أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - هل الشعوب الغربية شعوب متخلفة؟















المزيد.....


هل الشعوب الغربية شعوب متخلفة؟


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1821 - 2007 / 2 / 9 - 12:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جاءني صديق لزيارتي منذ يومين، ثم قال لي هل شاهدت ما حدث في إيطاليا بسبب كرة القدم يوم الجمعة الماضي؟, قلت له: نعم شاهدت بعض اللقطات من أحداث الشغب التي حدثت أثناء مباراة كرة القدم بين فريق (كاتانيا)، وفريق (باليرمو) الإيطاليين، وقرأت في بعض الصحف أنه راح ضحيتها أحد رجال الشرطة، وكان هذا ثاني شخص يفقد حياته خلال أسبوع بسبب كرة القدم الإيطالية.

ثم قلت له: هل من جديد؟. فقال: إن بعض وكالات الأنباء ذكرت يومها أن حوالي مائة شخص أصيبوا من جراء أحداث الشغب، فضلا عن أن هناك شرطي آخر يصارع الموت في المستشفى. وقالت السلطات الإيطالية أنها ستؤجل المباريات المحلية والدولية لأجل غير مسمى، وقال رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي في بيان: يجب أن نبعث برسالة واضحة وهي أننا يجب أن نوقف هذا النوع من التدهور الرياضي الذي يتكرر حدوثه.

فقلت له يا صديقي: وما الغريب في ذلك؟، هذا شيء عادي يحدث في معظم مباريات كرة القدم حول العالم.

فرد علي قائلا: وهو ينظر إلي بذهول واستغراب، كيف تقول أنه شيء عادي؟ أين الحضارة والإنسانية التي يحدثونا عنها في الغرب؟، إن الشعوب الغربية شعوب متخلفة، انظر كيف يزهقون أرواح الناس بسبب مباراة لا ناقة لهم في ربحها ولا جمل، أليس هذا تخلف؟؟.

ثم طلب مني صديقي أن ندخل على شبكة الإنترنت ليريني بعض المقالات حول ما يحدث في الغرب من أحداث عنف بسبب مباريات كرة القدم، فدخلنا على شبكة الإنترنت وقام بعرض بعض المقالات والأخبار حول هذا الموضوع، وقال لي: اقرأ هذا الخبر على موقع (bbc) وكان الخبر كالتالي:

# اعتقال حوالي 400 شخص على خلفية مباريات كأس العالم:
أوقفت الشرطة الألمانية أكثر من 400 شخص بعد وقوع اشتباكات على خلفية مباريات كأس العالم بين فريقي ألمانيا -الدولة المضيفة- وبولندا. وبعد قضاء ليلة في السجن اُطلق سراحهم جميعا باستثناء ثلاثة، إلا ان هناك أكثر من مئة منهم سيتم استدعاؤهم مجددا لاستكمال التحقيقات معهم في قضايا نشل وإيذاء جسدي. فقد تم توقيف حوالي 60 مشاغبا بولنديا خلال النهار بعد أن ضبطتهم الشرطة البولندية التي تعمل بالتنسيق مع الضباط الألمان. وكان يُنتظر أن تكون هذه المباراة التي ربحتها ألمانيا بنتيجة 1-0 مصدرا محتملا للشغب نظرا لماضي البلدين أيام الحرب ولارتباط لعبة كرة القدم بين البلدين بوقوع أعمال عنف في الفترة الأخيرة.
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_5083000/5083654.stm

# ثم قال لي واقرأ أيضا هذا الخبر أيضا على موقع (bbc) وكان الخبر كالتالي:

مؤتمر لمنع العنصرية بين المشجعين:
تستضيف السفارة البريطانية في برلين مؤتمرا لمناقشة العنصرية وأحداث العنف بين مشجعي وعشاق كرة القدم. المؤتمر يُعقد في أعقاب الاعتداء على رجل ألماني من أصول أفريقية مما أدى الى اصابته بغيبوبة.
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_4977000/4977108.stm

# ثم قال لي واقرأ أيضا هذا الخبر على موقع (الزمان) وكان الخبر كالتالي:

شغب كرة القدم ظاهرة اجتماعية دموية :
قال (فرانك تايلور) رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية عام 1985 والذي كان يعمل آنذاك محررا رياضيا في جريدة (الديلي ميرور) الانكليزية: ان كرة القدم اوجدت خلال النصف الثاني من القرن العشرين فئة من البشر تنقلب الي شيء اقرب الي الحيوانات في تصرفاتهم بعد خروجهم من ملعب كرة القدم وفريقهم قد مني بخسارة لا فرق عندهم في ان يكون فريقهم مستحقاً للخسارة ام غير مستحق!.... لهذا شاع الشغب وكثر التعصب وزادت المشاكل قبل اقامة المباريات وخلالها وبعدها، وشهدت ملاعب عديدة في انحاء اوروبا والعالم مآسي ما بعدها مآسي.

