أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي الشبيبي - الحكم الثالث على حسين محمد الشبيبي (صارم)/2















المزيد.....


الحكم الثالث على حسين محمد الشبيبي (صارم)/2


محمد علي الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 20:14
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


2- محكمة جزاء بغداد الأولى
مقدمة (الحكم الثالث) خمس حلقات، تتناول الحكم الثالث على الشهيد حسين الشبيبي. حيث صدر بحقه هذا الحكم بأربع سنوات، بعد أن الحق في قضية فهد بالرغم من أنه اعتقل قبل فهد وصدر عليه حكمان -كما مر في حلقات سابقة-. لطول المادة قررت تقسيمها الى حلقات. كل حلقة تتناول عناوين فرعية تتعلق باعتقال فهد -المتهم الرئيسي في القضية-، وبعض من جلسات المحاكم، ومناقشة الاسلوب البوليسي في التحقيق وعدالة المحكمة ونزاهة القضاة، وتنتهي بقرار المحكمة بإصدار قرار الإعدام بفهد وبعض رفاقه والحكم على آخرين بالسجن ومنهم حسين حتى صدور قرار تخفيض حكم الاعدام.
الحلقة الثالثة: فهد ورفاقه في محكمة الجنايات الكبرى، موثقة بما كتب عن هذه الجلسات.
الحلقة الرابعة: 4- قرار محكمة الجنايات: آ- شهادة عادل مصري. ب- قرار الحكم
الحلقة الخامسة: 5- مناقشة قرار الحكم!: آ- ظروف الاعتقال ب- عدالة مزيفة ج- نزاهة القضاة د- تبديل حكم الاعدام
* * *
آ- الجلسة الأولى
بعد أربعة أشهر من اعتقال فهد ورفاقه ووضعه في الحبس الانفرادي مع رفاقه في معتقل "ابو غريب" وفي زنازين صغيرة "2,5x2,5"م بنيت حديثا داخل بنكلة وبحراسة جنود وضباط الحرس الملكي وشرطة التحقيقات الجنائية، قُدِم فهد ورفاقه يوم 18 أيار 1947 وكذلك حسين الشبيبي وبعض رفاقه من الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني الى محكمة جزاء بغداد الأولى برئاسة عبد العزيز الخياط.
تطوع عدد من المحامين للدفاع عن فهد ورفاقه، فتقدمت مجموعة من المحامين الوطنيين (عزيز شريف، عبد الجبار العبيدي، كامل القزانجي، شريف الشيخ ومكرم الطالباني، إضافة لمحامين لأشخاص آخرين في ذات القضية)[8]. كانت المحاكمة علنية، وكان هدف السلطات من علنية المحاكمة كما اعتقدت أنها ستكون في مصلحة الحكومة والتشهير بالحزب الشيوعي العراقي والشيوعية. ولكن إيثار فهد لدفع التهم عن رفاقه وإجاباته في المحكمة بشموخ وبصلابة وشجاعة لم يسبق لهم أن عهدوها من قبل، وقبلها صموده وشجاعته في التحقيقات وإعلانه عن مسؤوليته عن أمن وسلامة الحزب الشيوعي العراقي، فوت عليهم خطتهم وتحولت المحاكمة لمحاكمة النظام وأذنابه والدفاع عن الحزب الشيوعي والشيوعية ونشر مبادئ الحزب ومنهاجه وتوجهاته الوطنية، وهذا واضح من إجاباته على أسئلة الحاكم التي سنراها في السطور التالية. فاضطرت السلطات بعد أربع جلسات الى تحويل الجلسات الى سرية[9].
عقدت يوم 18 ايار 1947 الجلسة الأولى لمحكمة جزاء بغداد الأولى برئاسة عبد العزيز الخياط في قضية فهد ورفاقه، والحق بها رئيس الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني حسين الشبيبي وبعض رفاقه من الهيئة وكوادر الحزب. وقد أثبت سيناريو جلسات المحكمة وتشكيلتها تصميم الحكومة على التخلص من الحزب الشيوعي وقيادته ومن منظماته العلنية والشبه علنية، وهذا ما سأتطرق إليه بعد إصدار الحكم في مناقشة عدالة المحكمة ونزاهة القضاة.
