أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نصار يحيى - هل كان النظام الأسدي نظاماً طائفياً؟















المزيد.....


هل كان النظام الأسدي نظاماً طائفياً؟


نصار يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 15:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الاهمية بمكان هنا، العودة إلى الجذور، إلى مرحلة التأسيس:

بينما كانت حكومة الانفصال (أيلول 62-آذار 63). تحاول لملمة شملها باعادة الحياة السياسية السورية إلى مرحلة ما قبل الاستبداد الناصري، عقب قيام الوحدة المصرية السورية (شباط 1958)، كانت هناك لجنة عسكرية من الضباط البعثيين (محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الاسد، عبد الكريم الجندي، أحمد المير)، تنظم نفسها، و تخطط للاستيلاء على السلطة، وتعمل على تنسيق وقيادة مشتركة، مع العسكريين الناصريين (جاسم علوان) وبعض المقربين مثل زياد الحريري.
في ظل ذاك الشتات، استطاعت هذه اللجنة البعثية وحليفها الناصري من الانتصار في الثامن من آذار عام 1963.

هنا بدأ التاريخ السوري ينحى منحىً مناقضاً كلياً لما سبق .
-حالة ما من تشكيل الهوية السورية الجديدة، المسكونة بشعارات قومجية-
لطالما يحاول "الوعي الثوري" الذي يدعي تمثيل الجماعات المضطَهدة، أن يتقدم إلى الصفوف الاولى، عبر أشكال شتى.
لكن لم يسعفهم الحظ، البعثيين والناصريين القيام بثورة شعبية، على خطى الثورات الكبرى في التاريخ، كما الفرنسية والروسية والصينية.
إنما تنظيم الضباط استعجل "الحكاية" كي ينصّب من نفسه بديلا ثورياً، يلبي حاجات المجتمع للتغيير.
هل وصلت الحالة السورية قبل البعث إلى مرحلة الاستعصاء والعجز عن إيجاد الحلول؟
بمعنى آخر لماذا لم تستطعْ المشروعية التقليدية (حكومة الانفصال)، أن تقطع الطريق على هذا الشكل من "العنف الانقلابي" الذي جعل من نفسه "حزباً قائداً" للامة والديار في سوريا والعراق، وقبله المؤسس الاول للتجربة "الانقلابية الثورية"، الحالة الناصرية تموز 1952.
أسئلةٌ مركونةٌ في زوايا مهشّمة من السرد التاريخي..

سنشهد عصراً تدوينياً يسم المرحلة تلك بإرهاصاتها الأولى:
عصر تنحية الشرعية الدستورية إلى أجلٍ غير مسمى ، التي تأخذ اسماً دون محتوى: "الشرعية الثورية" أي شرعية الانقلابي الذي يزعم أنه يقوم بثورة لصالح الجماهير الشعبية المضطَهدة.
تبدأ اللعبة الاستبدادية بادعاء تمثيل تلك الشرائح الشعبية.

هي كما أية مرحلة تزعم أنها "ثورية" ستجبُ ما قبلها، هي أشبه بإعادة تدوين وتأسيس للكيان السوري، بتشكيل صيغة إكراهية ما بين الحاكم (البعث) بالمحكوم المجتمع السوري.
يتربع على العرش العودة "للعقل الرعوي" لكن بصيغة تأخذ شكل العلاقة الرفاقية، الرفيق هو مواطن درجة أولى، يأمل أن يكون حاضرا ومشاركا في الحصول على بعض المكاسب، كونه "من أصحاب الحظوة الحزبية".
يتم الخطاب الموجه لبقية "المواطنين" بصفتهم رعايا، تحت رحمة هذا الحزب الحاكم؛ مع الزمن يحل محل الحزب الأمين العام الدكتاتور وفق حاكمية زمنية خاصة. تتشابه مع الحاكمية الإلهية التي تقول: "لا حكم إلا لله".
لن نأتي بجديد بالقول أن هذا "التدوير" ، استمد "مفرداته" من تجارب ما كان يسمى بمنظومة الدول الاشتراكية وعلى رأسها "الرفاق السوفييت" كما كان يقال. مع عدم نسيان مدى تأثير التجربة الماوية (ماوتسي تونغ) في الصين التي كانت بعلاقة "خصومة" مع بقية "الرفاق".
في قاعة الحاكمية البعثية والناصرية، تتصدر الجدران وتتزين بها، شعارات ثلاثية المنحى واليوتوبيا: وحدة، حرية، اشتراكية.أو حرية، وحدة، اشتراكية.
/لا اعرف مدى الارتباط بفكرة الثالوث المقدس، أو ثالوث الثورة الفرنسية (الحرية، المساواة، الأخوة)؛ يقول معترض شتان بين الثرى والثريا
بدأ القلق والخوف لدى المواطن السوري، يفتح الاذاعة المحلية، يسمع ليل نهار أصوات صاخبة: "نحنُ بعثٌ إن مسنا جنحُ ضيمٌ..نحرق الارضَ والسما والوجودَ".. يلتفت إلى الطرقات، يجد مايسمى "الحرس القومي" حاملين أسلحتهم الخفيفة (السموبال) و عالاغلب بدون طلقات. لكن الرسالة وصلت للنائم في بيته على ضوء فانوس عتيق..

