن تلك العلاقة بين المثقف العضوي وضمناً الداعية و "المثقف التحريضي"، علاقة ليست "بعروة وثقى" إنما حالة من تداعي الأفكار كما يقال.
ذلك أن المثقف التحريضي ينهل من اللحظة الراهنة -المثال السوري- من الوضع القلق المتوتر، من حالة الاحتراب الاهلية التي تمتد هنا وهناك، خاصة بعد المجازر التي حصلتْ في الساحل والسويداء.
ذلك انّ المثقف التحريضي، يختلف عن المثقف العضوي والداعي، أن هذا الأخير لديه منظومة تفكير وإيديولوجيا خاصة به، ربما هي لا تنبع من إرادة المعرفة بتعريف علي حرب، إنما من ارادة وهم امتلاك الحقيقة..
تقتصر مرجعية "المثقف التحريضي" على تلقف "الخبر" من هنا وهناك، دون تدقيق أو تمهل، وذلك لغاية إثبات "نجوميته"؛ أظن أنه كل ثانية يفتح صفحته، كي يرى العدد، ينتشي في الصدى، سيلفت انتباهه أكثر نوعية المعلقين وتشجيعهم المنفلت بعبارات تشتكي من النقصان "في الضمير الوطني" عن الآخر الذي يقف بالجهة الثانية من "الخندق" وفق متخيله..
هل يمكننا أن نتطرق إلى مسألة أخرى؟
كأن نقتفي أثر الانا وعلاقتها بالنحن ومن ثم بالعلاقة مع ضمير هم..ليست المسالة علاقة الضمائر بين المتكلم والغائب بالصيغة القاعدية (النحوية)، إنما المعطى الدلالي بالعلاقة بين ذوبان الأنا بصيغة نحن، تضاد وتناقض مع هم ، بمنظور الجمع المحقق الذي يرى بنفسه "جمهور الله المختار"، وويل لمن يمسه بضيم، أو يرميه "بشوكة".

من المفيد الخروج قليلاً إلى فسحة تفكير فلسفية إنما من نمط "الشوبنهاورية": نسبة إلى الفيلسوف الألماني شوبنهاور والمعرّف به وعنه، أنه فيلسوف التشاؤم..وما سأختم به أنه هنا ليس من التشاؤم عنه، لكن بتصرف منه وإليه:
الحرية الفكرية هي الجرأة على التفكير وعلى عدم الامتثال لرأي القطيع..
الحرية الفكرية لا تواجه بالرفض لانها خطأ أو انحراف، بل لأنها خيانة غير معلنة للسلطة الجماعية..
يقلقهم أنه يعمل على كسر التناغم المميز الذي يوحدهم، على أن يقول أرى بعيني لا بعيونكم..



#نصار_يحيى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان النظام الأسدي نظاماً طائفياً؟
- -الشيخ والمريد -
- المرياع
- شرقي سلمية نصب/ مجموعة قصصية/ ريان علوش
- رواية في المطار أخيراً / للكاتبة السورية لجينة نبهان
- مسرحية الاغتصاب للكاتب السوري سعد الله ونوس
- مسرحية الذباب / الندم/ جان بول سارتر
- -ماذا وراء هذه الجدران-.. قراءة في رواية راتب شعبو
- حوار منمنمات بين أطياف -شرّاقة- سعاد قطناني
- كتاب توقاً إلى الحياة/ أوراق سجين. عباس عباس
- رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور
- انقسام الروح/ وائل السواح
- على أوتار الطوفان يعزف غسان الجباعي، أنشودة مدينة ثكلى، صدأت ...
- دردشات مع روايتين: نيغاتيف، روزا ياسين حسن/ خمس دقائق وحسب، ...
- قراءة على رواية الشرنقة/ حسيبة عبد الرحمن
- من الصعب / بدر زكريا
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ...
- رحلة تحت ضوء الغسق إلى قصر شمعايا/ رواية علي الكردي
- رواية الحي الشرقي / منصور منصور
- حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة


المزيد.....




- قبل يوم من اغتياله.. تشارلي كيرك بعث رسالة نصية لصحفي في CNN ...
- الجيش البولندي يرسل طائرات مقاتلة قرب حدوده بعد ضربة روسية ق ...
- أحلام الطلاب الفلسطينيين تتحطم بعد سحب أمريكا تأشيراتهم للدر ...
- -غير لائقة ولا مسموح بها-.. قاضٍ فيدرالي يرفض دعوى ترامب ضد ...
- ترامب يعلن استهداف سفينة مخدرات بمنطقة القيادة الجنوبية الأم ...
- فيديو مرعب.. انزلاق طيني هائل يحاصر سائق سيارة فجأة في كاليف ...
- خارج مصر.. اكتشاف أقدم سجل للتحنيط يغيّر فهم نشأة هذه الممار ...
- اليوم الـ715 للحرب على غزة: إسرائيل تكثّف هجماتها وحصيلة الق ...
- أييلِت غوندار غوشِن: أديبة إسرائيلية تتحَسس أوجاع طرفي حرب غ ...
- روسيا تنفي انتهاك مقاتلاتها المجال الجوي الإستوني


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نصار يحيى - المثقف الداعية والمثقف التحريضي