|
البداية : ظهور السيدة قطام
الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 16:25
المحور:
الادب والفن
امشي مشية حائرة، مرتبكة، جامحة، أتكلم بصوت مسموع ،اخط كلمات مطلسمة في الهواء بالسبابة، أحاور مخاوفي، أحاور أشباحا، الشارع فارغ من المارة إلا من كلب يستلقي على الرصيف ،لسانه يتدلى من شدة الحر، في النفس الإنسانية ثمة معارك خفية تدور رحاها في الجمجمة، معركة بين الرغبة العارمة في التواجد والرغبة الكبيرة في أسماع الصوت، الصراخ صراحة بمثابة إعلان عن الوجود، بل صوت الجرح الغائر المندس في الأعماق المتواري عن المخالب ،الأرواح في المدارس والشارع تغسل بماء الولاء والطاعة، تجفف على حبال الغسيل بالنفاق، وتضمخ علنا بعطر الخديعة، الأسئلة كفر بالولي والزمن، على مقربة من حديقة ميتة أشجارها انخرطت في حوار مع شابة، متدربة في مرفق صحي، في السنوات الأخيرة تدفقت موجات من المتدربات على المرافق الصحية بدون شواهد، انسحب الأطباء والممرضون والمؤهلون، الغرباء يتعلمون التمريض في الفقراء، اغلبهن متسربات من الدراسة مستواهن لا يتعدى الرابعة إعدادي، النظرات تشيع الشابة المتعجرفة تخطو بخطوات وئيدة على حبل الهواء بلا بوصلة، تنقل النظرات يمنة فسيرة، ظهرت فجأة بعباءة الضوء، تناثرت أشواك الغزل، عطش الروح ترتوي، ارتجفت الأعماق وارتفعت اقنعة الكلمات، أراقب ظلي يطاردني بجنون، على الكتف تهاجر النيران ، الوجه لم يعد مني ، ملامح قاسية مقتحمة، القسوة لا تولد في الإنسان بل تصرفات متكررة وتصبح مع الأيام عادة ، لوحة ترسم كل صباح بحثا عن جمال مفقود، المرأة تتزين لتعطي اقبح ما عندها، طويلة شيئا ما، ملامح حادة وقاسية، الصدر يندلق عن كل حركة ،بطيختان تقتربان من الصرة، قالت لي زميلة الدراسة أن صدري أشبه بقربة حليب، العجيزة تتراقص مع ابسط الحركات ،تمشط في زهو شعر الريح، العيون المتلصصة تراقب الحركات والإشارات، المقاهي أشبه بأجهزة الرصد ،لاشيء يمر بدون تمحيص وتدقيق، الرادارات في الوطن منتصبة في كل شارع وزقاق وحي، التذمر يسري في الأوصال ويقيم في الهيكل تقززا وتأوهات ،فوق الصدر يصلي الغرباء صلاة الاشتياق ،الملاعين لا يرون في المرأة سوى المؤخرة، المرأة وعاء للتفريغ، صهيل كلمات الإعجاب والثناء تفرقع بدون استئذان، البوح لا ينهي الأسئلة المعلقة، ظلال الخوف من الآخر لا تزال جاثمة في الحوباء ، جربت مئات المرات البكاء في وجه الحقيقة ،حين يطاردني عري الهجاء المسموم، الرحمة لا توجد في القلوب، يوميا أسير فوق هضاب اللامبالاة، ابحث عن خلاصي في مواجهة ذاتي ،التمرد الرابض في الخلايا يرفض الاستسلام ،لم اكن أعير اهتماما للجسد ،لم يكن بالنسبة لي سوى هيكلا يحمل لحما وعظاما ،الأحاسيس مجرد رغبات لا تتعدى الغضب والبكاء والصراخ ،رفرفة القلب لم تكن في الحسبان ،في الربيع السادس عشر بدأت