يعاودُ الواقع حضورَه:

لم يدُم شهر عسل الحليفين (البعثي-الناصري) إلا أشهر قليلة؛ ربما اختلج العسل مع بقايا من مربّى المشمش!!
قبل انقلاب جاسم علوان الناصري، تشكلتْ حكومة فيها شيء من عدم التفرد:
يُكلف زياد الحريري (مستقل) بوزارة الدفاع ورئاسة الأركان ويتم تكليف لؤي الأتاسي رئاسة الدولة لأشهر قليلة (من 8 آذار ولغاية 27 حزيران من العام نفسه 1963)..
جاسم علوان ومجموعته الناصرية، قاموا بانقلاب فاشل في 18 تموز، ومن البديهي بمكان أن ذلك تم بالتنسيق مع "الحبر الأعظم" جمال عبد الناصر؛ باتَ الليلُ حالكاً بينهما، أعيدَ شحذ السيوف النائمة، كانت مركونةً في خيمة عتيقة اسمها "الأوس والخزرج".
ومن مساوئ الصدف أن الاصطفاف ذاك، أخذ شكلا طائفيا محدداً.
سيتبين أنّ التيار الناصري أغلبيته من السنّة، مع وجود ضابط مهم من العلويين (النقيب محمد النبهان).
باتَ من الطبيعي أن تغدو القراءة لخلفية الصراع، بأنها طائفية ممزوجة ببعض السياسة (بين السنة والأقليات).
//دعنا نُصغي لهذا التوصيف، باعتباره مؤسساً لتدوين الزمن السوري، باستطالاته إلى الآن، حيث العودة إلى المنحدر العصبي الطائفي، الذي يجعل من الاستحالة بمكان، الانتماء لوطنية سورية، تحتكم لمفهوم المواطنة.
يستطرد البعض هنا بالقول، كانت هناك فرصة تاريخية لهذه الوطنية، تنحّتْ جانباً مع إعطاء مفتاح المدينة إلى سلطة الوحدة الناصرية الاستبدادية (1958)، التي وضعتْ العراقيل أمام عودة أو إحياة الوطنية السورية.
يسترجعها الآن السوريون كما الفردوس المفقود//

من داخل صفوف -أهل البيت- حزب البعث سنجد مرجعين مهمين، عن بروز الظاهرة الطائفية:
1- كتاب البعث ل سامي الجندي: "كان كل المنتسبين للحزب في دمشق من العناصر الشابة الطلابية القروية..ظل الحزب هزيلا في المدن خاصة في دمشق.."
2- كتاب مطاع الصفدي حزب البعث مأساة المولد ومأساة النهاية: "الأقليات الدينية..كانت الأكثر طموحاً إلى غزو المجتمع التقليدي الذي تسيطر عليه السنة.."
وصلتْ الاتهامات بالطائفية إلى مسامع اللجنة العسكرية البعثية، مما اضطرها للتوسع، ليصل العدد إلى خمسة عشر عضواً:
اثنين جدد علويين (عثمان كنعان، سليمان حداد).
اثنين دروز (سليم حاطوم، حمد عبيد).
ستة من السنة:
ثلاثة من حوران (موسى الزعبي، مصطفى الحاج علي، أحمد سويداني).
اثنان من حلب (أمين الحافظ، حسين ملحم).
واحد من اللاذقية (محمد رباح الطويل).. كتاب الصراع على السلطة في سوريا/ نيقولاس فان دام، صفحة 57.

