سماك العبوشي
الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 14:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ذاك سؤال كبير وخطير بات يؤرّقني ويقُضّ لي مضجعي، أسوة بالشرفاء والاحرار من أبناء العروبة جميعا، كيف لا ونحن نعيش المهانة كل يوم وكل حين، لاسيما في أعقاب استمرار الخنوع والذل الذي نحن فيه إزاء الطغيان والجبروت والغطرسة الإسرائيلية المسلطة على دولنا وأنظمتنا وقادتنا دونما ردة فعل منهم إزاء هذا التدهور في مشهدنا السياسي!!
كنت ... وإلى وقت قريب، متفائلا الى حد ما من أن أي اعتداء إسرائيلي قد يقع على إحدى دول الخليج العربي تحديدا، فإن (العقال العربي) سيهتز أنفة وكبرياء وينتفض للثأر من المعتدي، وأن الدم العربي الأبي سيغلي ويتدفق في شرايين (عُرْبان الخليج) منتفضا داعيا للثأر والاقتصاص – كعادة العرب الأقحاح -!!
هكذا ببساطة وسذاجة كنت قد تخيلت الأمر لكثرة ما قرأت من شيم العروبة وكبرياء أبنائها عبر تاريخنا منذ الجاهلية حتى ما بعد الفتح الاسلامي، وهكذا تمنيت الأمر الآن في الحقيقة، فما أن تناهى لأسماعي أن إسرائيل قد هاجمت الدوحة بطائرات مقاتلة وقصفت ضيوفها على أرضها، حتى أحسست حينها أن قد حان للدم العربي أن يتحرك للثأر والاقتصاص!!، لاسيما وأن الصورة وضحت بأن الأمر لا يتعلق بفلسطين وشعبها، وأن هناك خطبا جللا قد تجاوز فلسطين وراح يهدد ما خلفها، ورحت أتابع الأنباء، واستبشرت خيرا، لاسيما وأن دعوات عاجلة وحثيثة قد نادت لاجتماع عربي إسلامي طارئ وعاجل على أرض الدولة التي تم الاعتداء عليها لمناقشة تلك الضربة الغادرة وتداعياتها، وطاش بي الخيال، فظننت حينها أن (قمة الفرصة الأخيرة) للعرب والمسلمين قد لاحت في الأفق أخيرا وآن انعقادها، وحان الاستفاقة من سبات طال، وآن تصحيح بوصلة العرب من خلال قرارات مصيرية جوهرية آن وقت اتخاذها تناسبا مع عظم الحدث المتمثل بجرأة إسرائيل على الاعتداء على دولة تتصف بالمزايا والصفات أدناه:
1- أنها دولة من دول اتحاد مجلس ذي ارتباطات قوية بالولايات المتحدة الأمريكية، ولبعضها ارتباطات (تطبيعية) مع إسرائيل، كما ولبعضها علاقات دبلوماسية وأخرى اقتصادية مع الكيان الغاصب، مما يبعدها حتما عن دائرة الاستهداف الإسرائيلي!!!
2- دولة صغيرة الحجم، مسالمة الى حد بعيد، بعيدة جدا عن دائرة الصراع الملتهب الجاري في فلسطين!!
3- دولة لا حدود مباشرة لها تربطها مع فلسطين المحتلة!!
4- دولة تحتضن جهود وساطة، كانت قد كلفت بها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها لإجراء مفاوضات وجهود وساطة لإطلاق سراح (الرهائن!!) من أبناء القردة والخنازير!!
5- وأخيرا وليس آخرا، أنها تعتبر دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وتربطها بها معاهدة دفاع مشترك، كما وتحتضن على أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية تؤهلها لرصد أي اعتداء على أراضيها وترد الأذى عنها بموجب تلك المعاهدة!!
وانعقدت القمة فعلا، وتسمرتُ على جهاز التلفاز متلهفا شغوفا لمتابعة ما سيجري، ولسماع ما ستجود به ألسنة قادة الأنظمة العربية والإسلامية من عبارات ومواقف، ولقد فُتّ في عضدي، كما وخاب ظني، فلم أسمع منهم غير تكرار مجّ لعبارات طالما ترددت في اجتماعات القمم العربية السابقة صدرت كبيانات ختامية ثم طواها النسيان، عبارات تراوحت بين التنديد والشجب وبين لاستنكار، وضرورة أن نفعل كذا، وكذا!!
