أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد















المزيد.....



تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1695 - 2006 / 10 / 6 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السيد الأستاذ / أسعد أسعد/ المحترم ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,,
أقدم لك خالص تحياتي واحترامي الشديد لشخصكم الكريم وكل عام وأنتم بخير, وأشكرك على ردك المفعم بدماثة الأخلاق وطيب الكلام.
لقد قرأت مقالكم المعنون: (رد على نهرو طنطاوي في مسألة من هو المسيح) والذي نشرته على موقع الحوار المتمدن بتاريخ: 1/10/2006 وقرأت ردكم فيه على ما جاء في مقالي المعنون "محاضرة البابا بين الله المسيحي والله المسلم" فقد قرأت المقال بتأني وروية وبكل سعة صدر وتدبرت ما جاء فيه , ولقد خرجت من مقالكم بثلاثة أمور وهي:

# الأمر الأول: لم أجد أي جديد في مقال شخصكم الموقر يخص العقيدة المسيحية بل يمكنني القول أن ما قمت بشرحه وتفصيله في مقالكم حول العقيدة المسيحية في شخص المسيح ما هو إلا بعض ما أعلم وبعض ما قرأت عن العقيدة المسيحية ، وأيضا ما ذكرته هو نفس كلام الأستاذ ماجد فخري ونفس كلام القمص ذكريا بطرس ونفس كلام البابا بنيدكتوس السادس عشر ، إلا أن كل منكم يتناول الموضوع بطريقة وأسلوب يختلفان عن طريقة وأسلوب الآخر إلا أن المعنى هو هو والمقصد هو هو.

# الأمر الثاني: لقد تجاهلت تماما عددا من النقاط الهامة التي قد أثرتها في ردي على البابا ولم تتعرض لها بخير أو بشر ، ومنها مثلا عدم ذكرك للمسألة الأساسية التي دارت حولها محاضرة البابا ودار حولها ردي عليه ألا وهي "ذات الله", هذه المسألة التي يبدو أنكم قد غفلتم عنها أو لم تنتبه إليها.
يا أستاذ أسعد إن "ذات الله" وتحديد ماهيتها هو لب موضوع الأديان السماوية ومركز دائرتها وهو الأصل الوحيد والأوحد الذي تدور حوله جميع ديانات الأرض , فإن لم نتفق على ماهية الذات فلن نتفق في شيء من العقائد على الإطلاق . وموضوع ذات الله وماهيتها كان هو المحور الأساسي لمحاضرة البابا حين قارن البابا بين صورة الله في العقيدة المسيحية وبين صورة الله في العقيدة الإسلامية , وكان أيضا هو المحور الأساسي لردي على البابا ., وكان هو أيضا المحور الذي خلا ردك منه تماما.
وذات الله التي من المفترض أن نكون أنا وأنت وجميع أتباع الديانات السماوية شبه متفقين عليها تماما هي كالتالي:
1- الله واحد لا شريك له ، وأحد في ذاته لا يتجزأ . بمعنى الأزلي الذي لا شيء قبله ولا معه ولا بعده ، وبمعنى الذات البسيطة التي ليس فيها أي تركيب.
2- الله لا يشبه أحدا أو شيئا من مخلوقاته في أي جزء من أجزاء المخلوقات على الإطلاق.
4- الله مطلق ولا حدودية لذاته.
5- الله غيب محض لا يدرك أحد كنهه إلا هو سبحانه.
وإذا كنا نتفق على وحدانية الله وعدم الشراكة به ومعه واتفقنا على أحديته وعدم تجزئته أو تركيبه ، وأنه أزلي مطلق غير محدود , ولا يشبه خلقه, إذن فهو في النهاية غيب محض لا يمكننا نحن البشر المحدودين أن ندرك كنه ذاته ولا يمكننا أن نحيط به علما أو كما أو كيفا.

