أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري فوزي أبوحسين - سمو تعامل التراث العربي مع الجنون والمجانين















المزيد.....

سمو تعامل التراث العربي مع الجنون والمجانين


صبري فوزي أبوحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 12:45
المحور: الادب والفن
    


من يطالع موقف مدونات التراث العربي من الجنون والمجانين، يرى حضورًا متنوعًا عجيبًا للجنون والمجانين، ويرى أن الجنون ليس مرضًا منفرًا، أو داء يمنع أصحابه دائمًا من الحضور في الحياة، ويرى أن ليس المجنون كائنًا معوقًا، وليس عالة، وليس عبئا زائدًا على المجتمع. إنه إنسان، له كل حقوق الإنسان: حق الحياة، وحق الحركة، وحق الرعاية، وحق العمل، وحق الإبداع، بل إن (المجنون) قد يصل إلى رتبة الداعية والواعظ والمصلح للخلفاء والولاة والوجهاء، والمضحك المسلي لهم!
أما عن مدونة المعاجم التراثية فإن لفظة (الجنون) من الجذر اللغوي(ج/ن/ن)، الذي قال عنه ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة:" الجيم والنون أصل واحد ، وهو الستر، و التستر"، و (الجنون) مصدر الفعلين(جَنَّ)، و(جُنَّ)، والدائر حول المعنى الكلي (الستر)، ويقصد به زوال العقل أو فسادٌ فيه، صَرع، داء النقطة، يقال: أصابه مسٌّ من الجُنون. وقد رصد الباحث المعاصر أحمد الخصوصي -في كتابه ‘الحمق والجنون فى التراث العربي‘- غزارة مترادفات الجنون في معجم "لسان العرب"، إذْ وصل عددها إلى 80 مفردة، بينما بلغت اشتقاقات الحُمْق نحو 400 لفظة. ومصطلح (الجنون) في عرف الفقهاء هو ذهاب العقل لآفة، ومظهره جرى أن التصرفات القولية والفعلية على غير نهج العقلاء، وفي الموسوعة الفقهية: الجنون اختلال القوة المميزة بين الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب بأن لا تظهر آثارها، وأن تتعطل أفعالها.. و(الجنون) –كذلك- ‏اصطلاح قانوني يشير إلى حالة ذهاب العقل وغيابه التي تعفي صاحبها في معظم الأحيان من أية مساءلة قانونية.
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة للدكتور أحمد مختار عمر أن لفظة(الجنون) تستعمل في تعبيرات كثيرة منها: ومن الأمثال أو الأقوال السيارة: (الجنون فنون): يُضرب لمن يخلط بين أشياء لا رابط بينها، و(سرعة جنونيّة): سرعة فائقة لا يتخيّلها عقل تؤدِّي إلى الهلاك، و(عَمَلٌ جنونيّ): منافٍ للعقل خارج عن المعتاد. (جنون الذُّباب): كثرةُ تَرَنُّمِه أي طنينه .
ومن توظيف لفظة(الجنون) في الإشارة إلى أمراض متنوعة: قوله: (جُنون الارتياب)، أي عدم الثقة غير المبرّر في الآخرين، و(جُنون الصِّبا)، أي هوس الشباب رعونته، و(جُنون مُطبَق)، أي تامّ.
ومن الأمراض المعدية الحديثة ما يسمى (جنون البقر)، ويقصد به: التهاب شديد يدمِّر خلايا المخ في الأبقار، تنتشر العدوى به نتيجة تغذية الماشية بأغذية حيوانيّة ويؤدي هذا المرض إلى اضطراب حركيّ وشلل وينتهي بموت الحيوان.
ومن الأمراض النفسية المعاصرة ما يسمى (جنون العَظَمة)، ويقصد به: خلل عقليّ يجعل المرء يشعر بقوّة وعظمة غير عاديّة فيخترع وقائع خياليّة تتَّسق مع هذه المشاعر للهروب من الواقع الفعليّ الذي يعيشه الشخص. وما يسمى (جنون السّرقة) أي ميل اندفاعيّ قويّ للسَّرقة ولا سيَّما سرقة الأشياء التي لا يحتاجها السارق.
و(الجنون) في الخطاب القرآني الكريم ذكر فعله (جَنَّ) في سورة الأنعام ، وذكر المفرد (مجنون) إحدى عشرة مرة في تسع سور، تدور حول اتهام الكفار والمشركين رسل الله وأنبياءه عليهم السلام بالجنون؛ نَيلاً منهم وتنفيرًا للناس منهم، منها قول الله تعالى في سورة الذاريات: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْمَجْنُونٌ﴾. ويحلل الإمام أبو القاسم بن حبيب النَّيْسابوري (ت 406هـ/1016م) -في كتابه ‘عقلاء المجانين‘- سبب رمي الأنبياء بالجنون بقوله: "دعت الأممُ الرسلَ مجانين؛ لأنهم شقّوا عصاهم فنابذوهم وأتوا بخلاف ما هم فيه".
