صبري فوزي أبوحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 23:56
المحور:
الادب والفن
---------------
تجربة(عبده الوزير ..إزازة سابقًا عبده الوزير) للدكتور محمد عمر،تجربة سردية قصيرة فيها جلد، وفيها تنوير، وفيها صيحة تحذير، وفيها إدانات للحالة التعليمية، والحالة الأكاديمية، والحالة الفنية، والحالة الإعلامية! وقد تكونت من ستمائة وإحدى وخمسين كلمة، وجاءت بلغة الراوي العليم الذي يستخدم ضمير الغيبة، ويختفي فيها ضمير التكلم، ويقل فيها ضمير الخطاب! إنها تجربة مكثفة البناء، مكونة من بداية تعرفية(تكوين الانتهازي) ووسط تطوري(إنجازات البطل المختلقة)، ثم محاولة تتويجه وتكريمه على مجمل خداعاته و(نصَباته) واحتيالاته وختام مفتوح، وقد تدرج البطل ونما من(عبده) التلميذ، إلى الشاب (عبده إزازة)، إلى الصاعد ( الدكتور عبده) ثم إلى المنتفخ ( الدكتور عبده الوزير)، ثم إلى (العبقري).. وقد قرأت هذه التجربة من قبل قراءة موضوعاتية بعنوان(شخصية الانتهازي في السرد القصير، عبده الوزير إزازة سابقا) للدكتور محمد عمر أنموذجا)، وهو منشور على مدونتي في موقع كنانة أون لاين[http://kenanaonline.com/users/sabryfatma/posts/1166269 ].
وأشرف بقراءتها هنا في هذه الندوة الرقمية عبر المجمع العلمي الأكاديمي، وجامعة باشن العالمية، تحت هذا العنوان، ووسط ثلة طيبة من المتداخلين النقاد:د.نادر عبدالخالق،أ. مجدي جعفر، د.محمد عبدالرحمن عطا الله،د.صباح السليمان، د.سماح حيدة، وفي حضور مبدعها الأكاديمي الممتع د.محمد سيد علي عمر، ولعل هذا من بركة هذه السردية وما فيها من إخلاص وهادفية!
ومن يطالع هذه التجربة أسلوبيا يجد بعد الخصائص اللغوية السردية العامة من وضوح ومباشرة وبيانية وواقعية وتسلسل وترابط، يجد عدة تقنيات أسلوبية بارزة ومهيمنة ومتصلة اتصالا وثيقا برسالة القاص، ومغزى القصة القصيرة، وهذه التقنيات هي:
تقنية التعبير الفعلي:
-------------
يلاحظ كثرة الجمل الفعلية على الجمل الاسمية، بل الجمل الاسمية تكاد تنعدم، كأن التجربة قائمة على حركة دؤوب متغيرة لا تستقر ولا تهدأ، وكأن البطل كثير الحركة لا يهدأ حتى يحقق طموحه وترقيه! وقد وازن القاص بين الماضي والمضارع، ليشير إلى أن ماضيه كحاضره، وحاضره كماضيه،هو هو لا يتغير، يعيش على سلوك واحد ليحقق هدفا واحدا واختفى عنده الأمر إلا فعلا واحدا، فما كان لمثل عبده الوزير أن يأمر. والأفعال هنا أفعال سطحية تمثيلية!
تقنية استثمار الألفاظ والتراكيب الوصفية :
----------------
كثرت الأوصاف في هذه السردية كثرة دالة ومساعدة للقاص و للبطل معا على أداء رسالتهما وهدفهما، فنجد(مشهدا محوريًّا، بإجاباتٍ سريعةٍ ومتقنةٍ، تسمح بها أنظمةُ الاختباراتِ العبثيَّة، وأوراق الأسئلةِ السِّحريَّة والسِّريَّة ذوات الأختامِ الصُّكوكيَّة، . شاردًا، يهرفُ بكلماتٍ عبثيَّةٍ، تحمل كلَّ سماتِ الجَهل، وفوضويًّا في تصرُّفات تعبِّر عن مستواهُ الاجتماعيّ والفِكريّ المُتدنّي، ومُترنِّحًا كأنَّهُ في حالة سُكْرٍ دائم حتَّى لقَّبوه عبده الوزير...)! فالأوصاف والنعوت حاضرة في أعطاف الأقصوصة كلهل!
تقنية اللغة المصرية:
---------------
نجد هذه التقنية بادية في عنوان التجربة فهي لا تقرأ ولا تفيد دلالة إلا بقراءتها قراءة باللهجة المصرية، فلفظة(عبده) ذات إيحاء خاص، بما يدل على تشوقه وتشوفه وانتهازيته،ولفظة(إزازة)دالة على السلوكيات القبيحة حيث الاقتران بالسكر وغياب العقل والانحطاط اللفظي والفعلي! وكذلك عبارة(ست الكل)وعبارة(يا إخواننا)!
تقنية الاستفهام:
--------------:
جاء الاستفهام موظفا في مقام الاستجداء للجائزة والتكريم حين قال عبده الوزير: "أهذه هي المكافأة؟! يا إخواننا المناصب زائلة والكراسي ذاهبة"، وقد تكاتفت عناصر الشعرية في هذه الصرخة التمثيلية، وزادها حضورا باستفهاماته:" هل كلّ ذنبي أنّني وطني؟ هل ذنبي أني وزير؟ أكلّ ذنبي أنني عبقري في زمن لايؤمن بالعباقرة؟!".
تقنية الإيحاء بأدوات حياتية:
---------------
جاء الإيحاء ظاهرا في الرباعي الحياتي العجيب المريب( القلم، واللسان، والكرسي، النظارة السوداء)، في حضور فاعل في بناء هذه السردية، وجاءت النظرة إلى هذا الثالوث من خلال كون(القلم) و(اللسان) و(النظارة السوداء) وسيلة، وكون الكرسي غاية!
ولكن القلم هنا وسيلة سلبية، وظفت توظيفا مخادعا، يقول القاص: " ظلَّ مشهدُ عبده وهو يطرقُ بأسفل القلمِ على طرفِ الكُرْسي"، ثم يقول: " يطرقُ عبده بالقلمِ طرقاتِهِ المعتادة" ثم يختفي القلم ويحضر اللسان، ليعلن عن أن البطل شخصية لسانية تمثيلية فقط، كان القلم في بدايتها وسيلة غش وترق زائف، ثم حل محله (اللسان) ثم يقول القاص: "أخذ عبده ينقرُ بظهر القلم على طرف الكرسي وهو ينظر نظرة حزينة وعميقة ومتقنة مستنكرًا تلك الحملة الحاقدة المشككة في جدارته بالفوز"، ونبرات هذا اللسان تلك النبرات العاطفية والمستعطفة! وكما بدأ تجربته بالقلم ختمها بالقلم قائلا:" تتابعت نقراته بالقلم مع نبرات صوته الاحتجاجيّة"، ويتطور في هذه التجربة (الكرسي) من تلك الأريكة الخشبية التي تكون في البدء مكانا مخصصا للطالب في الفصل الدراسي، وفي الوسط تكون أريكة صاحب المنصب، ثم تتحول في ختام السرد لتكون المنصب ذاته في قول القاص: " المناصب زائلة والكراسي ذاهبة"! ويمكن أن تضاف النظارة السوداء ضمن هذه التمثيلية المخادعة المخاتلة النصَّابة!