ومن الأمور الهامة أيضا في ردي على البابا والتي قد دعوتني إلى تجاهلها وإغفالها هي موضوع قوانين الإيمان ، والمجامع المسكونية التي أقرت هذا القانون ، وهذا نص كلامك: (أما قوانين الإيمان و المجامع و قرارات الكنائس فدعك من هذا كُلّه).
كيف يا أستاذ أسعد أترك قانون الإيمان والمجامع وقرارات الكنيسة كما تقول؟ مع أني في ردي على البابا قد تطرقت لمسألة هامة وخطيرة وهي أن الديانة المسيحية ظلت إلى الربع الأول من القرن الرابع الميلادي أي بعد وفاة المسيح بـ 325 سنة لا تعرف لها إيمانا محددا حتى نهاية الربع الأول من القرن الرابع حين بدأت الكنيسة ورجالها بوضع اللبنة الأولى في قانون الإيمان, وقد سبق وأن قلت في ردي على البابا: (إن العقيدة المسيحية قد تم وضعها من قبل رجال الدين على عدة مراحل وقد وضعوا لها قوانين قرروا فيها قرارات لم تكن مقررة من قبل مثل التجسد وطبيعته ، والأقانيم الثلاثة ، وألوهية الروح القدس ، لذلك يتضح لمن يقرأ تاريخ المجامع التي كان يعقدها رجال الكنيسة أنهم قبل هذه المجامع كانوا يعتقدون بأن المسيح عليه السلام هو الله وكفى ، ولم يكن ثمة شيء يذكر في العقيدة المسيحية حول التجسد أو الثالوث أو الروح القدس ، ثم بدأ الناس يفكرون في كيفية أن يكون المسيح هو الله ، وعلى إثر هذا التفكير قام رجال الكنيسة عبر المجامع بوضع قوانين استحدثت مسألة التجسد وطبيعة هذا التجسد، ثم استحدثت مسألة الأقانيم الثلاثة ، وألوهية الروح القدس ، إن العقيدة المسيحية صدرت بقوانين وقرارات جديدة بالفعل ولم تكن من قبل ، إذ لو كانت هذه العقائد الجديدة من تجسد وثالوث وألوهية الروح القدس ثابتة وراسخة وموجودة بالفعل في أدبيات ومراجع الديانة المسيحية في العصور السابقة على المجامع المسكونية لما كان هناك حاجة إلى عقد هذه المجامع لتقرر أمرا جديدا لم يكن موجودا من قبل ، كما ذكر ذلك الأستاذ ماجد فخري عند حديثه عن شروط انعقاد المجامع حيث قال أن من شروط انعقاد المجمع أن: (يقرر شيء لم يكن مقررا من قبل)، إذن فعدم وجود هذه العقائد هو الذي دعا إلى اجتماع المجامع للبت فيما يفكر فيه الناس حول ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس).
وهذا الأمر يا أستاذ أسعد قد أغفلته تماما في ردك عليّ مع أنه أمر هام وخطير كما قلت أنت في ردك حين قلت: (وهذا يعتبر اتهام خطير بالتزوير والتحوير في الدين المسيحي). فإذا كان هذا اتهام خطير مني على حد قولك، فلماذا لم تتعرض له وترد عليه وتفنده وتبين لي وللناس حقيقة قانون الإيمان والمجامع وقرارات الكنيسة؟ وأنا أكرر للمرة الثانية أن قانون الإيمان قد تم وضعه من قبل الكنيسة في نهاية الربع الأول من القرن الرابع الميلادي مما يدل على أن هناك شيئا جديدا قد تم صنعه في العقيدة المسيحية في هذا الوقت بالذات ولم يكن موجودا من قبل ، وقد أثار كلامي الكثير من الأسئلة حول قانون الإيمان والمجامع التي صنعته فلم تجب على تلك الأسئلة وكان من بين هذه الأسئلة:
ما هي العقيدة المسيحية الأم التي كانت قبل عقد المجامع المسكونية؟
وهل كان هناك ذكر للتجسد والأقانيم الثلاثة وألوهية الروح القدس قبل المجامع المسكونية أم لا؟
وإذا كانت هذه العقائد موجودة بالفعل وبصورة قطعية فلماذا وضع لها قانون؟
وإذا كانت موجودة وراسخة بالفعل في أدبيات الديانة المسيحية لماذا عقدت المجامع المسكونية أصلا؟
وإذا كانت هناك عقيدة للتجسد موجودة بالفعل قبل المجامع المسكونية فلماذا اختلفت الكنيسة الشرقية مع الكنيسة الغربية حول طبيعة التجسد فقالت الأرثوذكسية "اتحاد ذو طبيعة واحدة دون اختلاط أو امتزاج أو تغيير" وقالت الكاثوليكية "اتحاد له طبيعتين ومشيئتين" ؟؟؟؟
كل هذه الأسئلة كان من الأجدر بك ألا تتجاهلها وتحاول الإجابة عليها وهي كما تقول أنت إنها اتهامات خطيرة !!!؟.

# الأمر الثالث: لاحظت وجود بعض المسائل في فهمك لطبيعة المسيح والتي تستحق التعقيب والرد والمناقشة.

# المسألة الأولى هل يتضرر الإسلام من كون المسيح هو ابن الله:
لقد ذكرت في صدر ردك التالي: (ماذا يضر إسلامك أن يكون المسيح هو ابن الله الذي يحبك و أنه قد مات و قام من الأموات من أجلك و أنه حي الآن يشفع لك بمحبته؟).
وتعقيبا على كلامك أقول: لن يضرني ولن يضر إسلامي شيئا أن تعتقد أن يكون المسيح هو الله أو ابن الله , بل إن الضرر من وجهة نظر العقيدة الإسلامية القرآنية التي اعتنقها سيلحق بمعتنقي هذه العقيدة , فهذه العقيدة يراها القرآن شركا بالله الواحد, أما قولك أن يلحق بي أنا شخصيا ضرر ما ، أو أن يلحق إسلامي ضررا كما قلت فلم ولن يلحقني أو يلحق إسلامي أي ضرر , قال تعالى:
{ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا}.
وقال تعالى:
{ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا}.

