أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد مظهر غالي - الأزمات المُدارة: قراءة سياسية في جدل قانون الإيجار القديم في مصر















المزيد.....

الأزمات المُدارة: قراءة سياسية في جدل قانون الإيجار القديم في مصر


أحمد مظهر غالي
باحث و كاتب , ماجيستير في علم نفس التاريخ PSYCHOHISTORY

(Ahmed Mazhar Ghaly)


الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 21:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأزمات المُدارة وصناعة المشهد السياسي: جدل قانون الإيجار القديم نموذجًا

في الأيام الأخيرة، تصدّر قانون الإيجار القديم العناوين، مثيرًا جدلاً واسعًا بين الملاك والمستأجرين، وأعاد إشعال نقاش حول علاقة الدولة بالمجتمع. وبينما يتابع المواطنون الأخبار والمداخلات التلفزيونية، يظل السؤال الأعمق حاضرًا: هل نحن أمام أزمة طبيعية فرضتها الحاجة، أم أمام أزمة مُدارة بعناية لتقديم عرض سياسي محسوب؟
يُبرز هذا الجدل نمطًا سياسيًا معاصرًا، حيث تُوظف الأزمات الاجتماعية لا باعتبارها مجرد مشكلات تحتاج للحل، بل كأدوات لإنتاج مشهد "حيوي" يعيد تقديم الدولة كفاعلٍ مركزي يوازن بين المصالح المتعارضة.

الأزمات كأداة لإعادة إنتاج السلطة
توضح أدبيات علم الاجتماع السياسي أن السلطة قد تلجأ إلى تضخيم أزمات أو إعادة تأطيرها، ليس فقط لإيجاد الحلول، بل لتأكيد حضورها كـ"حكم" بين أطراف النزاع. وكما يُعاد تبسيط فكرة ريتور:
«إن السلطة لا تُكتسب بالقوة أو القانون فقط، بل بقدرتها على إقناع الجمهور بأنها الضامن الوحيد للاستقرار، حتى لو كان الصراع مدبرًا أو مُدارًا في جوهره».
في هذا السياق، تتحول الأزمات إلى فضاءات رمزية، حيث تبدو السلطة كمنقذ، وتُعاد صياغة النقاش بما يخدم تثبيت صورتها.

قانون الإيجار القديم كحالة دراسية
يمثل الجدل حول قانون الإيجار القديم نموذجًا حيًا لهذا المنطق. فقد بدأ من حكم قضائي، ليتوسع إلى نقاشات برلمانية وجلسات علنية، أعادت إنتاج الانقسام بين الملاك والمستأجرين في صورة جدل اجتماعي صاخب:
• جلسات البرلمان بُثت مباشرة لإظهار الانفتاح.
• تغطيات إعلامية ركزت على "التوازن" بين الأطراف.
• تصريحات حكومية أكدت الاستماع إلى الجميع، مع تقديم وعود بمهل انتقالية وحلول تدريجية.
كما قال إدلمان (1988): «السياسة ليست ما يحدث فقط، بل ما يُبنى رمزيًا ليُرى ويُصدّق».
وبذلك يصبح القانون مسرحًا سياسيًا: الدولة تتوسط، الجمهور يتابع، والمعارضة تُعلّق، في حين تبقى خيوط القرار الحقيقية بيد السلطة.

الجمهور بين المشاهدة والمشاركة
رغم الجدل الكبير، ظل الجمهور أقرب إلى "المتفرج":
• لم تظهر احتجاجات واسعة تتجاوز الأطر المسموح بها.
• انحصر النقاش في الإعلام ضمن حدود مرسومة.
• اقتصر الفعل الشعبي على المتابعة والانفعال.
كما يصف كراوتش (2004): «الديمقراطية لا تختفي، لكنها تتحول إلى مشهد يشارك فيه المواطن بالمشاهدة أكثر من الفعل».
هنا، تبدو الديمقراطية وكأنها مسرح تُوزع فيه الأدوار بعناية: الدولة ممثل رئيسي، والجمهور جمهور صالة متفرج.

دوافع السلطة
يمكن قراءة إدارة هذه الأزمة في ضوء عدة أهداف:
• إعادة إنتاج الشرعية عبر معالجة ملف تاريخي.
• التوافق مع خطط تحرير السوق العقاري.
• تقديم صورة إصلاحية محسوبة أمام الداخل والخارج.
• امتصاص التوتر الاجتماعي ضمن قنوات آمنة.
هذه العوامل تعكس ما يمكن وصفه بـ"التحكم الرمزي"، حيث يجتمع الانضباط السياسي مع إخراج مشهد إصلاحي محسوب.
وفي سياق علم الاجتماع السياسي، يشير كثير من الباحثين إلى أن السلطة قد تتعمد أحيانًا إدارة الأزمات لا لحلّها، بل لاستخدامها في إعادة إنتاج الشرعية وإظهار نفسها كوسيط عقلاني. وفي هذا الإطار، يمكن تبسيط ما يقوله فيليب ريتور – وإن بصياغة تناسب واقعنا – حين يوضح أن: "السلطة قد تفتعل أو تدير أزمات داخلية، فتدفع الجماهير نحو التظاهر أو النقاش العام، لتُنتج مشهدًا ديمقراطيًا تمثيليًا، بينما يظل الجمهور في جوهره مجرد مشاهد يُستدرج لإعادة تأكيد دور الدولة بوصفها الحكم النهائي."
وبالنظر إلى أزمة الإيجار القديم، يمكن أن نرى هذا النمط بوضوح: تصعيد إعلامي مدروس، جدل مجتمعي متواصل، مقترحات متباينة تُطرح للنقاش، ثم تدخل رسمي محسوب يعيد ضبط الإطار القانوني بطريقة تمنح السلطة مظهر الحَكم الرشيد. والنتيجة؟
شعور عام بالمشاركة، دون أن تُمس فعليًا هندسة القرار السياسي أو موازين القوى الكامنة خلفه.
هذا النمط ليس غريبًا عن السياسة الحديثة. فقد أشار بيير بورديو إلى أن: "السلطة لا تُمارس فقط بالقوانين، بل عبر التحكم فيما يُطرح للنقاش، وفي توقيت هذا الطرح وطريقته."
من هذه الزاوية، يصبح الجدل حول قانون الإيجار القديم مثالًا حيًا على توظيف الأزمات لإعادة إنتاج مشهد سياسي يوازن بين توتر الشارع وحاجة الدولة إلى تجديد شرعيتها. فتُترك القضايا لتتصاعد وتشتعل، قبل أن يُعاد ضبطها في توقيت مدروس يعزز صورة الدولة كـ"منقذ" وحكم عادل

خاتمة
يظل السؤال الأهم: هل يقتصر الأمر على الإيجار القديم؟ في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية الأخيرة، يبدو أن نمط "الأزمات المُدارة" يتكرر عبر ملفات متعددة: من قضايا اقتصادية واجتماعية، إلى نقاشات تشريعية وقانونية، حيث يُستثمر الجدل العام لا لتغييره جذريًا، بل لضبطه ضمن مسار يسمح بإعادة تأكيد سلطة الدولة وتقديمها كفاعل مركزي لا غنى عنه.
فقد شهدنا أنماطًا مشابهة مع قضايا مثل إصلاح منظومة الدعم أو الضرائب الجديدة والتعليم وأزمة التيك توكرز أيضًا، حيث يتم تضخيم النقاش، ثم يُعاد ضبطه في النهاية بما يعزز حضور الدولة كمنظم وحكَم، دون المساس بجوهر السلطة.
لم تعد إدارة الأزمات السياسية تعتمد فقط على البرلمان أو الإعلام التقليدي، بل باتت المنصات الاجتماعية جزءًا من "خشبة العرض". فحتى الاحتجاجات أو النقاشات الحادة التي تنطلق على فيسبوك وتويتر، تتحول سريعًا إلى محتوى بصري يستهلكه الآخرون أكثر مما يحفّزهم على الفعل. وكما يصف غي ديبور: «كل ما كان يُعاش مباشرة، أصبح يُمثَّل»، فيتجسد المواطن في صورة "مشاهد غاضب" بدل أن يكون فاعلًا منظمًا.
هذا النمط يخدم السلطة إذا أرادت ضبط التوترات وإبقائها ضمن حدود رمزية آمنة، وهو ما ينسجم مع رؤية موري إدلمان حين كتب: «السياسة ليست فقط ما يحدث فعليًا، بل ما يُبنى رمزيًا ليُرى ويُصدّق». لكن على المدى الطويل، يخلق هذا النمط جمهورًا مُستأنسًا بالدور الافتراضي. علاجه يتطلب من السلطة — إذا رغبت في مشاركة حقيقية — فتح قنوات تأثير واقعية، وتقديم شفافية معلوماتية، وتحفيز مبادرات ميدانية منظمة.
أما على مستوى الجمهور، فالحل يبدأ بالانتقال من التعليق إلى التنظيم، وفهم آليات التحكم الخوارزمي، وبناء ضغط تراكمي بدل الانفعال اللحظي. كما أشار بيير بورديو: «السلطة تحدد ما يمكن أن يُقال، وما لا يمكن أن يُقال»، وبالتالي فإن استعادة الفعل السياسي تعني كسر حدود هذا الإطار المرسوم.
إهمال هذا التحول له كلفة نفسية عالية: إحباط مزمن، إدمان على الانفعال المؤقت، تطبيع اللامبالاة، وتنافر معرفي بين صورة الذات كمشارك رقمي وحقيقتها كمتفرج على الأرض. وهنا يصبح السؤال الذي يطرحه قانون الإيجار القديم أبعد من قضية عقارية؛ إنه سؤال عن طبيعة علاقتنا بالسياسة ذاتها: هل نحن جمهور يتفرج على مشهد محسوب، أم طرف فاعل في كتابته؟