# ضحايا:

ولعل اشهر حادثة شغب معروفة في ملاعب العالم هي تلك المأساة التي حدثت في ملعب (هيسل) البلجيكي وراح ضحيتها مئات المشجعين الابرياء الذين انهار بهم مدرج الملعب وسحقتهم الاقدام نتيجة الافعال الجنونية الاجرامية التي قام بها المئات من (الهوليغانز) الانكليز، وآخر ضحاياهم كانا اثنين من مشجعي نادي ليدز يونايتد اللذين قضيا نحبيهما بعد مباراة النادي الانكليزي امام غلطة سراي التركي في بطولة الكأس الاوروبية التي جرت في استانبول حيث جرت اعمال عنف تحطمت اثرها العديد من واجهات المحلات والاسواق... والامثلة كثيرة!.

# حرب الـ100 ساعة:

لكن اشهر حادثة علي الاطلاق والتي كانت كرة القدم سببا فيها هي تلك الحرب الضروب التي نشبت بين دولتين جارتين هما (هندوراس والسلفادور) عام 1970، ففي تصفيات كأس العالم للقارة الامريكية كان يتوجب علي فريقي هندوراس والسلفادور خوض مباراة فاصلة بينهما لحسم الموقف في اعلان الفريق الذي سيشارك في نهائيات كأس العالم. وكان روبرتو كوردونا لاعب هندوراس هو الذي اشعل فتيل الحرب بين الدولتين حين وضع كرته في مرمي فريق السلفادور في الدقيقة الاخيرة من المباراة، هذه الكرة كانت ايذانا بقيام طائرات السلفادور الحربية بقصف مدن ومنشآت هندوراس في حرب شعواء استمرت (100 ساعة) خلفت وراءها اكثر من 4000 قتيل و12000 جريح اضافة الي تدمير آلاف الدور السكنية بحيث فقد اكثر من 50 الف شخص بيوتهم نتيجة الحرب!.
هدف روبرتو كوردونا القاتل الذي اشعل الحرب بين دولتين كان سببا في فاجعة اخري، فالكرة التي سددها هذا اللاعب بقدمه وهز بها شباك مرمي السلفادور حرك الشعور الوطني (اميليا بولونياس) الفتاة السلفادورية ذات الـ18 عاما، حين تحركت من امام شاشة التلفزيون حيث كانت تراقب المباراة نحو (مسدس) والدها واطلقت النار علي رأسها لتفضي في الحال، ومع الغارات الجوية والحرب بين بلادها وهندوراس سار الآلاف في جنازتها في شوارع العاصمة (سان سلفادور) بصمت رهيب!.
http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/01-18/a99396.htm

ثم قال لي واقرأ هذا الخبر على موقع إيلاف بتاريخ 4 نوفمبر 2006 وكان الخبر كالتالي:

قوة أمنية لمواجهة العنصرية بالملاعب الألمانية :
(اتفق مسؤولو كرة القدم في ألمانيا في اجتماع عقد بين مسؤولي الاتحاد الالماني للعبة ، ورابطة أندية الدوري الالماني (بوندسليجا) في مدينة فرانكفورت على تشكيل " قوة مهام" لمكافحة الشغب والعنصرية في الاستادات الالمانية وحولها. وجاء هذا الاتفاق عقب ما شهدته الملاعب الالمانية من أحداث شغب من قبل مشجعين بالاضافة إلى هتافات عنصرية ونازية ضد اللاعبين الاجانب خاصة من افريقيا السوداء في عدد من المباريات خلال الموسم الحالي.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Sports/2006/11/188420.htm

وبعد أن قرأنا كل هذه الأخبار وغيرها الكثير، قال لي صديقي ما رأيك فيما قرأت أليست الشعوب الغربية شعوب متخلفة؟؟.