# المسألة الثانية: هل إجراء بعض المعجزات على يد بشر تجعل منه إلها؟
لقد قلت: (لماذا لا تكون أنت (أو مفهوم العرب للإسلام) الذي تُحِط من قدر يسوع المسيح و تُحوّله من صورة الله الغير منظور ـ أي الله الظاهر في الجسد ـ فتحوّله أنت إلى إنسان بشري عادي؟ و أنت بذلك تتجاهل المعجزات و الآيات التي جَرَت علي يديه بقوة إلهية من ضمنها قوة الخلق و ذلك مؤيّدا بنصوص القرآن , ثم تعاليم المسيح النقيّة القوية التي أتت بسلطان و قوة لم يصل إلى سموها أحد من البشر لا قبله و لا بعده , ثم المُؤيِّد و المُثبِّت لشخصيته الفريدة هي تلك الحياة النّقية الكاملة بلا خطيئة التي عاشها و لم يستطع و لا ألد أعدائه أن يجد فيها ذرّة من الخلل أو يشوبها شائبة من العيب).
وللرد على سؤالك في هذه الفقرة نقول التالي:
أولا: إن إجراء بعض الخوارق والمعجزات بما فيها إحياء الموتى وغيرها من الخوارق قد تم على أيدي الكثير من الأنبياء ، والكتاب المقدس ملئ بهذه الشواهد وليس هنا محل سردها ، وعملية إجراء بعض الخوارق والمعجزات على أيدي بعض البشر لا يدعو أحدا أن يعتقد فيمن جرت على يديه هذه الخوارق بأنه إله , بل كل هذه الخوارق تحدث بإذن الله وقوته وإرادته , وهذا هو عين كلامك في الفقرة السابقة حين قلت: (وأنت بذلك تتجاهل المعجزات والآيات التي جرت على يديه بقوة إلهية من ضمنها قوة الخلق) , فأنت تقر بأن ما جرى على يد المسيح الإنسان من معجزات هي بقوة الله كما تسميها أنت وبإذن الله كما سماها القرآن ، إذن فليس هناك فرق بين الاثنين سوى التجاذب بالألفاظ والكلمات.
وأنت تعلم أن كل شيء حدث ويحدث في هذا الكون من خلق وإحياء وموت ومرض وفقر وغنى ومطر وريح وبرق ورعد , كل شيء هو بإذن الله أو بقوة الله كما تقول أنت سواء أجراها الله بنفسه أو أجراها على أيدي أحد من خلقه.
أما ما أشرت إليه من حياة المسيح النقية الطاهرة والذي لم يرتكب أي خطيئة ، فأقول إن هذه الحياة لا تخرج عن حياة البشر الذين اصطفاهم الله وطهرهم بمعنى أن استقامة المسيح وعدم اقترافه للخطايا هي استقامة لا تخرج إطلاقا عن حدود الاستقامة البشرية التي نعرفها حتى وإن لم يدانيه أحد فيها, بمعنى أنه كان طيبا مسالما محبا كريما عفوا رحيما...الخ الخ , وكلها كما تعلم صفات بشرية مخلوقة تعرفها أنت كما أعرفها أنا ونعرف حدودها وماهيتها ومعانيها وكيفيتها , فهل التزام شخص ما بهذه الصفات البشرية السامية وعدم ارتكابه للخطأ يخرجه عن كونه بشر مخلوق يتصف بالكمال البشري والسمو البشري ويجعله إله أو فيه شيء من الألوهية؟؟؟ وهل علمت أنت أن الذات الإلهية من صفاتها أنها طيبة مسالمة محبة كريمة غير مقترفة للخطايا كالصفات التي نتصف بها نحن البشر المخلوقين؟ وهل تحمل الذات الإلهية نفس الصفات البشرية؟ مع أنك تؤمن بأن الذات الإلهية غير محدودة ولا يمكن مشابهتها بصفات المخلوقين!!!.

أما قولك: (لأن المسيح يسوع حي و له سلطان و هو قادر أن يتكلّم إلي كل من يريد أن يستمع إليه, وهو لا يحتاج إلى باباوات وأساقفة وأباطرة وقادة دينيين ليتكلموا عنه لأنه حَيُّ الآن وهو يتكلم إليك ليس علي لساني ولا بقلمي بل بروحه وبقوة حضوره يتكلم إليك مباشرة).
أما أنا فأرى أن المسيح تكلم في الإنجيل وقال كل ما يريد أن يقوله وانتهى من كلامه منذ أن رفعه الله إليه. أما قولك أنه حي ويتكلم مباشرة إلى من يريد أن يستمع إليه بروحه وقوة حضوره , فهذا أمر أنت أعلم وأدرى به مني ، وفوق كل ذي علم عليم.