ينتقل القلق والصراع ما بين قيادة الحزب نفسه، أمين الحافظ وحليفه محمد عمران -أُبعدِ عمران عام 64- تنتصر اللجنة العسكرية بقيادة صلاح جديد، حافظ الأسد، عبد الكريم الجندي، سليم حاطوم في 23 شباط عام 66.
حسب سردية الانقلابيين، جرى التوصيف: تنحية الاتجاه اليمني في الحزب (ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار..الرئيس أمين الحافظ) ماعرفَ حينها بالقيادة القومية.
قادة الانقلاب عموما هم من القيادة القطرية الشابة.
-أطلق شعبياً على المرحلة بالعدَس: علويون، دروز، إسماعيليون.
من زاوية ما يمكن للبعض، أن يرى بأن الطائفية ظهرت هنا بشكلها المستور، حيث أنّ في الظاهر خلاف سياسي وعقائدي، إنما "باطنه صراع طائفي" بين السنة وبقية المكونات "الأقليات" من علويين ودروز واسماعيليين ومسيحيين.
تمتْ تنحية السنة وعلى رأسها أمين الحافظ. رئيس الدولة من حزيران 1963 لغاية 23 شباط، صباح الانقلاب.
عندما كُلف صلاح الجديد برئاسة الأركان عام 65، تم إقصاء الكثير من الضباط السنة، وسيزداد بعد انقلاب 23 شباط، حيث نسبة الضباط العلويين ستصبح هي الاعلى بالمقارنة مع عدد السكان آنذاك.
جاء في النشرة الدورية للحزب عام 66، بعنوان : أزمة الحزب وحركة 23 شباط..:
"ألحتْ ظروف الثورة الأولى..على دعوة عدد كبير من العسكريين الاحتياطيين (حزبيين ومؤيدين) لملء الشواغر التي نجمتْ عن تصفيات الخصوم..لم يتم اعتماد أسس موضوعية في عملية الاستدعاء، وإنما كانت عوامل الصداقة والقرابة ..مما أدى إلى تسرب عدد معين من العناصر الغريبة البعيدة عن منطق الحزب.."
ستغيب المسألة الطائفية إذا وقفنا قليلاً مع موقف أمين الحافظ بصفته رئيس الدولة، أثناء الاعتصام الذي حصل في جامع السلطان بحماة (نيسان 1964):
أصدر أوامره بسحق التمرد حتى لو أدى لتدمير الجامع.
وحسب رواية باتريك سيل (الأسد الصراع على الشرق الأوسط)، أن محمد عمران لم يكن موافقاً على دخول الدبابات إلى حماه.

يتنحى سليم حاطوم بعد محاولة انقلابية في 8 أيلول من عام 1966؛ يهرب إلى الأردن، لكن مع حرب حزيران يقرر العودة، للدفاع عن الوطن، يعتقل ومن ثم يُعدم. الهزيمة كانت على مرمى حجر!!