تنبث أفكار عميقة تتسل إلى الدماغ كما يتسلل الغبار إلى منزل مهجور ،أحاسيس حين يشتد طنينها اشعر بالخوف ،مزيج من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة الصريحة والدقيقة،نداءات الجسد تحملني إلى أحلام مرعبة، تسكن في تفاصيل الأشياء، في المدرسة الحديث عن الحب والعشق الشغل الشاغل لأغلب التلميذات ،هناك من دخلن التجربة، ومن يحملن حقائب فارغة وأحلام مثقوبة، فارس الأحلام يعشعش في الجماجم، يتحدثن عن الزواج والأولاد ،المستقبل والأمنيات العظام حاضر في الأدمغة، نداءات الجسد تمطرق الخلايا بقوة، وعلامات تعجب من سماع بوح الآخرين ،الأسئلة المحيرة تبحث عن الأجوبة، حلم يتوهج عند التمدد على السرير ، ووجع يحمل الجسد إلى العوالم الفيروزية، في البدا كانت اسئلة التحول الجسمي تثير القلق والمخاوف، ظهور الشعر في العانة وتحت الإبطين، الم في الحلمتين، حين تدفق الدم من مستودع الأسرار، قالت لي الأم أنني أصبحت امرأة، كل فتاة تحيض هي بالضرورة امرأة ،الأجوبة المختصرة وغير الدقيقة ترميني إلى ثكنات الوجع ،الجسم خلق ليمارس فعل الاحتراق عشقا وحبا ،الاحتراق يعيد الهدوء والسكينة، الرغبة الجامحة بحر مالح لا يروي العطش، الغيمة تتلاشى بسرعة ويعود الظمأ،تلقيت أول قبلة مسروقة في الحديقة الكبيرة، تلميذ من مستوى متقدم، طاردني لأشهر بالكلمات والتلميحات، وجع غريب يلمع في الظلام، نافذة مفتوحة على عالم آخر تمتزج فيه الرغبات والأحلام، حين امتنعت وقاومت الاستدراج، رميت( بالمعقدة) كلمة قاسية أربكت الحسابات،التجربة الأولى لم تزهر ووجع العشق يقطر بين الضلوع ، الفراشة تسافر في المروج بحثا عن رائحة لم يعرفها الزمن ،ريح تحملني إلى العدم ثم اغرق في أعماقي ،انحدار صامت نحو العمق لكن لا استطيع إغلاق الباب بالضبة والمفتاح ،نداءات الجسد لم تترك متسعا لما بعد التفكير، تكررت التجربة عشرات المرات ،كلمات الحب ترمى تحايا لاصطياد الفريسة، تتكسر في الدماغ وتذوب ،قاومت الرغبة الجامحة لا وسيلة لإطفاء الغليل الداخلي ،الاستسلام مصير كل فتاة ،اكتشف الجسد دوره في أول رعشة ،يلهث خلفها عاريا من اسمه ليطعم فراشات تسكن بين الضلوع ،تشاهد العشيق ينسحب من الفراش، الحجرة عارية إلا من بعض الأفرشة البالية،وسادة تفوح منها رائحة الحموضة، صور لفتانات شبه عاريات مثبتة على الجدران، عملية التلاحم لم تدم طويلا، المد والجزر والحرارة مرتفعة،ومن على الجفون انزاح حزن الزمن ،أرى وجهي مشرقا والابتسامة تسبق الكلام،كنا بالأمس صبايا نشعل الشموع أمام الأبواب، نغازل السماء ننشد الفرح، اصبحنا نشعل الشموع في الأجساد، في الأول مارسنا الجنس باسم الحب ثم مارسنا الجنس لتلبية نداءات الغريزة بحثا عن الرعشة الكبرى، انتقلت من صدر إلى صدر ،أشعلت نار الغيرة في الصديقات المقربات، أصبحت حاضرة في جميع النقاشات العابرة للوقت.
