|
خوكم بوحمارة وفتاة السرطان
الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 17:14
المحور:
الادب والفن
يستقل السيارة ذات الدفع الرباعي، السائق الشاب يمني النفس بالتفاته من سيد المتسولين، يسقي الجوعى والمرضى اليائسين جرعات الأحلام ،عشرات الحالات على لائحة الانتظار تتأبط في حسرة لسانا مفجوعا، ينتقي الضحايا بعناية فائقة ،التجربة علمته الكثير عن أساليب التسول الراقي، الاحتياط اكثر من الهفوات والسقطات المفاجئة، الأخطاء تدك أسوار المعبد المبني بالأكاذيب والحيل في رمشة عين، سقط متسولون محترفون وحوكموا بالسجن، في كل ركن ثمة حفارون ينبشون المعاني، يضعون أفخاخا وشباكا ،ينتظرون الهزيمة، الضربة القاضية بمنجل القانون كنست من الساحة تجار الآفات الاجتماعية ،عدد في المخيلة أسماء من سقطوا تباعا في المحظور، الجشع يرفع من معدلات السقوط، احس بغضب مهيض ومر، رعشة تسري في الأوصال، من يلعب بالنار سيحترق، ثغاء وخوار فوق مزابل القرية،يراقب عقار الساعة، الوقت من ذهب ، الهاتف لا يكف عن الرنين، معدات العمل ترتاح في المقعد الخلفي، الطريق إلى القرية الصغيرة مليئة بالحفر، لم يبق من الأسفلت سوى شريط أشبه بثعبان، ملايير تصرف سنويا على إصلاح الطرقات بدون فائدة، حين تغيب المحاسبة يكثر اللصوص . اهتزازات كثيرة وغبار يتطاير في الهواء، الشجرات القليلة العارية تموت واقفة تنتظرها فؤوس الحطابين ،في الرأس تندفع الصور القديمة المتورمة من رحم الانتظار والجوع والعطش، لا شيئ يسافر معه سوى اللقب الذي لازمه لسنين طويلة، لقب خوكم بوحمارة يصهل في شوارع المدينة المغتصبة ،في الحلق غصة كبيرة، ما لا يأتي بالتسول يأتي بالمزيد من التسول والخداع، للعيش في وطن مستباح تحتاج إلى الشطارة، الشطار يتحكمون في الإدارات والمؤسسات، يتحكمون في النقابات والأحزاب، يتحكمون في التجارة في مناحي الحياة ،في الحوباء تنغرس شجرة عارية المقاصد وظل هارب من صدى الطعنات،تكلمت الفرامل بقوة في الإسفلت المحفر، بقرة تعبر الطريق إلى الجهة الأخرى ،ارتفع النبض من شدة الفزع ،احمر الوجه السمين، الجسم تحول إلى هضبات شحمية، الوزن ازداد في السنوات الأخيرة ،مؤخرة بارزة في الوراء وبطن منتفخة، لم يعد قادرا على العمل الشاق، حركات بسيطة تشعره بالاختناق وضيق التنفس ،رمق السائق نظرة هاربة من مفردات التقريع ،أدار مؤشر الراديو إلى قناة أمازيغية،صوت الموسيقى ينساب بسلاسة في الشرايين، صوت المغنية الملائكي يقتحم الأشلاء، يسافر بالمخيلة إلى أبعد من الخيال، يسحب زجاجة ماء معدني، يدفع في الجوف ماء باردا، انهالت على الدماغ ذكريات الماضي البعيد ،الجوع والعراء والروائح المقرفة تحيط بالحي الصفيحي المحاصر بالأزبال والغائط،يشرب الماء الأجاج الملوث بالقاذورات، ظل جاثيا فوق التواءات اللسان، سكب آخر أنفاسه على الماضي البعيد، اطلق تنهدات عميقة ، اسدل جفنيه ولاحق الربوات والهضاب المترامية الأرداف ،راعي يهش قطيع الأغنام ،لا شيئ يبتسم على منعرجات الطريق/ الثعبان، غير بعيد لاح تجمع سكاني، ثمة بيت طيني منعزل مسور بالأشواك، الكلاب تنبح تلاحق السيارة السوداء، ابتسم فكثيرا ما طاردته الكلاب حين كان يتردد على البساتين