# المسألة الثالثة: هل عبادة المسيح هي عقيدة قرآنية:
لقد قلت: (إن عبادة المسيح يسوع هي عقيدة قرآنية إسلامية صحيحة). وقد استشهدت على كلامك بالآية (31) من سورة التوبة والتي تقول: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم).
وردا على كلامك أقول: أي عقيدة قرآنية إسلامية صحيحة تقول أن المسيح والله شيء واحد أيها الرجل الطيب؟؟.
يا أستاذ أسعد القرآن كما تعلم وكما أعتقد أنا كمسلم هو شرع الله ودينه الذي أنزله إلينا بحروف وكلمات ومعاني نزلت جميعها بلسان قوم الرسول عليه الصلاة والسلام . ولسان القوم هو ما يطلق عليه لغة القوم أو اللغة العربية , قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}, ولسان قوم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام هو مجموعة من القواعد والتراكيب والدلالات والمقولات اللسانية التي تكلم بها قوم الرسول محمد وتواصلوا بها فيما بينهم , وهذا اللسان قد أنزل الله به شرعه ودينه وكلماته التي هي القرآن الكريم. وبين لنا الله في هذا القرآن أن نزوله بلسان قوم الرسول أو ما يسمى باللغة العربية حتى نتبين ونفهم ونعي ما جاء فيه من أحكام وأوامر ونواهي , وبالتالي نتبين مراد الله لنا في القرآن بالطريقة القرآنية التي نص عليها القرآن ألا وهي لسان قوم الرسول أو ما اصطلح على تسميته باللغة العربية , ولو بينا ما جاء في الآية التي استشهدت بها من خلال لسان قوم الرسول أو "اللغة العربية" لوجدنا أن الآية في واد وما تقوله أنت وما تعتقده في واد آخر ونبين ذلك على النحو التالي:
أولا: أنت قلت حسب فهمك من هذه الآية ما يلي: (ولاحظ أنه في هذه الآية لا يجوز نقل كلمة المسيح ابن مريم إلى قبل كلمة من دون و جعل الآية تُقرأ "اتخذوا أحبارهم و رهبانهم و المسيح ابن مريم أربابا من دون الله... "لأن كلمة "من دون" تفصل ما قبلها عن ما بعدها لتناقُضهما و عدم تساويهما, أو لفصل موقف متناقض يوضع في الجملة قبل كلمة "من دون" عن موقف آخر يناقضه يوضع في الجملة بعدها, و لا يجوز لك و ضع المسيح ابن مريم في هذه الآية إلى جانب الأحبار و الرهبان الذين وصفهم القرآن في مواضع متعددة بالكفر والشرك, فبهذا أنت تضع المسيح في مصافِهِم و هم الذين قبلوا أن يعبُدَهُم الناس من دون الله)
ثم قلت: (لذلك فلا يجوز وضع المسيح ابن مريم مع جماعتهم بل لقد وضعه القرآن في صف واحد مع اسم الجلالة لا لتساويهم بل لوحدانيتهم و عدم انفصالهم كما جاء في بقية الآية: {... و ما أُمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سُبحاَنه عما يشركون} فلو كان هناك أدني شك في فصل الله عن المسيح ابن مريم في و جوب العبادة لقال القرآن " و ما أُمروا إلا ليعبدوا الله وحده..." لكن القرآن يقول عن الله و المسيح عيسي ابن مريم ".... إلها واحدا لا إله إلا هو..." و إذا أنت عدّلت الآية لتطابق فكرك و عقيدتك فأنت تتهم القرآن بأنه يقول شيئا و هو يقصد عكسه و لا يجوز أن نُفَسّر القول {.. و ما أُمروا إلاّ ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} أنه نهي عن عبادة الله و المسيح ابن مريم لأننا بذلك نكون قد خيّرنا الإنسان بين أن يعبد الله أو أن يعبد المسيح ابن مريم و هذا فيه اعترافا بأن المسيح إله إلى جانب الله لكنه يُستَثني من العبادة , و طبعا حاشا أن يكون هناك إله آخر إلا الله. و اسمح لي أن أعود و أُكرر أن النص القرآني هو {وما أُمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا} و ليس "الله وحده" دلالة علي أن الله و المسيح ابن مريم هو إله واحد).

وهنا أقول لشخصكم الكريم شكرا على هذا الاكتشاف الجديد ، وهذه النتيجة المذهلة التي تقول أن القرآن يقول: أن المسيح والله شيء واحد، هذه النتيجة التي غفل عنها ولم ينتبه لها أحد من المسلمين على مدار أكثر من 1400 سنة.
عموما يا أستاذ أسعد هذا هو فهمك لهذه الآية وأرى أن لك فيها بعض الإشكاليات قد نستوضحها على النحو التالي :
أولهما: هو جملة {من دون الله والمسيح بن مريم}.
ثانيهما: هو جملة {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا}.
وسوف نبين هاتين الإشكاليتين وذلك عن طريق توضيح وبيان هذه الآية حسب حركات الشكل الموجودة في الآية ذاتها وأقصد بها حركات الرفع والنصب والفتح الموجودة فوق حروف الآية , وحتى نتمكن من القراءة السليمة لنص الآية ، والقراء السليمة تكون باتباع حركات الضبط الموجودة فوق حروف الآية كالفتحة والضمة والكسرة. ثم نقرأ الآية بعد ذلك بميزان اللسان العربي الذي نزل به القرآن الكريم ، ثم نتبين بعد ذلك ما هو المقصد الحقيقي للآية.
ماذا يقول نص الآية مع ضبط الكلمات بالشكل كما ورد في المصحف , قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
وهنا أسجل ملاحظة وهي أن الأستاذ أسعد ذكر الآية في مقاله غير مضبوطة بالشكل (أي بدون حركات التشكيل الفتحة والضمة والكسرة وبقية حركات التشكيل).
أما عن الإشكالية الأولى: وهي مجيء اسم المسيح بن مريم بعد كلمة (من دون الله) ولم يأت بعد الأحبار والرهبان مما يشعر بأن هناك شيء ما ، أو كما قلت أنت (لأن كلمة "من دون" تفصل ما قبلها عن ما بعدها لتناقُضهما وعدم تساويهما, أو لفصل موقف متناقض يوضع في الجملة قبل كلمة "من دون" عن موقف آخر يناقضه يوضع في الجملة بعدها).
ولمناقشة ذلك أقول الآتي: بالفعل إن ما قلته صحيح ، فالفصل بين الأحبار والرهبان وبين المسيح بن مريم بكلمة "من دون الله" يشعر بأن هذا الفصل لم يكن لمجرد الفصل ، ولكن لوجود عدم تشابه أو تناقض أو عدم تساوي أو أي شي آخر دعا إليه هذا الفصل ، وهذا أسلوب بلاغي موجود في كثير من آيات القرآن وفي اللسان العربي بشكل عام، إلا أن سبب الفصل الحقيقي ليس كما ذكرت يا أستاذ أسعد وقلت أن الله وضع اسمه بجوار اسم المسيح بن مريم للدلالة على أنهما شيء واحد، ونبين لك ذلك على النحو التالي:
أولا: الفرق بين الأحبار والرهبان وبين المسيح بن مريم يتضح في أن الله في هذه الآية لم يكن يخاطب النصارى وحدهم بل كان يخاطب اليهود والنصارى معا وارجع إلى الآية التي قبلها مباشرة والتي تقول: (وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله) إذن فالخطاب في الآيات يدور حول اليهود والنصارى معا ، إذن الفصل بين الأحبار والرهبان وبين المسيح بن مريم له عدة شواهد.