- الكلبة ما خلات حتى واحد - عاهرة بالوراثة
اشتبكت الأيادي ، ارتع الصراخ داخل الفصل الدراسي، حلبة ملاكمة حقيقية، امتدت الأصابع تنزع خصلات الشعر، الأظافر تخمش صفحات الوجه، تصفيقات حارة ،تشجيعات، يتكور الجسدان على الأرض، رفس ، ركل، كلمات جارحة ترفرف في الهواء المشحون،هرع إلى الفصل عشرات الموظفين، عم الهدوء تم سحب المتعاركتين إلى مكتب المدير،مند شهور أصبحت حملا ثقيلا على الصدور، مشيت عكس اتجاه الريح والزمن ،اعتقدت أنني امتلك مفاتيح الأبواب المغلقة، المراهقة شيئ فظيع، انجرفت وراء ظمئي الجسدي، بنيت أرجوحة من الوهم فوق خرائط ممزقة ،مر عليها العابرون دون أن يلوحوا تلويحة الوداع ،لم اعد أتذكر كم مرة وقفت فيها عارية أمام العشيق العابر،أمي وحدها تعرف السر،سألتني مرة إن فرطت في البكارة، ضحكت واجبتها أنني لست غبية،أمي أشبه بحارس مؤتمن على كنز ثمين، الأفكار الغريبة تجتاحني كل مساء، أفكار متضاربة اسحبها من خزانة اللاوعي وأظل امحصها وأفككها بدون نتيجة، كل يوم استيقظ على طقوسي اليومية، انجذب نحو الجنس الأخر،أريد أن افني جسدي في جسد الآخر، اسمع صوت أنفاسي الموحلة في كل اللقاءات، أتلقى عشرات الرسائل الغرامية من مراهقين، شقشقات عصافير قبل الأوان ،متحرشون يرابطون أمام المؤسسات التعليمية ،سوق الجنس منتعش في الوطن،المرأة نذرت للعواطف ونزيف الدم ،في الأدمغة انهار تبحث عن مجراها، تحمل في كفها العاصفة والبراكين، كل المقاهي ومحال المأكولات، الأحياء والدور السكنية تعرفني، النظرات الشزراء لم تعد تستفزني، يقال وراء ظهري أنني عاهرة، لم تعد الشتيمة تضاعف جرعات القلق ،حريتي وخلاصي في دفن رأسي فوق الصدور العارية، لا حاجة لهش ذباب يطن حول الروح ، لا شيئ يطفأ عطش جسد يصحو على جثث أحلام التوبة ،السرير الدافئ ملاذ آمن يغسل أحلامي من التكلسات ، تنهشني الظنون كلما هاجمني الفراغ ،تتدافع الأفكار الخبيثة في الدماغ، ابتسم الحارس حين علم أن التلميذتين تعاركتا بسبب فارس الأحلام ، كلامها تدعي أن الغريمة خطفت العشيق ، المدير يلقي المواعظ والتهديدات ، لا يهم أسباب العراك ولا دوافعه، المؤسسة لها حرمة، تتلبد الكلمات في حبالي الصوتية، تخونني التعابير في رحاب الفكر الرجعي، امشي حافية في حقل النبات الشوكي، كل الوجوه المحيطة قابلة للبصق، الكلمات لم تسترع الانتباه ، المرارة تتمخض تحت اللسان، هاجمت مشاعري، أود أن اغرس أظافري في وجه اللعين، أمعنت في الخرس ليس لان موقفي ضعيف ، بل لان البيروقراطية في الوطن المخطوف تفترس الظنون .