وفي سورة البقرة بيان لنوع من الجنون وربطه بشخصية المرابي في قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ﴾، أي يتخبَّله الشيطان في الدنيا، وهو الذي يخنقه فيصرعه (5) =" من المس "، يعني: من الجنون.
وفي الخطاب النبوي الكريم نجد دلالة دعوية ووعظية جديدة للفظ (المجنون)؛ فقد ذكر صاحب كنز العمال، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا مع أصحابه، فمر بهم رجل مجنون، فقالوا: هذا رجل مجنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، المجنون المقيم على معصية الله تعالى، ولكن هذا رجل مصاب. وفي آثار شيعية أثر أسند إلى النبي-صلى الله عليه ويسلم- ولم يرد في مصادر السنة النبوية! نصه: مَرَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- برجل مصروع، وقد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: علامَ اجتمع هؤلاء؟ فقيل: على مجنون يُصرع. فنظر إليه فقال: ما هذا بمجنون، ألاْ أُخبركم بالمجنون حَقَّ الجنون! قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إنَّ المجنون حَقَّ الجنون، المُتبختر في مشيه، الناظر في عِطفيه، المُحرِّك جنبيه بمنكبيه، فذاك المجنون، وهذا المُبتلى"! فالمجنون الحقيقي في السنة هو الذي يفقد عقله فيقع في المعاصي عامة، والمعاصي السلوكية خاصة! وتتعلق بالمجنون أحكام وله حقوق كثيرة مبثوثة في أبواب الفقه، ومن أراد معرفتها فليراجع الجزء السادس عشر من الموسوعة الفقهية، وكتاب "الجنون وأنواعه في المنظور الإسلامي- دراسة عصرية" للباحث: سفر أحمد الحمداني.
وفي مصادر التاريخ ما يدل على اهتمام الخلافة العباسية برعاية المجانين وعلاجهم فهذا إمام المعتزلة ثُمَامة بن أشْرَس (ت 213ه) يقول: "بعثني الرشيد إلى دار المجانين (= مستشفاهم) لأصلِح ما فسد من حالهم"، أي أنه كان يتفقدهم ويعتني بأوضاعهم بتكليف رسمي من الخليفة مباشرة!
المجانين في المدونات التراثية
---------------------------
ومن يطالع فهرس المؤلفات يجد كتبًا كثيرة دارت حول المجانين والحمقى والمغفلين والنوكى، إذ يذكر ابن النديم (ت 384هـ) في كتابه ‘الفِهْرِسْتْ" أن المؤرخ أبا الحسن المدائني (ت 225هـ) ألّف مصنفًا سماه "كتاب الحمقى"، فلعله أقدم ما وُضع في هذا الموضوع. وممن ألف مبكرًا في ذلك الجاحظ(ت255هـ) في كتابه "البيان والتبيين" بعنوان (نوادر النوكى والمجانين وجفاة الأعراب)، حيث ذكر كلام النوكى والموسوسين والجفاة والأغبياء وما ضارع ذلك وشاكله، وأحببنا ألا يكون مجموعًا في مكان واحد؛ إبقاء على نشاط القارئ والمستمع".
وهذا ابن حبيب النيسابوري(ت406هـ)، يؤلف كتابه (عقلاء المجانين) والذي عرف فيه بالجنون لغويًّا، وتحدث فيه عن الأسماء المرادفة للمجانين، والأمثال المضروبة في الحمق والحمقى، وأسماء جنون الدواب، وضروب المجانين، ومن يسمى مجنونًا بلا حقيقة، ومن جن من خوف الله، ومن تجان وتحامق وهو صحيح العقل، ومن تحامق لينال غنى، ومن تحامق ليرخي غنى ويطيب عيشًا، ومن تحامق لينجو من بلاء وآفة.
وهذا الإمام الزمخشري(ت538هـ) في كتابه (أطواق الذهب في الخطب والمواعظ) يقول: "الجنون فنون، والفنون جنون. وحسبك فن فذ هو في أداء طاعتك أداتك، وحظك الذي تستوي عليه عباداتك. وما عداه بحسنه رائق، لولا أنه عائق. وإليه القلب نازع، إلا أنه وازع. وإن فناً من العلم أنت به جاهل، خير من علم أنت عن العمل به ذاهل. وكأين من فن يُغنم كل فيء، وليس هو من الآخرة في شيء". وهو في هذا النص الأدبي التوجيهي يربط بين الجنون والفنون، والدعوة والوعظ.