بعد هزيمة حزيران من عام 1967
كانت هناك محاولات حثيثة من التيار المدني في حكومة 23 شباط، تحميل مسؤولية "النكسة" الهزيمة لحافظ الأسد باعتباره وزيرا للدفاع.
لكنهم كانوا في عالمٍ آخر "يوتوبيا" يرددون:
أن اليقظة الحزبية ستشكل عقبة كأداء أمام الجناح العسكري الذي يقوده الأسد.
أنما الواقع كان يعاند أفكار الوهم للجماعة الحزبية اليسارية. باتت هناك ما يسمى ازدواجية السلطة ما بين عامي 68 لغاية الانقلاب النهائي في تشرين الثاني.
مع شتاء 1969،كانت البروفة الأولى للانتصار النهائي:
هزيمة خصمه اللدود عبد الكريم الجندي، هو وتياره الراديكالي.
- انتحرَ الجندي، البعض يقول: نُحرَ-
بالمعنى الشعبي رُميَ تحالف العدس إلى الطريق، ذهب إلى خبر كان.
إنما سيغدو اللواء صلاح جديد بعد هزيمته النهائية -تشرين الثاني عام 70- بمثابة الأب الرمزي لمؤيديه، ربما قديساً من طراز بعثي خاص، يستلهم إيقونة المظلومية التاريخية، ذات المبادئ والمثل العليا، في حين المنتصرون يلهثون وراء السلطة والكراسي..
-ثنائية الضحية والجلاد-
الان من هم الضباط الذين كانوا أهم أعمدة الأسد، بعد انتصاره في تشرين الثاني من عام 1970.
هذه التفاصيل أيضاً من كتاب (نيقولاس فان دام /الصراع على السلطة).
اللواء ناجي جميل (سني) ترأس السلاح الجوي حتى آذار 78.
اللواء يوسف شكور (مسيحي) رئيس الأركان .
مصطفى طلاس وزير الدفاع.
الضباط العلويون: رفعت الأسد (سرايا الدفاع). علي حيدر (الوحدات الخاصة). محمد توفيق الجهني (قائد الفرقة الاولى). علي دوبا (المخابرات العسكرية). علي الصالح ( الدفاع الجوي). علي حماد (رئيس شؤون الضباط).
بالإضافة إلى آخرين: (عبد الغني ابراهيم، علي أصلان، حكمت ابراهيم، علي حسين).

ما هو الغرض من تلك المقدمة؟

حزبٌ ما كما حزب البعث، الذي استلم السلطة وعدد أعضاءه 400 عضو فقط. فمن الطبيعي أن يحكم بقبضة عصبوية خاصة بعيدة عن "الاعتراف الشعبي"، هو يحاول انتزاع هذا الاعتراف عبر وسائل القوة والسيطرة.
بالاضافة إلى أنهم لم يكونوا كتلة متجانسة -الصراع التاريخي بين القيادة القطرية والقومية- لذلك ستشهد حالتهم مزيد من الانقلابات تحت مسميات عدة.
مابين 8 آذار1963 و 16 تشرين الثاني عام 1970، عاشوا هؤلاء "الرفاق" أكثر من انقلاب، بصيغة ايديولوجية ما أو صيغة واضحة للصراع على السلطة.
-هناك في الخفاء وخلف الشعارات، عصبويات عدة تعاود الحبو من جديد بين عشائرية وطائفية، ومسافات أخرى من المدونات مابين الريف والمدينة-
كانت السياسة حتى بهذا الشكل "الديماغوجي" تطفو على السطح.
لكن ما حصل، أنه بدأت تتسرب بقوة تلك الحالة العصبية (الطائفية) لاعتبارات أهمها:
طبيعة المجتمع السوري آنذاك كانتْ من الهشاشة بأنها تسمح بإحياء لهذه العناصر بالظهور بقوة، على العكس من الشعارات وما تُطرح على الملأ، بذات صيغة نارية ولن تقبل إلا بالوحدة العربية كحد أدنى: أمة عربية واحدة.." شعار البعث التاريخي والذي لن يتخلى عنه حتى الوريث الأسد الابن، رغم أن الحزب باتَ من أحرف المشبه بالفعل!!
لا أظن حينها ان هؤلاء الذين قادوا الحزب، ثم أوصلوا حافظ الأسد على طبق من انقلابه الأبيض، تمهيداً لتلك الدكتاتورية المطلقة، والتي سيكونون أول ضحاياه، أنهم كانوا طائفيين..
يعتكف التاريخ ويقول: "الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة".