- الفوضى ممنوعة في القسم وعليكن إحضار أولياء الأمور -….؟
تهشمت المرايا في راحتي ولم اعد ابصر سوى وهمي المتعاظم ،تركت العزة والكرامة في درج قديم، الرغبة الجامحة تتقوى يوما بعد يوم، فوق الجمجمة تهاجر نيران اللواعج ،العشق المخبأ في دمي يدفعني إلى المغامرات العاطفية، القبضات القوية تتقاسم لحمي البض تفتته وتعيد تشكيله، الحقيقة نابتة في غيمة عابرة للزمن ، حين ترتوي الكؤوس أصاب بموجة من الاستزادة ، كل ليلة أقيم حفلة صاخبة على حافة الذكريات، لم اشعر أبدا بتأنيب الضمير، لم افعلا شيئا يستحق ،اكتشف ذاتي من خلال النزوات العابرة للوقت ،أراهم يتهامسون، يضحكون، يقهقهون، أصبحت موضوعا للتداول اليومي، ويل لمن أشارت إليه الأصابع ،هناك مقولة شعبية ترى أن القط حينما لا يصل إلى قطع اللحم يقول أنها متعفنة ،الذئب الشرس يصبح ناصحا، هناك من يفعل الكثير مما افعل وزيادة لكنه يخاف أن يمارس حقه في الحياة التي اختارها بحرية تجنبا لطعنات الآخرين، يقولون أني شجرة فاكهة حمقاء ،شجرة وارفة الظلال يلهثون ورائها ،كل المراكب المهاجرة نحو اكتشاف الذات تستعد للإبحار.
عيون المدرسين تقول أشياء كثيرة، تغزل تقلبات العقول، من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر، يسوع المسيح وحده عاش بلا خطايا،درس التاريخ على وشك الانتهاء، الحرب العالمية الأولى وأسباب النزول، انحرف النقاش دفعة واحدة إلى جرائم الاغتيالات التي أشعلتها النساء عبر مر التاريخ الإسلامي، اندفعت في المخيلات أسماء كثيرة، سجاح بنت الحارث المرأة التي ادعت النبوة، اشتهرت بتأليف الآيات وتلقيها على الاتباع ،كان لها مؤذن خاص، التفت حولها قبائل واستعدت للسير إلى المدينة المنورة غازية خليفة المسلمين أبا بكر الصديق الذي اعلن حربا شاملة على المرتدين،واكثر الأسماء النسائية خبثا ولئما وحضورا في الذاكرة الجماعية اروي بنت حرب أو حمالة الحطب ،عرفت في مكة بالخبث وحدة الطبع ولسان لاذع، اشتهرت بلقب حمالة الحطب لأنها كانت تضع الشوك في الطريق الرسول،وتبقى قطام بنت شجنة من قبيلة بني تميم التي تحولت إلى رمز للانتقام والمحرضة على قتل أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، وتعني قطام في اللغة المرأة القوية الشهوانية المحبة للرجال، عبارة شهوانية بمثابة الشرارة التي فتحت شهية النقاش، التوت الأعناق دفعة واحدة تماما كالمتابعين لمباراة في كرة المضرب، انغرست النظرات في التلميذة المراهقة الأكثر انحلالا، أطلقت الضحكات وسيل من كلمات الغمز واللمز ، كلمات تشعر بالخذلان والخزي والعار، ثمة تلميذات تعرضن للتنمر و مواقف محرجة وانخرطن في موجات بكاء ،لم اشعر بالإحراج ولم احقد على احد ،لم تسافر نبضات القلب في موجهة هيجان ،الأستاذ يضرب بالعصا على المكتب، يقبض على الكلمات المترنحة ،قبل أن يستقل عربة الهدوء ،يمضي إلى هفوات المعاني، سنابل الظنون تنبث فوق صدور العذراوات وتضمخ برسائل الانتشاء لتروي ظمأ الضغينة ، لطمني الهواء البارد عند الباب الكبير للمدرسة، الأزقة والأحياء أدمنت أنفاسي ، دائما اقف على جمرة الاشتياق لأروض الجرثومة ،ارتشفت من كاس القهوة ،وبدأت في سرد حكايات اللوعة والتلاحم اللذيذ، الرغبة المتجددة تهيم فوق صدري.
- السيدة قطام مقبلة
النظرات المخترقة تمزق الأشلاء، في ظرف شهر ونصف الشهر اختفى اسمي وحل محله اللقب( قطام)، الصديقات المقربات يستهويهن مناداتي باللقب، لا اسم لي في قصائد الهيام، مجرد فقاعة تائهة في مهب الحياة الدنيا، أذوب في كلمات الثناء واشرب نخب الحب بدون تردد،أهيم على وجهي بحثا عن ضالتي، لأروي ظمأ الاشتياق، عصفورة الجوارح ترفرف في الدماغ، سجينة رغبات الجسد، اشتهي الأجساد الرياضية، اسوق غزلاني الشاردة إلى العضلات والقبضات القوية،الجني القابع بين المسام يسترخي ويتوارى الجموح.
