أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - عندما تخون العتبات المضمون: الإيحاء التناصي بين البراعة الفنية و النفاق الأدبي














المزيد.....

عندما تخون العتبات المضمون: الإيحاء التناصي بين البراعة الفنية و النفاق الأدبي


السعدية حدو
قارئة مهتمة بنقد نقد تحليل الخطاب

(Saadia Haddou)


الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 04:52
المحور: الادب والفن
    


مقدمة: إغراء الذاكرة والوعد

في عالم الأدب، تمتلك العتبات – العناوين والتقديمات – قوة سحرية غادرة. إنها بوابات لا تُدخل القارئ إلى عالم النص فحسب، بل تزرع في ذهنه وعوداً قد ترفعه إلى عنان السماء أو تسقطه من علياء التوقع إلى حضيض الخيبة. واحدة من أخطر هذه الاستراتيجيات هي تلك التي تستفز ذاكرة القارئ الجمعية، مستدعيةً ظلال نصوص عظيمة سابقة، في عملية نقدية معقدة تُعرف بـ **"الإيحاء التناصي"**. هذه التقنية سيف ذو حدين؛ قد تكون ذروة البراعة، أو تهوي إلى حافة النفاق.

1. الوعد: عقد قرائي طموح

يبدأ الأمر بلمسة ذكية: عنوان يتردد صداه في أذن المطالع، مشابهاً في بنيته أو موسيقاه لعمل أدبي خالد. هذا ليس صدىً عشوائياً، بل هو **استدعاء مقصود**. المؤلف لا يختبئ هنا، بل يرفع سقف توقعات قارئه فوراً، معلناً دخوله في حوار مع عملٍ راسخ في الوجدان الأدبي. هو يعد قارئه ضمناً: "ما سأقدمه لك سيكون بنفس مستوى العمق والجدية و الجودة التي تعرفها من ذلك العمل العظيم". في التقديم، قد يتصاعد هذا الوعد ليصبح بياناً تجريبياً صريحاً: وعودٌ بثورة على اللغة، أو بتقنيات سردية غير مألوفة، أو بتأمل وجودي يلامس جوهر القلق الإنساني. في هذه اللحظة، يولد عقد غير مكتوب بين الطرفين، مبني على الثقة والانتظار.

2. الخيانة: الفجوة الجمالية بين الوعد والتوصيل

لكن الكارثة تكمن في ما يأتي بعد ذلك. فجأة، يكتشف القارئ أن البوابة العظيمة لم تؤدِ إلا إلى غرفة عادية.

الانزياح من التجريدي إلى الملموس: يتبخر العمق الفلسفي أو التأملي الذي بشّر به العنوان، لتحل محله حبكة درامية تقليدية أو سرد واقعي اجتماعي، قد يكون جيداً بحد ذاته، لكنه ليس ما وُعد به.
موت المشروع التجريبي: الوعود بتحطيم قوالب اللغة أو السرد تختفي، لتعود الكتابة إلى أسلوبها التقليدي الآمن، من دون أي جرأة حقيقية.
الاستغلال دون إثراء: يتحول الإيحاء من حوار بين نصين إلى **استغلال لوهم القارئ**. العمل الجديد لا يضيف رؤية جديدة أو يتفاعل بإثراء مع النص الأصلي، بل يكتفي بركوب شهرته وجاذبيته كـ"طعم" تسويقي.

هنا تتحول التقنية من براعة إلى نفاق. يشعر القارئ بأنه **خُدع**. لقد جُذب بوعد لقاء فكري رفيع، ثم قُدم له طبقٌ عادي. هذه **خيانة جمالية** لقارئ جاء بحثاً عن حوار مع العظمة، فوجد نفسه في حوار مع الرداءة.

3. بين البراعة والنفاق: خط رفيع

لا يعني هذا أن كل إيحاء تناصي هو نفاق. فهو يصبح براعة فنية حقيقية عندما:
يكون الحوار ندياً: عندما يقدم العمل الجديد عمقاً ورؤية يماثلان أو يتجاوزان النص المستدعى.
يوجد تحويل وإضافة: عندما لا يكون الاقتباس مجرد نسخ، بل أخذ الفكرة وتهجينها مع ثقافة أو سياق أو رؤية جديدة، لإنتاج معنى مغاير ومبتكر.

تكون النية شفافة وصادقة: عندما يكون الهدف هو إثراء المكتبة الأدبية، وليس مجرد اصطياد إعجاب سريع باستغلال اسم عمل شهير.

الفرق الجوهري هو **النزاهة الفنية**. البراعة تحترم ذكاء القارئ وتثريه، بينما النفاق يحتقر هذا الذكاء ويستغله.

الخاتمة: مسؤولية العتبة

في النهاية، العتبات ليست مجرد ديكور أو غلاف؛ إنها **عقد ثقة**. الإيحاء إلى نصوص عظيمة هو استراتيجية محفوفة بالمخاطر، تزيد من مسؤولية الكاتب، لا تقلصها. على الكاتب أن يسأل نفسه: هل أنا مستعد للوقوف في نفس القاعة التي يقف فيها ذلك العمل العظيم؟ هل لدي ما أضيفه حقاً إلى هذه المحادثة الخالدة؟

إذا كان الجواب لا، فمن الأفضل له أن يختار بوابة أقل روعة، لكنها أكثر صدقاً. لأن خيانة ثقة القارئ، عبر إغرائه بوعد كاذب، هي ليست مجرد خطأ فني، بل هي **إخلال أخلاقي** بقدسية الحوار بين الكاتب والقارئ، وقد تكون أشد إيلاماً من تقديم عمل بسيط من دون أي وعود على الإطلاق. ففي الأخير، الخيبة من جمال لم يتحقق، أشد قسوة من الرضا بواقع متواضع صادق.
سكر ***



#السعدية_حدو (هاشتاغ)       Saadia_Haddou#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الو ...
- بين التجريب والسطحية: تعدد الأصوات والتكلف اللغوي في الأدب ا ...
- لاكان : تفكيك الخطاب النظري
- - التفكيك كاستراتيجية نقدية: دريدا/ فوكو/ بارت
- لاعب النرد: قصيدة نقدية
- -فن الرواية- بوصفها مقاومة وجودية: قراءة في رؤية ميلان كوندي ...
- شرعنة الرداءة
- -سوناتا الغراب- بين السيرة الذهنية والوهم الروائي: سؤال التج ...


المزيد.....




- محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ ...
- -بيت العبيد- بالسنغال ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي
- وزير الثقافة يفتتح معرضا للفن التشكيلي وجدارية أيقونة القدس ...
- -شومان- تعلن الفائزين بجائزة أدب الأطفال لعام 2025
- موغلا التركية.. انتشال -كنوز- أثرية من حطام سفينة عثمانية
- مريم أبو دقة.. مناضلة المخيمات التي جعلت من المسرح سلاحا للم ...
- هوليود تكتشف كنز أفلام ألعاب الفيديو.. لماذا يعشقها الجيل -ز ...
- الموسيقي نبيل قسيس يعلم السويديين والعرب آلة القانون
- صانعو الأدب ورافضو الأوسمة.. حين يصبح رفض الجائزة موقفا
- -الديفا تحلّق على المسرح-..أكثر من 80 ساعة عمل لإطلالة هيفاء ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - عندما تخون العتبات المضمون: الإيحاء التناصي بين البراعة الفنية و النفاق الأدبي