فقلت له: متخلفة؟؟!!. أليس من الإجحاف أن تصف كل الشعوب الغربية بالتخلف؟ ثم إذا كانت الشعوب الغربية متخلفة فماذا نكون نحن الشعوب العربية والإسلامية، هل نحن شعوب متحضرة؟؟.

ثم قلت له: يا صديقي هون على نفسك فكل ما قرأته هو إفراز طبيعي للثقافة الغربية، فهذه المجتمعات تسود فيها الحرية بصورة شبه مطلقة، ولديها أيضا جانبا كبيرا من القيم الإنسانية، فليس كل الشعوب الأوروبية تفعل ما فعلت بعض المجموعات من مثيري الشغب، بل هناك الكثير والكثير من مثقفي هذه الشعوب الغربية من يستنكر هذه الأفعال وهذه السلوكيات ولا يرضى بها إطلاقا.

يا صديقي يبدو أنك تنطلق في حكمك على الشعوب الغربية من نفس المنطلق الذي ينطلق منه بعض الكتاب العرب المبهورين والمصدومين بالغرب حين زاروا الغرب للمرة الأولى، وحين رأوا الحضارة والحرية التي ينعم بها الغرب، والتي لم يتعودوا عليها من قبل في بلدانهم العربية والإسلامية، يا صديقي العزيز الغرب هم بشر ككل البشر ليس جميعهم ملائكة وليس جميعهم شياطين، فالمجتمعات الغربية ما نالوا ما هم فيه من حرية وإنسانية وحضارة إلا بالدماء والثورات على الاستبداد والظلم والطغيان، فالغرب لم ينل ما ناله بالمقالات ولا بالصراخ ولا بالشتائم والسباب.

يا صديقي: أنا أعتقد أن من شوه صورة المجتمعات الغربية في عينيك هم أولئك الذين انبهروا بالغرب وصدموا لما شاهدوه من حضارة وإنسانية، فراحوا يصوروا الغرب لمن لم ير الغرب على أنه واحة من القديسين والملائكة والأبرار بينما أنت ومجتمعاتك واحة للأشرار والشياطين والكائنات البدائية المتخلفة، فأنت وانطلاقا من هذه الصورة المبالغ فيها من قبل بعض العرب المستغربين، قمت بتلقف أي خبر سيئ يحدث في الغرب ورحت تهلل من أجل تشويه صورة الغرب كل الغرب، يا صديقي، في الغرب الكثير والكثير من عامة الناس والمثقفين والعلماء المحترمين والمهذبين، يا صديقي، الغرب فيه حضارة وحرية وإنسانية لا يمكن أن تجد منها شيئا في بلدانك إطلاقا.

فقاطعني صديقي قائلا: فماذا لو حدثت أحداث الشغب تلك في بلد عربي أو إسلامي؟؟ ماذا لو حدثت تلك الأحداث في مصر أو السعودية أو الباكستان مثلا؟؟ هل كان العلماء والعوالم والكتاب والكاتبات الذين يؤلهون الغرب ويقدسونه سيصمتون هذا الصمت المدوي أمام هذه الظاهرة؟؟، هل كانت المقالات والمقامات والتواشيح والمآتم والردح سينتهي قبل ستة أشهر؟؟؟.

ثم قال لي: لقد تابعت كثيرا من المواقع الإلكترونية وبعض الصحف المتحضرة المستنيرة، فلم أجد كاتبا واحدا من كتابنا العرب المتحضرين المستنيرين الأفذاذ قد كتب حرفا واحدا حول هذا الموضوع، وكأن بهم صمت القبور، وكأن شيئا لم يحدث على الإطلاق، فأين هم الكتاب المتغربين المستنيرين المتحضرين العرب ليعلقوا على هذا الخبر؟؟، أين الذين يسبحون بحمد الغرب ويقدسون له ويسجدون؟ أين الفلاسفة والفيلسوفات؟ أين علماء و(عوالم) النفس ليحللوا هذا الظاهرة تحليلا نفسيا واجتماعيا ودينيا؟؟.

