أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صفاء الصافي - الخلافة وصراع السلطة .














المزيد.....

الخلافة وصراع السلطة .


صفاء الصافي
باحث وكاتب في التاريخ الإسلامي


الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 09:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يرى كثير من الباحثين أنّ نشوء الخلافة موضوع معقّد ومتشابك، غير أنّهم لم يجدوا في النصوص الدينية ما يؤسّس لهذه السلطة الدنيوية. فما إن توفّي النبي ﷺ حتى اجتمع الصحابة بعد ساعات قليلة في سقيفة بني ساعدة ليتباحثوا فيمن يتولّى الحكم. ولم يكن النقاش حول شؤون الدين أو مصير الرسالة، بل انحصر في السياسة: من يملك القرار، ومن يدير الدولة الغنية بالموارد والفتوحات المرتقبة.

لم يُعطَ جسد النبي حقّه من مراسم التشييع والدفن بما يليق بمقامه، إذ تحوّل الصراع في السقيفة إلى نزاع على "الملك". وهناك استُحدثت كلمة الخلافة لتصبح فيما بعد عنوانًا شرعيًا لأي قرار سياس حتى لو كان على حساب الدين.

انتهى الاجتماع بمبايعة أبي بكر، بعدما لعب عمر بن الخطاب دورًا محوريًا في تمرير البيعة، رغم أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب. لكنه، في ظل منافسة أسماء وازنة مثل علي بن أبي طالب وطلحة وأبي عبيدة، رأى أن تقديم أبي بكر سيضمن له موقعًا أقوى لاحقًا. وقد وصف عمر هذه البيعة بأنها "فلتة"، أي حدثت بصورة مباغتة وسريعة.

وقد علّق المستشرقان مونتغمري وات وويلفرد مادلونغ بأن ما جرى في السقيفة لم يكن تأسيسًا دينيًا، بل مجرد تسوية سياسية سريعة لضبط المجتمع بعد وفاة النبي.

وفي المقابل، انعقد في بيت النبي اجتماع آخر جمع أهل بيته وأقاربه، حيث قال العباس لعلي: "أعطني يدك أبايعك إمامًا بعد النبي". كما جاء أبو سفيان إلى علي ليعرض عليه البيعة، وكان منطلقه قبليًا بحتًا، إذ رأى أن المُلك لا يليق إلا ببني عبد المطلب. حتى أبو قحافة والد أبي بكر، استغرب حين علم ببيعة ابنه قائلاً: "وهل رضيت قريش؟"

هكذا كان الصراع في جوهره حول تحويل الدولة الإسلامية إلى إمبراطورية دنيوية أكثر منه استمرارًا لدولة دينية. وقد أشار ابن خلدون (ت 808هـ) إلى أنّ الخلافة تحوّلت من "حراسة الدين وسياسة الدنيا" إلى مجرد ملك دنيوي عضوض.

وبعد ذلك، استولت الخلافة على الدين فحوّلته إلى أداة شرعنة، رغم أنّ أصلها لم ينبع من النص القرآني أو السنة النبوية. وهذا ما أكده علي عبد الرازق (ت 1966م) في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" حيث اعتبر أنّ الخلافة ليست من الدين في شيء، بل مؤسسة سياسية ابتكرها المسلمون لإدارة شؤون دنياهم.

كما يتضح من آلية اختيار الخلفاء أنّ الأمر لم يكن يسير وفق قاعدة دينية موحدة:

أبو بكر: اختير ببيعة سريعة ومفاجئة في السقيفة.
عمر: جرى تعيينه بترشيح مباشر من أبي بكر.
عثمان: اختير عبر لجنة الشورى التي عيّنها عمر.
علي: بايعه الناس بعد اضطرابات وفتن وحاجة لوقف الاقتتال.
معاوية ويزيد: رسّخا مبدأ الوراثة في الحكم.

بهذا تحولت الخلافة من مجرد تسوية سياسية إلى بدعة سلطوية استمرت قرونًا، حتى أصبحت تُقدَّم كأنها ركن من أركان الدين، بينما كانت في الواقع أداة قمع واستبداد، خصوصًا في العهدين الأموي والعباسي.

يتضح مما سبق أنّ الخلافة لم تكن مؤسسة دينية خالصة، بل ابتكار سياسي نشأ في لحظة فراغ بعد وفاة النبي ﷺ، ثم ما لبث أن تحوّل إلى ملك وسلطة دنيوية توسّعت مع الزمن. وقد حاولت الخلافة إضفاء طابع شرعي على وجودها عبر ربط نفسها بالدين، غير أنّ واقع الأحداث يكشف أنّها كانت أداة لتثبيت الحكم وإدارة المصالح أكثر من كونها امتدادًا للرسالة النبوية. ولهذا، فإنّ وصفها بـ"البدعة السياسية" يجد ما يبرّره تاريخيًا وفكريًا، خاصة حين نلحظ كيف تحولت لاحقًا إلى وسيلة للاستبداد والقمع بدل أن تكون ضمانًا للعدل والشورى.



#صفاء_الصافي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل الطائفي : الفايروس التاريخي للأمة
- التاريخ بين سيف السلطان وقلم المؤرخ: النسائي والحلاج أنموذجا ...
- إسكاتولوجيا المبشَّرين بالجنة
- من غرائب الموروث الاسلامي
- التاريخ الاسلامي كتب باقلام السلطة .
- قراءة نقدية في وهم القداسة
- من هو على حق ؟
- صراع التاريخ يدخل السوشيال ميديا
- عجيب امركم
- رجل الدسومة
- سيفا مسلول ام سيفا رهقا


المزيد.....




- كل ما تريد معرفته عن دورة العاب التضامن الاسلامي واماكن إقام ...
- ترامب يشتم النائبة المسلمة إلهان عمر ويدعو لعزلها.. فما الأس ...
- إنتخابات الكنيسة السويدية الأحد - ممارسة ديمقراطية في مؤسسة ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- نيويورك.. يهود يتظاهرون احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعات ...
- يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا ...
- القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا ...
- التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا ...
- خليج الجنة في تركيا.. رفاهية خفية على شاطئ لا يقصده سوى الأث ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صفاء الصافي - الخلافة وصراع السلطة .