الأسدية كمفهوم وكسلطة، محاكاة المظلومية التاريخية للعصبية الطائفية؟
تَدرجَ حافظ الاسد من كونه عضواً نشيطا وفاعلا في مرحلة النضال السري لحزب البعث، إلى وجوده كأحد أعضاء اللجنة العسكرية الحزبية، التي قادت انقلاب آذار 63. وكذلك دوره الفعال مع مجموع اليساريين (القيادة القطرية) في انقلاب 23 شباط، تحت قيادة اللواء صلاح جديد.
لكن هزيمة حرب حزيران -كان وزيراً للدفاع- أعادت رسم الخريطة السياسية ما بين "الرفاق" أنفسهم.
هنا بدأ حافظ الأسد، يُحيك لنفسه خيوطاً من طراز جديد؛ بإقامة علاقات خاصة مع الكثير من الضباط -العليات- والذين كانوا يسمون بضباط اللواء محمد عمران. وسيكون لرفيق دربه قائد الاركان مصطفى طلاس كلمة السر الاولى بالتحضير للاستيلاء على السلطة: يكافئه بأن يجعل وزارة الدفاع ملكية خاصة باسمه الى ما بعد وفاته عام 2000.
كذلك كان هناك حالات سنية أخرى ستكون لها الحظوة: عبد الحليم خدام، ناجي جميل، حكمت الشهابي..
بعد نجاح انقلابه التشريني 1970، والقبول الشعبي النسبي؛ معظم المدن السورية الكبرى، كانت تردد: طلبنا من الله المدد، فأرسل لنا حافظ الأسد. بات سيداً للبلاد والعباد والناطق الوحيد باسم الشعب والامة.
جلس في خلوةٍ "استخارة" مع كرسّيه على العرش، وخرج بالقرارات التالية:
محاصصات طائفية خلف المجهر، رئيس الحكومة و وزراء مثل الخارجية والدفاع والداخلية والمالية من حصة السنة، الإعلام من العلويين..تتوزع بقية الوزارات على بقايا المذاهب والطوائف دروز ومسيحيين واسماعيلية ، ستدخل ضمن المحاصصة تلك، حالة من "التشاركية" لأحزاب الجبهة التقدمية..
إنما ملعب الفرس كانت الأجهزة الأمنية وقيادة الفرق العسكرية، سوف أذكر هنا قيادة الاجهزة الأمنية (رباعية المدى والسياط):
الجوية، العسكرية، أمن الدولة (المخابرات العامة) و شعبة الأمن السياسي.
كيف تعامل معها الدكتاتور المؤسس للاسدية؟
ثلاثة مقاعد ثابتة للطائفة العلوية وواحدة فقط للسنة وهي إدارة أمن الدولة؛ الابن يلعب بهذه الرباعية وايضا بتوزيع الحصص الوزارية.
لايعني ذلك ان في كل شعبة أو فرع، لايوجد ضباط برتب عالية من بقية المكونات خاصة من السنة.
لكن مركزية القرار تبقى بأيدي أمينة، يورد الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتاب حافظ الأسد الصراع على الشرق الاوسط:
ان هناك فقط شخصيتين أو ثلاث من قادة الاجهزة الامنية، أعطاهم الأسد الاذن برفع السماعة والاتصال به، وكان الأكثر دلالاً هو محمد ناصيف رئيس الفرع الداخلي التابع للمخابرات العامة (أمن الدولة).
ماذا تعني تلك التفاصيل؟
مرحلة التكوين:
في البدء لم تكن البنية الاسدية متبلورة، ومعبرة عن نفسها وانتمائها ، لعصبية مذهبية ما من السنوات الأولى.
كما اية بنية مثلّت الدكتاتورية في التاريخ، ثم تحولت لحالة من التوتاليتارية وفق منظومة التفكير لدى حنة أرندت. ومثالها الشهيرين الستالينية و النازية الهتلرية، لكنها أيضا ستفترق عن تلك الحالتين:
نحن أمام منظومة خاصة تحمل ماركة الاسم من الأب الاسد المؤسس (الأسدية). تظهر بعد الانتهاء من مرحلة الصراع "القلق" والتخلص من رفاقه الرئيسيين (حركة 23 شباط)، حينما نصّبّ نفسه "سلطاناً" على البلاد، بعد حركته التشرينية.
تشكلَ نوع من (الحشد/ الجمهرة) تحت عباءة الانتماء للحزب، الذي هو بمثابة خَشبة الخلاص، بإيجاد فرصة عمل مميزة عن بقية أفراد المجتمع السوري.
يضاف الى الحزب ومنظماته الجماهيرية والشبابية ونقاباباته العمالية واتحاد الفلاحين والشبيبة والاتحاد النسائي، تشكيلاً جديداً، اسمه منظمة الطلائع، يتبين أنه "استوردها" من "الرفاق الكوريين الشماليين" في زيارته الى هناك عام 1974.
خطورة منظمة الطلائع، أن الطفل يخضع لمعسكرات صيفية وأخرى ربيعية، وهو بعد في المرحلة الطفولية الاولى، ما بين عامي (11-12).
يُلقن حب الاب القائد بديلا عن أبيه الفسيولوجي، يبدأ الترويض على الطاعة والخضوع، ثم التدريب على الوشاية الطلائعية؛ : ناقلاً لأخبار أهله وأخواته وحارته و مختار الضيعة.
هنا تبدأ النواة الحقيقية لما يتكون لاحقاُ ويحفر في الأعماق النفسية لماهية الإنسان المقهور (مصطفى حجازي).