ثم ... تعوذت من الشيطان الرجيم، وقلت في نفسي، لعل القادم من القمة ما يشفي الغليل، فلربما القادة الجهابذ قد أعدوا خطة محكمة للتلاعب بأعصاب الأعداء في واشنطن وتل أبيب ويمكرون بهم، ويماطلونهم بكلمات وخطب فيما يخبئون في جعبهم قرارات (سرية!!) ستشفي غليلنا وتنعش آمالنا، وستقلب الطاولة على أعداء أمتنا، سيعلنونها في البيان الختامي، قرارات لعلها تتضمن كُلا أو بعضا من الآتي:
1- الاتفاق على قطع العلاقات مع إسرائيل!!
2- طرد السفراء الصهاينة من بلداننا العربية والإسلامية!!
3- إيقاف قطار التطبيع، وتجميد وإلغاء الاتفاقات الابراهيمية!!
4- التهديد بمنع طيران الاحتلال الإسرائيلي في الأجواء العربية والإسلامية!!
5- إيقاف ضخ النفط الى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا كما فعلت العربية السعودية إبان حرب تشرين عام 1973 في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله!!
وصدر البيان الختامي، وليته لم يصدر، حيث اقتصر البيان على ترديد عبارات الشجب والاستنكار والتنديد بهذا العدوان على قطر، هذا كما وبعث المؤتمر رسالة للعالم تشد إزر قطر وأنها لا تقف وحدها بل هي مدعومة عربيا وإسلاميا، ولعل الحسنة الوحيدة لهذه القمة أنها عكست قلق الجميع من مواصلة العدوان على غزة وتهويد الضفة الغربية، كما وتحدث البيان الختامي ضمنا عن أن إسرائيل "أصبحت معروفة للجميع، وأنها ليست مستعدة لأي حل وسط مع الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين"، يضاف لهذه الحسنة أيضا قيامها بفتح الباب أمام الدول لمراجعة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وتعليق تزويدها بالسلاح أو نقله لها عبر أراضيها، إلا أن تلك الخطوة الحسنة التي خطاها القادة قد تم الالتفاف عليها وتشويه مضمونها بما ورد من عبارة في ختام فقرتها بما معناه أنه قرار غير ملزم للجميع، بل ترك أمر تطبيقه وتنفيذه لكل دولة حسب مصالحها، وهذا ما أكده الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي أن البيان لم يجعل تنفيذ هذه الفقرة إلزاميا، بل ترك للدول القيام بهذا الأمر (وفق مصالحها!!!) إن هي أرادت ذلك!!
والسؤال : هل رأيتم أكثر خيبة من هكذا قرار، وهكذا التفاف للمضمون، وهكذا تبرير!!؟
ألا يستشف من ذلك أنه تسويف من قادة هذه الأنظمة ومحاولة مبطنة منهم للمماطلة في تطبيق قرار هام من خلال ترك أمر تنفيذه وفق مصلحة كل دولة من الدول المشاركة بالقمة!!!
وليس هذا فحسب، فلقد كان بإمكان مجلس التعاون الخليجي تحديدا أن يلعب دورا محوريا قويا في صياغة وإخراج هذا البيان ليخاطب الولايات المتحدة الأمريكية بلغة يفهمها ترامب جيدا وهي لغة المال والمصالح والامتيازات، وإفهامه بأنه بات يضع مصالح بلاده في خطر بسبب دعمه المطلق لإسرائيل، وإنعاش ذاكرته بالحفاوة الكبيرة التي استقبل فيها، وبالمليارات التي جناها في زيارته الأخيرة لبعض دول مجلس التعاون الخليجي!!
