|
النظام السياسي الفلسطيني والإستحقاق الديمقراطي المفوَّت
فهد سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 18:17
المحور:
القضية الفلسطينية
■ توطئة 1- في تآكل شرعية النظام السياسي 2- حلول فوقية لصون الشرعية وضمان الاستمرارية 3- الإنتخابات .. عملية حقيقية، جدية، أم ظرفية عابرة مطلع أيلول(سبتمبر) 2025
توطئة ■ في ظرف سياسي بالغ الصعوبة تتعرض فيه قضيتنا الوطنية لمخاطر جمَّة، تطرح نفسها مسألة النظام السياسي الفلسطيني، ومعها تثار أسئلة حول مدى قدرته وإمتلاكه لعناصر القوة ولمهارات الحوكمة التي تسمح بمواجهة فعّالة للتحديات المحيطة به، وللتهديدات الآتية من كل حدب وصوب. وعلى هذه الأسئلة، تلتقي معظم إجابات الأوساط الفلسطينية بمختلف ميولها، على التسليم بوجود أزمة يعانيها النظام السياسي، لكنها تتباين فيما بينها على تعيين العوامل التي تقف وراءها؛ فمنها من يحيلها إلى الضغوط التي يتعرض لها النظام السياسي جرّاء تعاظم العدوانية الإسرائيلية، والتحيّز الأميركي، وضعف الحالة العربية الرسمية..؛ ومنها من يحيلها إلى واقع الإنقسام الداخلي، ومعه إفتقاد النظام السياسي إلى الديمقراطية والنزوع البيروقراطي السلطوي المتفاقم على المستوى القيادي الرسمي في إدارة الشأن العام؛ الخ... ■ ومع التسليم بتأثيرات الحالة الخارجية، بما فيه تدخلات بعض مكوناتها في الشأن الداخلي الفلسطيني، فإن ما يعنينا في المقام الأول هو التوقف أمام الأسباب الذاتية لأزمة النظام الناجمة عن تضافر عاملي الإنقسام الداخلي وفقد الحد المطلوب للديمقراطية التشاركية ببعدها التعددي، كما تتطلبها مرحلة التحرر الوطني بخصوصيتها الفلسطينية، حيث لا يمكن تحجيم التأثيرات السلبية للحالة المحيطة موضوعياً، بدون التحصن بالوحدة الداخلية القائمة على الديمقراطية التشاركية. وفي كل الأحوال، فإن القاعدة العامة التي أنتجتها التجربة المعاشة والممارسة العملية على إمتداد عقود من الزمن الفلسطيني، تؤكد حقيقة أنه بدون الوحدة الداخلية، لا ديمقراطية، لأن الأخيرة لا تقوم على إقصاء الآخر، إنكار وجوده، حرمانه من دوره؛ وبدون الديمقراطية لا وحدة داخلية، فالوحدة لا تبنى على الإستتباع، ولا تقوم على المصادرة. ■ تتناول الدراسة المرفقة سياسة تعاطي مركز القرار الرسمي في السلطة الوطنية ومنظمة التحرير – بعد إنقلاب العام 2007 بتداعياته السلبية – مع متطلبات الإصلاح التي باتت تطرح نفسها بإلحاح على المؤسسة الفلسطينية من مدخل الإستجابة للإستحقاق الديمقراطي، سواء بما يمليه من إحتكام لصندوق الإقتراع، أو ما يستوجبه من إنخراط في توافقات وطنية جامعة تفتح الطريق أمام إجراء الإنتخابات العامة على قاعدة توحد ولا تفرق، وتجعل من الخاسر رابحاً. ■ لقد أتت الوقائع المتواترة منذ إنقلاب العام 2007، لتؤكد بأن مركز القرار الرسمي في السلطة والمنظمة معاً، «لم يُفوِّت فرصة لإهدار الفرص» التي أتيحت لبناء الوحدة الداخلية بأدوات العملية الديمقراطية. ومع ذلك، وبنتيجة عوامل عدة، تسوقها هذه الدراسة، لم تنقضِ بعد إمكانية ولوج دروب العملية الديمقراطية من خلال توفير شروط إنجاح إنتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، التي جرى إقرارها بعد جهد جهيد، ما يستوجب تضافر كل الجهود من أجل تحويل الإستحقاق الديمقراطي المفوَّت إلى إستحقاق محقق، يرد الإعتبار إلى نظامنا السياسي، يزيده تماسكاً، ويعيده إلى دائرة الفعل والتأثير بالمستوى الذي تتطلبه مواجهة العدوان المتمادي على شعبنا للنيل من قضيته المقدسة■ المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
1- في تآكل شرعية النظام السياسي الفلسطيني
1- الإنقسام يثلم شرعية النظام السياسي الفلسطيني ■ إنطلاقاً من إدراك لمكامن المصلحة الوطنية، والسعي لتوفير الشرط الأفضل لتأطير وقيادة النضال الوطني التحرري لشعبنا، ثمة ما يقارب الإجماع شعبياً وفي صفوف النخب، على ضرورة إعادة بناء، أو – بأقله - إحداث تطويرات بالعمق على النظام السياسي الفلسطيني المنقسم على نفسه بشكل غير مسبوق منذ بدايات الإنتفاضة الأولى- 1987، مَهَّدَ له بروز مرجعيتين قياديتين في الميدان: القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة بعضوية فصائل م.ت.ف؛ وبموازاتها قيادة أخرى للإنتفاضة على رأسها حركة حماس، بعد أن أعلنت عن نفسها – كتنظيم مقاوم – مع إندلاع الفعاليات الأولى للإنتفاضة. ومنذ ذلك الحين لم تُفلح المحاولات التي بُذلت لتوحيد الحالة الفلسطينية بكليتها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بمكانتها المعروفة. ■ على إمتداد هذا المساق الإنقسامي لما يقارب أربعة عقود من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، تَبَدَّت محطة إنعطافية مَثَّلتها إنتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية – 25/1/2006، فازت بأغلبية مقاعده حركة حماس، ما جعلها قادرة على تشكيل حكومتين دستوريتين متعاقبتين، فانفردت بالأولى – رئاسة وقِواماً، وترأست الثانية كحكومة وحدة وطنية. لم تنجح حكومة الوحدة الوطنية في نقل تجربتها الوحدوية – التي بقيت على القشرة - إلى اللجنة التنفيذية وسائر المؤسسات المرتبطة بها، فترقى بأوضاعها إلى مستوى الهيئات الجامعة، بل تجاورت من موقع الضد معها، وسرعان ما إنقلبت هذه الحكومة على نفسها – 14/6/2007، فَحُسِمَت الأوضاع لصالح حركة حماس في قطاع غزة، خروجاً عن الشرعية الرسمية، ما أدى إلى مأسسة الإنقسام في كل مكان، إنقسام جمع بين السياسي والمؤسسي والتموضع الجغرافي. ■ مما لا شك فيه أن الإنقسام ثلم شرعية النظام السياسي الفلسطيني بخروج قوة سياسية ذات شأن عن ولايته، وبجانبها قوى أخرى – غير ذات صلة بواقعة 2007 – كانت بالأصل خارج المؤسسة الرسمية، أو مستوياتها القيادية، الأمر الذي مَسَّ – وما زال – بشرعية التمثيل، التي من مرتكزاتها شمول التمثيل للقوى الرئيسية الفاعلة في ساح العمل الوطني. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن إدارة الظهر لصندوق الإقتراع لحوالي عقدين من الزمن، أسهم بدوره في تآكل مكانة نظامنا السياسي كما تجسده منظمة التحرير الفلسطينية، وسوف تنال عملية التآكل هذه – مع إستمرارها – من قدرة المنظمة على التعبير والدفاع عن حق تقرير المصير لشعبنا، لا بل حق تقرير المصير نفسه، الذي تشكل وحدانية تمثيل المنظمة للشعب وحركته الوطنية أحد أهم الأعمدة التي يرتكز إليها هذا الحق. إن العملية الديمقراطية، وفي القلب منها الإنتخابات العامة بمشاركة جميع القوى، هي الآلية التي من خلالها يستعيد النظام السياسي الفلسطيني وحدته وشرعيته الكاملة غير المنقوصة، ببعديها القانوني والتمثيلي، ويعبر من خلالها عن وحدة الشعب وحقه في تقرير المصير مستنداً إلى شمولية التمثيل السياسي■ 2- تجديد شرعية النظام السياسي بالتوافق الوطني والإنتخابات معاً ■ في رحلة السعي لتجاوز الإنقسام إثر إنقلاب 2007، وبناء وحدة داخلية تقوم على ديمقراطية تضمن التعددية والمشاركة في القرار الوطني، وقفت الحركة الفلسطينية أمام إعتماد إحدى طريقتين تتحدران – على تمايزهما – من أصل واحد، هو: العملية الديمقراطية، ما يجعلهما في حال الأخذ بهما، يفضيان معاً إلى النتيجة نفسها: الإنتخابات العامة، أو التوافق الوطني على صيغ قيادية، إنتقالية وجامعة، تقود لاحقاً إلى صندوق الإقتراع؛ فكانت الحوارات الوطنية الشاملة( ) التي إنتظمت بمعظمها في القاهرة، لكن أيضاً في موسكو، الجزائر، بيروت وبكين، غير أنها لم تأتِ بنتيجة تذكر لاعتبار موقف الصد من جانب المركز المقرر في السلطة، على خلفية – بالكاد كان يجري التستر عليها – جمعت تحت سقف هابط، بين حسابات، كما ورهانات سياسية في غير مكانها، وبين مصالح فئوية ضيقة. ■ أما فيما خص الإنتخابات العامة، فبقدر ما كان يكثر الحديث عنها، كان يبتعد إمكان حصولها؛ فمنذ إنقلاب 2007، لم تخلُ البيانات الختامية لدورات المجلسين الوطني والمركزي، وجولات الحوار الوطني، وحتى الخطابات الرسمية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورات إفتتاحها السنوية، من التأكيد على الإلتزام بإجرائها. ولعل المحاولة الجادة التي بُذلت – بغطاء خارجي ضامن، بلا ثقوب - إثر صدور مراسيم 15/1/2021 بإجراء الإنتخابات العامة( )، ومن ثم النكوص عنها لأسباب كان بالإمكان تجاوزها إعتماداً على بدائل متاحة، لا يُمكن أن تُفهم إلا في سياق التملص بوعي من إستحقاقات محطة إختبار صعبة، كان سوف يترتب على مخرجاتها غالباً، إعادة صياغة بالعمق لتوازنات النظام السياسي؛ الأمر الذي لم يكن مركز القرار الرسمي – المسكون بهاجس ما سبق أن تمخضت عنه إنتخابات 2006 – على إستعداد للقبول به، أو التعامل مع نتائجه■ 3- التمديد بالقانون بدلاً من التجديد بالإنتخاب ■ كان الإستمرار في تجنب إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية يصطدم بعقبة قانونية تتمثل بانقضاء الولاية الدستورية لرئيس السلطة الفلسطينية في 9/1/2009، والمجلس التشريعي في العام الذي يلي، أي في 25/1/2010؛ فأتى الحل – بأسلوب فوقي - لهذا الإشكال القانوني باعتماد ثلاث خطوات مترابطة: أ) تحصين موقع رئيس السلطة الفلسطينية بانتخابه رئيساً لـ «دولة فلسطين»، الموقع الرسمي الإعتباري حتى الآن، الذي يسمو مكانة على موقع رئيس السلطة، الأمر الذي تولته الدورة 21 للمجلس المركزي – 23 و 24/11/2008، أي قبل أسبوعين من إنقضاء الولاية الدستورية لرئيس السلطة. وفي هذا السياق، لم يَفُتْ المجلس المركزي في بيانه الختامي إستحضار شرعية الإستمرارية التاريخية، إستقواءً بها، فأشار إلى أن «المجلس المركزي الذي إنتخب الرئيس الشهيد ياسر عرفات في العام 1989، يتوجه بالتهنئة إلى الرئيس محمود عباس بانتخابه رئيساً لدولة فلسطين خلفاً للرئيس الشهيد ياسر عرفات،..». ب) إدراكاً منها لأهمية صون شرعية النظام السياسي الفلسطيني، مدَّت «لجنة المتابعة العربية» المنبثقة عن الجامعة العربية، والمشكلة من مصر + الأردن + السعودية + الإمارات، مَدَّت يد المساعدة، مؤكدة على أن يتابع الرئيس محمود عباس مهامه كرئيس للسلطة الفلسطينية، إلى أن تنعقد إنتخابات جديدة. وفي هذا، إستندت لجنة المتابعة إلى فتوى قانونية تجيز مواصلة المواقع المنتخبة الإضطلاع بمسؤولياتها، إلى أن تأتي الإنتخابات – عند إنعقاد شرطها - بمن يحل مكانها. ج) أما المجلس المركزي الذي سبق أن قرر «إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية» في دورته الثانية عشرة – 12/10/1993، باعتباره المرجعية العليا لهذه السلطة، فقد أخذ على عاتقه في دورة إنعقاده الـ 23- 15و16/12/2009، التمديد للمجلس التشريعي ورئيس السلطة معاً، كما تشير إلى ذلك الفقرة السادسة في البيان الختامي بعنوان - تعزيز الشرعية الدستورية الفلسطينية: «إن المجلس المركزي الفلسطيني صاحب الإختصاص الأصيل في تولي المسؤولية الوطنية، وبعد قرار لجنة الإنتخابات المركزية بعدم إمكانية إجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري في 25/1/2010 (...)، فإنه يقرر مايلي: (...) إستمرار محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير – رئيس دولة فلسطين – رئيس السلطة الوطنية المنتخب على رأس مهامه رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية لحين إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، والحرص على إلتزام الجميع بدور المجلس التشريعي وفق القانون الأساس»■ 4- حل المجلس التشريعي، خطوة مجانية مَسَّت بشرعية النظام السياسي الفلسطيني ■ في 22/12/2018، صدر مرسوم رئاسي بحل المجلس التشريعي( ) وبالدعوة لتجديد إنتخابه خلال ستة شهور من تاريخه، إستناداً إلى «قرار التفسير» - 12/12/2018 الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بشأن المجلس التشريعي، الذي إنطوى على حيثيات، نقتبس أهمها فيما يلي: إن «شرعية وجود المجلس التشريعي تكون بممارسة إختصاصاته التشريعية والرقابية، ونظراً لعدم إنعقاده منذ سنة 2007 يكون قد فقد صفته كسلطة تشريعية وبالنتيجة صفة المجلس التشريعي (...)»