- أصبحت مدمنة جنس - كلنا مدمن شيئ ما …
في سن العشرين انفصلت عن الدراسة، الدروس المنثورة على الرؤوس الفارغة لم تعد تستهويني، العالم الافتراضي اكثر متعة وتثقيفا،، بنقرة واحدة تطوف العالم، مواقع الدردشة مليئة بطلبات الزواج والصداقات العابرة، كل يلعب دوره بإتقان لأسقاط الضحية، لتبقى صامدا واقفا عليك أن تكون ممثلا بارعا تتقص بحنكة جميع الشخصيات، المقدرة على كشف زيف العبارات والشخصيات المختبئة ورائها، اقضي الساعات مسمرة على الشاشة، تلفظني النقرات إلى محطات مجهولة،كلما حاولت أن التنفس تفجرت أمامي خيوط غامضة ، الكل يدعي البراءة والرغبة في الزواج، كلمة زواج طريقة لاستدراج الحالمات، اشتهي أن اكون لغزا محيرا، بلا ماضي شقي يستفزني، التدريبات عن الانسلاخ عن الوجوه التي احتضنتها وفتحت لها صدري تحاصرني كل مرة، وسادتي مصنوعة من اسئلة، ملامحي تتقشر من كثرة السهر وتعقب السراب، تقوت علاقاتي في الشبكة العنكبوتية ،تخلصت من إدمان لأدخل في إدمان آخر، الهاتف لم يعد يكف عن الرنين. أسير على الرصيف لا اسمع سوى طقطقات كعب حذائي،التنورة تبعثر الخطوات،غابت القفزات الرشيقة ،في زقاق جانبي لسعت أذناي كلمات غزل، صاحب سيارة سوداء فارهة يغمز بعينه، ترجل من المركبة واتجه نحوي، مد يدا للمصافحة،تبتسم العيون المبللة بما يشبه الرجاء، ثمة لحظات خاطفة لا تقاس بالزمن، لا تقاس بالكلمات التي تذوب في الحوباء ،حين تشعر بدون مقدمات أن شيئا بداخلك يتحرك ، يستجيب،يضيء الأماكن المظلمة، يرحل بك من الفراغ إلى الحماسة والإحساس بالوجود، صوت هامس يولد من العدم ،يجلد المخيلة بليونة وحنان يطهر الخلايا، وفي لحظة نزف ووعي يولد من قلب الخطيئة،اجتاحتني خطايا الأمس الجزء الذي أحاول نسيانه، أية شابة يستباح جسدها لتشتري السعادة المؤقتة فوق الأسرة العارية ،لا احد يسال لماذا تسحرني اللذة ،لست قديسة ولا واعظة مجرد فقاعة في مجرى النهر، السيارة تنهب الطريق،رائحة دخان المركبات تزكم الأنوف، سيارات وشاحنات مهترئة تجوب الطرقات بدون رقابة، السيارة في زمن العهر تحولت إلى قواد حقيقي، جولة صغيرة تكفي لقنص اجمل القوارير، متزوجات مطلقات، عذراوات، الشاب يفيض أدبا ورقة تنمو المعاني وتكبر ،اعرف الريح التي تسبق الهيجان، ليست المرة التي ركبت سيارات مع غرباء من مختلف الأغمار، في البدا ركبني التردد والخجل، ملامح الرجال همسات في ماسورة الخوف،مع الوقت أصبحت خبيرة في الوجوه والحركات ، في البداية مارست الجنس باسم الحب ومارسته بالمقابل المادي، الإنسان مخلوق من المادة ويبحث عن المادة، اللعنة على صاحب الفكرة، في شبكات التواصل تستفزني فتيات ينشرن بضاعتهن بحثا عن المال، واقبح ما شاهدته متزوجات يقوم أزواجهن بتصوريهن في أوضاع مخلة بالآداب، سباق محموم لخدش الحياء ، الدولة تقف متفرجة على الانحلال الخلقي.