لشراء الخضر ،يشد على الرسن بقوة مخافة السقوط، سقطة من فوق ظهر الحمارة اكثر خطورة، يتعقب خطوات الرزق بلهاث ،صوت الأظلاف له وقع خاص،يصفق الباب يخرج خوكم بوحمارة منفوخ الصدر، تشتد المسافات في دعوات الترحيب، الأب والأم عيناهما متورمتان من كثرة البكاء والسهر، الفقر ينام في قسمات الوجوه،البيت الطيني لا يصلح خما للدجاج، ثمة قطة ناصعة البياض ترتاح في تحت ظل شجرة النبق،كل شي يحتضر تحت أشعة الشمس، الفتاة شاحبة اكثر نحولا، لم يبق منها سوى الهيكل العظمي، تفرس في عشرات الصور للفتاة ، مع الأتراب في حفلة عرس بالدوار، في باب المدرسة تضج فتوة وشبابا وجمالا، سرت القشعريرة في الأوصال، تفرس في الوصفات الطبية والأدوية، اطلق همهمات وارتفع حاجباه الكثان،تهجى بضعة حروف وانحبس بداخله الفهم، سحب من محفظة سوداء الكاميرا، ثبتها على أعمدة ثلاثية ،حان موعد النفخ في جعبة كلمات الاستغاثة ،ضغط على الزر وانفتح الجرح، انساب شريط الفيديو في حاوية القهر، خوكم بوحمارة يشم رائحة الموت في الفراش الرث، ذبابة زرقاء ترعى في المحاجر، الأم تهرع لتنش الذبابة التي ترسل طنينا مقززا ،خمن أن مرض السرطان يصعب علاجه ،يصعب ترميم الخلايا المصابة، الآلهة تطوف حول الجسد المسجي فوق فراش بائس ،العيون انطفا فيهما البريق ،ألقى نظرة خاطفة على الكتب المدرسية، كراسات طلع عليها الغبار، الموت يقرع جرسه في الأرجاء ،ينفتح الكلام بصعوبة في رئة الذكريات، تتدلى ساعة حائط قديمة ، الدجاجة المعتقلة في الإطار الحديدي لم تعد تنقب الحب، الساعة الزينة لا تشير إلا أي وقت ،معلقة على توقيت آخر، لا حاجة لمنبه زمني، يستوي الليل والنهار في بيوت الفقر ،العمر لم يكن أبدا اقل قسوة ، الفرن الطيني طلعت عليه الأعشاب ،صوت الجوع يأتي باسما من الحجرات الضيقة ،لا معنى للوجود في هذا المكان المزدحم بالبؤس والشقاء ،الهواء يأتي محملا بروائح روث البهائم وحيوان نافق، في الطريق إلى الدوار شاهد جثة متحللة لكلب اسود، مشاهد مألوفة، خوكم بوحمارة ولد على قارعة كلمات غير مكتملة المعنى، في الفم ملعقة من جوع ومسغبة، سنين ينام خاوي البطن تحت غيمات من الاشتهاء اللعين، الصدفة فجرت فيه ينابيع النصب والاحتيال، الصفعة في اجتماع مسؤول رفعته إلى متناضل يفهم في الفقر والفقراء، يفهم في المطالب الشعبية،حين انفض الاعتصام تعلم أول دروس التجارة في البشر ،دخلت الجمجمة عشرات المفردات، القاموس الجديد للتسول حفظ عن ظهر نصب،يظهر في الأشرطة متخشعا ، متلعثما، اسم الله حاضر في ارتعاشات الاستجداء، الشارع يقيس نبضات (فاعل الخير ) الخارج من العدم، الصوت مبحوح في حضرة العاطفين، ينزلق الكلام المبطن لاستدرار الرحمة، ابتلع الريق من لقاء الصدفة، الفتاة مريضة بالسرطان، انتشر الخبر الصدمة في مواقع التواصل الاجتماعي، الوثائق الطبية تحفز العاطفين والمانحين، الحروف تنبض بالمسكنة والاستدراج ،تسافر الصور عبر الأثير، ما اقبح المرض وما أقسى الفقر ،مرض السرطان يثير الرعب في الأبدان ،الشفاء معدوم، الطبيب يلح على قطع الرجل المتقيحة، تنهال الملايين على المصحة، تجاعيد الشابة ترفرف عاليا نحو التلاشي، كلما استطال العلاج الكيميائي كلما امتلأت الجيوب.