، وبما أنه «في حالة تعطل وغياب تام وعدم إنعقاده منذ 5/7/2007، وإنتهت مدة ولايته بتاريخ 25/1/2010 أثناء فترة تعطيله وغيابه، ومازال معطلاً وغائباً بشكل كامل حتى الآن، وبناء عليه فإن المصلحة العليا (..) تقتضي حل المجلس التشريعي، وبالتالي إعتباره منحلاً منذ تاريخ إصدار هذا القرار، ودعوة رئيس دولة فلسطين إلى إعلان إجراء الإنتخابات التشريعية خلال ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية»، علماً أن المحكمة الدستورية العليا تبت بدستورية القوانين، وليس بمصير المؤسسات الدستورية، وذلك بالإستناد إلى المادة 103 من القانون الأساسي( ). ■ إلى جانب ما يؤشر له أسلوب إصدار قرار بهذا المستوى من الأهمية دون العودة إلى المؤسسات المعنية: المركزي، التنفيذية، .. من نزوع تفردي، فإنه بحله للتشريعي، أي لمرجعية التشريع والرقابة والمحاسبة في منظومة السلطة، فهو يلغي ما تبقى من فصل بين السلطات في سياق المزيد من تركيز الصلاحيات بيد رئيس السلطة، الذي بات بمقدوره – أكثر من أي وقت مضى - أن يحتكر إدارة شؤونها بالمراسيم. ■ كما لا تفوتنا الإشارة إلى أن هذا المرسوم الرئاسي يرمي – كما هو واضح للجميع – إلى قطع الطريق أمام تطبيق المادة 37 من القانون الأساسي، التي تلحظ – في حال شغور موقع الرئاسة – تولي رئيس المجلس التشريعي – وهو في الحالة الماثلة، عضو قيادي في حركة حماس – رئاسة السلطة إنتقالياً لمدة لا تزيد عن 60 يوماً، يجري خلالها إنتخاب رئيس جديد. ■ أما على المستوى الخارجي، فقد وضع قرار حل المجلس التشريعي على مائدة البحث علاقة المجلس الوطني بالبرلمانات الأوروبية، خاصة اللجنة البرلمانية الأوروبية، التي رفضت – بداية - الإعتراف بالمجلس الوطني، وحصرت إعترافها بالتشريعي لأنه منتخب. وفي تسوية لاحقة معها، وافقت اللجنة الأوروبية البرلمانية على تمثيل المجلس الوطني بأعضاء «منتخبين» في المجلس، أي أعضاء نالوا عضويتهم في «الوطني» من خلال عضويتهم في «التشريعي». لذلك، بادرت اللجنة البرلمانية الأوروبية إلى إصدار بيان حذرت فيه قيادة السلطة بأن حل المجلس التشريعي قضى على آخر المؤسسات المنتخبة، في إشارة بدت واضحة، تحاول أن تعلق المشاركة في الأعمال البرلمانية للإتحاد الأوروبي، بانتخاب مجلس تشريعي جديد. وفي هذا الأطار أصدر الإتحاد الأوروبي – 21/1/2019 موقفاً رسمياً حول حل المجلس التشريعي، دعا فيه الحكومة الفلسطينية لإجراء إنتخابات حقيقية وديمقراطية لجميع الفلسطينيين■ 5- الإنتخابات.. بين الضغوط الخارجية والوعود الخُلَّبية ■ منذ إنقطاع النظام السياسي عن صندوق الإقتراع عام 2006، لم تتوقف الضغوط الخارجية على مركز القرار الرسمي من أجل إعادة صياغة أوضاعه بالإنتخابات العامة، إنما دون جدوى، حيث إقتصرت إستجابته على نثر الوعود الخُلَّبية وقطع الإلتزامات الصوتية، دون أن يوفر في ذلك إعتلاء أعلى المنابر- كلما سنحت الفرصة - للتأكيد على المؤكد، كما حصل عندما أعلن الرئيس الفلسطيني في 26/9/2019 بالتحديد، ومن على منصة، ليست أدنى مكانة من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن عزمه لإجراء الإنتخابات العامة، منذراً من سيعطل مسارها بالمحاسبة «أمام الله والشعب والتاريخ»(!). ■ إن هذا الإصرار على التهرب من الإستحقاق الديمقراطي – إن بالتوجه إلى الإنتخابات، أو بإنجاز توافق وطني يقود إلى إنتخابات بعد حين – لا يُمكن أن يفهم إلا من خلال التحسب لصندوق إقتراع، يقع بالتعريف خارج السيطرة السلطوية، من شبه المؤكد أن يكشف بمخرجاته حقيقة إغتراب النظام السياسي وإبتعاده عن تطلعات قطاعات واسعة من الشعب وتوقه لنظام سياسي فاعل بمواجهة إحتلال غاشم، عازم على فرض مشروع «إسرائيل الكبرى» على كامل مساحة فلسطين، ضماً لأراضيها وترحيلاً لأقصى ما يمكن من الأصلانيين من سكانها، إحتلال بات يجاهر أيضاً، عن نيته لإقامة «إسرائيل العظمى» باقتطاع مناطق سيادية واسعة من دول الجوار. ■ إن مواجهة مخططات العدو بمستوى إدراك عدوانيته المتجددة، تستوجب إصلاح النظام السياسي ضمن محددات تجمع ما بين توفير شمولية التمثيل السياسي والمجتمعي والجهوي في المؤسسات الوطنية، وبين إشاعة الديمقراطية الضامنة للتعددية والمشاركة الوطنية في إتخاذ القرار. هذه هي القاعدة التي ينبغي الإنطلاق منها في المسعى الوطني الجامع لإصلاح نظامنا السياسي، تأهيلاً وتمكيناً، لاعتماد وتحمل أعباء إستراتيجية عمل وطني، تحشد أقصى الطاقات وتنظم المواجهة الكلية لمشروع معادٍ يستهدف الوجود والكيان معاً■ 2- حلول فوقية لصون الشرعية وضمان الإستمرارية 1- الرئاسات الثلاث في النظام السياسي الفلسطيني [■ يحتل الرئيس الفلسطيني حالياً 3 مواقع رئاسية: اللجنة التنفيذية + دولة فلسطين + السلطة الوطنية الفلسطينية، لكل منها مرجعيتها الدستورية الناظمة لعملها، كما لها آلية دستورية خاصة بها لإشغالها، تجديدها أو ملء شاغرها، علماً أنه ليس بالضرورة أن يتحمل نفس الشخص المسؤوليات الثلاث، فمن حيث المبدأ بالإمكان أن تتوزع هذه الرئاسات على أكثر من جهة، لكن التقليد درج حتى الآن على الجمع بين هذه المسؤوليات، التي تنتمي معاً إلى حقل السلطة التنفيذية في مجالات متمايزة ومتلاقية في آن، ما يخلق حالة من الإنسجام فيما بينها في سياق الممارسة العملية، وفي هذا – إلى جانب النزوع الفطري لمركزة الصلاحيات في يد واحدة - يكمن منطق الجمع فيما بينها، في شخص «رئيس مثلث الرئاسات»:] أولاً- رئيس اللجنة التنفيذية ■ يُنتخب مباشرة من اللجنة التنفيذية بحسب النظام الأساسي لمنظمة التحرير، الذي لم يحدد له صلاحيات بعينها ما يجعله الأول بين متساوين، هم أعضاء اللجنة التنفيذية المنتخبين من المجلس الوطني، المخولين بدورهم لانتخاب رئيساً من بينهم، يرأس إجتماعات الهيئة ويتابع تنفيذ قراراتها. لا يلحظ النظام الأساسي بالنص موقعاً لنائب رئيس اللجنة التنفيذية، لكنه لا يستبعده، حيث سابقة إبراهيم بكر الذي تقلد هذا المنصب فيما مضى + ما ورد في المادة 19، التي بموجبها «تُنشيء اللجنة التنفيذية» الدوائر العاملة في إطارها، سواء ما ورد بالعنوان، أو عندما «ترى اللجنة ضرورة إنشائها»، ما يتسع لموقع النائب. أما فيما يخص طريقة الإعتماد بالإنتخاب من خلال التنفيذية، فمن باب أولى أن يسري على إنتخاب النائب، ما هو قائم بالنسبة لانتخاب الرئيس، لجهة عدم اللجوء لهيئة أعلى مكانة من اللجنة التنفيذية، كالمركزي أو الوطني.. ثانياً- رئيس دولة فلسطين ■ بعد أن أصدرت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني في 15/11/1988 «إعلان الإستقلال»، الذي قرر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، تم إرجاء ما يترتب على ذلك منطقياً، من إنتخاب لرئيس الدولة + تشكيل الحكومة المؤقتة، إلى المجلس المركزي للبت به، بعد الدراسة والتدقيق، الأمر الذي حصل في إطار أعمال دورته السادسة – 31/3/1989. ■ وإنطلاقاً من أولوية توفير الأدوات المناسبة لإدارة الدبلوماسية الفلسطينية في إطار ما سمي – في حينه - «مبادرة السلام الفلسطينية»، قرر المجلس المركزي في هذه الدورة، حصر الموضوع بأمرين: إنتخاب رئيس دولة فلسطين – ياسر عرفات + إعتماد رئيس الدائرة السياسية في م.