الشاهد الأول:
هو اتخاذ اليهود والنصارى مجتمعون أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، أما النصارى فهم وحدهم الذين اتخذوا المسيح بن مريم إلها من دون الله.

الشاهد الثاني:
اليهود لم يتخذوا المسيح بن مريم ربا من دون الله ولم يقولوا بذاك إطلاقا ولم يعتقدوه ، لذا كان من دقة القرآن وبلاغته التفريق بين اتخاذ اليهود والنصارى معا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وبين اتخاذ النصارى وحدهم المسيح بن مريم إله من دون الله.

الشاهد الثالث:
أن اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون لا يعني إطلاقا أنهم أي اليهود والنصارى كانوا يعبدون الأحبار والرهبان من دون الله بالمعنى التقليدي للعبادة، ولم يكونوا يعتقدوا إطلاقا أن الأحبار والرهبان آلهة مع الله أو آلهة من دون الله، ولم يؤثر عنهم أنهم فعلوا ذلك إطلاقا ، وإنما ذكر الله ذلك عنهم لأن الأحبار والرهبان كانوا يشرعون لهم تشريعات دينية ينسبونها إلى الله وهي في الأصل تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان ، وهناك الكثير من آيات القرآن التي تدلل على أن من شرع تشريعا دينيا لم يأذن به الله فقد نصب نفسه شريكا لله في التشريع الديني ، والدليل على ذلك قول الله تعالى: في سورة الشورى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) إذن جعل الله من يشرع للناس دينا لم يأذن به الله كمن نصب نفسه شريكا لله ، ومن أطاعه في ذلك فقد اتخذه ربا من دون الله، وهذا ما فعله الأحبار والرهبان فقد كانوا يشرعون لهم تشريعات دينية لم يأذن بها الله فكان اليهود والنصارى يطيعوهم فيها ويقروهم عليها.

الشاهد الرابع:
أن اسم المسيح في اللسان العربي غير ممنوع من الصرف بمعنى أنه يكون مجرورا في حالة الجر, مثال: (آمنت بالمسيحِ) بكسر الحاء ، ويكون مرفوعا إذا كان فاعلا,مثال: (قام المسيحٌ) بضم الحاء ، ويكون منصوبا إذا كان مفعولا به , مثال: (اتخذت المسيحَ صديقا) بفتح الحاء ، إذن لو كان اسم المسيح بن مريم ممنوعا من الصرف أي لا يأت مجرورا في حالة الجر لكان هناك شك في إعراب كلمة المسيح بن مريم الواردة في آية التوبة.