فقلت له: يا صديقي أنت قد أجبت على نفسك، بأن من يقدس الشعوب الغربية ويلتمس لها الأعذار والمبررات والتفسيرات في كل ما يفعلوا من خير أو شر، هم بعض العرب المصدومين والمذهولين بالغرب، فهم من خلال كتاباتهم يريدون أن يوهموا القارئ العربي الذي لم يقم بزيارة الغرب ولم يتعامل مع الشعوب الغربية على أنهم أي الغربيين شعوب ملائكية أطهار أبرار، معصومون من الخطأ المقصود وغير المقصود، بدليل أن معظم الكتاب المتغربين وإن لم يكن كلهم التزموا الصمت تجاه هذه الأحداث كما تقول وكأن شيئا لم يكن، بل لو قام أي كاتب وأشار بإصبع النقد والإنكار لمثل هذه الأحداث وهذه الظواهر، لقام على الفور كل الكتاب العرب المبهورين والمذهولين بالغرب والمنافقين للغرب، بالهجوم على الكاتب وتأديبه، وفي الوقت نفسه سيسوقون آلاف الأعذار وآلاف التبريرات وآلاف التفسيرات العلمية منها والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، لتستنتج أخيرا الاستنتاجات التالية:

أولا: سيقولون لمنتقدي هذه الظواهر: حسبك، كيف تصف الشعوب الغربية بأنها شعوب متخلفة هل جننت يا رجل؟؟ اتق الله!!، ويقولون: ألا تعلم أن الشعوب الغربية شعوب متحضرة، وهذه تعد من الهفوات البريئة، إن الشعوب الغربية شعوب بريئة، لا تعرف الحقد ولا العنصرية، ولا العداوة، ولا العنف، ولا الإرهاب، هذه هي طبيعتهم الخيرة وهذه هي صبغة ثقافتهم المتسامحة التي يصطبغون بها، وإن وقعت منهم بعض الهفوات فهي على سبيل الدعابة وبراءة الأطفال، إن الشعوب الغربية شعوب حرة يحق لها ما لا يحق لغيرها!!!.

ثانيا: بينما لو حدثت مثل تلك الأحداث في دولة عربية أو دولة مسلمة، لكان الأمر غير ذلك، من وجهة نظر الكتاب العرب المذهولين المصدومين، فستتوالى المقالات تلو المقالات والتواشيح والطقاطيق والردح بكل أشكاله، وليت الأمر يقف عند ذلك فقط، بل لا بد من أن تحتوي مقالاتهم على البهارات المعتادة وهي: ابحث عن الإسلام والقرآن والنبي محمد وراء الشغب الجماهيري في مباريات كرة القدم حول العالم. يا صديقي: أنسيت أن قرآنك في نظر هؤلاء العرب المتغربين هو كتاب يحرض على الإرهاب؟، أنسيت أن رسولك هو رسول الإرهاب؟، أنسيت أن دينك دين إرهاب؟.

يا صديقي: دعني أقول لك إنه لو قام بعض الكتاب العرب المذهولين المصدومين بإجراء دراسة على عينة من مشجعي كرة القدم الغربيين، فأنا أقطع وأجزم لك بأن تلك الدراسة ستأتي نتائجها بإرجاع أسباب هذه الظاهرة بأمور تتعلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالإسلام والمسلمين.

بل من الممكن أن أتوقع لك شيئا من تلك النتائج التي ستكشف عنها الدراسة حول أسباب ظاهرة العنف بين مشجعي كرة القدم على النحو التالي:

1 – قد يكون لبعض المشجعين الغربيين جذور إسلامية.
2 – وقد يكون الجد التاسع عشر لبعضهم مسلما، وما زال يحمل بعض جيناته الوراثية الإسلامية الإرهابية.
3 – وقد يكون بعض هؤلاء المشجعين قد ذهب للسياحة إلى بلد عربي أو مسلم، فأصابه فيروس العنف والإرهاب.
4 – وقد يكون لبعض المشجعين جار مسلم، والمثل العلمي الشعبي يقول: من جاور القوم أربعين يوم صار منهم وصاروا منه.
5 – وقد يكون لبعضهم زملاء مسلمين في المدرسة، فأصابهم عدوى العنف والإرهاب.
6 – وقد يكون بعض هؤلاء المشجعين قرأ يوما عن الثقافة الإسلامية فتلوث عقله وفكره بعدوى العنف.
7 – وقد يكون بعضهم سمع ذات مرة برنامجا إذاعيا أو شاهد فيلما وثائقيا عن بلد من بلدان المسلمين، فأصابه ما أصابه من عدوى.

يا صديقي: الغرب هم بشر كبقية البشر، فيهم الصالحون وفيهم ما هم دون ذلك، فيهم الطيب وفيهم الشرير، يا صديقي: الغرب كما أفرز هتلر وموسيليني ورامسفيلد وبوش وبلير، أيضا أنجب الكثير والكثير من العلماء والأطباء والمثقفين الإنسانيين المتحضرين، إن أردت أن تبحث في الغرب عن الملائكة فستجد، وإن أردت أن تبحث عن الشياطين فستجد، وإن أردت أن تبحث عن الإنساني المتحضر فستجد، وإن أردت أن تبحث عن الهمجي البهيمي فستجد.

يا صديقي: صدقني الرجل الغربي وخصوصا المثقف المتحضر هو شخص محترم بالفعل وإنساني بالفعل، ولا يمكن أن يتعامل معك إلا على أساس أنك إنسان بالفعل مهما اختلفت معه، لأن من صميم إنسانيته ومن صميم حضارته ومن صميم ثقافته أن من حقك الإنساني أن تكون مختلفا عنه في أي شيء، هذا هو الشخص الغربي، يا صديقي، صدقني إن تشويه صورة الغرب في نظرك وتشويهنا في نظر الغرب، الغرب ليس له يد فيها، فبعضنا هم من شوهوا لنا صورة الغرب، وشوهونا في نظر الغرب.

فرد علي صديقي قائلا: إذن فبماذا تفسر هذه الهجمة الغربية الشرسة على مجتمعاتنا وثقافتنا وديننا؟

أجبت صديقي قائلا: يا صديقي العزيز الغرب لا يعرف عنا شيئا ولا يعنيه أن يعرف عنا شيئا، وإن كان الغرب قد عرف عنا شيئا فهو لم يعرف عنا سوى خمسة أصناف ممن التقى بهم أو سمع عنهم، هؤلاء الأصناف الخمسة هم:

1 – الصنف الأول: هم حكامنا وولاة أمورنا، ومن هم هؤلاء الحكام في نظر الغرب؟ وماذا يعرف الغرب عنهم؟، الغرب لا يعرف عن حكامنا سوى أنهم عصابة من اللصوص والمستبدين الذين يسرقون شعوبهم ويذلوهم ويستخفون بهم, والذين يذهبون إلى الغرب لحفظ المسروقات في البنوك وفي شراء العقارات والاستثمارات, وهم الذين يستوردون من الغرب أحدث أجهزة التعذيب والتنكيل والأسلحة المتخصصة في قمع وإذلال الشعوب العربية والمسلمة المساكين, وهؤلاء الحكام في الوقت نفسه يركعون للغرب ويستجدونهم وينبطحون لهم في مهانة وذل، للحفاظ على كراسيهم وعروشهم، بل ويتآمرون مع الغرب ضد شعوبهم فهم يوهمون الغرب بأن هذه الشعوب شعوب بدائية حقيرة متخلفة لا يصلحون للحرية ولا تصلح لهم الحرية ولا حقوق الإنسان فهم بشر دون البشر, حتى يبقوا هم على كراسيهم كما هم، والغرب بطبيعة الحال يصدقهم لأنه لا يعرف شيئا عن تلك الشعوب المتخلفة والغير إنسانية في نظر حكامهم.

2- الصنف الثاني: هم بعض الكتاب والكاتبات من الشعوب العربية والمسلمة الذين آثروا الهروب إلى الغرب هربا من جحيم الحكام وفقرهم واضطهادهم, فصدموا بالعيش في ظل الحضارة الغربية وانبهروا وذهلوا, وهؤلاء أيضا هم على شاكلة حكامهم يتفننون بشتى الطرق في تشويه صورة بلدانهم وثقافاتهم وتاريخهم أمام الغرب، نافلة منهم دون أن يطلب أحد في الغرب ذلك منهم, وذلك نفاقا منهم كنفاق الحكام العرب سواء بسواء, حتى يضمن هؤلاء الإقامة الدائمة والعيش المستمر في ظل الحضارة الغربية, بل وصل الأمر بهؤلاء أنهم يعيرون الشعوب العربية المسكينة بمنتجات ومخترعات الغرب، وكأنهم هم من اخترعوها واكتشفوها, مع أن الشعوب المسكينة تدفع ثمن هذه المخترعات والمكتشفات من قوت يومها, يا صديقي: هل سمعت يوما مثقفا غربيا أو كاتبا غربيا عيّر أحدا من شعوب العالم بأنه يستخدم منتجاته واكتشافاته العلمية؟, كلا إطلاقا لن تسمع, لماذا؟؟. لسبب بسيط وهو أن المثقف الغربي هو بالفعل شخصية إنسانية محترمة.