- علينا قطع الرجل للحد من انتشار السرطان لربما ستعيش - ضروري استمرار العلاج - كما ترى - ؟؟؟ تنبث في عيون الانتظار أشواك أشجار النبق، يخاف أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، الشابة كنز لا يفنى، الحوالات تتقاطر على الهاتف من بلاد العجم ،عظيم من اخترع تقنيات التواصل الفوري، يقبس المسافات المتبقية بين الأنفاس،الرحلات المكوكية بين المنزل والمصحة في العاصمة متبعة لكنه وقع على كنز علي بابا، افتح يا سمسم ،يقترب اكثر واكثر من من تقويم خيبات ،يجلس أمام السرير يهدي بأسماء الله، فاتكا باستغاثة الصمت، يرفع اليد كمن يمسح بقايا دموع ويعصر الانف في اليد، يغمغم كلاما مبهما، يلقي على المسامع آيات مبتورة ألقى بها الموقف الشقي على حافة التذكر ، لم يبق من الشابة سوى هيكل يزحف إلى ضجيج المقابر، الأم تلطم خدود المصاب ،يسحب من الجيب رزمة أوراق زرقاء ،نداء الحاجة يدفئ اليد العارية،تتوارى الجراح والآلام خلف الضلوع،كل رعشة في الروح تخبر الأم أن الابنة ضاعت، في القلب فراغ غريب، انتهى الحب والشغف الكبير،التشبث بالآمال الخادعة لم تعد صالحة، تلقي نظرات على فلذة الكبد وأخرى على خوكم بوحمارة المنهك في تصوير الشريط، السرطان اللعين يحرث مسام الجسد، الضوء المنساب من النافذة الصغيرة يبدو باهتا،ترتجف الكلمات والحروف في الفم، تحاول التذكر كيف كان الوقت مزهرا قبل أن يتوقف ويبتلعه المرض، تغزل العبرات المنسابة على الوجه الذابل معطف الأمل مشرعة نوافذ القلب للصبر، الرجل اليسرى مندملة متقيحة طلع عليها السواد، الدمع ينبث في المآقي ،دون على الكف مرارة الألم،السيارة نهب الطريق، دون في المخيلة اللقطة الأخيرة من مشهد الجسد المحتضر، الطبيب اخبره بانعدام الشفاء، قطع الرجل لإطالة العمر، عرض المريضة على عشرات الأخصائيين، السفريات إلى العاصمة مكلفة لكن الأرباح كبيرة، الأصوات المحذرة تسكن في الحنجرة، الدمعات التي أريقت سدى لم تفلح في العدول عن الرأي، الحشرجات ترفرف فوق المخيلة، خوكم بوحمارة يفهم في ألاعيب الأطباء، الحقيقة المرة ستكشر في الغد عن الأنياب، الأم تنشوي فوق جمرات ملتهبة، الله في القلوب وفي الصدور، الله قادر على كل شيئ ، غير بعيد قطيع من الأغنام يرعى في الربيع، الراعي يعتمر قبعة من نبات الدوم، السائق ظل صامتا يتابع المشهد المقزز، الهاتف لا يكف عن الرنين، الحوالات تتقاطر من بلاد العجم-
- شكرا للحاجة من هولندا على المساعدة القيمة وأطال الله في عمرها - شكرا للحاجة من فرنسا... - شكرا للحاجة من اسبانيا… - شكرا … شكرا… شكرا..
بوحمارة تعلم فن الاستدراج وتنميق العبارات، التسول الراقي يحتاج إلى نباهة والتقيل من الكلام، وصلة التسول تسافر عبر الأثير، ما وراء البحار ترق قلوبهم لمن يرتجف ويبكي في صمت، يمشي الآخر صاغرا في الأشداق، والجرس يدق ساعات الانتظار ،المريض يدقق في رنات الهاتف، نبي الفقراء طال انتظاره ،الفتاة فقاعة في ايدي النخاس،ليس في الأيدي حيلة ولا عكاز تستند عليه،ولا وطن تختبأ في ظله ،تهرب بالعيون المنكسرة المسورة بالسواد إلى دزينة الأدوية،تبحث عن شربة ماء تروي الأوردة، تذيب الألم النابت في الحوباء ،تسافر في الخيال مترنحة، تسوق قطعان الأحلام إلى مروج خضراء ، تآنس المروج والنجاد والوهاد بأغنيات عميقة ،في فترة سهو أصيبت العصافير المغردة بالخرس، المرض اللعين يأكل خلايا الرجل، تمضي وحيدة في رحلة النزف الأليم، تراكمت الفوضى على مقربة من السرير،الجسد النضو يتقلب تحت نوبة شديدة من الأوهام، الأيام كئيبة الابتسامات لم تعد تسافر على المحيا ،عيون تتنفس رائحة الأدوية، هدير السيارات يأتي على أجنحة الصمت،في الصغر كانت تجلس مع الفتيات ويبدآن في عد السيارات، كل واحدة تختار النوع، لعبة لتزجية الوقت في انتظار قرع الجرس للدخول إلى المدرسة، الهدير يقترب شيئا فشيئا، تخرج الأم وتقف أمام الباب تضع يدا على الجبهة اتقاء من أشعة الشمس، سيارة إسعاف وأخري رباعية الدفع، الفضاء مثقل بزئير المحركات، عيون فضولية تتابع المشهد، الكل يحدق في صور غريبة، سيارة إسعاف يخرج منها رجلان بلباس ابيض، يسحبان حمالة بعجلات، خوكم بوحمارة يصدر آخر التعليمات، شاب يحنط اللقطات بكاميرا، يحضر عون السلطة فوق دراجة نارية، يمشي صاغرا، تتدفق الأسئلة على اللسان يزرعها في خاصرة الانتظار، يدقق في الوجوه واحدا واحدا، يسجل أرقام لوحات السيارتين ،يخربش في الورقة المجعدة، مرر عليها راحة اليد لتستوي،راح يخربش بضعة كلمات وأرقام ، المعلومات شحيحة جمرات العجز تتقد في الصدر ، يزفر، يشهق، يستنشق الآخر بصعوبة، اقترب من خوكم بوحمارة، حين حمل جسد الفتاة إلى جوف السيارة،زارت المحركات، انطلق غبار من الغبار في السماء، تفرقت جمهرة المتفرجين في رمشة عين ،اختفت الدور السكنية المتفرقة وراء المنعرجات،عون السلطة اطلق العنان لحفنة أسئلة تافهة.
- حياة شابة مسكينة - فعلا مسكينة ولكن سنعمل على عرضها على أطباء في العاصمة. - جزاك الله خير ...من دفع التكاليف - المحسنين - لا زال الخير في الوطن - والشر أيضا
نداء المساعدة يلعلع في شبكات التواصل الاجتماعي، الحوالات تتقاطر على فاعل الخير،خوكم بوحمارة يستدعي على عجل صاحب وكالة تحويل الأموال، يحتفظ بمبالغ محترمة ويطهر النزر القليل، المصحة سعرت تكاليف العلاج، الأسرة باهظة الثمن، العلاج الكيميائي بدون فائدة، لا خيار سوى بتر الرجل المصابة، يرفض خوكم بوحمارة، قطع الرجل يعني نهاية التسول بحالة إنسانية تبيض ذهبا، الرغبة الجامحة في انتهاز الفرصة إلى أبعد مدى ليتمدد فوق رغد العيش،هربا من الوجه المخضب بالفقر والفاقة، سنوات يجوب الأرياف والقرى بحثا عن كسرة خبز، سنوات يبيع السجائر بالتقسيط أمام مخفر الأمن، الحذاء ممزق يبتل وتنزلق الأصابع، ثقيل ثقل الزمن العجيف الذي يعصر أيامه، يستعين بأكياس البلاستيك هربا من الصقيع، البرودة تأكل الجسد، الملابس الرثة هرب عنها الدفئ ،في الرأس حفنة سراب ومخاوف، يضاجع تبابين امرأة مخضبة بالماء الأجاج، في الحي الهامشي الحديث عن العائلة دائما مقرونا بلقب ( أولاد بوصيحة )، فالأب الديوث يدفع