يلجأ الأب القائد لاختبار محبته، عبر ما يسمى الاستفتاء، الذي هو حالة من المبايعة السلطانية، بينه وبين المجتمع بكل مفرداته. تتأسس فكرة "السلطة" لتنهل من التراث ، ترتقي تلك الحالة عندما يتم الاستفتاء بالدم، وليس بقلم الحبر الناشف.
الاستفتاء تعريفه أنه هو المرشح الوحيد لتجديد البيعة، ولا منافس ويجب أن تكون النتيجة 99،99%.
يذكرُ باتريك سيل:
أن وزير إعلام الأسد الاب (أحمد اسكندر أحمد)؛ "مخترع طقوس عبادة الشخصية للأسد".
"كان مفتاح نجاحه هو قدرته على التقاط وتفهم اتجاه تفكير الأسد، وتهيئة الرأي العام لتغيرات السياسة".
ومن ثم أيضا تعزيز مفردات مظاهر العبادة: "تكرار الجميع لاسمه باستمرار. صوره الضخمة في المباني، تماثيله العديدة".
نتكلم عن الفترة الاولى لما بعد حركته التشرينية؛ وزير الاعلام بقي في منصبه من عام 74 حتى وفاته بالسرطان عام 83.
تغدو البنية الاسدية كنمط للسلطة وعلاقتها بالمجتمع ، بملامحها الخاصة التي تميزها عن مثيلاتها، الستالينية مثلاً.
ما نرنو إليه هنا اشكالية المسالة الطائفية، وتحديدا علاقة الاسدية بالطائفة العلوية، كونها حاولت أن تصدّرها إلى المجتمع انها هي سيدة الموقف، تغدو القاف كلهجة خاصة بسكان الجبل، إحدى مفردات العبور إلى ضفة الامان، أو على الاقل في المخيال الشعبي، أنها أداة من أدوات التسلط على الاخر، حتى لو كان في موقع مهم من السيطرة.
الاسدية كما غيرها من انظمة القهر الانساني تعمل على الاشتغال بسنن عقلية الرعية، وحين تَمنح بعض الامتيازات تُمنح بصفتها عطاء ومنحة من الأب القائد..وعلى المواطن شكر قائده حتى في غرفة نومه.
تبدأ مرحلة آلية خضوع المجتمع بكل مكوناته الى "الآب" متوحدا مع نفسه، بما يعنيه غياب كلمة السلطة وإحلال محلها الطاغية الذي يتشكل، من الطبيعي أن يظهر للعلن وفي السر، بعلاقته بأركانه بشتى صنوفهم المدنية والأمنية والعسكرية، صيغة:
يَسألْ ولا يُسأل، بذلك تتعزز في الأعماق اللاشعورية الفردية والجمعية، إحياء فكرة المعصومية، التي كانت تقتصر بالموروث الشعبي، والمأثور الديني على بشر لديهم صفات خاصة، اصطفَتهم السماء وخليفتها الأرض.
كان هناك بعض الاستثناءات في تلك العلاقة بين التابع السيد الاعلى والرعية المجتمع، هي ظاهرة رفعت الأسد شقيق الرئيس، لكنه ايضا هو يعرف أنه كما الأبن للأب.
مع ذلك سيتمرد عليه أثناء غيبوبته المرضية بنهاية عام 83 وشتاء 84، يُهيأ نفسه أن يكون الوريث الشرعي عبر ميليشياته الخاصة (سرايا الدفاع) والتي أخذت صيغة طائفية مباشرة بشكل سافر.