و هذا الإمام جمال الدين أبو الفرج الجوزي (ت ٥٩٧هـ)، يؤلف كتابه (أخبار الحمقى والمغفلين)، ويقسمه إلى أربعة وعشرين بابًا، عناوينها: الباب الأول: في ذكر الحماقة ومعناها، لباب الثاني: في بيان أن الحمق غريزة، والباب الثالث: في ذكر اختلاف الناس في الحمق، الباب الرابع: في ذكر أسماء الأحمق، والباب الخامس: في ذكر صفات الأحمق، والباب السادس: في التحذير من صحبة الأحمق، والباب السابع؛ في ضرب العرب المثل بمن عرف حمقه، والباب الثامن: في ذكر أخبار من ضرب المثل بحمقه وتغفيله، والباب التاسع: في ذكر جماعة من العقلاء صدر عنهم فعل الحمقى، والباب العاشر: في ذكر المغفلين من القراء، والباب الحادي عشر: في المغفلين من رواة الحديث وتصحيفه، والباب الثاني عشر: في ذكر المغفلين من القضاة، والباب الثالث عشر: في ذكر المغفلين من الأمراء والولاة، والباب الرابع عشر: في ذكر المغفلين من الكتاب والحجاب، والباب الخامس عشر: في المغفلين من المؤذنين، والباب السادس عشر: في المغفلين من الأئمة، والباب السابع عشر: في المغفلين من الأعراب، والباب الثامن عشر: في من قصد الفصاحة والإعراب من المغفلين، والباب التاسع عشر: في من قال شعراً من المغفلين، والباب العشرون: في المغفلين من القصاص، والباب الحادي والعشرون: في المغفلين من المتزهدين، والباب الثاني والعشرون: في ذكر المغفلين من المعلمين، والباب الثالث والعشرون: في ذكر المغفلين من الحاكة، والباب الرابع والعشرون: في ذكر المغفلين على الإطلاق.
ومن نصوص كتاب أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي: "أنشد بعض الحمقى عن المبرد قال: قال الجاحظ: أنشدني بعض الحمقى: مجزوء الرمل:
إن داء الحب سقمٌ ليس يهنيه القرار
ونجا من كان لا يعــ ــشق من تلك المخازي
فقلت: إن القافية الأولى راء والثاني زاي؟ فقال: لا تنقط شيئاً، فقلت: إن الأولى مرفوعة والثانية مكسورة، فقال: أنا أقول تنقط وهو يشكل.
وهذا أبو المجد النشابي الكاتب (ت ٦٥٧هـ) يذكر في كتابه (المذاكرة في ألقاب الشعراء) بابًا بعنوان (شعر المجانين، وما نخبره من أشعارهم)، قال: وليس مذهبنا في ذلك أن نذكر مثل مجنون مشهور، مثل مجنون بني عامر، وفيه وفي نظرائه اختلاف. ولكنا ذكرنا من المتميزين، الذين غلبت عليهم السوداء والاحتراق، ثم تعود إليهم عقولهم. ولجماعة منهم نوادر ق جمعها بعض العلماء. فأردنا أيضاً أن نذكر غير الذي ذكر من نوادر أولئك، ولم نذكر سوى أشعارهم، وعدلنا عن ذكر نوادرهم. إذ كان غرضنا التنبيه على الشعراء على اختلافهم. وهم: أبو حية النميري، واسمه الهيثم بن الربيع. ومنهم: ماني، وبهلول، وجعيفران، والعباس المشوق، وخالد الكاتب. وغرضنا في هذا الكتاب الاختصار الذي ما بعده اختصار. وقد سمي شعراء كثيرون بالمجانين حتى اقترنت أسماؤهم بالجن والوسوسة مثل سعدون المجنون، سمنون المجنون، بهلول المجنون. واقترن آخرون بالوسوسة مثل، جيفران الموسوس ومدرك بن علي الشيباني الموسوس، وأبو حيان الموسوس وغيرهم. لكن التفاوت شديد بين شعر المجانين وكلامهم! وهذه الظاهرة تحتاج دراسة نقدية! ومن أراد مزيد اطلاع على هؤلاء فليراجع كتاب «معجم المجانين من الشعراء» للدكتور قيس كاظم الجنابي، المطبوع سنة 2007م.
ثلاثية العشق والجنون والشعر
---------------------------
ذكر ابن حبيب النيسابوري في كتابه(عقلاء المجانين) خبرًا يربط بين العشق والجنون فقال: "سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن مسعود النسوي بها، يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عيسى السركري؟ ببغداد يقول: سمعت زكريا بن يحيى بن خلاد المنقري يقول: سمعت الأصمعي يقول: لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت بأوجز ولا أجمل من قول أنشدنا بعض نساء الأعراب وسألت عن العشق فقالت: داء وجنون.
أنشدنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إسحق الخزلحجي؟ بمرو قال: عبد الله بن بهلول بقرميسين.
وما عاقل في الناس يحمد أمره ويذكر إلا وهو في الحب أحمق
وما من فتى قد ذاق بؤس معيشة من الناس إلا ذاقها حين يعشق
سمعت أبا الحسن مظفر بن غالب الهمداني يقول: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى الصولي قال: اعتل عبد الله بن المعتز فأتاه أبوه عائداً، وقال له: ما عراك يا بني؟ فأنشأ يقول:
أيها العاذلون لا تعذلوني وانظروا حسن وجهها تعذروني
وانظروا هل ترون أحسن منها إن رأيتم شبيهها فاعذلوني
في جنون الهوى وما بي جنون وجنون الهوى جنون الجنون
قال: فتتبع أبوه الحال حتى وقع عليها فابتاع الجارية التي شغف بها بسبعة آلاف دينار ووجهها إليه. ومن ضروب المجانين وأسمائهم (الممسوس) وهو الذي يتخبطه الجن والشياطين، ومنهم العاشق الذي تيمه الحب فأجنه. كما أن الجنون أعلى مرتبة من مراتب الحب المتعددة عند أبي منصور الثعالبي(ت429هت) في كتابه (فقه اللغة وأسرار العربية) حيث ذكر مراتب: الهوى ثم الشوق، ثم الحنين، ويليه الحب... ثم الهُيام، وهو شدة الحب حتى يكادَ يسلب المحب عقله، ثم الجنون وهو استلاب الحب لعقل المحب""!
ومن يطالع شعر الغزل العربي التراثي يجد ربطًا بين الجنون والحب عند كبار الشعراء فهذا ابن المعتز يقول:
أَقرَرتُ أَنِّيَ مَجنونٌ بِحُبِّكُمُ وَلَيسَ لي عِندَكُم عُذرُ المَجانينِ
وهذا بشار بن برد يقول:
ما كُنتُ أَوَّلَ مَجنونٍ بِجارِيَةٍ تَسَفَّهَت لُبَّهُ وَالمَرءُ صِنديدُ
وهذا الصمة القشيري يقول:
رأتني الغواني قد ترديتُ شملةً وأُزِّرتُ أخرى فازدرتني عُيونُها
وفي شملتي لو كُنَّ يدرين سَورَةٌ من الجهلِ مجنونٌ بهنَّ جُنونُها
وهذا ابن نباتة المصري يقول:
عذَّبوني في هواها عذَّلي ونهوني زائداً والقلب مفتونُ
ثم قالوا: أنتَ مجنونٌ بها قلت: مجنونٌ ومجنونٌ ومجنونُ
وكان الإمام الشافعي (ت 204هـ) أحد أشهر رواة شعر المجانين؛ فقد روي أن محمد بن عبد الحكم (ت 268ه)، تلميذ الشافعي، قال: "سمعت الشافعي يقول: أروي لثلاثمئة شاعر مجنون"!!
وممن جمع بين ثلاثية العشق والجنون والشعر قَيْسُ بْنُ اَلْمُلَوَّحِ، والملقب بـمَجْنُونِ لَيْلَى(ت 68 ه)ـ، ذلك الشاعر الغزل، الذي يعد من كبار المتيمين من أهل نجد. لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها ان يزوجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيرى حينًا في الشام وحينًا في نجد وحينًا في الحجاز.