3- الصنف الثالث: الحركات الإسلامية، وهم الخارجون المارقون على الأنظمة العربية, والذين وجدوا في الأفكار الدينية المنحرفة ملجأ وملاذا لهم, وهم الإفراز الطبيعي لاستبداد وطغيان الحكام وأيضا لنفاق وتدليس العرب المتغربين.

4- الصنف الرابع: وهم رجال الدين الذين قام الحكام العرب بتدجينهم واستئناسهم وترويضهم، فتراهم مجرد عمال وموظفين يحصلون على رواتبهم وحوافزهم من خزائن السلطان، مقابل عملهم وخدمتهم في بلاط الحكام والسلاطين العرب، يحللون لهم ما يشاءوا، ويحرمون لهم ما يشاءوا، ويكفرون من يريد الحكام تكفيره، وفي المقابل يضفون على الحكام الشرعية الإلهية الدينية في كل ما يقولونه وما يفعلونه وما يسرقونه وما ينهبونه وما يستبدونه.

5- الصنف الخامس: وهم السواد الأعظم من الشعوب العربية المسكينة, وهؤلاء هم العمال والمزارعين والكادحين والأميين, وهؤلاء قد كبلتهم قيود الحكام بالخوف والضعف والجهل والفقر والمرض والأمية, حتى يصفقوا للحاكم ويهتفون باسمه ويسبحون بحمده جهلا منهم وأمية وضعفا وخوفا وطمعا في ما يلقيه الحاكم إليهم من فتات الطعام والمال والدواء والكساء.

يا صديقي: فالغرب ما بين هؤلاء وأولئك لا يهمه أن يعرف عنا شيئا, فما يهم الغرب في الحقيقة هو مصالحه ثم مصالحه ثم مصالحه, يا صديقي: إذا كان الغرب لا يعرف لنا صورة سوى هذه الصور المشوهة العفنة فكيف له أن يحترمنا؟ وكيف له أن يقدرنا؟ وكيف له أن يقيم لنا وزنا؟ يا صديقي: هل شاهد الغرب لنا صورة نظيفة محترمة حتى يحترمنا أو يعاملنا على أساس المثل بالمثل والند بالند؟, وعندما يسمع الغرب ويشاهد الحكام العرب وهم يحتقرون شعوبهم ويسرقونهم، وعندما يرى الغرب ويسمع بعض العرب والمسلمين المتغربين الذين يتنكرون لبلدانهم ويحتقرون تاريخهم وثقافتهم وثقافة شعوبهم التي انحدروا منها، وعندما يرى التيارات الإسلامية وهي تنفجر وتفجر في كل مكان، فماذا تنتظر من الغرب أن يفعل لك أو معك؟.

فما رأيك يا صديقي فيما قلته؟؟ فنظرت فوجدت صديقي راح في سابع نومة. !!!.

تصبحون على خير!!!!.



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشأة الدين
- يا مصر لا تعاتبيني
- وفاء سلطان : لا تفرق بين قول المسيح وما جاء في التوراة
- وفاء سلطان: بين ممارسة الحب وممارسة الحرث والنكاح
- وفاء سلطان: وعقدة زواج الرسول من زينب بنت جحش
- وفاء سلطان : ونفاقها للمسيحية والمسيحيين
- وفاء سلطان: وحالة الهذاء المرضي -البارانويا
- وفاء سلطان : عالمة نفس؟ أم عبد السلام النابلسي؟
- بعد فوات الأوان
- العقل العربي والعقل الغربي
- البحث عن وجود الله داخل سراويل المسلمين
- العقيدة الأرثوذكسية لمذهب الشيعة والمعتزلة
- العقيدة الكاثوليكية لمذهب أهل السنة والجماعة
- أمطار الصيف
- أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الثاني
- أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الأول
- أعلن انسحابي
- الفرار إلى الله والفرار منه
- حوار الأديان أطرافه مفتقدة الأهلية
- تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد


المزيد.....




- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - هل الشعوب الغربية شعوب متخلفة؟