أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - احاور جنازتي من فوق المحمل















المزيد.....


احاور جنازتي من فوق المحمل


الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 16:52
المحور: الادب والفن
    


أحاور الخيالات في صمت، وجوه كثيرة أتت لتتأكد من أن الجنازة تخص الكاتب والصحفي المشاكس الذي قض مضاجع اللصوص والخونة، جلد عشرات الوجوه المدعية ، متملقون ، متسلون، وشاة ، سلالة أبو نواس، متناضلون، الأشياء الجميلة تمضي بسرعة فائقة، الموت لا يخيف لكن السفر إلى جهة مجهولة يزيد المخاوف، المؤمن الحقيقي لا يخاف الله، السفر إلى الله نهاية كل دابة على الأرض، لم يبق في ذاكرتي سوى صورا باهتة عن طفولتي والأحياء التي سكنتها والأسماء التي ربطت معها صداقات ، بعضها استوطن الفؤاد والآخر اندثر بسرعة، طفل صغير يركض وراء طائرة ورقية، صهيل النهارات يضم ضحكاتي، الصور لا تروي بتاتا ظمأ النسيان، من ينتشلني من مخالب الموت المحقق، كلمات الله تناثرت على قارعة الطريق إلى المقبرة، حفظة الكتاب المقدس يكسرون الرتابة وينشرون بعضا من التخشع، السماء ترحل بي إلى مدارات مجهولة، ثمة شبح بين المشيعين يشبهني يشق طريقا بين الصفوف، يقيس بحذر درجات الخطوات، الطريق إلى المثوى الأخير كثيرة الحفر والمنعرجات، الطبيب الذي طرز شهادة الوفاة وضع اليد على الوريد وتحسس دقات القلب ورفع اليد اليمنى واحس بالبرودة، الروح غادرت الجسد مند ساعات ، احس بجسدي المسجي والمقمط في ثوب ابيض يتأرجح ذات اليمين وذات الشمال ،الثوب الذي خيط على عجل، حتى الغسال الذي رش الأشلاء بالماء ومرر خرقة على تضاريس الجسد فعل ذلك بسرعة، كنت أمامه عاريا حاورته في خيالي أن يستحي ،أريد أن يفهم أني ما زلت حيا ارزق، أطلقت آهات وتنهيدات لأعلن وجودي أوقف قسرا نفيي إلى العالم الآخر.

- مولانا نسعاو رضاك وعلى بابك واقفين يا من يرحمنا سواك يا ارحم الراحمين

تسري في الأشلاء قشعريرة ،ترتفع دقات القلب ويخنقني الوجع، حاولت تمزيق الكفن خارت قواي، جسدي فاقد للقيمة، تحول إلى قالب من طين، بوصلة الزمن تقف على أعتاب روحي ، تتدحرج العيون الجاحظة والأفواه الباسمة على الجسد المسجي، عصافير صدري كفت عن الزقزقات، تبكي للخفوت النابت في نبضي، أظل ابحلق في الوجوه بحثا عن وجه يكن لي الاحترام والمحبة ،اهمس له في الأذن عن مخاوفي ليوقف الشبح الذي يطاردني ،لألملم بعضا من كبريائي وعزة نفسي، مند أسابيع أصبت بحمى شديدة و ارتفاع في الضغط، الألم انتشر في جميع تضاريس البدن، حين يمرض الإنسان وتخور قواه يصبح عديم الفائدة، زائد عن الحاجة، فلا قيمة للأشياء المحيطة .
مرت أمام مخيلتي عشرات الشخصيات القزمة التي منحتها الخلود في الروايات والنصوص القصصية ، المقالات تحاور النار بقفاز من حرير ، الحقائق المكدسة في رفوف الصمت تتعرى، الشقي المدفون في الأصابع يضغط على الزناد دون تردد، توقظ نبض الانتقام بين المكاتب، الرسائل المشفرة تصل عبر الجواسيس والقوادين، (قل لن يصبنا ألا ما كتب الله لنا)، من الأفضل أن تموت واقفا و الا تموت راكعا، إياك خوض حرب مع شخص ليس لديه ما يخسره تلكم آيات قلبي ومرشدي في الطريق الوعرة، الكتب المقدسة منحت الخلود لعشرات الشخصيات المذمومة، فرعون ،هامان ،قارون ، السامري ،أصحاب الأخدود، أبو لهب وزوجته...، رأيت حفيان الرأس يلبس باروكة فقد باقي الشعيرات، سقطت جميع الأسنان، هيكل عظمي يطرق أبواب الإدارات ويتمسح بالخونة وقطاع الطرق بحثا عن العطايا، الإنسان الذي يعيش على الاستعطاء مستعد لفعل أي شيئ ،ظل لسنوات يعتقد انه شخصية مهمة لكنه مجرد طبل مثقوب لا يصلح سوى للتسول والتربص بآلهة الزمن العجيف، سقطت في المخيلة شطحات مول الشفنجة يتبرج مثل النساء، يتكحل ، يتعطر، يلوي المؤخرة لإثارة الانتباه، لا زال يثني الركب ويتلقى البارود البشري ،تسرب من المدرسة في وقت مبكر ، راقص الأعراس يعلب دورا اكبر منه،يمضمض كلمات وجمل لا يفهم كنهها ويدعي بدون خجل انه باحث وكاتب لا يشق له حرف رغم انه جاهل لا يعرف فك شيفرة الحروف يدفع للكتبة ويوقع بالعطف، الشكام ازداد وزنا وشرها، تعلم أساليب نقل الأخبار واستدراج البسطاء للبوح بما يجري ويدور خلف الأبواب المقفلة، ظهرت له كرة في الظهر، تم تشخيص الحالة المرضية على انه ورم شحمي، التدخل الجراحي اكثر خطورة، يتسلل إلى اللقاءات ويلتهم الأطعمة بشره زائد، الأذنين مجسات ترصد تحركات وذبذبات الشفاه، يحيي بحرارة لصوص الشعب يمدح فلان ويربث على ظهر علان ، ماركة مسجلة في المدينة المغتصبة.
تخلفت عن الحضور وجوه كثيرة فلفول كبير المفسدين رايته قبل أسبوع، تقوس منه الظهر اكثر، خطوات مرتجفة وحركات بطيئة، وجه اكتسحته التجاعيد لم تنفع عمليات التجميل ولا أدوات الزينة ولا ممارسة الرياضة، من يدعي القوة يموت بالضعف، يقترب من الثمانين عاما، (سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثماني حولا لا أبا لك يسام) زهير ابن أبي سلمى الشاعر الجاهلي عكس نظرة صريحة عن الحياة الصعبة والقاسية حين يعمر الإنسان طويلا يفقد الحيوية و يشعر بالإرهاق والتعب والملل و يصاب بالأمراض، فلفول انتهى زمنه، قماش نسي في حبل الغسيل تحت أشعة الشمس لم يعد يقاوم التمزيق ولا الترقيع، يقضي سحابة يومه في المقهى يحاور دزينة البائسين، يرقص على رماد السنين.
أبصرت المتناضل اليساري المخزني قبل اشهر يجلس محاطا بالرعاديد والعضاريط ، يرعد ولا يمطر يهدد ويتوعد لا زال يحلم بالمقدرة على توطين المعادلات الثورية وسط الشعب المغبون، ابتسمت بدواخلي، الرجل يبحث عن اسم في طابور الثائرين، يعتقد انه صوت ملعلع في شوارع مزكومة الأنفاس، مناضل كوني من طينة نادرة، مجرد عابر سبيل في محطات المبادئ، مخادع بصم بالعشرة على الخيانة في أول اختبار انتصارا لتجار الذمم، ساوم وقبض الثمن، من خان مرة يخون ألف مرة، الوجه ممسوخ في متاهات المبادئ والحرية المفترى عليها،تتناطح في تضاريسه الغائرة الأسئلة المرة وعلامات الاستفهام، السر لم يعد يمشي على أطراف الجمل والمعاني، الرجل لم يكن يوما يقبض في يديه العاصفة ولا نهرا يبحث عن مجرى، راس فارغة تمضغ جثث الموتى في مدافن التاريخ وفي مجالس الخمر والمهوسين بالأحلام الكبيرة.
صوتي يعلو في مهب التقريع، يصلني رذاذ القهقهات، الحاضرون في الجنازة يتهامسون بصوت خافت، يبتسمون مرة تلو أخرى، تطول وجوههم تتخذ أشكالا متعددة، تلمع الأنياب الحادة، يتدلى اللعاب، يرتفع النباح، احترق بلهيب الضحك وليس من سكرات الموت، ولا لمسة لشهقة احتضار ، الهجاء لا يزال يداعب مخيلتي ، القلم الذي لسع الظهور ترك هناك فوق المكتب، يكفي أن انفض عنه الغبار ليستجيب، حمالة المحمل يسافرون بي إلى الرحلة الأخيرة، لم اقطع تذكرة ولم أفوض أحدا، اسمع تجار الجنازات يفاوضون الثمن ،يترنحون فوق أسمال كلمات الزمن الصعب وغلاء المعيشة.

-كلشي ولا غالي

الشمس تنسحب نحو المغيب، المقبرة شبه فارغة، ثمة حفاري القبور منهمكون في وضع اللمسات الأخيرة على مقاسات الحفرة، كومة أحجار مختلفة الأحجام، دلو من الماء غير بعيد، فأس ورفش التراب عالق بهما ، لم ازرع يوما وردا ولا ريحانا فوق أي قبر، الموتى لا يشمون العطور ، يتطيرون من ضجيج النفاق، لا شيئ يسافر مع الموتى حتى دعوات الترحم لا قيمة لها، كل الأصوات تنزلق في ماسورة الخوف ، العيون الخبيثة تلطم خدود الانتظار، الأربعة يضعون الجثة فوق الأرض، ارتجف بشدة ساعة طمري اقتربت ،في صدري احمل نبيذا معتقا من الكلمات، الفقيه يرفع عقيرته بآيات مقتطعة من الكتاب المقدس، ألملم جملا من صوتي الهارب ،اصرخ بكل قواي لأوقف عمليات الدفن، اختنق واختنق من شدة الرعب، أمعنت النظرات في وجوه الحضور ،سمعت احد أقاربي يهمس للأخر حسنا حين أعادوه إلى مسقط الرأس ليوارى الثرى، لماذا سمي مكان الولادة،مسقط الرأس...؟ لربما لان الرأس تسبق الجسد في الارتطام الأول بالحياة، لكنه تعبير غير مقنع، مكان الصرخة الأولى له دلالات وأبعاد رمزية قوية، فالصرخة تعبير عن إعلان الوجود أما السقطة تحيل على العجز وغياب التوازن، توقف الفقيه عن القراءة، توقفت الأدعية عن الهيجان، لا كلمات تسير فوق أشلاء الحروف، الثرثرات الجانبية تشتعل وتناثرت التكهنات والتعليقات، مات الرجل بسكتة قلبية، كان طريح الفراش وفقد القدرة على الحركة.

- اللعين كان مزعجا لا يحترم أحدا
- لنعترف انه خلق توازنا مهما في المدينة
-لم يغير شيئا
- على الأقل فتح نقاشا معمقا
-...؟

يبتلع الوقت صدى المسافات، استرق السمع ويغمرني الضجيج، مند زمان قذفت بأسمال الخطيئة في سراديب مظلمة، الله غفور رحيم، الله شديد العقاب، لم افعل شيئا يغضب الخالق، من كبائري أنني ارصف جنون الكلمات والسع ظهور الفساد ،اقض مضاجع الخونة بمقالات أشبه بقنابل انشطارية ، لم تفلح المساومات ولا فبركة الملفات والمحاكمات الصورية، سنين اقف وحيدا في منتصف الطريق حاملا الوجع بين الكفين، اطبع لمسات مترنحة على جسد الجمل، الكتابة منفى اختياري، أغوص في بحار الحروف لأبصم على تقاسيم النفير، ولا انتظر مخاض الطلقات العابرة للوقت، امضي منتشيا متفرجا في الطريق العام مرفوع الرأس، المقاهي/ مقبرة الأحياء غاصة بحملة فؤوس اللغط والتبجح ، حوارات مطاطية تسقط في بحيرات الأكاذيب، يغرزون سهام العربدة والمجون في وجه الزمن لمداراة الخيبات ،ثمة قط ابيض غير بعيد يطلق مواء أشبه بالبكاء، يحسن النواح احسن من الإنسان، سيدة طاعنة في السن تحمل شموعا لتشعلها فوق ضريح الولي، الولي الطالح بوتشمعيث يعرف مخاطر الشموع التي تورث الخطيئة والآلام المبرحة في الليالي المظلمة، لم يكن حاضرا في الجنازة، لكن صورته وصوته الامازيغي الملغز يطفو في الفضاء، استفاق في الفجر ووجد الأرجل والأيدي مكبلة، الرأس والحاجبان حليقان ،تذكر فوهة البندقية واليد الموضوعة على الزناد، أمره الرجل بالتعري، حين اصبح في ثوب ادم، سحب رزمة من الشموع، دفع في المؤخرة واحدة حتى لم يبق منها سوى الخيط الرفيع، التحرش بالمرأة المتزوجة له عواقب وخيمة كلما كان الزوج رجلا حقيقيا، ثمة زوج ضبط الزوجة فوق سرير الزوجية مع العشيق وأثناء سريان المحاكمة وقع على التناول، تنازل عن الشرف والكرامة ووشح بين الأهل والأحباب بوسام الدياثة، ترتفع الصرخات والتوسلات في جنح الظلام، من يسمع صوت اخرس في جنح الظلام، نباح الكلب يرتفع، يغطي على جميع الأصوات ،وليد غلبه النعاس فوق ظهر الأم، جيش من الذباب يرعى في صفحات الوجه، ذبابة زرقاء ترسل طنينها بقوة، هذه الحشرات المقززة تتغدى على الجثث ،شيخ طاعن في السن يفرش فرشا من الفراغ، جاء ليتذكر من سبقوه إلى العالم الأخر، يستعيد من رحلوا دون تلويحة وداع، المقبرة تشكو الظمأ على طول السنين، تصرخ ( هل من مزيد)، ثمة تمائم و خرز معلقة على الأشجار تلهو بها الريح الطفيفة، (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، سحابات سوداء تسبح في الفضاء الواسع، فصل الشتاء يقترب، ثمة جنازة أخرى في الجهة المقابلة، سيارات وشاحنات وعربات تفرغ حمولتها، جيش حقيقي من المعزين، حتى المقابر مقسمة حسب القبائل، كل قبيلة تدفن موتاها في المكان المخصص،على طول البصر هناك قبور انمحت وأخرى ما تزال صامدة في وجه الزمن، شابة تبكي بحرقة قبل أن تركب قطار الإغماء، مندهشون يلوذون إلى رحلات الصمت،السفر إلى المجهول مختوم باللاعودة،
من اعلن الخبر في شبكات التواصل الاجتماعي، الخبر انتشر كالنار في الهشيم، تعازي حارة سطرها الأصدقاء والأعداء على حد سواء، تعازي الأعداء تطمح إلى تأكيد الخبر، اتصالات عبر الهاتف من أرقام معلومة ومجهولة لتقصى الحقيقة، هناك من تأسف لأني قطعت تذكرة الهلاك قبل الأوان، وهناك من تنفس الصعداء ليمارس الرياضة المفضلة الرعي الجائر في أموال الشعب، التعليقات السخيفة تثير غيضي واشمئزازي، التعازي تنزف أسفا و قيحا، روحي ليست بيدي أيها الأغبياء المحنطون وراء الشاشات، كلنا عابرون في الحياة، الموتى في الوطن يدخلون بسرعة إلى أرداف النسيان، يستوي في ذلك التقي النقي الورع والزنديق، المقابر دائما تشكو الغياب كما تشكو الحقول الظمأ إلى السماء، القبة البيضاء حيث يرقد الولي تحرس الموتى، ميت يحرس أموات، أقيس المسافات بين الحفرة والنعش الذي يرتاح فوق المحمل الخشبي، عصافير قلبي ترفرف في الهواء لتحط الرحال في شوارع المدينة المغتصبة من القوادين والمتسولين، امشي في تجاويف الخيال مترنحا ،اسوق أشواقي إلى الأماكن التي أشعرتني بالراحة والطمأنينة، العفريت القابع بين اضلعي غادر بدون رجعة، أحاول كتابة وصية فينفجر المداد في وجهي، يرتعد القلم في يدي، ترتفع الآهات وأتمدد فوق سرب التنهيدات ،نور يبتسم بين الجموع، وجه لم يمسه الزمن العجيف ،ولم تمزقه أنياب الكلمات المقتحمة، ملامح أمي صافية، نقية، تتبدد مخافي وغربتي، وحدها تحمل سر البداية، وتعرف منعرجات النهاية ،همست في أذني ألا اضعف، في السماء تنسج لي دعاء كانه طوق النجاة، تطوق الوجع بالضحكات ، تعلق الهمس والحروف الطاهرة بصدري، أطوف في المدفن كأني أسير في داخلي، سقطت في الجمجمة صورة جدتي، بحثت عن قبرها ، فجأة تذكرت أنها أوصت بدفنها في مقبرة أخرى، كرهت جدي كرها قويا متجددا بسبب المعاملة القاسية ،انكسرت المسامحة في الصدر مند سنين، كراهية تشابكت بداخلها تضاريس اسئلة كثيرة تمشي على أنامل الجراحات القديمة، الكره موت للعواطف حين يترسب إلى الروح لا كلمات قادرة على تكسير الأقفال، أن تكره الآخر معناه انه تسقطه من الذاكرة ،تلغي وجوده تماما كانه لا شيئ، حين احن إلى الهدوء والسكينة و الهواء النقي، احمل حقيبتي واركب أول سيارة نقل، العيش في الريف منفى اختياري ،النهوض قبل شروق الشمس والنوم بعد المغيب بساعتين يجلب الراحة النفسية ،أتمدد على الظهر في الخلاء، استمع إلى أغاني مجموعة ناس الغيوان، أغازل النجوم المعلقة في الفضاء الواسع ،الهواء المنعش المنفلت من نسمات الصيف والهدوء يريح الأعصاب، أجواء تسافر بي فردوس الخيال ،ارفع نخب الهيام، كل شيئ يمشي على صهوة الإرادة الإلهية، يوميا ارسم بين الأشواك ممرات ،اقطف عناقيد الأفكار من عصارة الصمت ، في الصباح اشرب كؤوس شاي منعنع وفطيرة تم طهوها في فرن تقليدي وزبدة وعسل، كنت أشاهد جدتي تعرق ،تنشف، تتنهد، لتسوية العجين في القصعة، تشعل النار في الفرن، تنفخ في الحطب حتى تدمع عيناها، ترسل كحات حين يتسلل الدخان إلى الصدر، وحدها تطرز أحلام الغد ،تحتسي الحياة بحب وشغف بلا تعقيدات، ترسم بالحكم أغنيات السلام و الطيبوبة ،تفرح حين أزورها وتطول زيارتي ، أساعدها في جلب الماء من البئر وتبديد مخاوف الوحدة، كل يوم اثنين تمتطي الدابة وتذهب إلى السوق الأسبوعي ملتقى العائلات والأحباب، الطريق إلى السوق محفرة ومغبرة،في فصل الشتاء يستحيل العبور، الأرحل تغرق في الوحل، المنزل مشدود بالحكايات والذكريات، بني فوق تلة تطل منحدر عميق ، تنشر الغسيل فوق شجر النبق،حين يقترب المشاء أقوم بجمع الملابس الجافة والدافئة، التقط حبات النقب الطازجة,

- الطريق مقطوعة
- المطر قادم بقوة

نصبت خيمة كبيرة لاستقبال المعزين في محاذاة منزل جدتي ،اسمعهم يتهامسون ، يثرثرون، يضحكون، يطلقون القفاشات،يزدردون الأطعمة بشهية ،انمحى الحزن في رمشة عين من على السحنات، لم يكن حزنا بل لحظة تفريغ داخلي، الخوف من الموت يصيب بالصدمة والتفكير العميق في المصير المنتظر، عشرات الوجوه يتقاطرون على منزل جدتي فوق التلة، أمامه حقول مترامية الأرداف، الوادي جف ماؤه و نفقت الأسماك ، اختفت أنواع من الطيور ، البستان تحول إلى قطعة ارضيه قاحلة تكاد تنفجر من شدة الصمت، اختفت أشجار الرمان والتين والزيتون ، انقرض سياج نبات الصبار الكثيف ،موطن اليمام والثعابين والسلاحف وعصافير الدوري والعقعق ، التهمته الأبقار في فترة الجفاف الذي ضرب الوطن، المقبرة ترى من بعيد، الشمس تنسحب رويدا نحو المغيب ،احدق في الوجوه الغريبة،سمعت صوتا بين المشيعين يشبه صوت رئيس الدعارة والمجون، يأمر احد الاتباع بابتياع دزينة من قنينات الخمر من نوع رمال وصحاري،فركت عيني اكثر من مرة، اللعين مات مند سنوات كيف يحضر الجنازة من شبع موتا ،اللوطي ظل عالقا في نفايات الذاكرة المهملة، الشواذ يتشابهون في السلوكات والحركات، الزمن يتقلص بسرعة جنونية، الحفار يرش الحفرة بماء موحل،الأفكار تجتاحني بقوة،اشعر بالتعب والإرهاق، تركت نفسي المشوشة ترافق جسدي في جولة المجهول، الفقيه يقيم صلاة العصر، اصطف وراءه عشرات الوجوه ،ظلال الرحيل رسمت معالم النهاية ،لم يبق من الذكريات سوى صهيل مضبب، تأخذني الشهقات بعيدا خوفا من خبو أنفاسي على أوتار الانقباض، وحدي أسافر في لجة الصمت،تعيدني النهنهات والنحيب إلى المدفن، اندفعت في الدماغ أبيات شعر لرجل اسود عانى من العبودية واصبح يشتاق الموت ويرى فيها الحرية والخلاص،( امشي في المدن عبر المدفن لأواري جسدي التراب ارقد في القبر فاتحا دراعي) الرجل يشتهي الموت بل يتمناه،القشعريرة تدب في أوصالي، الفقيه يدعو لصلاة الجنازة، اللحظات الحاسمة اقتربت، تدافع الخوف والذكريات ، الليل والنهار، وجوه ضاحكة وأخرى متجهمة، للوداع طعم آخر، ليس وداع مسافر سيعود من الغياب، انه وداع بدون رجعة، لن يكون لي ملجأ سوى الظلام، انه وطني الأبدي والافتراضي، التراب ما تبقى لي من وسادة وأغطية وأفرشة، ستحتويني الأرض حتى يوم القيامة، عطر التراب يملا المسافات، تعانقت الأطياف على همسات البوح، تتحدث عن كسوف يحرق الأشلاء واحتضار للخلايا،شيخ معمم يتلو في صمت صلاة الانعتاق من مرض الشيخوخة، شابة تغازل عيونها الوجوه، لغة الصمت رسائل مشفرة ،يكبر الفقيه آخر تكبيرة، صلاة الجنازة مرت بسرعة البرق، أضبحت رقما في لائحة الموتى، يتقدم الأربعة يسحبون سجادة مطرزة بآيات من الكتاب المقدس من فوق المحمل،ترفع الجثة من فوق الخشب، يتقدمون بخطو سريع نحو الحفرة، رجوتهم في الخيال أن ينتظروا دقيقة، دقيقة فقط لأعيد ترميم روحي ، ترتيب الأشياء المشوشة في ذهني، ابحث عن حجر لأضعه فوق قبري،الأعداء يحتفلون على مد البصر، يرقصون ،يغنون،لقد كانوا كلهم هناك، شخصيات قزمة تعرضت لها بالفضح والتجريح والتشريح القاسي،قرابين لنصوص قصصية وروايات،مقالات صحفية ـ، تدوينات في حسابي الفيسبوكي،أربعون عاما من الكتابة والإبداع، الذات انصهرت بشكل كلي في توليد المعاني،كلماتي استظل بها الباحثون عن القفاشات والنقد المقتحم،

- لكي تنتقد الوضع العام تحتاج إلى جرأة.
- اعجبني النص القصصي الشكام
- ايضا روايات : الفانوس والأقزام السبعة- حفيان الراس والفيلة - الولي الطالح بوتشمعيث - اقطاعية القايد الدانكي- الارهابي- ارقص... انت في المسلخ- زقوم كرة القدم….
- حان الوقت لنستريح
- ...؟

حين أكملت القراءة ، سرح قليلا بخياله، والمح إلى وجوب بتغيير بعض المفردات القاسية ،ارتشف من الكوب الأسود وعلق مازحا ربما ويريدونك ميتا في اسرع وقت وقد يقيمون حفلة صاخبة تنفق عليها الملايين، حتى موتي سيكون مكلفا، ضحكنا والتوت الأعناق لضحكاتنا، تأملت رحلتي الطويلة في مطاردة الكلمات والوجوه الزئبقية.اشعر بالفخر لأنني لم انكسر ولم احن هامتي، فقد عرفت أسماء كثيرة باعت واشترت على قارعة الوقت الصعب.



#الحسان_عشاق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة الصحافة وتقزيم حرية التعبير في المغرب
- خوكم بوحمارة واغتصاب متزوجة
- خوكم بوحمارة وفتاة السرطان
- خوكم بوحمارة
- زقوم كرة القدم الحلقة ( 10)
- زقوم كرة القدم الحلقة (9)
- زقوم كرة القدم الحلقة ( 8)
- زقوم كرة القدم الحلقة (7)
- زقوم كرة القدم الحلقة ( 6)
- زقوم كرة القدم الحلقة ( 5)
- زقوم كرة القدم الحلقة4
- زقوم كرة القدم الحلقة ( 3 )
- زقوم كرة القدم (الحلقة2 )
- زقوم كرة القدم
- يوميات الكابران لمساسكي
- الرئيس ميغول واعوانه
- مدير الفضايح... وحمادي الدحش
- رواية ( ارقص... انت في المسلخ)
- كتيبة الاعدام
- الرقيع في بلاد الصقيع


المزيد.....




- مريم أبو دقة.. مناضلة المخيمات التي جعلت من المسرح سلاحا للم ...
- هوليود تكتشف كنز أفلام ألعاب الفيديو.. لماذا يعشقها الجيل -ز ...
- الموسيقي نبيل قسيس يعلم السويديين والعرب آلة القانون
- صانعو الأدب ورافضو الأوسمة.. حين يصبح رفض الجائزة موقفا
- -الديفا تحلّق على المسرح-..أكثر من 80 ساعة عمل لإطلالة هيفاء ...
- الممثل الأمريكي -روفالو- يناشد ترامب وأوروبا التدخل لوقف إبا ...
- ما سر تضامن الفنانين الإيرلنديين مع فلسطين؟.. ومن سيخلف المل ...
- التوحيدي وأسئلة الاغتراب: قراءة في جماليات -الإشارات الإلهية ...
- الموسيقى الكونغولية.. من نبض الأرض إلى التراث الإنساني
- مصر.. وفاة الفنان بهاء الخطيب خلال مباراة والعثور على -تيك ت ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - احاور جنازتي من فوق المحمل