أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزه حمزه الكاتب - -مصر ليست حضارة… مصر خيانة كبرى للزمن-














المزيد.....

-مصر ليست حضارة… مصر خيانة كبرى للزمن-


حمزه حمزه الكاتب

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 02:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من بين كل حضارات الأرض التي تعاقبت ثم اندثرت، تبقى مصر القديمة لغزًا متفرّدًا. حضارة عاشت آلاف السنين ثم تركت بصمتها على كل ما جاء بعدها، وكأنها لم تُبنَ لتكون فصلًا في التاريخ، بل لتكون التاريخ نفسه. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن النظر إلى الحضارة المصرية لا بوصفها ماضياً مندثراً، بل كمشروع إنساني متجاوز للزمن، مشروع ما زال يمارس حضوره حتى الآن؟

البقاء...

في فلسفة المصري القديم لم يكن الموت نهاية، بل بداية لرحلة جديدة. تلك الرحلة لم تُصَغ في النصوص فقط، وإنما صيغت في الحجر والمعمار، في الجدران المنقوشة والتماثيل الصامدة. حين نقف أمام هرم شامخ أو معبد لا تنطفئ هيبته، ندرك أن المصري لم يكن يسعى إلى مجد وقتي، بل إلى معركة كبرى ضد الفناء.
الحضارات الأخرى شيّدت مدنًا وسُرعان ما التهمها الغبار، أمّا مصر فشيّدت معنى. الفراعنة لم يُفكروا فقط في حاضرهم، بل رسموا مشروعاً وجودياً يجعل من كل جيل امتداداً للذي قبله، وكأنهم قالوا للزمن: "نحن شركاؤك ولسنا ضحاياك."

الهندسة...

الأهرامات، تلك المثلثات الحجرية العملاقة، ليست مجرد مقابر، بل نصوص فلسفية صاغها المعمار. هي الفكرة وقد تحوّلت إلى حجر، هي الحلم وقد تجسّد في الفراغ. إن زاوية الميل، وحجم القاعدة، وتوجيه البُعد، كلها رسائل مقروءة بلغة لا تحتاج إلى كلمات.
إنها إعلان عن نظرية: أن الهندسة يمكن أن تكون أداة للخلود، وأن الرياضيات ليست علماً للقياس فحسب، بل وسيلة للانتصار على العدم. الأهرام ليست بناءً في المكان، بل بناءً في الوعي، تتحدى الطبيعة وتقول للكون: "هكذا يكون الخلود."

الزمن الحلزوني...

حين نتأمل فكر المصريين نجد أن الزمن عندهم لم يكن خطًّا مستقيمًا ينتهي بالموت، ولا دائرة تعيد نفسها بلا جديد، بل أقرب إلى حلزون يصعد في كل دورة. هذا الحلزون هو ما يفسر قدرتهم على الجمع بين التكرار والتجديد؛ فالموت عودة، لكن العودة ليست نسخًا، بل صعودًا إلى مستوى آخر.
هذه الفلسفة يمكن أن تُقرأ اليوم كنظرية متقدمة تتجاوز التصورات الحديثة للزمن. فبينما ما زال العلم يحاول فهم طبيعة الزمن، كان المصري القديم يعيشه ككيان متعدد الأبعاد، يسمح بالتجدد مع بقاء الأصل ثابتًا.

مصر ككيان ميتافيزيقي...

ليست مصر القديمة مجرد جغرافيا وملوك، بل كيان ميتافيزيقي يتخطى حدود الدولة. كل من حاول إخضاعها صار جزءًا من تاريخها، كأنها لا تُهزم، بل تبتلع الغزاة وتحوّلهم إلى حاشية في نصّها الأبدي.
هذا يفتح أمامنا سؤالاً فلسفياً أعمق: هل كانت مصر تجربة سياسية أم مشروعاً كونيًا؟ وإذا كان غيرها من الحضارات مات بموته المادي، فلماذا لم تمت مصر؟ الجواب يكمن في أن المصريين لم يربطوا هويتهم بالتراب وحده، بل بالسماء أيضاً، لم يقيموا حضارة مكانية، بل حضارة زمانية ـ كونية.

الموت بداية الحضارة...

الموت عند المصريين لم يكن نهاية الفرد فقط، بل بداية دور الحضارة. كل قبر كان مكتبة، كل جدار كان كتاباً، كل معبد كان موسوعة. وهنا تظهر الفلسفة العميقة: أن موت الفرد ليس إلا وسيلة لولادة معنى جديد.
بهذا المعنى، يمكن القول إن الحضارة المصرية كانت مشروعًا جماعيًا لتجاوز الموت. لم يسعوا إلى تخليد الملك وحده، بل إلى تخليد الفكرة التي يحملها الملك.

مصر خارج الزمن...

من هنا نستطيع أن نطرح النظرية:

> الحضارة المصرية لم تكن حضارة زمنية كبقية الحضارات، بل كانت مشروعاً إنسانياً خارج الزمن. إنها نقطة ارتكاز تُقاس بها بقية التجارب البشرية، وكلما حاولنا تفسيرها بالمعايير التاريخية العادية، فشلت المقاييس.



إنها أشبه بـ"وعي جماعي" اتخذ شكل معمار وفن ودين، وقرر أن يكتب نفسه ليس في الكتب وحدها، بل في الصخور والنجوم وفي ضمير الإنسانية. ولهذا لا يمكن أن نتحدث عن مصر القديمة كـ"ماضٍ"، بل كـ"حضور دائم".

و في النهاية...

يبقى السؤال مفتوحاً: هل نجح المصري القديم في هزيمة الزمن؟ قد يظن البعض أن هذا مجرد وهم، لكن حين يقف الإنسان المعاصر، بكل علومه وتقدمه، أمام هرم الجيزة فيصاب بالرهبة نفسها التي أصابت أجداده، ندرك أن هناك شيئاً أكبر من الوهم.
ربما مصر القديمة لم تنتصر على الزمن فقط، بل علّمتنا أن الزمن ليس عدواً ينبغي تجاوزه، بل مادة يمكن تشكيلها، ومعنى يمكن إعادة تعريفه. وهنا يكمن سرّها الأبدي.



#حمزه_حمزه_الكاتب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم يعد أحد حيًا… ولم يعد أحد ميتًا-
- حين توقفت الساعة في القاهرة
- تحت جلود المصريين


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يكشف عن تأثير انقطاع خدمة -ستارلينك- على قوا ...
- ممثل إسباني يرتدي الكوفية الفلسطينية في حفل توزيع جوائز إيمي ...
- مصر.. اكتشاف ورشة أثرية لصهر النحاس في جنوب سيناء
- ما الذي ينتظره الشارع العربي والإسلامي من قمة الدوحة بعد اله ...
- سيث روجن يحصد أول جائزة إيمي وجين سمارت تتوج للمرة الرابعة ف ...
- -غزة الحرة-.. أول حركة تضامنية تسيّر سفنا دولية لكسر الحصار ...
- ترامب يشارك منشورا من تيك توك يدعوه لتقييد المؤسسات الإخباري ...
- محمد عرفان علي أول رئيس مسلم لجمهورية غويانا
- -فلسطين فازت- بطواف إسبانيا بعدما تسبب متظاهرون بإلغاء مرحلت ...
- هل تنجح تجربة الحواسيب المحمولة القابلة للترقية؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزه حمزه الكاتب - -مصر ليست حضارة… مصر خيانة كبرى للزمن-