المراجع والمصادر
• Crouch, C. (2004). Post-democracy. Cambridge: Polity Press
• Edelman, M. (1988). Constructing the political spectacle. Chicago: University of Chicago Press
• Rétoré, P. (2012). Sociologie de la communication politique. Paris: Armand Colin
• Bourdieu, P. (1991). Language and symbolic power. Cambridge: Polity Press
• (مرجع لفكرة بورديو حول التحكم في ما يُطرح للنقاش وتوقيتاته بوصفها آلية للسلطة الرمزية).
• البرلمان المصري (2024). محاضر جلسات مناقشة قانون الإيجار القديم (نصوص رسمية منشورة في الصحافة).
• (توثيق للسياق المحلي للنقاشات البرلمانية).



#أحمد_مظهر_غالي (هاشتاغ)       Ahmed_Mazhar_Ghaly#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا بين الداخل والخارج: رصاص في المدارس… وتبريرٌ للمجازر
- عقدة -مازيبا- ... Le complexe de Mazeppa
- عقدة (مازيبا) ... Le complexe de Mazeppa
- فيلم -حياة الماعز- The Goat life اختبار للعلمانية بمفهومها ا ...
- عزيزي تذكر الإخواني والأصولي ليسوا في غزة فقط ..
- أسباب الانقسام السُني الشيعي من وجهة نظر التحليل النفسي
- الفلسطينية سما عبد الهادي أميرة موسيقى التيكنو Techno music ...
- براغماتية المملكة العربية السعودية إلى أين ؟ مشروعها النووي ...
- براغماتية المملكة العربية السعودية في تحقيق طموحاتها إلى أين ...
- نظنها دائرة وهو ملك من الملائكة


المزيد.....




- العملاق البافاري يحقق فوزا بخماسية على هامبورغ.. ودورتموند ي ...
- إيقاف طبيبة بريطانية بارزة عن العمل بعد تضامنها مع غزة والمق ...
- 50 ألف غزي سيكونون بلا مأوى خلال أقل من أسبوع
- إيران وأخطر ما يقلق نتنياهو
- نقد المقاومة الفلسطينية في منتصف المعركة شفقة أم تشفيا؟
- -مسار الأحداث- يناقش الموقف الأميركي من الحرب بعد الهجوم على ...
- محللون: ترامب لا يزال يريد إنهاء الحرب بالقوة أو بشروط إسرائ ...
- أول لقاء بين رئيس وزراء قطر وقائد القيادة المركزية الأمريكية ...
- الخوف من روسيا يحشد البولنديين: آلاف يتدفقون إلى معسكرات الت ...
- نتنياهو: -التخلص- من قادة حماس سيمهد لإطلاق الرهائن وإنهاء ا ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد مظهر غالي - الأزمات المُدارة: قراءة سياسية في جدل قانون الإيجار القديم في مصر