مع بدأ الجلسة الأولى لاستجواب فهد ورفاقه، وكما يصف ذلك مكرم الطالباني في مقاله (الرفيق فهد كتب عني مرتين في جريدة "القاعدة"): [جيء بالرفاق مقيدين اثنين اثنين بجامعة اليد -كلبجة- يتقدمهم كل من الرفيق فهد والرفيق زكي محمد بسيم[10] وهما مرفوعا الرأس وكأنهما ذاهبان الى حلبة الصراع. ولعل الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري رآهما بهذا الوضع عندما انشد: "سلام على مثقل بالحديد ويشمخ كالقائد الظافر كأن الحديد على معصميه تباشير مستقبل زاهر". ادخلوا المتهمين الى قاعة محكمة الجزاء وحاكمها (عبد العزيز الاعرج) وهو شخص لا اخلاق له بذيء اللسان...]. وهكذا وقف القادة أمام حاكم فاقد للاحترام والنزاهة، وأداة طيعة بيد التحقيقات الجنائية وسلطاتها العليا، ليجيبوا على تساؤلاته بشجاعة وحكمة.
ب- دفاع فهد كما نشرته صحيفة "الحوادث"
نشرت صحيفة "الحوادث"[11] بعض ما دار من استجواب لفهد في الجلسة الصباحية الأولى، دون أن تتطرق لجو المحكمة ولشجاعة وصمود فهد. ففي عددها 1395 ليوم 19 أيار 1947 نشرت القسم الاول من الجلسة الصباحية، وأدناه ما نشرته على صفحاتها الثانية والثالثة:
[ (فهد) أمام محكمة الجزاء.
اعترافاته حول تشكيل الحزب الشيوعي السري.
في الساعة العاشرة من صباح الاحد -18 أيار 1947/ الكاتب- نظر سعادة السيد عبد العزيز الخياط حاكم جزاء بغداد الأول في قضية يوسف سلمان يوسف الملقب فهد ورفقائه المتهمين بتأسيس الحزب الشيوعي العراقي وقد مثل الادعاء العام سعادة السيد علاء الدين النائب -نائب المدعي العام علاء الدين الوسواسي/ الكاتب- والسيد عبد الرزاق عبد الغفور المعاون بالتحقيقات الجنائية.
ونودي على المتهم يوسف سلمان يوسف -فهد- وهو عامل ميكانيكي لمصانع الثلج ويقيم في بغداد. فسأله الحاكم[12]: أجب على التهمة الموجهة اليك حول اعتناقك المذهب الشيوعي وتروجيه وحيازتك علي أوراق ومجلات شيوعية سرية وتشكيلك جبهة شيوعية سرية وغيرها من المسائل التي تتناول توزيع المناشير وتشكيل الخلايا.
فأجاب المتهم: اعترف بأني اعتنقت المذهب المعروف بالشيوعية منذ عام 1932 او 1933 حسب ما اذكر ولم يكن هذا المذهب يتعارض والمبادئ الاساسية في دستورنا العراقي الذي نحترمه ونعزه ونضحي بكل شيء في الدفاع عن ترسيخه وحمايته وقد انغمرت في النضال الوطني قبل ان اكون شيوعيا، وبعد ان صرت شيوعيا فلم أجد في الحقيقة ما ينافي أو ما يتمايز في معتقدي الوطني قبل ان اكون شيوعيا، وبعد ذلك غير اني صرت اشعر بمسؤوليتي اتجاه وطني. وفي عام 1938 سن قانونا يحرم الشيوعية (البلشفية).
فقال الحاكم : اجب عن السؤال كمتهم!
- ان الذي اسنده الي الادعاء العام -الذي قرأ علي- و ما وجه فيه من تهمة تشكيل الحزب الشيوعي العراقي والعمل لقلب النظام، وبان الشيوعيين في كل مکان و زمان يعملون لهدف واحد هو قلب النظام. اما انا فأقول أمام المحكمة وأمام الناس اننا نحن الشيوعيين العراقيين ليس لنا هدف غير تثبيت النظام القائم وحمايته، ومنهاجنا وجميع نشراتنا تبرهن على ذلك. اما كون الشيوعيين في كل مكان يعملون لقلب النظام القائم فالواقع لا يثبت ذلك. لان في انكلترا نظام ملكي وفيها حزب شيوعي شرعي وكذلك في الدانمارك والنرويج ورومانيا نظام ملكي والحزب الشيوعى فيها هو الذي يتولى الحكم ويشترك في الوزارة.
فسأله الحاكم: أن الشيوعية ممنوعة في دستورنا واعتناقها او الترويج لها يعد جريمة فلذلك اقيمت هذه الدعوى عليك. وهي لا كما تزعمون مقيدة بالقانون الاساسي بل هي خلاف ذلك، نظراً للمنطوق وفحوى القانون الأساسي ، فاذكر لنا من الذي كلفكم بتأليف هذا الحزب الشيوعي السري؟
ج- ان قانون 1938 المسمى (89 آ) حرم الشيوعية غير أن هذا القانون ميت تاريخيا. لأنه سن في ظروف كانت بها الدعايات الفاشستية المنتشرة في كثير من اقطار العالم. وكانت مثل هذه القوانين قد ساعدت كثيراً على العناصر الموالية للفاشستية ونشر دعايتها التي كان من نتيجتها فتنة شهر مارس و اعلان العراق الحرب على دول المحور و كنا نستشعر في ضميرنا بان هذا القانون لم يبق له لزوم. وشيء آخر اننا اعداء الاستعمار ونحن في سبيل هذا لا نتردد عن التضحية حتى اذا اعتبرتنا المحكمة الموقرة مقصرين في تنفيذ بعض القوانين التي ليس لها مساس في القضية الوطنية. ونضالنا ضد الاستعمار يبرر ما قمنا به والمحكمة الموقرة ان تدرس مواقفنا الوطنية وتحكم علينا في هذه القضية.
س- ما هو اسم حزبكم السري؟
ج- الحزب الشيوعي العراقي.
س- لو كان لحزبكم شعار وطني فلماذا اختفى وعمل سرا ولم يجهر علنا لاستحصال الاجازة من السلطات؟
ج- ان حزينا سري من ناحية واحدة وهو عدم اظهار تشكيلاته لأننا كنا مطاردين. اما منهاجنا وشعاراتنا و اهدافنا فهي واضحة بصورة علنية على الجمهور .
س- ان من يزعم انه يكافح في سبيل الوطن ومن كان مبدأه صحيحاً فلا يتهرب ولا يخشى المسؤولية فاذكر لنا هل لحزبكم علاقة بدولة اجنبية تعمل ضد العراق ومن هي؟
ج- ليس لنا علاقة بأية دولة اجنبية کما ان نضال حزبنا وطني ولن نقبل في عضوية الحزب كل من نعتقد انه يعمل بالسفارات الاجنبية وفي دوائر دعايتها.
س- من أين يأتيكم المال لإدارة حزبكم ومن يمدكم به؟
ج- ان حزينا يفرض على الاعضاء اشتراكات بنسب غير متساوية فهو يجمع التبرعات ليدافع عن شعائره، كما ان تمويل الحزب يجري من المؤازرين.
س- من هم المؤازرين لحزبكم الشيوعي؟
ج- المؤازرون هم الناس الطيبون وهم اناس متصلون بالحزب ويستطيعون مساعدة الحزب ولا يتقيدون بنظامه اما اسماءهم فلا أعرفها.
س- من هي اللجنة الادارية التي تدير الحزب الشيوعي العراقي السري؟
ج- هم اناس انتخبهم الحزب ولا استطيع البوح بأسمائهم.
س- ما هي صفتك بالحزب؟ هل انت رئيسه أو كاتم أسراره أو معتمده؟
ج- اني سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السري ووظيفتي في الحزب هي مراقبة تنفيذ مقررات الحزب واللجنة المركزية والمكتب السياسي.
س- ما هو عنوانك المستعار عند الكتابة وفي اللجنة المركزية؟
ج- اسمي المستعار هو فهد.
س- بأي محل كان يجتمع حزبكم وبأي دار؟
ج- بصفتي سكرتير الحزب الشيوعي والمطلوب مني ان اراقب تشكيلاته فالأولى بي ان احافظ على نظام الحزب واني لا استطيع ان أبوح بأي شيء يكون على تشكيلات حزبنا.
س- ما اسم مجلاتكم التي تنشر باسم حزبكم الشيوعي السري؟
ج- جريدة القاعدة، وقد نشرنا في وقت ما جريدة الشرارة وكنا ننشر بيانات وكراسات كذلك.
س- كيف كنتم توزعون المناشير والبيانات والكراسات؟
ج- يأخذها الأعضاء ويعطوها بدورهم الى المؤازرين وتصل الى الجمهور.
س- هل كانت توزع مجانا ام بثمن؟
ج- ان الجريدة كانت تباع معظمها بأثمان ومكتوب عليها ثمنها أما البيانات فتوزع مجانا.
س- ما هي صلة المتهمين عزيز عبد الهادي وزكي بسيم ويعقوب افرايم وإبراهيم ناجي شميل بك أو بحزبكم؟
ج- أنا شخصيا لا أعرف سوى واحد من هؤلاء الاشخاص سوى زكي بسيم وقد كان أحد معارفي قبل بضع سنوات وقد انتمى الى حزبنا الشيوعي قبل سنتين او ثلاث سنوات على ما أذكر.
س- من الذي قدم لك زكي أو عرفه بك؟
ج- كنت أتردد على بعض الأماكن وأرى بعض الناس فتعرفت على زكي بسيم.
س- ماذا كنتم تعملون في بيت الصيدلي ابراهيم ناجي حينما تحرت الشرطة الدار ووجدتكم انتم الخمسة؟
ج- كنا موجودين لا لسبب مطلقا سوى ان صديقي أخذني معه الى هناك.
س- ان الموجودين كانوا بملابس النوم ويظهر انهم منذ مدة كانوا في هذه الدار وإنهم بملابس الاستراحة؟
ج- اني أعرف جيدا أن زكي مريض منذ مدة طويلة وبعد تناول الغداء تعب ولبس هذه الثياب و أنه كان يرتديها تحت ثيابه وأنا شخصيا لم التفت لمثل هذه الامور.
س- من هو الذي دعاكم للاجتماع؟
ج- الذي أخذني انا فهو زكي.
س- لمن تعود هذه الدار؟
ج- انها تعود طبعا الى ابراهيم ناجي ولم أكن اعرفه قبل ذلك الاجتماع.
س- اذا كنت لا تعرفه فكيف ذهبت لداره؟
ج- قلت ان زكي بسيم صديقي وهو الذي اخذني اليها.
س- بأي قصد اخذك الى هناك؟
ج- لتناول الطعام.
س- لقد وجد بالدار التي كنتم تجتمعون بها أوراق وسجل وأنظمة تحتوي اسماء المنتمين وهي مبرزة أمام المحكمة. اما كان الاجتماع للتداول بشؤون الحزب الشيوعي السري. وهل هذه الدار من جملة الدور التي تعقدون بها الاجتماعات؟
ج- قلت انني لم اكن اعرف سوى زكي بسيم. ولم نجتمع لأي قصد آخر سوى تناول الغداء.
س- من كان يحرر بمجلات القاعدة والشرارة ومن الذي نظم البيانات اليدوية؟
ج- ان لكل عضو بحزبنا حق الكتابة بالجريدة. اما المقالات الافتتاحية التي تعبر عن سياسة الحزب فقد كنت انا شخصيا احرر بعضها وكذلك كنت احرر بعض البيانات وتنشر بعد موافقة المكتب السياسي واللجنة المركزية كما تتطلب الحال.
وهنا كانت الساعة قد بلغت الثانية عشر تقريبا وحانت فترة الاستراحة]. (أنتهى ما نشرته "الحوادث")
كان هذه القسم الأول من الجلسة الأولى، قبل أن يعلن الحاكم "عبد العزيز الخياط" فترة استراحة. وللأسف لم أنجح في الحصول على الصحف التي نشرت جلسات المحاكمة كاملة، وهذه الصحف هي "الزمان والرائد والبلاد" وأعتقد أن بعضها نشر تفاصيلا أكثر عن جلسات المحكمة وبحيادية. فمثلا الحوادث لم تنشر كيف تآمرت المحكمة مع معاون التحقيقات الجنائية لاعتقال محامي الدفاع كامل قزانجي! ولم تنشر كيف ولماذا أعلن الخياط "سرية الجلسة"... وهناك أكيد صور أخرى عن المحكمة تتجنب صحيفة الحوادث وربما غيرها في تسجيلها بسبب الرقابة المشددة، أو لتحيز الصحافة ذاتها.

(موقع صورة مستنسخة من صحيفة "الحوادث")
الجلسة الاولى الصباحية لمحكمة الجزاء الاولى، كما نشرتها صحيفة الحوادث بعددها 1395 بتاريخ 19/05/1947

ج- محكمة كاريكاتورية
ينقل الراحل سالم عبيد النعمان، كونه أحد المتهمين في القضية، صورة كاريكاتورية مختصرة عن الجلسة الرابعة، فهي تعكس انموذجا لبقية الجلسات، كما تعكس ضيق صدر الحاكم وعدم قدرته في مواجهة دفاع المتهمين وشجاعتهم، ووجد نفسه أمام مجموعة من المناضلين الصلبين ومدافعين بلا تردد وبشجاعة عن مبادئهم. مثلما تعكس -ادارة الجلسة- الرغبة المبيتة والإصرار المسبق لإصدار الحكم على المتهمين بغض النظر عما يذكروه في دفاعهم لتفنيد الاتهامات الموجهة لهم، فكتب النعمان:
[وفي الجلسة الرابعة التي عين لها تاريخ لاحق تحولت الجلسة الى مهزلة حقاً. فقد أعلن الحاكم وبصوت مزمجر "المحاكمة سرية .. الصحفيون اخرجوا فوراً ". بقي شاب جميل أنيق لم يخرج، صرخ به الحاكم -عبد العزيز الخياط- "انت اطلع بره"، فلم يجبه فنادى -الأعرج- على مُباشر المحكمة "طلع هذا الزنانة خارج المحكمة"! وهنا تقدم معاون الامن الخطير عبد الله مصطفى وأسر الى الحاكم عن هوية هذا الشخص"سيدي هذا مبعوث البلاط"، وفجأة تحول هذا القاضي المزمجر الى فأرة أو أرنب ونهض مثقلاً بعرجه قائلاً "العفو بيك، العفو بيك .... ".
كانت الجلسة السرية الاولى مخصصة لمحاكمة مسؤولي منظمة ديالى وهم موشي كوهين وعبد الوهاب الرحبي ورشاد حاتم. جرت محاكمتهم باعتبارهم شيوعيين يترأسون تنظيماً يضم عدداً من الجنود. نودي على موشي كوهين فحضر، قال له الحاكم اسمع سأسألك سؤالاً تجيب عنه بنعم أو لا فقط، ولا اسمح لك بغير ذلك وتلي السؤال وإذا به:
س: أخبر عنك بأنك شيوعي صهيوني مخرب عميل للأجنبي وانك تتصل بالجنود وتحركهم للقضاء على العرش والحكم ... الخ، والسؤال يستغرق نصف صحيفة. وعندما اراد موشي الرد على السؤال منعه الحاكم وأجلسه وأملى على الكاتب "اجاب بالنفي".
وجاء دور عبد الوهاب الرحبي فتلا عليه الحاكم نفس السؤال وقال له أجب بنعم أو لا .. احتج عبد الوهاب وقال هذه مصادرة لحق الدفاع الشرعي فأسكته الحاكم وتلا على الكاتب "اجاب بالنفي".
ثم جاء دور رشاد حاتم وهو فنان بطبعه وبشعره الاحمر الذي يحاكي بشرته، لم يلتفت رشاد الى سؤال الحاكم ولا الى أمره بالجواب بنعم ام لا. قال رشاد حاتم "سعادة الحاكم نحن نجلس في المقاهي الوطنية على حصران وطنية ونشرب الشاي الوطني وأحيانا نأكل الكباب الوطني مع شربت زبيب الوطني ونشتم خونة الوطن بيك انتم تعرفونهم زين". وهنا انتبه الحاكم وصاح به "و موشي كوهين الوطني"، ونادى بعصبية على الشرطي الواقف بباب المحكمة "كعده هذا الفنان"، وهنا بعصبية املى على كاتب الضبط "اجاب بالنفي"، ثم استدرك يخاطب كاتبه "افندي سجلت لغوة هذا الفنان ؟" أجابه بالنفي فقال له "زين سويت".
ثم نودي على شاب يهودي لا يتجاوز عمره سبعة عشر عاماً وعندما وقف امام القاضي قال له "ابني تكلم دافع عن نفسك ... تعرف هؤلاء ماذا سجلوا عليك في سجلهم وأشار إلينا؟ انهم يقولون عليك كذا، كذا قالها بلهجة عامية هابطة "دافع عن نفسك عن شرفك". كنت جوار زكى محمد بسيم المجاور لفهد وقلت للرفيقين فهد وزكي كلام الحاكم الموجه الينا هو اكثر من احساس بالرأي، ويتوجب نقل الدعوى من محكمته، هل تأذن رفيق فهد بان نطلب نقل الدعوى من هذه المحكمة؟ قال فهد اطلب نقل الدعوى وإلا اننا سنقاطع المحكمة والحاكم، إن سير المحاكمة يتحول الى غير صالحنا بالطريقة التي يسلكها هذا الحاكم. نهضت على الفور وخاطبت الحاكم بأنك اعطيت رأياً قاطعاً في هذا السجل وبموضوع الدعوى وهذا أكثر من احساس بالرأي ونطلب نقل الدعوى من محكمتكم وإلا فإننا سنقاطع المحكمة ونمتنع عن الجواب وسنسلك الطريق القانوني لمنعكم من النظر في هذه الدعوى.
ارتبك الحاكم وتوجه الى نائب المدعي العام علاء الدين الوسواسي قائلاً "مطالعتكم هذا المتهم طعن في المحكمة وأهانها بأسلوبه اجاب ممثل الادعاء العام لا أرى في طلب المحامي المتهم اية اهانة للمحكمة. استمر الحاكم في نظر الدعوى غير ان جميع من استجوبهم قاطعوا المحكمة. اجلت المحكمة النظر في الدعوى. وفي الجلسة التالية قدمنا جميعاً عريضة اتهمنا فيها الحاكم بعدم النزاهة في محاكماته وانه قد اعطي رأيه في الدعوى وتهجم علينا وإننا سنقاطع هذا الحاكم. اما الحاكم عبد العزيز الخياط فقد استمر في نظر الدعوى واجلها لإصدار حكمه فيها. وكانت النتيجة معروفة فقد أحال الدعوى الى محكمة الجزاء الكبرى في بغداد] (أنتهى الاقتباس من كتاب النعمان).

محمد علي الشبيبي
السويد في 17 آب 2025





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[8]- مقال لمكرم الطالباني في صحيفة طريق الشعب بعنوان (الرفيق فهد كتب عني مرتين في جريدة "القاعدة") نشر بتاريخ 14 شباط 2014.
[9]- سالم عبيد النعمان. الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد. صفحة 238.
[10]- ما يذكره الراحل مكرم الطالباني أن فهد وزكي بسيم كانا مقيدين بجامعة اليد ويتقدمان مجموعة المعتقلين من رفاقهم، وهذا يتناقض وما يذكره الراحل سالم عبيد النعمان بكتابه (الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد. صفحة 241) بأنه كان (الرفيق فهد وأنا بقيد واحد)!؟ وأنا أميل الى أن ما ذكره مكرم هو الحقية، فالراحل النعمان كان يتصف بنرجسية عالية وكان يهمه من كتابه إبراز دوره، ويرى أن يكون مكبلا مع فهد نوع من الامتياز! لاحظ ما كتبه عنه الراحل زكي خيري (صدى السنين. صفحة 133 و 153).
[11]- صحيفة "الحوادث" لصاحبها عادل عوني، وهي تدور في فلك النظام الملكي، وعوني من المؤمنين بسياسة نوري السعيد. فهي منحازة بكل تأكيد في تحليلاتها واستنتاجاتها لأفكار وخطط نوري السعيد وخدمة النظام الملكي وأسياده.
[12]- للأسف أن صحيفة الحوادث لم تنشر بدقة تفاصيل جلسة المحاكمة وإنما نشرت تقريرها المختصر لإجابات فهد، فالحاكم وهذا متعارف عليه يبدأ بسؤال المتهم عن أسمه وعمره وعمله أولا ...، وهذا ما عثرت عليه في كتاب (محاكمة فهد) بقلم فاضل العاني صادر عام 1955، وفاضل العاني كان أحد أعضاء هيئة التحقيق في المحكمة. لذلك أعتقد أن الحوادث بنقلها قد أسقطت بعض الأسئلة والإجابات التي لا تراها مهمة أو لا ترغب بنشرها وربما هذا بسبب الرقابة.
2371



#محمد_علي_الشبيبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكم الثالث على حسين محمد الشبيبي (صارم)/1
- القرار الهام الذي أصدرته لجنة العفو في وزارة العدلية بعد ثور ...
- الحكم الثاني على حسين محمد الشبيبي (صارم)
- الحكم الأول على حسين محمد الشبيبي (صارم)
- الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم) /4
- الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم) /3
- الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)*/2
- الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)*/1
- خطاب الشهيد حسين الشبيبي في قاعة الفارابي يوم 10/12/1946
- الاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صار ...
- الاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صار ...
- انقلاب 8 شباط 1963 الدامي! الحلقة الثالثة
- انقلاب 8 شباط 1963 الدامي! (الحلقة الثانية)
- انقلاب 8 شباط 1963 الدامي! (الحلقة الأولى)
- رحيل الروائي والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي
- يوم المعلم
- مقدمة (كشكول سجين)
- المخبر السري!؟
- على القبر في يوم الشهيد الشيوعي
- انقلاب 8 شباط 1963 الدموي/ قلوب تحترق!


المزيد.....




- محتجون في مكسيكو سيتي يطالبون بقطع العلاقات مع إسرائيل بسبب ...
- رايتس ووتش تدعو لمحاسبة كبار مسؤولي الأمن بلوس أنجلوس لـ-الب ...
- واشنطن تعلق منح تأشيرات السفر للجرحى من أهل غزة بعد منشورات ...
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- دعوة للمشاركة في بناء الجبهة الوطنية الشعبية…. أطلقها الرفيق ...
- بمشاركة الفصائل الفلسطينية.. حماس تتسلم مقترحاً مصرياً قطريا ...
- اليسار خارج المنافسة في الجولة الثانية من رئاسيات بوليفيا
- بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني
- ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تح ...
- محذرًا من تكرار مآسي 7 أكتوبر..نتنياهو: التظاهرات المطالبة ب ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي الشبيبي - الحكم الثالث على حسين محمد الشبيبي (صارم)/2