لعل أكبر دليل على فشل معطيات قمة الدوحة وعدم جدواها وضعف صداها تتمثل بالشواهد التالية:
- فما أن انفضت تلك القمة الغراء، ولما لم يجف حبر بيانها الختامي بعد، فإذا بالسفير الأمريكي لدى إسرائيل (مايك هاكابي) يلمح إلى أن الولايات المتحدة ستحترم قرار إسرائيل في حال قررت تطبيق ما تسميه تل أبيب "فرض السيادة" على الضفة الغربية المحتلة، رغم الرفض الدولي لذلك!!، هذا كما وأوضح هاكابي، في المؤتمر الدبلوماسي الذي تنظمه صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية، أن بلاده تحترم "إسرائيل كدولة ذات سيادة، ولن تملي عليها ما تستطيع فعله وما لا تستطيعه"، وفي هذا ضرب لفكرة مؤتمر لدعم حل الدولتين التي دعت اليها مؤخرا كل من فرنسا والمملكة العربية السعودية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر/ أيلول بنيويورك الأمريكية!!.
- فيما كان قادة الأنظمة العربية والاسلامية مجتمعين في قمتهم (الطارئة) قي الدوحة، يتدارسون ويناقشون تداعيات هجوم الكيان اللقيط على قطر، ويتهيأون لإصدار بيان ختامي لهم، كانت هناك قمة أمريكية إسرائيلية في تل أبيب، جمعت النتن ياهو بمارك روبيو وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، حيث خرج النتن ياهو بتصريح مقتضب واحد قال فيه وبمنتهى الصلافة والوقاحة: "نتحمل المسؤولية الكاملة عن ضرب قطر، ولا نستبعد شن المزيد من الضربات على قادة حماس إينما كانوا"، كما أكد روبيو أن تحالف واشنطن وتل أبيب أكبر من القمم والاجتماعات، في رسالة موجهة منه الى المجتمعين في قمة الدوجة آنذاك مفادها : اجتمعوا وقرروا ما شئتم، فالقرار يصنع هنا ... في تل أبيب!!
- وعلى بعد أمتار من المسجد الأقصى، قام وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مارك روبيو بالمشاركة في تدشين نفق تهويدي، كما ورافق النتن ياهو في زيارة حائط البراق (حائط المبكى!!) معتمرا الطاقية العبرية الشهيرة في رمزية ودلالة منه على تضامنه الايدولوجي والعقائدي مع اليهود، وتشجيعا منه ومن دولته لإسرائيل بمواصلة جرائمها وانتهاكاتها اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، كما وأشار رئيس الوزراء نتنياهو أثناء افتتاح هذا النفق بالقول: "أن هذه الزيارة تشهد على أن المدينة لنا، وأنها لن تُقسّم أبدًا، ولن تكون هناك دولة فلسطينية"، كما وأضاف قائلا: "أن أي إجراء أحادي الجانب سيُقابل بإجراء أحادي الجانب"، وفي هذا إصرار واضح على إفشال دعوات إقامة دولة فلسطينية على 22% من أرض فلسطين التاريخية!!
- بعد يوم واحد من انتهاء القمة، خرج وزير الخارجية الإسرائيلي بتصريح أعلن فيه نقلا عن القناة 14 العبرية : "حل الدولتين ليس حلا، بل مشكلة، واذا تراجعنا فستكون هذه هزيمة سياسية "!!
- أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء 16 أيلول، البدء بالمرحلة الرئيسية من عملية برية للسيطرة على مدينة غزة (مركبات جدعون 2)، وذلك بعد ساعات من لقاء وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس وإبلاغه بأن واشنطن تقف إلى جانب إسرائيل، في خطوة عدم اكتراث من إسرائيل للقمة العربية الإسلامية الطارئة وما صدر عنها !!
هذا لعمري غيض من فيض مؤشرات وأدلة دامغة على فشل قمة الدوحة، وعدم اكتراث إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بما صدر منها في بيانها الختامي، ليقين النتن ياهو على ضعف مواقف الحكام العرب والمسلمين وخنوعهم لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية!!، ولا غرابة في كل ما نراه اليوم من وهن قادة أنظمتنا وخذلانهم، إذا ما تذكرنا حديث نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر الأمة بأنها ستبتلى بحكام جور، وعلماء سوء يبررون لهم أعمالهم، فقال: "سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليَّ الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يعِنْهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض".
وقال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث يصف حالة الأمة بعده: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت" !!
ختاما ... أقول:
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!!
17 / 9 / 2025
#سماك_العبوشي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