الشاهد الخامس:
كيف أتى اسم المسيح في آية التوبة؟ هل أتى مجرورا بالكسرة أم منصوبا بالفتحة أم مرفوعا بالضمة؟ ، لقد جاء اسم المسيح في آية التوبة والتي استشهد بها الأستاذ أسعد جاء منصوبا بالفتحة كالتالي: (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) وهنا نسأل لماذا جاء اسم المسيح منصوبا بالفتحة؟ للإجابة نقول التالي:
حرف الواو الموجود قبل اسم المسيح في (والمسيح بن مريم) حرف عطف والعطف من التوابع ومن أحكام التوابع المحتومة والتي لا خلاف فيها أن يطابق التابع متبوعه في ضبطه الإعرابي من ناحية (الرفع ، والنصب ، والجر) بمعنى أن العطف لابد وحتما أن يكون مثل المعطوف عليه في حركات الإعراب وهذا مما لا خلاف عليه مطلقا، فمن خلال هذه القاعدة ومن خلال فهم الأستاذ أسعد لهذه الآية نقول الآتي:
لو كان اسم المسيح في الآية مجرورا بالكسرة لأصبح كلام الأستاذ أسعد صحيحا وصوابا ولا غبار عليه ، لأن الكلمة التي قبل اسم المسيح مباشرة هي "من دونِ اللهِ" جار ومجرور بالكسرة الظاهرة واسم المسيح جاء في الآية منصوب بالفتحة وهذا يعني بكل وضوح أن اسم المسيح ليس معطوفا على "من دون الله" فلو كان معطوفا على اسم الله كما يقول لجاء مجرورا بالكسرة الظاهرة كاسم الله تماما ، لكنه جاء منصوبا بالفتحة وجاء معطوفا أيضا فعلى من كان معطوفا إذ ثبت عن طريق القطع أنه ليس معطوفا على الله ، إذن فالمسيح بن مريم معطوف على الأحبار والرهبان ولو طالعنا تشكيل الآية كما جاءت في المصحف لوجدنا أن الأحبار والرهبان جاءا منصوبان بالفتحة وكان سبب نصبهم بالفتحة وقوعهما مفعولان بهما للفعل اتخذوا ، ومن المعروف أن المفعول به يأتي منصوبا بالفتحة دائما وبشكل حتمي، ولو قمنا بإعراب الآية بشكل كامل يكون مفهوم الآية كالتالي:
(اتَّخَذُوا) فعل ماض (أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ) مفعول به أول (أَرْبَابًا) مفعول به ثان (مِنْ دُونِ اللَّهِ) جار ومجرور (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) فيها إعرابان:
الأول: أن يكون معطوفا على "رُهْبانَهم" والمفعول الثاني محذوف، إذ التقدير: اتخذ اليهود أحبارهم أرباباً، والنصارى رهبانهم والمسيحَ ابن مريم أرباباً ، الثاني: منصوب على إِضمار فعل والتقدير: واتخذ النصارى المسيح بن مريم ربا فحذف الفعل اتخذ وأحد المفعولين إلها ، ومن المعروف أن النصارى هم وحدهم من اتخذ المسيح بن مريم ربا وإلها.

الشاهد السادس:
إن هذا الأسلوب البلاغي واللساني في الفصل بين المعطوفات موجود بكثرة في القرآن ويكفي أن أضرب لك مثالا واحدا على ذلك من سورة التوبة أيضا وهو قوله تعالى: (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، ومعناها (أن الله ورسوله بريئان من المشركين) ففي هذه الآية قد فصل الله بينه وبين رسوله بكلمة (بريء من المشركين) ويكون إعرابها كالتالي: قوله "ورسوله" الواو عاطفة، ومبتدأ، خبره محذوف، أي: ورسوله بريء كذلك، والجملة معطوفة على المفرد "بريء" في محل رفع، من قبيل عطف الجملة على المفرد، فقد أخبر عن الله بخبرين، الأول: براءته من المشركين، والثاني براءة رسوله . هذا هو المفهوم الحقيقي للآية، أما لو فهمنا هذه الآية حسب فهم الأستاذ أسعد يصبح مضمون الآية هو: إن الله بريء من المشركين وبريء من رسوله ، وهذا محال أن يكون مقصد الله من هذه الآية والأستاذ أسعد يقر معنا بذلك.

أما الإشكالية الثانية: وهي بقية الآية وهي قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
ثم ختم الله الآية بالقول أن هؤلاء اليهود والنصارى والذين قالوا منهم عزير بن الله والذين قالوا منهم المسيح بن الله والذين اتخذوا منهم أحبارهم ورهبانهم والمسيح بن مريم أربابا من دون الله وما أمروا وحالهم كذلك إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو، ونقدم إعرابها كالتالي:
جملة "وما أمروا " حاليّة من الواو في "اتخذوا" ، "لا إله إلا هو": "لا" نافية للجنس، و "إله" اسمها، والخبر محذوف تقديره: مستحق للعبادة، "إلا" للحصر، "هو" بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، والجملة نعت ثان لـ"إله"، "سبحانه" مفعول مطلق، وعامله محذوف تقديره: نسبح، وجملته مستأنفة. الجار "عما" مُؤَلَّف مِن "عن" الجارّة و "ما" المصدرية، والمصدر المجرور متعلق بـ نسبح المقدرة.
أرأيت يا أستاذ أسعد أن نص الآية كما ورد في المصحف مخالف تماما لقراءتك أنت وفهمك أنت ، وأن هذا الأسلوب موجود بكثرة في القرآن.

