مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 11:05
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تحمل الدورات والأزمات الاقتصادية التي حدثت في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي سبقت الرأسمالية طابعاً مختلفاً عن الأزمات التي حدثت في الرأسمالية. هذه الأزمات كانت تنجم في السابق عن كوارث ومصائب طبيعية عفوية، كالجفاف والطوفان والجراد وغيرها من الآفات، كما كانت تنجم عن أحداث من صنع الإنسان كالحروب والغارات التي كانت تدمر كل شيء، وتصيب القوى المنتجة بالخراب، وتحدث فاقة شديدة في وسائل العيش، وتنتشر المجاعات والأوبئة لتقتل الكثير من الناس. لقد كانت هذه الأزمات تسمى أزمات ضعف الإنتاج تنجم عن أسباب غير نابعة مباشرة من جوهر أسلوب إنتاج معين. وقد أشار تقي الدين المقريزي إلى الأزمات الاقتصادية التي حدثت في مصر على مر العصور، كما حدد أهم الأسباب التي نشأت عنها هذه الأزمات والمحن ما كان منها بسبب الطبيعة (قصور النيل، عدم نزول المطر، الآفات التي تصيب المحاصيل كالجراد) والأسباب المتعلقة بسلوك الإنسان وتصرفه كالرشوة وغلاء الأطيان وارتفاع أجورها وانخفاض قيمة النقود. هذه هي أهم الأسباب التي حددها المقريزي لحدوث الأزمات الاقتصادية في عصره.
- فوضى الإنتاج والتناقض بين الإنتاج والاستهلاك:
من المعروف أن للإنتاج فرعين أساسيين، الفرع الأول وهو فرع إنتاج وسائل الإنتاج، والفرع الثاني وهو فرع إنتاج سلع الاستهلاك. وتتطور فروع الإنتاج المختلفة والتي يخدم بعضها بعضاً بوساطة السوق، في ظل الرأسمالية، تطوراً غير متساو، وغير متوازن. ونلاحظ أن نمو الإنتاج الرأسمالي وبالتالي، تشكل السوق الداخلية، لا يحدث بفضل زيادة إنتاج سلع الاستهلاك بقدر ما يحدث بفضل زيادة إنتاج وسائل الإنتاج. أي أن الفرع الأول (إنتاج وسائل الإنتاج) ينمو بسرعة أكبر من سرعة نمو الفرع الثاني (إنتاج سلع الاستهلاك) وتسبق زيادة إنتاج وسائل الإنتاج كثيراً زيادة إنتاج سلع الاستهلاك الشخصي. وتحتل سلع الاستهلاك، في الكتلة العامة للإنتاج الرأسمالي، منزلة متضائلة الأهمية مع مرور الزمن.
ولكن من المؤكد أن زيادة إنتاج وسائل الإنتاج وتطوره لا يمكن أن يتم بمعزل عن إنتاج وسائل الاستهلاك وخارج أي صلة به. ذلك لأن المؤسسات التي تستخدم وسائل الإنتاج تدفع إلى السوق، في نهاية المطاف، كميات متزايدة باستمرار من السلع المعدة للاستهلاك. وعلى هذا فإن الاستهلاك الإنتاجي (استهلاك وسائل الإنتاج) يرتبط بالاستهلاك الشخصي بشكل دائم. في حين يتراجع مقدار استهلاك السكان في المجتمع الرأسمالي، بسبب انخفاض حجم الطلب الفعال نتيجة لقوانين الاستغلال السائدة في هذا المجتمع. وبذلك يدفع النظام الرأسمالي استهلاك الجماهير للتراجع باتجاه الحد الأدنى ويرغمها نتيجة لذلك باختيار أبسط وسائل المعيشة وأكثرها ضرورة. فتصطدم زيادة الإنتاج بانخفاض الاستهلاك في المجتمع.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