ت.ف وزيراً للخارجية – فاروق القدومي. وإذا كانت مهام وزير الخارجية على رأس وزارته واضحة (سواء تشكلت من طاقم الدائرة السياسية، أو ببنيتها المؤسسية الخاصة بعد نشوء السلطة الفلسطينية، التي قامت بموازاة الدائرة السياسية إبتداءً، ومن ثم على أنقاضها بعد خروج رئيسها – فاروق القدومي من اللجنة التنفيذية)، فإن المجلس المركزي لم يحدد صلاحيات ومسؤوليات رئيس الدولة، التي بقيت إعتبارية وبحدود إستكمال إعلان قيام الدولة المستقلة التي تقتضي الإعلان عن رئيسها. وبقيت الأمور على هذا الحال، إلى أن حَلَّ التوقيع بصفة رئيس دولة فلسطين مكان توقيع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية على المراسيم الرئاسية، ما تسبب بإشكال قانوني وحتى سياسي، سنأتي عليه في الملحق المدرج في نهاية هذا القسم من الدراسة. ■ وبالمقابل، لم يتوقف المجلس المركزي في الدورة المذكورة أمام تشكيل «الحكومة المؤقتة»، تجنباً لتضارب الصلاحيات مع اللجنة التنفيذية، لا سيما أن دورة المجلس الوطني الآنف ذكرها – الدورة 19، قد غطت المسألة بقرار تم بموجبه تكليف «اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لحين إعلان تشكيل الحكومة»؛ الأمر الذي سرى مفعوله أيضاً على قرار الجمعية العامة 19/67-2012، الذي إعتمد العضوية المراقبة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. ثالثاً- رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ■ «يُنتخب (...) إنتخاباً عاماً ومباشراً من الشعب الفلسطيني وفقاً لأحكام قانون الإنتخابات الفلسطينية»، بحسب المادة 34 من القانون الأساسي، الذي «يُعمل (بأحكامه) مدة المرحلة الإنتقالية ويمكن تمديد العمل به إلى حين دخول الدستور الجديد للدولة الفلسطينية حيِّز التنفيذ»- المادة 115■ 2- آلية ملء الشغور في الرئاسات الثلاث [■ يقوم النظام السياسي الفلسطيني على 3 منظومات متفاوتة الإكتمال في مبناها المؤسسي، ولكل منها مرجعيته الدستورية الناظمة لعمله: 1- م.ت.ف بمرجعية تقتصر على النظام الأساسي للمنظمة + إعلان الإستقلال، بعد أن فقد الميثاق الوطني موقعيته بعد تجريده من مضمونه السياسي، إثر إلغاء مواده التي تتعارض مع إلتزامات أوسلو، ولم يقدم البديل؛ 2- السلطة الوطنية الفلسطينية بمرجعية القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته؛ 3- الدولة الفلسطينية بمرجعية مازالت حتى الآن تشكلها المسودة الثالثة لمشروع الدستور الفلسطيني المقدم إلى الدورة السابعة عشرة للمجلس المركزي– 8 و9/3/2003. ■ وبنتيجة غياب العملية الديمقراطية بجانبيها الإنتخابي والتوافقي، والنزوع لتقليص دور المؤسستين التشريعيتين الأم: التشريعي الذي جرى حلَّه، والوطني الذي جيّرت صلاحياته إلى المركزي بشكل مؤقت، فاستدام؛ نشأت مسألة حل الشغور الرئاسي في المنظومات الثلاث، كمسألة ذات أولوية ضاغطة، التي ستمَّس بشرعية النظام السياسي في حال عدم إجتراح الآليات الدستورية المناسبة لَحلِّها، ومنها التوجه لانتخاب نائب رئيس للجنة التنفيذية، الذي أتى بفعل ضغوط خارجية تكثفت في الفترة الأخيرة، بدليل أن هذا الأمر كان مطروحاً منذ عدة سنوات، دون أن يلقى تجاوباً:] ■ يعتبر مركز رئيس اللجنة التنفيذية، أو الدولة، أو السلطة الوطنية شاغراً في الحالات التالية: الوفاة، أو الإستقالة، أو فقد الأهلية القانونية؛ فإذا شغر المركز على مستوى اللجنة التنفيذية، تجتمع الأخيرة وتنتخب أحد أعضائها، كما حصل بانتخاب محمود عباس، إثر إستشهاد ياسر عرفات– 11/11/2004؛ وكذا الأمر بالنسبة لمركز رئيس دولة فلسطين، حيث يُدعى المجلس المركزي للقيام باللازم، دون أن يتزامن ذلك - بالضرورة – مع الإستحقاقات الرئاسية الأخرى، كما كان الحال مع محمود عباس عندما إنتخب رئيساً لدولة فلسطين– 2008، بعد أربع سنوات من إنتخابه رئيساً للجنة التنفيذية، ولاحقاً للسلطة الوطنية الفلسطينية. لذلك لا توجد حاجة – محكومة بـ «القوة القاهرة» - تستدعي دعوة المجلس المركزي ليقرر، أو ليرفع توصية باعتماد مركز النائب لهذين الموقعين تحسباً للشغور، فثمة آلية – كما أسلفنا، مجربة وفاعلة، تفي بالغرض؛ علماً أن الإعتماد المسبق لمنصب النائب لا يعني إنتقال رئاسة التنفيذية أو الدولة تلقائياً إليه، فمع وجود آلية إنتخابية محددة، ليس هناك ما يحول دون أن يرشح نفسه لأي من الموقعين أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، الخ... ■ بعد قرار حل المجلس التشريعي – 2018، لم تعد المادة 37/2 من القانون الأساسي( ) التي تحدد طريقة ملء الشغور في مركز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية صالحة للتطبيق، كونها تفترض إضطلاع رئيس المجلس التشريعي مؤقتاً بمهام رئاسة السلطة إلى أن تجري إنتخابات جديدة. وبما أن إنتخابات التشريعي لم تقع منذ قرار الحل، فقد نشأ إشكال قانوني حول كيفية حل مسألة الشغور في هذا المركز، لم يتم التوقف أمامه على إمتداد 6 سنوات(!)