تقنية توظيف المعطيات السينمائية:
-----------------
هذه تقنية طريفة في هذه التجربة السردية، يشير بها القاص إلى أن عبده الوزير صنيعة التليفزيون السينما بكل ما فيهما من مشاهد مصطنعة، وشخوص سلبية، وبكل ما فيها من أدوات تأثيرية، يقول القاص: " مشهد محمود الخطيب التاريخيّ يوم اعتزاله وكلماته البسيطة الآسرة: ألف شكر.. ألف شكر، وكلمات أحمد زكي الوداعيَّة التي دعا فيها الناس للصِّدق في المشاعر والإيمان بالحبّ والعمل وقيمة الحياةِ". ويقول: " جمعَ فيها بين ملامح شخصيّتي: حسن اللُّول، والباشا لأحمد زكي في مزيج عجيبٍ، بتناقضاتهِ التي تشي بتحوُّل عبده إزازة"! ويوظفها أيضا في قوله: " تحوَّل صوتً عبده الأجشّ المتقطّع الذي يحمل صوت علي الشّريف ونبرات محمد رمضان إلى بحّة عبد الحليم حافظ في مرضه الأخير، وهمس ممدوح عبدالعليم تارة وخالد صالح في مرض الموتِ"!
تقنية توظيف الأدوات الإعلامية:
--------------
كل انتهازي متسلق يستخدم الإعلام ليحقق غايته ويسلط الأضواء عليه، وليعلن عن نفسه للجميع: قمة وقاعا! نجد هذا في قول القاص: " وسط قاعة الاحتفال ماسِكًا بالميكروفون، خاطفًا عيون المدعوين ومشاعرهم بطريقة.. أوقفوا التَّصوير، لا أريد تصويرًا ولا كاميرات"، وفي قوله؛ " حتَّى جاء اللَّقبِ المرتقبِ باستضافتهِ في برنامج تلفزيونيّ يحمل اسم مذيعَته الشّهيرة ليحكي قصَّة حياته ورحلة كفاحهِ "، وتظهر هذه المذيعة كأنها مأجورة ومأمورة في الختام حيث نجد" وجه المذيعة التي اختفت ضحكاتها فجأة لتتساقط دموعها التي لم تفلح في حجبها رغم محاولاتها المتقنة!
تقنية الاسترجاع:
-------------
تعامل القاص مع الزمانين الماضي والحاضر تعاملا متوازنا، فالحاضر في مثل قول القاص: " وهو يطرقُ بأسفل القلمِ،" وقوله: "يطرقُ عبده بالقلمِ طرقاتِهِ المعتادة، ويلتفتُ التفاتةً"، وقوله: مع مرور السّنواتِ يستمرّ طرق عبده وارتفاعه"، وقوله: " ومع توالي صُعودِ عبده اضطرّ أن يخفيَ بريقَ"، وهكذا دواليك.
عن طريق الاسترجاع استدعى الماضي الخاص ببطله(عبده إزازة) يقول: " كما عرفَهُ زملاؤهُ في أوَّل سنوات الدِّراسةِ شاردًا، يهرفُ بكلماتٍ عبثيَّةٍ، تحمل كلَّ سماتِ الجَهل، وفوضويًّا في تصرُّفات تعبِّر عن مستواهُ الاجتماعيّ والفِكريّ المُتدنّي، ومُترنِّحًا كأنَّهُ في حالة سُكْرٍ دائم حتَّى لقَّبوه عبده إزازة بما انعكس عليه من طول معاشرة الأوغاد والأوباش من كل صِنفٍ". فهذا مشهد وحيد يعبر به القاص عن ماضي بطله!
تقنية الخلاصة:
-----------
وتجد القاص يحاول تكثيف أحداثه وزمانها عن طريق التلخيص، بقوله": ومع كلّ صعودٍ صارت الوزارة تقترب منهُ لقدرته الفذّةِ على إلقاء حصاهُ السّحريَّةِ في أوقاتها المحسوبة بدقّة متناهية وأماكنها التي عرفها بحساسية وخبرة وطول مراس باستمرار... " فهنا مجموعة أفاعيل وسلوكيات وعلاقات كان يفعلها لم يذكرها القاص، محققا التكثيف والوحدة لتجربته ومشوقا القراء كي يحاولوا توقع هذه الأفاعيل والسلوكيات!
#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