وكان قيس يعد نفسه مجنوناً بليلى، أي مغرماً ومولعاً بها، بل كان يفتخر بأنه مجنون بها حبًّا وكلفاً:
وإني لمجنون بليلى موكـلٌ ولست عزوفاً عن هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكيت صبابــة لتذكارها حتى يبلَّ البُكا الخــدّا
وقال:
وَقَد صِرتُ مَجنوناً مِنَ الحُبِّ هائِماً كَأَنِّيَ عانٍ في القُيودِ وَثيقُ
وقال:
جُنِنتُ بِلَيلى وَالجُنونُ يَسيرُ عَلى حُبِّها عَقلي يَكادُ يَطيرُ
وَما بِيَ إِلا حُبُّ لَيلى كِفايَةٌ جُنوناً وَإِنّي في الغَرامِ أَسيرُ
وكذا قيس بن ذريح الليثي الكناني والملقب بمجنون لبنى الذي لقب بذلك لهيامه في حب لبنى التي نشأ معها وعشقها وتزوجها ثم طلقها لكونها لا تلد فهام على وجهه ينشد الأشعار، وتزوجت بعده فلما مرت فترة من الزمن ساءت حاله وهام مجدداً بعد أن رآها فخيرها زوجها بين أن تبقى معه أو أن يطلقها لترجع إلى قيس فاختارت الطلاق والرجوع إلى قيس بن ذريح غير أنها بعد الطلاق ماتت فمات على إثرها قيس بن ذريح. وتأثر الأدباء المتأخرون بهاتين القصتين قال الشاعر العراقي عبدالغفار الأخرس(ت1873م):
جُنِنتُ بذكر العامريّة والهوى جنونٌ ولكنَّ الجنونَ فنونُ
وكان لقصة مجنون ليلى التأثير الكبير في الأدب العربي، لا سيما فن المسرح، كما كان لها تأثير في الأدب العالمي كما في الأدب الفارسي والأدب التركي، والأدب الكردي، وغيرها من آداب العالم وفنونه...
وهكذا نقف في هذه المقالة مع أدلة نصية وقصصية وخبرية من تراثنا العربي على أن الحضارة العربية الإسلامية قد تعاملت مع ظاهرة الجنون وجماعة المجانين بطريقة إيجابية عملية فيها تعايش وتجاور وتحاور واعتراف بهذه الفئة الإنسانية التي لها ما لها مما يستثمر ويستفاد منه، وليس في تراثنا إقصاء لها أو توحش منها أو محاولة إبادتها والقضاء عليها باعتبارها خطرًا أو قذارة أو وباء، كما حدث في الحضارة الغربية وغيرها من الأنظمة البشرية الملوثة المنحرفة!



#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تناغم الأبوة والطفولة في أقصوصة(كاميرا أبي) للقاصة حنان إسما ...
- أبحاث الأستاذ الدكتور صبري فوزي أبوحسين حتى عام٢٠ ...
- تقنيات أسلوبية في تجربة(عبده الوزير ..إزازة سابقًا) للدكتور ...
- توصيات المؤتمر العلمي الثاني لكلية الدراسات الإسلامية والعرب ...
- رمضان شهر الإنجاز الروحي والثقافي
- صداقاتي في مسيرتي الخمسينية
- أدب النكبات مفهوما ومسيرة
- الموسيقى في آداب اللغة العربية
- غانم السعيد البشير القاص
- تعليم اللغة العربية ضرورة دينية ووطنية
- البيئة الغربية والنقد الأدبي العربي الحديث
- محاضرة في أوزان الشعر وموسيقاه
- الجمال في فَضاءي الريف والمدينة لُغَوِيًّا وأدَبِيًّا
- العلامة الدكتور محمد رجب البيومي مبدعا أزهريا ومثقفا مصريا
- تصدير الأستاذ الدكتور خالد فهمي لكتاب أعمال المؤتمر الدولي ا ...
- تصدير الناقد الأديب الأستاذ الدكتور علاوة كوسةالأستاذ بالمرك ...
- تزوير فكري مُشَوِّه لقضية عروبة القدس
- ثقافتنا بين القدامة والحداثة
- إحياء الكتب مفهوما ودافعا
- إحياء الكتب مفهوما ودوافع


المزيد.....




- مراسم وداع في كييف لفنان أوكراني قُتل على الجبهة في زابوريجي ...
- إطلالة أنيقة للممثلة المصرية دينا الشربيني خلال العرض الأول ...
- وفاة الشاعر السعودي سعود القحطاني بعد سقوطه من أعلى جبل في ع ...
- اشتهرت بدورها في -أحلام أبو الهنا-.. وفاة الفنانة السورية إي ...
- جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال.. أدب الرحلات بوابة للخي ...
- تطبيق -ترجمة غوغل- يحصل على مزايا معززة بالذكاء الاصطناعي
- شرطة دبي تحبط سرقة ماسة نادرة بـ25 مليون دولار في عملية أشبه ...
- كتارا تعلن عن قائمة الـ9 لمنافسة الدورة الـ11 لجائزة الرواية ...
- إبراهيم نصر الله: حين تغدو النکبة جزءا من فکرة العالم عن نفس ...
- تقرير لغارديان.. ثقافة العصابات والعنف تنتشر بجنوب السودان


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري فوزي أبوحسين - سمو تعامل التراث العربي مع الجنون والمجانين