- المسالة تدخل في باب حرية التعبير - العري اصبح حرية...؟ - حين يغرق الوطن في التفاهة والضحالة الفكرية فان كل شيئ يدخل في باب حرية التعبير والديمقراطية و الخيارات الشخصية. - نحن أمام ماخور عشر سنوات ينزف عمرك تحت نظرات الشامتين والحساد، عشرات السنوات سجينة نزوات الجسد ،حين استلقي في محطات الصدور اقبض على جمرات النبض ويسرح مني الخيال في منعرجات اللذة، أقيس المسافات بين الأنفاس، أفيس هياج الخلايا، يرتعش الفؤاد من رحلة اللهاث والآهات والتنهيدات ،اقبض على مدفع الخلاص وازرعه باشتهاء في مستودع الأسرار ،اللذة تسافر بي إلى السماء، امضي إلى حيث الله، الملم شتات أنفاسي، الحمام يهدل في المنزل المجاور، تلطم مسامعي الرفرفات ،أشاهده يزرر السروال، يضرب يدا في الجيب يسحب ورقة خضراء، رماها في اتجاهي مجعدة ،تركني اسحق الأسنان والعنه في الخيال، لم يكتف بأذلالي بل صنفني رخيصة من درجات سفلى، لم أتفاوض مسبقا على المبلغ ،كلماتي باهتة أمام نداءات الجسد، نجاة الزهواني صديقة من أيام الدراسة أسرت لي ذات مساء في مقهى أنها تفاوض على الثمن وتقبضه مسبقا، انتقلت في بضعة سنين من الفقر إلى الجاه والثروة، تمتلك منزلا سكنيا وسيارة فارهة، تدخن بشراهة وتقتني أجود العطور والملابس من الماركات العالمية، سافرت إلى بلدان كثيرة عربية و أروبية ، الدعارة في الوطن اقتصاد قائم الذات، الشقق الحمراء تنبث في كل مدينة، بوح رسم على جبيني لوحة الهزائم، قامتا بجولة قصيرة في دروب وأزقة المدينة، توقفتا قرب المدرسة، استعادتا سويا أحلام المراهقة والشقاوة، استحضرتا عشرات الأسماء، الأغلبية تفرقت بهم السبل ، من هاجر إلى بلاد الخبز والحرية من حصل على وظيفة ومن تزوج وانجب دزينة أولاد، صبتا جام غضبهما على بعض رجالات التعليم الذين يفرضون على التلاميذ الدروس الخصوصية دون مراعاة لوضعهم الاجتماعي، ضحكتا كثيرا على أيام الشقاوة، تبادلتا أرقام الهواتف وتواعدتا على لقاءات أخرى .