# المسألة الرابعة حديث التثليث:
وحول حديثك عن التثليث قلت: (وكيف يمكن أن نقول إن الله وكلمته وروحه هم ثلاثة ؟ أليس الله وكلمته وروحه واحد؟) وقلت في موضع آخر: (إن الله في ذاته هو أب بمعنى البادئ الباري المهيمن والمسيطر وفي إعلانه عن ذاته فهو ابن من حيث كون خروج هذا الإعلان منه أي من ذاته وصدوره عنه , وفي قوة عمله البادي لنا في الوجود فهو "روح" وهذا هو المفهوم الذي أعلنه الله الواحد عن ذاته) , وقد استشهدت بآيتين من القرآن هما قوله تعالى: {ثم سواه ونفخ فيه من روحه} , وقوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} وقلت أيضا بعد ذلك : ومن هذا يتضح أن شخص الله عز وجل هو أب بارئ وصورة متمثلة متجسدة وروح محيي).
وللرد على هذا الكلام نقول : إن أي شيء يصدر عن الله أو ينسب إلى الله هو خلق من خلقه وليس ذاتا من ذاته, إذ لو سلمنا بما تقول فإذن ليس المسيح المتجسد الذي هو الكلمة ليس هو فقط الله، ولا الروح فقط التي أسميتها القوة العاملة البادية لنا في الوجود هي الله, بل إن كل ساكن ومتحرك وكل قائم وقاعد وكل شيء موجود في هذا الكون هو الله، ويجب أن يعبد كل شيء في الكون بعضه بعضا وليس المسيح فقط ولا الروح القدس فقط !!!.
ودعني أدلل لك على هذا, أنت تعلم أن هذا الكون بما فيه ومن فيه قبل أن يظهر إلى الوجود لم يكن شيئا مذكورا, ثم خرج إلى الوجود وتمثل أمامنا وظهر لنا وتجسد فينا وفي كل شيء حولنا بأمر الله وإرادة الله, وبما أنك استشهدت ببعض آيات القرآن فدعني أذكر لك أيضا من القرآن ما يدلل على أن كل شيء ظهر في الكون وتمثل فيه وتجسد أمامنا هو من الله , قال تعالى: {وهو الذي سخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}, وحسب فهمك وحسب عقيدتك وحسب منطوق هذه الآية القرآنية يصبح كل ما في السماوات وما في الأرض جميعا هو الله لأنه صدر من الله وخرج منه لقوله تعالى: {جميعا منه}, إذن فليس المسيح فقط هو الذي ظهر الله فيه وتجسد , وأيضا يكون آدم قد ظهر الله فيه وتجسد لأن الله تعالى قال: {ثم سواه ونفخ فيه من روحه} وقال تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} إذا يصبح آدم هو الآخر هو والله شيء واحد لأن فيه روح الله وبالتالي يجب علينا أن نعبده!!.