أمامه بطنا أشبه بالعنكبوت، لقب مقرف يعوي ليل نهار، معارك تخاض دفاعا عن الشرف والكرامة المفقودة، خوكم بوحمارة يلملم حصاة الرجم ويرحل في ثنايا الصمت ، يرسم الشتات على وجع الأيام ،الكلمات تآكلت تحت ضربات الأعداء ،الحساد في كل مكان، الله وهبه الثروة، الثروة نزلت من السماء، لم يكن سوى خادما مطيعا لإرادة الرب،عشرات الأسماء والوجوه انقذها من الجوع والمرض، الهاتف لا يكف عن الرنين ، غريق يتشبث بغريق، طابور الحالمين يتسع ويكبر ،لا حاجة للغوص في أبجدية الاتهامات ،إشارات الاستفهام والتعجب تكبر، يرتقي خوكم بوحمارة سلم المجد، التسول بالحالات الاجتماعية عمل مربح ومنتج، تتراكم الهفوات والسقطات، صامد في وجه الريح، ينتقل من طبقة مسحوقة إلى طبقة الملاكين. لم يعد يمتطي حمارا ولا دراجة هوائية، السيارة السوداء ذات الدفع الرباعي تربض أمام الباب، الزوجة تتكفل بالسياقة، تخلص من الاتباع السائقين خوفا من إفشاء السر، يحتاط من الضوضاء والصخب النابت في النظرات،تموجات ضوء النهار تكشف المستور، تتأكل حوافي الحروف وتطفو ثقوب في اللسان، لازمة الاستعطاء والتسول تطول وتنكمش، تفوح رائحة الفكرة المبسترة من حركات الأيدي والجسد،يمضغ أسمال كلمات مترنحة ،لكل حالة ترنيمة جديدة ،الأغبياء يبتلعون الطعم بسهولة،صنبور التسول لا يجب أن يتوقف،تفتقت في الدماغ عشرات الحيل،استدرج بعض المحتاجين ووقع الاتفاق، المسرحية السمجة درست بعناية، وزعت الأدوار ولكل كومبارس مبلغ مالي، المشاهد تلتقط بمهنية عالية، يسمع الأنين والصرخات، دموع تنهار على الخدود، الكاميرا تلتقط زوايا الحجرات و الأثاث الرث، الذباب يتقافز والطنين موسيقى معبرة، تنهد تنهدة عميقة، لاحت في المخيلة صور الأمس البعيد، الشمعة المرتعدة من الريح المتسربة عبر الشقوق تهمس للظلال فتكبر، النار ترتجف في المجمرة الطيني، عيون تدمع من شدة الدخان المر، تقف عشرات السحنات في منتصف الوجع، نباح الكلاب يشق سكون الليل. السيارة السوداء تسابق الريح كلب يلاحق المركبة ينبح بشراسة، الكلب الحيوان ارحم من الإنسان الكلب،يهدا المحرك، تخرج ام المريضة، نظرات حيرى وارتباك واضح، تمسح بالنظرات الثاقبة وجه خوكم بوحمارة، تفكك التعابير و الرسائل المبهمة ، عبرات تسبق الكلمات ، رحمة الله عليها، إنا لله وإنا إليه راجعون ،المدافع تدك أسوار الحوباء، تلعثمت وسقطت مغشيا عليها،تسابق الجيران وبكين لبكاء الأم، عدوى البكاء انتشرت بسرعة البرق ،انبرى خوكم بوحمارة بوالد الفتاة، همس له شيئا ربت على الظهر، مد له رزمة أوراق مالية، الصرخات تخدش الفضاء الواسع، الشمس تبحر في رحم الظلام،السماء تلتقط الكلمات المفجوعة، سيارة إسعاف تحضر ما تبقى من جسد الميت ،إكرام الميت دفنه، الفقيه يستعجل الدفن؟
- إنا لله و إنا إليه راجعون
الربوة استوت واختفى الجسد تحت الأرض، سيستريح من طعنات الزمن الغادر، ستستريح الروح من الآهات والآلام المبرحة، الآيات القرانية تصدح في الفضاء الواسع، دعوات بالرحمة والمغفرة، تفرق الأهل والأحباب والأصحاب،لم يبق من الفتاة سوى بضعة ذكريات شحيحة، الحسرة تسير ببطء في الخلايا، الصور القاتمة تتسلق الأكتاف ،في الطريق إلى المنزل الطيني يصفعه النحيب، وجوه مخضبة بالحزن العميق، نصبت خيمة كبيرة لاستقبال المعزين، على غصن شجرة الكالبتوس علق عجل مذبوح، الجزار بدأ عملية السلخ، عشرات الرؤوس تنتظر الوليمة ،وحيدا يمشي متكئا على حقيبة الظنون، يقف فقيه بجلباب ابيض وسط حشد من المعزين، خاطبهم بلهجة غاضبة.
- عيب أن ينتظر المعزون عائلة المتوفاة إعداد الطعام - الأغلبية تأتي لشحن البطون - سلوك غير مقبول...إنها بدعة... وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
في الطريق تردد في الدماغ صوت الحاجة من مدينة جنوبية،حثته على اقتناء منزل سكني لعائلة فتاة السرطان، دفعت مبلغا محترما.طلبت منه هاتف والد المريضة، المبررات غير مقنعة، الفضيحة تلوح في الأفق، يمضي متوترا في جحافل التنهيدات، الكلمات تمطرق الدماغ، لا خيار أمام خوكم بوحمارة سوى الإذعان وتنفيذ المطلب، مبلغ مالي كبير يرتاح في الخزنة ،عملية النصب على وشك الانفضاح،الوشاة يمرون بين أدغال الحروف ،شبكات التواصل تنشر الغسيل، تمتزج الحقيقة بالكذب، الكل يغرد على وجع الفهم لحنا نشازا من ترسانة الاتهامات ،الوجه مخضب بغبار الهزائم ،الزوجة المحجبة تدفعه إلى تنفيذ إرادة المحسنين. تنفخ في الكف قيمة الأمانة والصدق ، أبدا لم تسال كيف سقطت عليهما الثروة، كيف نقل الأولاد ألي المدارس الخاصة، من أين جاءت السيارة والمنزل السكني والمقهى،ومن يدفع ثمن السائق والبنزين، أسئلة كثيرة تندفع في الدماغ كركام الأحجار ،الأعداء يكتبون على راس الصفحة صفر في مادة العمل الإحساني .الحوار كان صاخبا بارتعاشات الخوف في شبكات التواصل، الشارع يقيس نبضات فاعل الخير المزيف،يضيق الصدر بالحقيقة المرة، الكتبة ترتجف منهم الأنامل في تدبيج الردود، خوكم بوحمارة جاهل لا يعرف فك شيفرة الحروف،المقالات القاسية والقوية تكشف متاهات النصب والاحتيال، الأدلة والحجج تسقط الأقنعة ،الخازوق يشحذ على نار هادئة، وسوط الجلاد يرتفع في الهواء ، تتدلى الأنشوطة، عزرائيل يقف على عتبة الباب حاملا منجلا ،آهات المرضى والثكالى تئن تحت وسائد الانتظار الأجرب، يحس بالاختناق والرعب يسري في الأوصال، يستفيق مرعوبا متصبب عرقا، يسحب زجاجة ماء ويفرغها في الجوف.
- أعوذ بالله من غضب الله
#الحسان_عشاق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خوكم بوحمارة
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 10)
-
زقوم كرة القدم الحلقة (9)
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 8)
-
زقوم كرة القدم الحلقة (7)
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 6)
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 5)
-
زقوم كرة القدم الحلقة4
-
زقوم كرة القدم الحلقة ( 3 )
-
زقوم كرة القدم (الحلقة2 )
-
زقوم كرة القدم
-
يوميات الكابران لمساسكي
-
الرئيس ميغول واعوانه
-
مدير الفضايح... وحمادي الدحش
-
رواية ( ارقص... انت في المسلخ)
-
كتيبة الاعدام
-
الرقيع في بلاد الصقيع
-
الرقيع في ليلة الزفاف
-
الرقيع والمراة
-
المشبوح والصحراوي والملتحي
المزيد.....
-
نقيب المهن التمثيلية بمصر يطمئن محبي الفنان عادل إمام: الصور
...
-
وكالة الأنباء السورية -تبدأ بث أخبارها باللغة العبرية-.. ما
...
-
«سامسونج تقلب الموازين في 2025».. Galaxy S25 Edge بكاميرا جب
...
-
ألبومات صيف 2025: نجوم الغناء العربي يعودون بقوة والمنافسة ت
...
-
مصر.. فتح تحقيق بعد اكتشاف محاولة تنقيب عن الآثار خلال زيارة
...
-
الحِكمة والحُكم أو كيف تنعكس المزايا العقلية والثقافية على ت
...
-
الإعلان عن الفائزين بجائزة سلطان العويس في دورتها الـ 19
-
مدير متحف في برلين يحذر من صراع ثقافي عالمي تقوده واشنطن
-
حين ظهرت مكة والمدينة في خريطة أميركا.. قراءة في التسمية وال
...
-
المستعرب الإسباني خوسيه بويرتا: غرناطة مركز التراث الأندلسي
...
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|