- أمارس الدعارة الراقية وغدا سأتزوج بالذي اختاره - ...؟
العمر مند زمان معلق على عقارب الساعة التي تهرول بإيقاع رتيب، أصبحت مدمنة على الجنس وفي فمي يتأرجح نبض الكلمات وتركض مواسم العطش، الأحلام الوردية تسقط في الفراغ وتنفجر في الأشلاء ،الجمال لا يدوم والصحة تخون أقوى الرجال، تعبت من الترحال والسهر، لا أريد أن أتحول إلى خرقة بالية، والريح هائجة اشد فتكا بالأغصان الرقيقة، الطفل القابع في الحوباء يحن إلى الماضي البعيد، يبدأ في جنح الظلام شريط الاستذكار، البراءة ماتت في الربيع السادس عشر ،فكرت في الانتحار اكثر من مرة، اعترف أمام المرآة أنني فشلت في تحقيق ذاتي، بداخلي اشعر بالاختناق والتقزز، رحلة الشهيق والزفير متعبة، جسدي يحمل ندوبا عميقة من مخلفات حرب الأسرة ،أريد أن اطوي الصفحة، الجارة فتيحة عدلي المتحجبة نصحتني بالكف عن مرافقة الأشرار، التقرب إلى الله بالصلاة وارتداء ملابس محتشمة، الله غفور رحيم ويقبل التوبة ،الوحيدة التي تعرف أدق تفاصيل حياتي، حين تضيق بي الدنيا اطرق بابها وأتلو على مسامعها نافورة الوجع ،رافقتها يوميا إلى جمعية تهتم بالعمل الخيري، أحسست بالراحة النفسية، فتيحة عدلي تبدو مثل نحلة وسط الأيتام وجه مشرق، الابتسامة لا تفارق المحيا، كلمات رقيقة معبرة ترتق التمزقات، بعد نصف شهر طاردني الملل وانسحبت بهدوء، ليست الحياة التي اخترتها بل حياة تفرض علي، الألم الداخلي يمضي بي إلى اللاوعي، يشدني الماضي إلى الوراء، الخطيئة تلاحقني، الابتسامة التي عزفت لسنين على أوتار الشارع، وجوه ترمي بحصاة الرجم في وجهي، لا شيئ يسافر معي سوى ندبات الجراح، في الطريق إلى حفل تنصيب مسؤول إداري، لطمتني كلمات داعرة،وجوه من القار تدخن بشراهة، تلاحقت الكلمات النابية وارتفع رذاذ القهقهات،دونت في الحوباء اهتزازات الأرض، سقطت فاقدة للوعي ، حين أففت وجدتني في مستشفى، الطبيب الذي شخص حالتي أوصى عائلتي بنقلي إلى طبيب مختص في الأمراض النفسية. شهر لا أغادر المنزل استعيد مغامراتي العاطفية، تحاصرني الهلوسات، أتخيل أشباحا تحاول خنقي، المسكنات والمهدئات ملجئي الآمن.
- تحتاج إلى الراحة والهدوء التام
المسافة بين الألم والوجع، بعد شهر طلقت التبرج واللباس الفاضح، بدأت في مطاردة أحلام صغيرة ، أعجبت بالعمل المسرحي، تقربت من جمعية تنشط المجال، شاهدت لها سابقا عروضا مشجعة، أبصرت شبابا يحملون الكاميرات والميكروات المزخرفة برموز شركات إعلامية خرجت من العدم في ظل الانفتاح وتهلل المشهد الإعلامي في الوطن المخروم ، يلتقطون الصور يحاصرون المسؤولين بالأسئلة، حياة الصحافي افضل بكثير فيها الحركة، يحتسون الحياة من شرفة القوة، تحركت العصافير في صدري، تسوقني بقوة إلى الكبت القابع في الوجدان، الصحافة والكتابة عموما كفيلة بالقبض على الأشباح التي تطاردني، الكتابة ستحررني من الأسر الداخلي، فلا عنوان ولا وجود لي في الحياة، في كفي بحر من الكلمات أصابها العقم في رجفة هلاك الحروف .
- أريد أن اكون مراسلة لجريدة الرصيف أو الحضيض
#الحسان_عشاق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احاور جنازتي من فوق المحمل
-
محاكمة الصحافة وتقزيم حرية التعبير في المغرب
-
خوكم بوحمارة واغتصاب متزوجة
-
خوكم بوحمارة وفتاة السرطان
-
خوكم بوحمارة
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 10)
-
زقوم كرة القدم الحلقة (9)
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 8)
-
زقوم كرة القدم الحلقة (7)
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 6)
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 5)
-
زقوم كرة القدم الحلقة4
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 3 )
-
زقوم كرة القدم (الحلقة2 )
-
زقوم كرة القدم
-
يوميات الكابران لمساسكي
-
الرئيس ميغول واعوانه
-
مدير الفضايح... وحمادي الدحش
-
رواية ( ارقص... انت في المسلخ)
-
كتيبة الاعدام
المزيد.....
-
-الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما
...
-
محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم
...
-
شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
-
موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون
...
-
إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم
...
-
إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم
...
-
مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
-
مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
-
أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
-
ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري
...
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|