، إلى أن جاء الإعلان الدستوري رقم 1 لسنة 2024( ) القاضي بتولي رئيس المجلس الوطني رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً إلى أن تجري الإنتخابات... ■ مع كل الملاحظات التي يُمكن أن تُبدى على صلاحية الإعلان الدستوري في تقديم حل لمسألة الشغور في مركز رئيس السلطة الفلسطينية، حل يقوم على إنتخابات قد تتوفر أو لا تتوفر شروط حصولها، فإن الإعلان الدستوري سيحيل الموضوع – في نهاية المطاف – إلى المجلس المركزي الذي سيجترح الحل، إن بانتخاب رئيس السلطة، أو الإنتقال من «السلطة إلى الدولة»، أو غير ذلك من الأمور.. وعليه، فإن الآلية التي يقدمها الإعلان الدستوري على نواقصها بكل تأكيد، إن لم يكن عوارها القانوني – بحسب بعض أهل الإختصاص - معطوفاً على الصلاحيات الإنتخابية للجنة التنفيذية، ودائماً بمرجعية المجلس المركزي، وتعاونها مع بعضها البعض، كفيلة بضمان إستمرارية النظام السياسي – ولو إلى حين – حتى في حال عدم المقبولية من الرأي العام والقوى السياسية، لعدم وجود بديل في المدى المرئي لتعذر إجراء الإنتخابات العامة على خلفية تجمع ما بين الذاتي – رفض المركز القيادي المقرر خوض الإنتخابات، وبين الموضوعي – حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة، وحرب الضم والتهجير في الضفة■ 3- شرعية الإستمرارية بضمانة «النائب» ■ لم تعتبر الحالة الرسمية العربية ما أقدمت عليه الرئاسة الفلسطينية – بإصدار الإعلان الدستوري - كافياً لحل مسألة الإستمرارية الشرعية للنظام السياسي، وبخاصة الإحجام عن إتخاذ قرار واضح باستحداث منصب «النائب» وتعيين من يتولاه. وأتى إنعقاد القمة العربية الطارئة – القاهرة، 4/3/2025، ليوفر الفرصة السانحة للرئيس الفلسطيني ليقدم ما لديه حول ترتيب الأوضاع الداخلية، فبعد تأكيد كلمته على «مضاعفة الجهود لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية» وعلى «الجاهزية التامة لإجراء إنتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، خلال العام المقبل حال توفرت الظروف الملائمة لذلك»، الخ.. إنتقلت الكلمة إلى صلب الموضوع، من خلال الفقرتين التاليتين: • «... نعمل على إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخ دماء جديدة في المنظمة وفتح وأجهزة الدولة، وعقد المجلس المركزي الفلسطيني خلال الفترة القريبة القادمة». • «وفي هذا السياق، فقد قررنا إستحداث منصب وتعيين نائب لرئيس م.ت.ف ودولة فلسطين، واتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ذلك. وحرصاً منا على وحدة حركة فتح، قررنا إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من الحركة، واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك». ■ وإذا وضعنا جانباً ما له علاقة بـ«ضخ دماء جديدة في حركة فتح»، و«إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من الحركة» من موقع «الحرص على وحدة حركة فتح»، باعتبارها أموراً لا تخص موضوعنا، وإن عنت أن الضغوط العربية الرسمية قد شملت أيضاً أوضاع حركة فتح الداخلية(!)؛ إذا وضعنا كل هذا جانباً، من الواضح أن الرسمية الفلسطينية بعد القمة المذكورة، باتت أمام إستحقاقات محددة، لا تستطيع التفلت منها، محورها ترسيم وشرعنة مركز «النائب» الأمر الذي حصل بانعقاد دورة المجلس المركزي بعد مرور أقل من شهرين على القمة العربية الطارئة. ■ قامت الدورة 32 للمجلس المركزي – 23 و24/4/2025 بما عليها، فقررت: «إن المجلس المركزي (...) آخذاً بعين الإعتبار: 1- ما ورد في الفقرة ب من المادة 13( ) من النظام الأساسي لـ م.ت.ف؛ 2- ما ورد في المادة 16( ) من النظام الأساسي لـ م.ت.ف، يقرر: أولاً- إستحداث (مركز) نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين؛ ثانياً- يُعيَّن نائب لرئيس اللجنة التنفيذية رئيس دولة فلسطين من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة وبمصادقة أعضائها، وله أن يكلفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل إستقالته». وعلى إثر ذلك، قامت اللجنة التنفيذية بما عليها، بالمصادقة على ترشيح الرئيس، لأمين سر اللجنة التنفيذية، لهذا المنصب■ 4- إستنفاذ الحلول الفوقية لأغراضها ■ بغياب العملية الديمقراطية على مدار عقدين من الزمن، وجد النظام السياسي الفلسطيني نفسه أمام تحدٍ يومي من أجل صون شرعيته وضمان إستمراريته، وإذا كانت المواجهات والمعارك تفرض أولويات تصرف الأنظار مؤقتاً عن التوقف أمام النواقص البنيوية في أوضاع النظام، لم يعد بالإمكان – مع إستمرار هذه النواقص، إن لم يكن تفاقمها – أن يجري التمويه عليها، أو إرجاء التعامل الجدي معها؛ كما لم تعد محصلة الموقف الرسمي العربي قادرة على توفير الغطاء السياسي الكافي لنظامنا السياسي، خاصة بعد إبتعاد مستواه الرسمي عن الميدان، إثر زلزال «الطوفان» بتداعياته الكبرى، وبتأثيراته التي تجاوزت الساحة الفلسطينية، لتمس سلامة الأمن القومي لعدد من الدول العربية، ما جعلها تُقدم على التدخل في الأوضاع الداخلية الفلسطينية على نحو لم تشهده ساحة العمل الوطني منذ زمن. ■ لقد كان بإمكان القيادة المقررة في السلطة وم.ت.ف أن تتقدم نحو معالجة النواقص البنيوية في نظامنا السياسي، لولا إمعانها في إدارة الظهر للفرص المتاحة، ومنها تعطيل الإنتخابات العامة – 2021 التي كانت سوف تجدد شرعية النظام وتقيم الوحدة الداخلية في آن، لا بل أكثر من هذا، فقد ألحقت الأذى بمكانة النظام السياسي بقرار حل التشريعي – 2018، المؤسسة التشريعية الوحيدة المنتخبة من الشعب. ■ وبدورها، لم تسلم الحوارات الوطنية الشاملة المرعية من دول شقيقة (مصر، الجزائر) وأخرى صديقة (روسيا، الصين) من رفض التعامل مع نتائجها، التي كان بالإمكان أن ترسم طريق الخلاص. ولعل التعامل بعدم إكتراث مع مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي إستضافته بكين – من 21 إلى 23/7/2024، يقدم مثالاً واضحاً لسياسة الصد والرد الطابعة بميسمها لمسلك القيادة المقررة، التي رفضت التعاطي مع قضيتين مفتاحيتين كان من شأن الأخذ بهما أن يساعد بشكل جدي على الخروج من المأزق الوطني، الذي مازلنا نتخبط فيه: تفعيل الإطار القيادي المؤقت الذي يضم الكل الفلسطيني + تشكيل حكومة وفاق وطني تأخذ أيضاً على عاتقها إدارة المفاوضات غير المباشرة لوقف حرب الإبادة على شعبنا في القطاع + تشكيل مرجعية حقيقية للصيغة التي سوف تعتمد لإدارة أوضاع القطاع بعد أن تضع الحرب أوزارها( ). ■ مما سبق يتضح أن الحلول الفوقية لصون شرعية النظام السياسي الفلسطيني وضمان إستمراريته، وآخرها إعتماد مركز «النائب» لرئيس اللجنة التنفيذية رئيس دولة فلسطين، إلى جانب كونها لم تحظَ باهتمام الرأي العام الفلسطيني، لأنه لم يلمس أي نتيجة لها، فإنها لم تنجح بتخفيف الضغوط الخارجية على القيادة المقررة في السلطة وم.ت.ف لجهة مطالبتها بتجديد شرعية النظام السياسي بواسطة صندوق الإقتراع، الذي لم يعد بإمكان هذه القيادة أن ترفضه، لا سيما أنه بات من لوازم توسيع الإعتراف بالدولة الفلسطينية، التي علقتها عديد الحكومات على ضمان ديمقراطيتها( )، كما هو الحال بالنسبة لعديد الدول التي مازالت تقف على عتبة الإعتراف؛ وإن كان البعض يقصد بالديمقراطية إستثناء حركة حماس من المشاركة في مؤسسات الدولة، فإن خير وسيلة لقطع الطريق على هذا «الإملاء»، هو الإصرار على فتح باب خوض الإنتخابات على جميع القوى بدون إستثناء، التي سيعبر الشعب من خلالها عن إرادته في «رفع من يشاء وخفض من يشاء»■ ملحق في المتطلبات الدستورية للإنتقال من «السلطة إلى الدولة» ■ بعد إنتخاب المجلس المركزي رئيس اللجنة التنفيذية، رئيساً لدولة فلسطين- 2008، بدأ التوقيع بهذه الصفة يزحف، ليحل مكان التوقيع بصفة «رئيس السلطة الوطنية»، ما عنى – في حينها، وإنسجاماً مع قرارات المجلسين الوطني والمركزي، توجيه رسالة تؤكد العزم على الإنتقال بمكانة «سلطة الحكم الذاتي» إلى مكانة قانونية أرقى، مكانة الدولة المستقلة معلقة السيادة بفعل الإحتلال. ■ في هذا الإطار من المعلوم أن الجبهة الديمقراطية كانت منذ العام 1998 (أي سنة قبل إنقضاء المرحلة الإنتقالية للحكم الذاتي، وإنتهاء الفترة المحددة لإنجاز مفاوضات الوضع الدائم)، قد طالبت ببسط سيادة دولة فلسطين على أراضيها في الضفة بما فيها القدس، والقطاع، باعتبار ذلك أحد الروافع الرئيسية للتحرر من قيود إتفاقيات أوسلو، وطرحت برنامجاً متكاملاً لهذا الغرض، دعت مؤتمرها الوطني العام الرابع للمصادقة عليه. وجددت الجبهة الديمقراطية التأكيد على هذا المطلب بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة – 2012 القرار الرقم 19/67 الذي يعترف بدولة فلسطين كدولة غير عضو، ويمنحها صفة مراقب في الأمم المتحدة. ■ وبدوره، جاء المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ 23-2018، ليؤكد أن المرحلة الإنتقالية آنفة الذكر، بما إنطوت عليه من إلتزامات لم تعد قائمة؛ غير أن القرار المتخذ بهذا الخصوص لم يجد طريقه إلى التنفيذ رغم التبني اللفظي لشعار «الإنتقال من السلطة إلى الدولة»، ما سمح بتقديم التعديل المذكور على قانون الإنتخابات باعتباره تطبيقاً لهذا الشعار؛ ولكنه تطبيق عشوائي ومجتزأ، وهو يثير العديد من الإلتباسات ويخلق العديد من التناقضات في البنية القانونية القائمة. فرغم أن هذا التعديل يشير في حيثياته إلى القانون الأساسي، الذي مازال سارياً باعتباره الوثيقة الدستورية للسلطة الفلسطينية بكل مؤسساتها، فهو – أي التعديل – يتعارض مع القانون الأساسي. والتعديل – من جهة أخرى- يتعارض مع قرار المجلس الوطني الذي ينطلق من وثيقة «إعلان الإستقلال» التي قررت أن «دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا»، ليمنح صلاحية إنتخاب رئيس الدولة للمجلس الوطني نفسه الذي فوّض صلاحيته بهذا الشأن للمجلس المركزي، منذ دورته الـ 19-1988. ■ وعليه، لا بد من إيجاد صيغة لتصويب هذه الإلتباسات، من خلال التقدم بالتطبيق الجاد، والمنسجم مع ذاته، لشعار «الإنتقال من السلطة إلى الدولة» من خلال إعتماد صيغة دستورية مؤقتة، أو أي صيغة دستورية أخرى تضمن تأكيد حق دولة فلسطين في السيادة على أراضيها، وإعادة صياغة المؤسسات القائمة بما ينسجم مع تجسيد هذا الحق، عملاً بقرار الجمعية العامة الرقم 19/67. ولكن هذه الصيغة الدستورية بحاجة إلى إجماع وطني، ومن هنا أهمية الدعوة إلى طرح هذه المسألة على جدول أعمال الحوار الوطني الشامل الذي نؤكد مرة أخرى على الضرورة الوطنية القصوى لالتئامه، على أن يصار إلى إقرار هذه الصيغة مؤقتاً من قبل المجلس المركزي – بصفته مفوضاً حتى إشعار آخر بصلاحيات المجلس الوطني- وبمشاركة الكل الوطني ممثلاً بالأمناء العامين، قبل أن يُحال إلى المجلس الوطني الجديد، عند إكتمال تشكيله، بالإنتخابات حيث أمكن، وبالتوافق الوطني، حيث يتعذر ذلك■ 3- الإنتخابات ... عملية حقيقية، جدية، أم ظرفية عابرة؟ 1- قرار إيجابي، إنما مشوب بنواقص ■ في 19/7/2025 أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بشأن إجراء إنتخابات مجلس وطني جديد بناء على ما قررته اللجنة التنفيذية في إجتماعها بتاريخ 17/7، وفيما يلي البنود التنفيذية لهذا القرار: «أولاً- إجراء إنتخابات مجلس وطني جديد قبل نهاية العام 2025، وفقاً لنظام إنتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، ويحدد موعدها بقرار من رئيس اللجنة التنفيذية. ثانياً- يتشكل المجلس الوطني الفلسطيني من 350 عضواً على أن يكون ثلثا أعضائه يمثلون الوطن، والثلث الآخر يمثلون الخارج والشتات. ثالثاً- أن يكون من ضمن شروط العضوية إلتزام العضو ببرنامج م.ت.ف والتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية. رابعاً- تصدر اللجنة التنفيذية قراراً بتشكيل لجنة تحضيرية تختص باتخاذ الترتيبات اللازمة لإجراء الإنتخابات، وتكون برئاسة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ومشاركة مكتب رئاسة المجلس وأعضاء من اللجنة التنفيذية وممثلين عن الفصائل الوطنية الفلسطينية وعدد من المنظمات الشعبية والمجتمع المدني ومن الجاليات الفلسطينية في الخارج، وتحدد مهامها في قرار تشكيلها، على أن يعرض على رئيس اللجنة التنفيذية خلال مدة أقصاها أسبوعان من تاريخ صدور هذا القرار للمصادقة عليه». ■ يتضح بشيء من التدقيق أنه على سلامة وإيجابية المسعى بالدعوة إلى إجراء إنتخابات المجلس الوطني، فإن صياغة القرار أتت على عجل، وعلى ما يبدو دون التدقيق اللازم الذي تتطلبه مسألة بأهمية إنتخابات طال إنتظارها، يجري تعليق الآمال الكبرى على وقوعها؛ فالقرار بما نَصَّ عليه يجمع في بعض فقراته.. أ) ما بين «غير الواقعي»، فكيف لانتخابات ميدانها الداخل والخارج أن تنجز في غضون خمسة شهور وحرب الإبادة والضم والتطهير العرقي على شعبنا مازالت مستعرة في الضفة والقطاع؟ ب) وبين «غير القانوني»، حيث أقرت الهيئات المعنية في م.ت.ف وصولاً إلى المجلس الوطني تشكيله من 350 عضواً على قاعدة 150 للداخل – وليس الثلثين، و200 للخارج – وليس الثلث. ج) و«غير الميثاقي»، حيث الإقصاء لممثلي الرأي السياسي الآخر بدعوى عدم «الإلتزام بالإلتزامات الدولية للمنظمة»، أي إتفاقيات أوسلو، أو غيرها من الأمور؛ الأمر الذي يتعارض مع المادة 4 الميثاقية للنظام الأساسي: «الفلسطينيون جميعاً هم أعضاء طبيعيون في م.ت.ف..»، ما ينطبق بالضرورة على جميع ممثليهم المنتخبين، الذين ليس المطلوب منهم سوى الإلتزام بـ «م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني + إعلان الإستقلال + النظام الأساسي للمنظمة + قانون الإنتخابات المقر منذ العام 2013». ■ وأتى «القرار بشأن إعتماد اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني» - 31/7/2025، ليؤكد على ثغرات القرار السابق ذكره، إن لجهة توزيع أعضاء المجلس على الداخل والخارج (الفقرة 5)، أو ما يؤدي إلى الإقصاء بسبب من «الرأي السياسي» (الفقرة 7)■ 2- المشاورات لا تحل مكان الحوار الوطني ■ إلى جانب نواقص القرارين الرئاسيين المشار إليهما، الصادرين في 19 و31/7/2025، يثير الإستغراب إفتقادهما معاً إلى تناول موضوعة الحوار الوطني الشامل، الذي يؤمن الأرضية ويوفر شرط إنجاح الإنتخابات بأجواء توافقية، تسهم بتقديم شعبنا ومؤسساته الرسمية إلى العالم، شعباً يملك القدرة على الإدارة المستقلة لشئونه وعلى تقرير مصيره بنفسه، وتشكيل مؤسساته في أجواء من الديمقراطية والتوافقات الوطنية. إن الحوار الوطني المنشود، كما درج عليه – بجدوى مشهودة وفعالية مختبرة – التقليد العريق المتبع منذ إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، الذي يُستدعى عند المحطات الوطنية الفاصلة، هو الذي يترأسه رئيس اللجنة التنفيذية ويضم الأمناء العامين وسائر أعضاء اللجنة التنفيذية ومكتب رئاسة المجلس الوطني وشخصيات وطنية فاعلة، تشكل مخرجاته خطة عمل اللجنة التحضيرية المتوافق على تشكيلها. ■ لقد راكمت الحركة الوطنية الفلسطينية ما يكفي من الخبرة والتقاليد والقيم، عززت لديها روح الحوار الوطني بين أطرافها، خاصة عند الإستحقاقات الوطنية الكبرى، كالدعوة لانتخابات وتشكيل مجلس وطني جديد، بما يُمَكِّنها من مواجهة الإستحقاقات الصعبة المقبلة على شعبنا، بقوة وثبات. ومن هنا الدعوة إلى حوار وطني شامل، يعزز التفاهمات، ويزيل العقبات أمام الوصول إلى إنتخابات ديمقراطية وشفافة، يشارك بها الكل الفلسطيني، تنتج مجلساً وطنياً، يمثل تمثيلاً صادقاً كل الفئات السياسية والنضالية الفاعلة والمؤثرة في ساحة العمل الوطني، ويكرس – تالياً – معادلة رابح / رابح بالنسبة للجميع. ■ إن اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني، الذي من المفترض أن تتمثل فيها جميع القوى، هي هيئة معنية باتخاذ الترتيبات الإدارية والتنظيمية الكفيلة بإنجاح الإنتخابات، وليست هي المعنية بإدارة الحوار الوطني، الذي هبط قرار 31/7 بمستواه عندما صَنَّفه ضمن دائرة «إجراء المشاورات مع القوى السياسية» النازعة لسلوك ينحكم عادة لقاعدة «شاورهم، خالفهم»، حبلها طويل، وليست منضبطة لمخرجات ملزمة■ 3- الدور التصويبي للجنة التحضيرية ■ حيال قرار الدعوة لانتخابات المجلس الوطني وتشكيل اللجنة التحضيرية، تلاقت فيما بينها مواقف عديد القوى والشخصيات التي جمعت بين الترحيب بالدعوة وبين تأكيد الحرص على أن تستوفي شروطها وطنياً وبما يجعلها محطة جامعة تنأى بنفسها عن الإقصاء، فمن حق كل فلسطيني كفرد أو كمجموعة أفراد منخرطين في مؤسسة مهما كان عنوانها، أن يشارك في العملية الإنتخابية ترشيحاً وتصويتاً، على أن يوافق على الإلتزام بالنقاط الأربعة السابق ذكرها: وحدانية التمثيل + إعلان الإستقلال + النظام الأساسي + قانون الإنتخابات. ■ ضمن هذه الأجواء، التي إنداحت بتأثيراتها على الجميع، إنعقد الإجتماع الأول للجنة التحضيرية 7/8/2025، صدر عنها بيان ذهب بالإتجاه الصحيح باعتماد عدد من القضايا المهمة التي سبق أن أثارت إنتقادات واسعة لقراري 19 و31/7: 1- الإلتزام بأن «تجري الإنتخابات بعد وقف الحرب بشكل نهائي وإعطاء فترة تعافي خلال عام من وقف الحرب وتوفير البيئة المناسبة لإجراء إنتخابات في القدس والقطاع والضفة الغربية»؛ 2- «إبقاء باب الإنضمام للجنة مفتوحاً لفصائل م.ت.ف التي لم تنضم حتى الآن»؛ 3- «إجراء الإنتخابات طبقاً لقانون المجلس الوطني الفلسطيني المقر من المجلس الوطني، ومصادقة رئيس اللجنة التنفيذية عليه»، حيث التحديد الواضح لعضوية المجلس الوطني – 350، منهم 150 يمثلون شعبنا في الضفة بما فيها القدس + قطاع غزة، و 200 يمثلون الشتات الفلسطيني في جميع مناطق تواجده■ 4- الإنتخابات .. إعمل لها، وكأنها اليوم، وليس غداً ■ ويبقى السؤال الكبير هو: هل نقف فعلاً أمام إستحقاق إنتخابي حقيقي، أم دعوة سرعان ما سوف تذروها الرياح ملتحقة بسابقاتها التي إنتفخ بها أرشيف المحفوظات؟ ومن هذا السؤال المركزي تتناسل أخرى: هل ستجري هذه الإنتخابات أم يستعاض عنها بتعيينات توافقية؟ وهل ستكون هذه التوافقات شاملة للقوى، أم تشرك البعض وتستثني آخرين؟ وهل ستشارك – أصلاً – جميع القوى في هذه الإنتخابات، أم ستقتصر على عدد منها؟ هل عدم التطرق إلى إنتخابات خاصة بالتشريعي تعني أنه سيتم إسقاطه من مكونات النظام السياسي، فيحل مكانه المجلس الوطني بالمركزي المنبثق عنه؟ الخ.. وعلى هذا: • يجيب البعض أن النظام السياسي الحالي يقف أمام خيارين: فإما أن يجدد نفسه ديمقراطياً أو يذهب إلى المهوار، ومن هنا لا خيار أمامه سوى الإقدام على الإنتخابات. • ويجيب البعض الآخر أن الغرض من هذه الدعوة يجمع ما بين الحاجة الملحة لتجديد النظام السياسي، وبين الإستجابة للضغوط الخارجية، وتجهيز الحالة الفلسطينية لاستقبال المزيد من الإعترافات بالدولة الفلسطينية باعتبارها دولة مستقلة وديمقراطية في آن؛ • والبعض الثالث يجيب أن كل ما يجري حالياً – في ظل إستمرار حرب الإبادة في غزة – لا يتجاوز حدود «اللعب في الوقت الضائع»، حيث لا إسقاط لتصورات، ولا إطلاق لمبادرات، ولا إجتراح لمشاريع قبل أن تصل الحرب إلى نهايتها، ... ■ هذه الأسئلة وغيرها مهمة بطبيعة الحال، وليس من باب هدر الوقت التوقف أمامها لتقديم ما تيسر – إن تيسر – من إجابات عليها؛ لكن كل هذا لا يعفي من إدراك الحقيقة الجوهرية التالية: الممر