قبل ذلك علينا التوقف عند مرحلة ماهو بداية التأسيس:
يمكن القول عنها أنها حاولت عدم اظهار انها سلطة شديدة البطش، هذه المرحلة أخذتْ منحىً مختلفاً، حتى صيف عام 1979.
لايعني ذلك أن الحياة السياسية كانت على وفاق مع التأسيس المتدرج لبناء منظومة الدكتاتور.
في سياق تلك المرحلة، لم تتوقف الاعتقالات لمعارضيه، خاصة لرفاق حزبه حينما أودعهم في غرف خاصة في سجن المزة، ثم أقفل عليهم المفتاح بسلاسل خاصة.
كذلك شهدت تلك المرحلة حالة عنف قصوى، تجلت بإعدام خمسة شبان من ماعرف آنذاك بالمنظمة الشيوعية العربية، مع احكام بالسجن المؤبد لبقية الاعضاء.
بعد ذلك ستتم محاولة القضاء على أي حالة تنظيمية معارضة، -بعد تورطه بمجزرة مخيم تل الزعتر الفلسطيني بصيف 76- نشأت الكثير من تنظيمات يسارية وعلى رأسها رابطة العمل الشيوعي، حيث تعرضت كلها للاعتقال.
يتبع:
اشتداد الصراع بينه وبين المجتمع، ظهور التيار الاسلامي المتشدد مابين 1979-1982.
تأسيس منظومة الأبد، البصمة الخاصة الأسدية..



#نصار_يحيى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الشيخ والمريد -
- المرياع
- شرقي سلمية نصب/ مجموعة قصصية/ ريان علوش
- رواية في المطار أخيراً / للكاتبة السورية لجينة نبهان
- مسرحية الاغتصاب للكاتب السوري سعد الله ونوس
- مسرحية الذباب / الندم/ جان بول سارتر
- -ماذا وراء هذه الجدران-.. قراءة في رواية راتب شعبو
- حوار منمنمات بين أطياف -شرّاقة- سعاد قطناني
- كتاب توقاً إلى الحياة/ أوراق سجين. عباس عباس
- رواية أحقاد رجل مرهوب الجانب / الكاتب منصور منصور
- انقسام الروح/ وائل السواح
- على أوتار الطوفان يعزف غسان الجباعي، أنشودة مدينة ثكلى، صدأت ...
- دردشات مع روايتين: نيغاتيف، روزا ياسين حسن/ خمس دقائق وحسب، ...
- قراءة على رواية الشرنقة/ حسيبة عبد الرحمن
- من الصعب / بدر زكريا
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ...
- رحلة تحت ضوء الغسق إلى قصر شمعايا/ رواية علي الكردي
- رواية الحي الشرقي / منصور منصور
- حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة
- قراءة لرواية وليمة لاعشاب البحر للروائي حيدر حيدر


المزيد.....




- شاهد ما حدث لرجل يقود سيارة جيب باربي مخصصة للأطفال على طريق ...
- كتاب يكشف انقسام شرق ألمانيا وغربها بعد 35 عاما على الوحدة ا ...
- 35 عاما على الوحدة.. كتاب جديد يكشف عمق الاستقطاب بين شطري أ ...
- مقال بواشنطن بوست: دول الخليج تشكك في الحماية الأميركية بعد ...
- كل ما تحتاج معرفته عن طرز -آيفون 17- الجديدة
- قصف إسرائيلي يستهدف مدرسة أبو عاصي ويشرد عائلات نازحة في غزة ...
- ملف الشهر: التجويع كسلاح حرب.. رحلة عبر التاريخ من ناميبيا إ ...
- وول ستريت جورنال: إسرائيل تكسب الحرب لكنها تخسر العالم
- ما وراء اغتيال تشارلي كيرك
- تسليم الدفعة الرابعة من سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نصار يحيى - هل كان النظام الأسدي نظاماً طائفياً؟