أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد يحيى عبيد - السويداء والخيارات الصعبة















المزيد.....

السويداء والخيارات الصعبة


عماد يحيى عبيد
محام ، كاتب وناشط حقوقي وسياسي مستقل

(Imad Yhya Obeid)


الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 01:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعل أكثر ما يجعل الوصول إلى التفاهمات السياسية صعبا هو الاختلاف في المواقف والتباين في الذهنيات المتحاورة من حيث المنطق والإيديولوجيا وأسلوبية الحوار التي تتأرجح بين الواقعية السياسية المستندة إلى المبدأ الجوهري (فن الممكان) والرومانسية السياسية المترافقة مع التفكير العاطفي أو المتوالدة من الحلم الثوري.
صدر البارحة في 20/9/2025 عن الاجتماع الثلاثي بين وزيري خارجيتي الأردن وسوريا والمبعوث الأمريكي توماس باراك بيان يتضمن عدة بنود كمخرجات لهذا اللقاء وأسموها (خارطة طريق) حيث انصبت تلك البنود على طريقة معالجة الوضع في محافظة السويداء بعد المآسي التي حصلت إثر الاجتياح العنفي الذي قامت به القوات الحكومية بمؤازرة قوى رديفة من عناصر جهادية منفلتة وجماعات مسلحة من العشائر.
لا نستطيع أن نفصل اجتماع البارحة والبيان الذي خرج به عن اللقاءات السابقة بين الأطراف، سيما منها اجتماعي عمان الأول في 19/7/2025 والثاني في 12/8/2025 ولقاء باريس 24/7/2025 بين وزير الخارجية السوري ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر تحت الرعاية الأمريكية، وأيضا اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب في 4/9/2025 والمباحثات البينية، والأهم من ذلك ما يدور في الكواليس من مفاوضات واتفاقات لا يعلن عنها مترافقا مع ما يطبخ في الحدائق الخلفية لكهنة السياسة، حيث أن كل تلك اللقاءات والاجتماعات المعلنة وغير المعلنة كانت وراء هذا البيان، وكانت السويداء هي المحور الأساسي والوحيد لنتائج ومخرجات البيان المذكور.
هل جاء البيان ليصدّر حلا للأزمة في السويداء أم أن السويداء ستكون مكسر العصا للتناحرات الدولية والإقليمية في المنطقة، وبالتالي كبش فداء لتمرير توافقات على الساحة السورية والإقليمية؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أن تلك الأفعال الدموية التي حدثت في محافظة السويداء أدت لنتائج كارثية كان للجوكر الإARSئيلي الدور الأكبر بدءا من يوم التخطيط لها مرورا بالتدخل العسكري وليس انتهاء بما يجري الآن من تفاهمات وتوافقات.
يبدو أن المعضلة الأولى والأساسية في إمكانية تنفيذ هذا البيان الاتفاقي تكمن في انعدام الثقة بالمطلق بين محافظة السويداء ذات الأغلبية الديموغرافية المتمثلة بالمكون الدرزي وسلطة دمشق ذات التشكيل الأحادي إلى درجة طلب الانفصال وحق تقرير المصير لخروج المحافظة من تحت سلطة الحكومة السورية المؤقتة، خاصة أن هذا المطلب لم يكن نتيجة للأفعال العنفية التي قامت بها السلطة تمثلت في المجازر والقتل على الهوية الطائفية فقط، بل ترافق ذلك مع التأييد والانحياز من المكون السني لصالح السلطة المنتمية له بكافة مفاصلها السيادية، وفي أحسن الأحوال كان هناك صمت من الكثيرين من رموز هذه الأكثرية المعتدلين الذين كان يتوخى منهم عدم السكوت والتجاهل لما جرى.
لكن قراءة المشهد بانوراميا والتدقيق في تواترات الأحداث يؤكد أن الأطراف الخارجية هي المتحكمة في تقرير المصائر وإنتاج التوافقات وتصدير البيانات.
كما أن الوقوف عند مخرجات البيان الثلاثي الصادر البارحة يعطي انطباعا أكيدا عن رفض البيان ومن وقف وراءه لفكرة التقسيم أو الانفصال، وعلى الطرف الآخر نجد أن التوجه نحو (تقرير المصير والانفصال) ضعيفا من حيث التأييد والدولي والمستندات القانونية التي يعول عليها، لأن المرجع الوحيد هو ميثاق الأمم المتحدة الذي يمكنه أن يخرج بصيغ ملزمة، أما المستندات الأخرى التي يسوقها أنصار هذا المطلب فلا ترقى لمستوى الجزم والإلزام. فميثاق الأمم المتحدة بصفته التشريع الأساسي الذي تعمل به هذه الهيئة، والتي لاترقى جميع مواده إلى صفة التنفيذ القسري إلا إذا جاءت تحت بنود الفصل السابع، فقد حددت المادة الثانية من في الفقرة السابعة من الميثاق عدم جواز تدخل الأمم المتحدة في الشؤون الداخلية للدول والتي تعتبر من حقوق السيادة، وقد انحصر حق طلب تقرير المصير في توفر ثلاثة شروط، الأول: أن يكون الإقليم طالب التقسيم واقعا تحت استعمار أو احتلال خارجي، والثاني: حالة الأقليات التي تتعرض إلى الاضطهاد أو التمييز العنصري الممنهج، والثالث: موافقة البلد الأم على الانفصال، وبالتدقيق في الشرط الثاني الذي يتخذه المطالبون سببا لهم، وتفسيراته والاجتهادات التي صدرت حوله فإنها لا تنطبق مع حالة السويداء، لأنه يحتاج إلى توصيف الوضع وتوثيق الشواهد من خلال تقارير دولية صادرة عن هيئات ومنظمات وجهات معترف بها من الأمم المتحدة، وحتى الآن جميع تلك التقارير لم تصف ماجرى في السويداء على أنها حالة إبادة أو اضطهاد ممنهج، بل اعتبروها انتهاكات -هذا وفقا لتوصيفاتهم – خاصة بعد صدور بيان مجلس الأمن في 10/8/2025 ذي الصيغة اللينة غير الملزمة المهادن للسلطة في دمشق، ولابد لهذا الطلب (تقرير المصير) في حال توافق توفر شرطه الثاني هنا، من أن يمر عبر طريق قانوني آخر من حيث تشكيل محكمة دولية خاصة للبت في هذا الطلب وهذا طريق طويل وعسير.
قد يستند أنصار طلب تقرير المصير في مطالبتهم إلى شواهد تاريخية سابقة أمثال ما جرى في كوسوفو وتيمور الشرقية وإقليم الكيبك، فإن كل تلك الحوادث لها سياقاتها التاريخية المختلفة وظروفها الخاصة، والأهم هو مدى انتهاج الدول العظمى المؤثرة عالميا والمهيمنة على قرارات الأمم المتحدة نحو ذلك التوجه، بينما نجد أن البيان الثلاثي المنوه عنه أعلاه والذي تم تحت الرعاية الأمريكية بصفتها المتحكم الأكبر في القرارات العالمية، والتي اتخذت على عاتقها التفاهم مع إARSئيل على حسم الجدل حول هذا الأمر بشكل قاطع.
قد يرى البعض أن المطالبة بالانفصال وحق تقرير المصير هو وسيلة ومناورة سياسية للتفاوض الأقوى والحصول على الطلبات المرادة، وهذا الأمر يتطلب حنكة سياسية وعدم الذهاب بالجمهور المؤيد حتى نهاية المطاف ثم خذله، سيما أن هذا الجمهور مازال مثكولا من هول الفاجعة ومحتقنا من الألم ومأخوذا بالعاطفة.
أما المعضلة الثانية فهي في الإجراءات التي ستطبق لتنفيذ بنود هذا الاتفاق، فعدم الثقة بالسلطة يجعل كل حل يمر عبرها مرفوضا، سيما وأن معظم الالتزامات الواردة في البيان يقع تنفيذها على عاتق السلطة وكل تقاعس أو تسويف أو تشويه سيعقد الأمر أكثر.
لا بد من الإشارة إلى تساؤل عن سبب تمثيل الأردن دون غيرها ليكون طرفا في حل هذا النزاع والخروج بهذه التوافقات المعلنة في البيان المذكور، أعتقد أن الأمر يعود لعدة أسباب، أولها أن الأردن هو البلد الوحيد المجاور لمحافظة السويداء وما سيقرر لها يمسه بشكل أو بآخر، والثاني أن الأردن هو البلد العربي المقبول إقليميا من قبل الدول العربية وتركيا ودولة الكيان والمدعوم أمريكيا، وثالثا لأن رئيس الدبلوماسية الأردنية وزير الخارجية أيمن الصفدي ينتمي إلى الطائفة الدرزية المكون الأساسي للتمثيل الديموغرافي في مدينة السويداء، علما أن شخصية الصفدي أمينة لكرسيها السياسي بالدرجة الأولى ولم يسبق لها أن انحازت لمكونها الطائفي عبر مسيرتها الوظيفية، ولا ندري مدى تواصلها مع الجهات صاحبة القرار عند تبنيها للبنود التي صدرت في بيان (خارطة الطريق)
بالعودة إلى الأسباب التي جعلت السواد الأعظم من أهالي محافظة السويداء يذهب نحو المطالبة بحق تقرير المصير ومن ثم الانفصال هو تلك المآسي التي ألمت بالمحافظة بعد الاجتياح العنفي الشائن غير المسبوق ومارافقه من مجازر وقتل وتنكيل واختطاف واغتصاب وتهجير واعتداء على الممتلكات بين السرقة والحرق والتدمير، كل ذلك يجعل الرأي العام لأهالي المحافظة غاضبا ورافضا لأي تواصل مع سلطة دمشق ومن يناصرها، وبالتالي متجها للقطيعة التامة معها وراغبا بالانفصال عنها.
هنا نجد أن المحافظة تقف على مفترق صعب بين القبول بمخرجات وبنود الاتفاق الثلاثي المشار إليه، سيما بعد أن أعلنت اللجنة القانونية المناط بها تسيير شؤون المحافظة رفضها للبيان خاصة بما يتعلق بالمحاسبة التي -إن تمت- ستكون وفقا للقوانين السورية المسيطر عليها من سلطة تعتبر فاعلا في تلك الجرائم، وبين الذهاب نحو تقرير المصير غير المسنود دوليا والضعيف قانونيا، لذا فإن الخيارين صعبين على المدى المنظور، إلا ما ستفرضه الإرادة الدولية من أمر واقع، وهنا نتوقف عند الإرادة الأمريكية التي حسمت موقفها بهذا البيان.
وعليه ... دمشق تقول ما تشاء ... والسويداء تقول ما تشاء ... وأمريكا ومن يدور في فلكها يقررون وينفذون ما يشاؤون.



#عماد_يحيى_عبيد (هاشتاغ)       Imad_Yhya_Obeid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المظلومية ... ديكتاتورية المصطلح
- الدولة المستحيلة
- مرثية لغد مضى
- البرناسية، قداسة الفن
- موقف الأديب بين الانحياز والتحيز
- النصوص الدستورية وحقوق المرأة السورية
- الإعلان الدستوري السوري، خطوات إلى الوراء
- الديمقراطية وشرعنة الديكتاتورية
- العرب خيمة وسوق
- بين مدينة إفلاطون وإمارة ميكافيللي


المزيد.....




- وسط تصاعد الاحتجاجات النقابية.. ميناء رافينا الإيطالي يرفض د ...
- فرنسا تحذّر إسرائيل من ضم الضفة الغربية وتكشف عن عشر دول ستع ...
- قاعدة باغرام: ماذا نعرف عن أكبر قاعدة جوية في أفغانستان يسعى ...
- نجل زين الدين زيدان يختار -الجنسية الرياضية الجزائرية- بدل ا ...
- -استفزاز جديد-.. الناتو يعترض مقاتلات روسية اخترقت أجواء إست ...
- ليلى شهيد عن الاعتراف بدولة فلسطينية: لا معنى لأي كلام دون و ...
- ليلى شهيد عن الاعتراف بدولة فلسطينية: لا معنى لأي كلام دون و ...
- نعيم قاسم يدعو السعودية -لفتح صفحة جديدة- وإنشاء جبهة ضد إسر ...
- هل تشعل صواريخ -باراك إم إكس- الإسرائيلية في قبرص مواجهة مفت ...
- الإليزيه يكشف عن 10 دول ستعترف بفلسطين الاثنين


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد يحيى عبيد - السويداء والخيارات الصعبة