الإجباري لتجديد نظامنا السياسي المتهالك هو العملية الديمقراطية بشقيها المتلازمين: صندوق الإقتراع + التوافق الوطني، وبالتالي لا يجب أن نفوّت أي فرصة لكي يتم التعاطي الجدي معها، حتى لو كان إحتمال حصولها ليس مؤكداً، خاصة في الظرف الذي نعيش، الذي لم تتبلور فيه بعد شروط تكوّن خيارات أخرى، خيارات حقيقية تضمن تثبيت أقدامنا على أرض صلبة، ننطلق منها لارتياد آفاق الوحدة الداخلية، والفعالية النضالية .. (وللبحث صلة). ■ وأخيراً، وليس آخراً؛ فإن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إنطلاقاً من حرصها الأكيد على إنجاح إنتخاب وتشكيل مجلس وطني جديد، فاعل ومؤثر، يتحمل مسؤولياته الوطنية في مرحلة شديدة التعقيد، وطنياً وإقليمياً، ومن موقع دأبها على تحويل عملية الإنتخابات وما يواكبها من تفاهمات إلى محطة توافقية تتجاوز من خلالها فصائل العمل الوطني، أقصى ما يمكن من خلافات وتباينات، وحرصاً منها على ألا تشكل هذه المحطة مكاناً لبث الفرقة ولمزيد من الإنقسام في المجتمع الفلسطيني وقواه الوطنية، فإنها تعيد التأكيد على دعوتها لشمول عضوية اللجنة التحضيرية لجميع القوى الفاعلة، كما وإلى حوار وطني شامل على أعلى المستويات، يعزز إرادة الوصول إلى إنتخاب وتشكيل مجلس وطني جديد، يمثل الكل الفلسطيني■ مطلع أيلول (سبتمبر) 2025 هامش ■ بعد صدور القرارين الرئاسيين بالدعوة لإجراء إنتخابات المجلس الوطني وتشكيل اللجنة التحضيرية – 19 و31/7/2025، وبعد الإجتماع الأول للجنة التحضيرية – 7/8، وفي 16/8 بالتحديد، صدر مرسوم رئاسي يحمل الرقم 4 «بشأن تشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت للإنتقال من السلطة إلى الدولة»، وهو أمر ينسجم مع عديد القرارات الصادرة عن المجلسين الوطني والمركزي، وبالتالي لا ملاحظات عليه من زاوية القضية التي يطرح؛ وعليه، أين المشكلة إذن؟ المشكلة تكمن في أن اللجنة التحضيرية تصدت لمهمة متابعة أعمال «لجنة صياغة الدستور المؤقت»، وإعتبرت نفسها مرجعيتها ومن ضمن اللجان العاملة في إطارها؛ علماً أن هذه المهمة سبق أن حددت الدورة 17 للمجلس المركزي – 2003 مرجعيتها المباشرة باللجنة التنفيذية وبالتشاور مع اللجنة القانونية للمجلس الوطني( ) (لاحظ: ليس اللجنة القانونية العاملة في إطار اللجنة التحضيرية المعنية بمهمة «دراسة نظام الإنتخابات»، وليس أي موضوع آخر). وفي هذا الإطار يجدر التذكير أن الرئيس محمود عباس قد أصدر قراراً رئاسياً يحمل الرقم 102 بتسمية رئيس المجلس الوطني – سليم الزعنون في ذلك الوقت - رئيساً للجنة الدستورية. ولعل اللجنة التحضيرية نفسها قد فوجئت بإضافة «لجنة الدستور» إلى جدول أعمالها، بدليل أنها لم تلحظ هذه اللجنة ضمن هيكليتها، حيث إقتصر تشكيل اللجان في إجتماعها الثاني– 14/8، أي قبل يومين من صدور المرسوم الرئاسي، على تشكيل 4 لجان: القانونية + الإنتخابات + التواصل + المغتربين والشتات؛ لم تكن اللجنة الدستورية في عدادها. وفي كل الأحوال فإن من مصلحة عمل اللجنة التحضيرية، خدمة لأولوية إجراء الإنتخابات، أن تستقل بعملها عن عمل اللجنة الدستورية ذات الأجندة الخاصة بها، والتي لا صلة لها «بعدة الشغل» الخاصة بانتخابات المجلس الوطني؛ وفي هذا الإطار نعتبر إقحام «التحضيرية» في حقل أشواك «الدستورية» محاولة – نفضل أن نعتبرها غير مقصودة – لن يكون تأثيرها المباشر سوى حرف «التحضيرية» عن مهامها، وإخراجها عن السكة التي تحدد وظيفتها■
#فهد_سليمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا نراهن على الموقف الأمريكي في غزة والضفة والجدال حول مآلات
...
-
في الذكرى ال 56 لتأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين كلمة
...
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
-
في ذكرى الرحيل..
-
الياس خوري.. اللبناني، الذي اختار فلسطين قضية
-
على خلفية إستراتيجية «التطبيع» ، المقاومة في مواجهة «حرب الإ
...
-
على خلفية إستراتيجية «التطبيع» المقاومة في مواجهة «حرب الإست
...
-
فهد سليمان : نخوض حرب إستنزاف، ستشكل نتائجها عنصراً رئيسياً
...
-
فهد سليمان: نخوض حرب إستنزاف، ستشكل نتائجها عنصراً رئيسياً ف
...
-
تمر قضيتنا بمرحلة مشارفة آفاق الحرية والإستقلال
-
طلال أبو ظريفة: لسنا هوية تبحث عن مكان، بل مناضلون من أجل حر
...
-
ثلاثة شروط لصمودنا ونجاحنا في كسر العدوان: المقاومة والوحدة
...
-
اجتياح رفح لن يغيّر من حقيقة الميدان، إلا بزيادة أعداد الشهد
...
-
فهد سليمان: سننتصر على العدوان في غزة، ومستقبل القطاع أمر وط
...
-
نحن في حالة حرب مع الاحتلال ما زالت تداعياتها الكبرى تتوالى
...
-
في الحرب والسياسة فلسطين والإقليم بعد «طوفان الأقصى» - حرب ت
...
-
فهد سليمان: حرب «طوفان الأقصى» (7/10/2023) هي الحرب الإقليمي
...
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
-
فهد سليمان يقدم رؤية الجبهة الديمقراطية لوقف إطلاق النار وضم
...
-
إنه «الضم» .. يا ذكي !
المزيد.....
-
قتلى وجرحى والشرطة تطلق النار.. -احتجاج الجيل زد- في نيبال ي
...
-
تورط مواطن أردني في -القتال- بصفوف الجيش الروسي يثير تساؤلات
...
-
إطلاق مشروع -مراسي البحر الأحمر- بشراكة مصرية إماراتية سعودي
...
-
7 قُصَّر جزائريين يصلون عبر قارب صغير إلى جزيرة إيبيزا الإسب
...
-
بين وعود الإصلاح واستمرار التجاوزات: سوريا تواجه شكوكًا حول
...
-
عقوبات واستدعاء السفيرة .. غزة تفجر أزمة بين إسبانيا وإسرائي
...
-
ترامب يهاجم حفظ السلام.. هل تتخلى واشنطن عن أمن أفريقيا؟
-
تنديد أممي بالقتل الجماعي في غزة
-
شهيد في جنين والاحتلال يحاصر رام الله والبيرة
-
10 قواعد ذهبية للحفاظ على هدوئك في مجموعات المدرسة على واتسا
...
المزيد.....
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
/ سعيد مضيه
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
/ سعيد مضيه
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
/ سعيد مضيه
-
تمزيق الأقنعة التنكرية -3
/ سعيد مضيه
-
لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي
/ سعيد مضيه
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|