# المسألة الخامسة: من هو المسيح؟:
لقد قلت: (إن عبارة الله هو المسيح بن مريم عبارة تحد من الله سبحانه وتنزع منه لا محدوديته وتقصر وجوده في شخصية المسيح بن مريم المحددة لنا, وهذا تناقض مع الإيمان المسيحي السليم الذي يعتقد أن المسيح هو صورة الله غير المنظور).
وقلت: (وفرقُ كبير جدا بأن يكون المسيح ابن مريم بحسب الاعتقاد المسيحي السليم هو صورة الله و بين اعتقاد طائفة النصارى الفاسد أنه هو الله , لان هذا الاعتقاد يفصل فعلا بين الله و بين المسيح و يجعل المسيح أما بديلا لله بأن يلغي الله و يحل محله أو أن يكون شريكا له و هذا بحسب المسيحية الصحيحة هو الكفر بعينه, فالمسيح ليس هو الله بل بحسب نص الكتاب المقدس هو صورة الله و شتان الفرق بين العقيدتين).
وقلت أيضا: (إن الله يستطيع أن يرسل صورته كيفما شاء ويظهرها وهي تقابل عقيدة التجسد أو التصور أي أن يظهر صورته في المسيح).
وقلت أيضا: (لقد وضعه القرآن (أي المسيح) في صف واحد مع اسم الجلالة, {من دون الله والمسيح بن مريم}) , لا لتساويهم بل لوحدانيتهم وعدم انفصالهم.
وقلت: (القرآن يقول عن الله والمسيح عيسى بن مريم " إلها واحدا لا إله إلا هو").
وقلت: (إن النص القرآني وهو {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا} وليس"الله وحده"، دلالة على أن الله والمسيح بن مريم هو إله واحد).
وقلت: (المسيح ليس هو الله بل بحسب نص الكتاب المقدس هو صورة الله وشتان الفرق بين العقيدتين).
وهنا يثير كلامك العديد من الأسئلة التي من خلالها نحاول استيضاح الأمر أكثر فنقول:
اسم المسيح بن مريم هل هو اسم لصورة الله؟ أم هو اسم لصورة الإنسان الجسد المولود من مريم؟.
وأغلب الظن أنه ليس اسم صورة الله لأنه لو كان اسم صورة الله إذن تصبح صورة الله هي بنت مريم وليس الجسد المخلوق والمولود من مريم.
إذن اسم المسيح بن مريم لا يمكن أن يكون لأحد غير الجسد البشري الذي ولدته مريم, وهنا تكون قد جعلت بكلامك السابق المسيح الإنسان المحدود الذي ولدته مريم هو والله شيئا واحدا، وهذا هو الشرك بعينه , حيث وحدت بين البشر المخلوق المولود من مريم وهو المسيح بن مريم وبين الله وجعلته هو والله شيئا واحدا حسب نص كلامك.
وإن قلت أنك لا تقصد بالله الجسد البشري الذي هو بن مريم وإنما تقصد صورة الله المتجسدة في شخص المسيح، فنقول هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل على النحو التالي:
أولا: أنت تقر بأن الله سبحانه لا محدود.
ثانيا: قلت: بأن من يقول بأن الله هو المسيح بن مريم فهو كافر لأنه يحد من الله وينزع عنه لا محدوديته.
ثالثا: أن الله الذات غير موجود في شخصية المسيح.
رابعا: قلت: إن المسيح هو صورة الله الغير منظور وليس الله.
خامسا: قلت: من يقول إن المسيح هو الله يجعل المسيح بديلا عن الله أو أن يكون المسيح شريكا لله.
سادسا: قلت: المسيح ليس هو الله بل بحسب الكتاب المقدس هو صورة الله وشتان الفرق بين العقيدتين.
إذن أنت تقر بأن الله ليس هو المسيح بن مريم , وأن الله لا محدودية له.
وقلت: (إن المسيح بن مريم هو صورة الله الغير منظور).
وأيضا هذا الكلام يثير عدة أسئلة هامة قد نتمكن من خلالها أن نستوضح حقيقة شخص المسيح بن مريم, فنقول الآتي:
هل صورة الله التي تحدثت عنها وقلت أنها تجسدت في المسيح الإنسان , هل هي ذات الله أم جزء من الذات؟؟
فإن قلت هذه الصورة هي ذات الله، تكون بذلك قد نزعت عن الله لا محدوديته كما قلت وجعلت اللامحدود يتجسد ويظهر في المحدود؟؟!
وإن قلت إن صورة الله ليست ذات الله بل جزء من الذات, إذن فأنت تقول بتجزئة ذات الله وأن الله مركب من أصل وصورة, أو ذات وصورة ، مع علمك بأن ذات الله بسيطة لا تركيب فيها ولا تعدد.
أما إن قلت الصورة ليست هي الذات وليست بجزء من الذات، إذن فهي شيء غير الله، وإذا كانت شيء غير الله فهي خلق من خلق الله، وأنت تعلم أن كل ما سوى الله هو مخلوق, وبالتالي لا يمكن أن تكون هناك صورة لله منفصلة عن ذاته، ثم تكون في الوقت ذاته لها نفس ماهية الذات من أزلية ولا محدودية، إذ لو كان هناك شيء غير الله له نفس صفات الألوهية ونفس ماهية الله من أزلية ولا محدودية، إذن فسيكون هناك إله آخر مع الله، ويصبح هناك إلهان الأول: هو الذات، والثاني: هو الصورة، وهذا هو الشرك بعينه، والقول بتعدد الآلهة, وسواء أسميت ذلك الشيء الذي تجسد في المسيح صورة أو أسميته كلمة أو أسميته روح فسينطبق على أي منهم ما سبق وقلناه, ودعني أعرض لك الأمر أكثر تفصيلا على النحو التالي:
لو قلت إن الذي تجسد في المسيح هو صورة الله أو كلمة الله أو روح الله سمه ما شئت, فسوف نرد عليك بسؤال كالتالي:
هل الصورة المتجسدة أو الكلمة المتجسدة أو الروح المتجسدة هي ذات الله أم جزء من ذات الله أم هي شيء ليس بالذات ولا بجزء من الذات؟؟؟
مع الملاحظة أنك ذكرت بالنص أن (المسيح ليس هو الله بل بحسب نص الكتاب المقدس هو صورة الله).
إذن وحسب نص كلامك فسيكون جوابك إن الصورة أو الكلمة أو الروح المتجسدة في المسيح ليست هي الله وإنما هي صورة الله.
فنقول مادامت أنها ليست هي الله إذن فهي شيء مخلوق وبالتالي فهي محدودة، إذ لا يمكن إطلاقا أن يوجد شيء يكون ليس هو الله ويكون ليس بمخلوق في آن واحد، وكذلك لا يمكن إطلاقا أن يكون هناك شيء ليس بخالق وليس بمخلوق في آن واحد سوى العدم.
أما إن قلت هي الله فتكون قد ناقضت كلامك الذي قلت فيه إن المسيح ليس هو الله. وتكون قد ناقضت كلامك أيضا الذي قلت فيه: إن الله لا محدودية له. لأن بقولك إن الصورة أو الكلمة أو الروح هي الله، تكون قد حددت الله في شخص المسيح البشري المحدود وتكون قد نزعت عن الله لا محدوديته.
وأنت تعلم أن كل شيء دون الله أو سوى الله ما هو إلا خلق من خلق الله , ولا يوجد شيء له صفتان متناقضتان, فإما أن تكون الصورة هي الله أو شيء مخلوق سوى الله.
إذ لو كانت صورة الله أو كلمة الله أو روح الله ليست هي الله وليست خلق من خلق الله إذن فهي عدم وليست بشيء على الإطلاق.
وكل عام وأنت بخير ،،، والسلام عليكم..



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاضرة البابا بين الله المسيحي والله المسلم
- محاضرة البابا وردود الأفعال
- الولاء والبراء في القرآن
- نهرو طنطاوي يرد على كامل النجار - القرآنيون ليسوا خوارج
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الرابع
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الثالث
- نهرو طنطاوي يرد على الأستاذ مدحت قلادة
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الثاني
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الأول
- المثقف ورجل الدين وليس من أحد معصوم
- الناسخ والمنسوخ بين فتاوي بن باز وعقلانية ذكريا بطرس -الجزء ...
- الناسخ والمنسوخ بين فتاوي بن باز وعقلانية ذكريا بطرس - الجزء ...
- طاعة الرسول واجبة في حياته وليست بعد وفاته
- الله والآخر بين الأوصياء على الدين والكتب المقدسة
- الاجتهاد الديني تشريع إلهي أم اختراع بشري؟
- محاولة لقراءة جديدة للإسلام في كتاب نهرو طنطاوي


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد