أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الحركة الثورية و بناء الحزب الثوري















المزيد.....



الحركة الثورية و بناء الحزب الثوري


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 1819 - 2007 / 2 / 7 - 12:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ـ طبيعة الحركة الاجتماعية من المنظور الماركسي :

يقول لينين عن دروين و ماركس : ".. كما أن دروين كان أول من وضع قاعدة علمية صارمة لعلم الحياة ، حين أثبت تغيير الأنواع و تسلسلها ، كذلك وضع ماركس حدا للمفهوم الذي يرى أن المجتمع تجمع آلي من أفراد يتعرض لكل نوع من أنواع التبدل حسب أهواء السلطات ... و أن ذلك المجتمع يولد و يتحول وفق الصدفة ، لقد كان ماركس أول من وضع قاعدة علمية لعلم الإجتماع حين أقام مفهوم التكوين الإقتصادي للمجتمع على أساس أنه مجموعة معينة من علاقات الإنتاج ، و حين قرر أن تطور هذه الأنواع من التكوينات عملية من عمليات التاريخ الطبيعي ."

و تعتبر الماركسية أن قوانين التطور الإجتماعي هي تعبير عن الضرورة التاريخية لتطور المجتمعات ، و كل قانون علمي هو انعكاس العلاقات الضرورية بين الحوادث و حركة التطور التي تجري مستقلة عن إرادة المجتمع ، كما أن هنا قوانين خاصة تصلح لنظام اجتماعي معين إلى جانب وجود بعض القوانين التي تصلح لجميع التكوينات الإجتماعية أي تكون خاضعة لقوانين مشتركة و من بينها :

ـ القانون الذي يقول بأن الوجود الإجتماعي يحدد الإدراك الإجتماعي حيث أن الأفكار الإجتماعية و السياسية و الحقوقية و الفنية و الفلسفية هي انعكاس للشروط المادية في الحياة الإجتماعية ، في الوجود الإجتماعي .

ـ قانون التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج الإجتماعية و صفة القوى المنتجة الإجتماعية ، خلافا للمثالية التي تقر بأن القوى الأساسية التي تحدد تطور المجتمعات هي الأفكار الإجتماعية و السياسية ،
فإن المادية التاريخية تعتبر أسلوب إنتاج الثروات المادية هي القوة الأساسية التي تحدد تطور المجتمعات البشرية .

و هكذا فإن مصادر الأفكار و النظريات الإجتماعية و السياسية و غيرها توجد في الشروط المادية للمجنمع / في شروط الوجود الإجتماعي ، و تعتبر الأفكار و النظريات انعكاس لشروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية ، كما أن الأفكار الإجتماعية و السياسية تمارس بدورها تأثيرها على تطور شروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية / الوجود الإجتماعي و القاعدة الإقتصادية للمجتمع ، و تقر المادية التاريخية و المادية الجدلية بالأهمية الكبرى للأفكار الإجتماعية و السياسية في تطور الحياة المادية للمجتمعات / الوجود الإجتماعي ، و كرس كل من ماركس و إنجلس و لينين حياتهم للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة لتحريرها من عبودية البورجوازية.

و ترتكز الماركسية كمنظومة فكرية و نظرية ثورية و أيديولوجية الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء في صراعها مع البورجوازية إلى ثلاثة ركائز أساسية و هي :

ـ المادية الجدلية ـ المادية التاريخية ـ الصراع الطبقي .

و تعتبر هذه الموضوعات الثلاثة الركائز الأساسية للنظرية الماركسية باعتبارها أداة للتفكير العلمي و أسلوبا لتحليل التكوينات و الحركات و الظواهر الإجتماعية و نظرية علمية لفهم و حسم الصراع الطبقي بين الطبقات في المجتمع البورجوازي ، من أجل تخطي التناقضات الداخلية للحركة الإجتماعية و الرقي بها إلى مستوى أعلى تنتفي فيه الطبقات الإجتماعية و التفاوت الطبقي و الإجتماعي ، و تعتمد الماركسية النظرية العلمية في دراسة الحركة الإجتماعية التي تضم بداخلها مكونات متناقضة تتحرك و تتغير و تتحول و تحكمها الجدلية باعتبارها منطق الحركة ، و تعتبر أن الحركة الإجتماعية تتأثر بتناقضاتها الداخلية و بالتناقضات الناتجة عن علاقتها بالحركات الأخرى ، و تعتبر المادية الجدلية و المادية التاريخية علم التناقضات و منطق الحركة سواء كانت حركة طبيعية أم اجتماعية أم فكرية .

فحركة الطبيعة ذات جدلية موضوعية مستقلة عن وجود الإنسان و لا تؤثر بشكل مباشر في تحول الحركة الاجتماعية ، كما يمكن للإنسان بفعل تطور القوى المنتجة أن يؤثر في حركة الطبيعة التي تؤثر بالمقابل في الحركة الإجتماعية ذات الجدلية الموضوعية التي يتدخل الإنسان في صنعها ، و ذلك بتحريكها و تغييرها و تحويلها و إعادة بناء التكوينات الاجتماعية وفق المشروع المجتمعي الذي تحمله الطبقة المؤثر في الحركة الإجتماعية ، و وفق شروط مادية موضوعية في علاقتها مع الحركة الفكرية ذات الجدلية الموضوع ـ الذات في تفاعل مستمر بين الموضوعات المطروحة للمعرفة و عمل الذات البشرية التي تسعى إلى ضبطها و معرفتها و تغييرها و تحويلها و إعادة بنائها، و في علاقة موضوعية مع وضعها الإجتماعي و الأدوات المتوفرة التي تتطور و تتغير و تتحول عبر الحركة الإجتماعية ، التي تسعى في صراعها إلى نفي تناقضاتها الداخلية .

و تعتبر الحركة المعرفية نتاج الحركة الفكرية و الممارسة الإجتماعية التي تحددها الحركة الإجتماعية في علاقة مع حركة الطبيعة و الحركة المعرفية ، حيث تعتبر حركة الطبيعة أقدم من الحركة الاجتماعية التي تعتبر أقدم من الحركة المعرفية ، و بقدر ما تتطور أفكارنا و معارفنا في اتجاه الفكر العلمي نفهم جيدا الواقع الإجتماعي و الطبيعي و الحركة الإجتماعية و الطبيعية ، و تتطور الحركة المعرفية مع مسايرتها للحركة الإجتماعية الموضوعية أي المادية بمفهومها الشمولي .

ويقول ماركس في هذا الصدد :" من الواضح أن سلاح النقد لا يستطيع أن يحل محل نقد السلاح ، فإن القوة المادية لا يمكن أن تقهرها إلا قوة مادية، و لكن النظرية نفسها تتحول هي أيضا إلى قوة مادية حين تتغلغل في الجماهير ".

فالصراع الطبقي في النظام الرأسمالي هو نتاج وجود الطبقات الإجتماعية المتناقضة و الذي يتجلى في الصراع بين العمل و الرأسمال ، بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج ، بين الصفة الإجتماعية للقوى المنتجة و صفة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ... و هكذا يمكن السير إلى ما لا نهاية له مع اعتبار القوانين المحددة للحركة و هي :

ـ وحدة المتناقضات و تفاعلها و صراعها : إن منطق الحركة / المادية الجدلية و المادية التاريخية اللتان تحكمان الحركة بصفة عامة و الحركة الإجتماعية بصفة خاصة تقران بجود تعايش بين عناصر متناقضة ، و الصراع الدائم بين المتناقضات داخل الحركة الإجتماعية يقر بوجود تعايش داخل مجموعة تتعارض فيها المكونات المتناقضة للحركة الإجتماعية ، فالرأسمالية لا يمكن وجودها دون الرأسمال و العمل و دون الصراع بين البورجوازية و الطبقة العاملة ، حيث لا يمكن للأول أن يوجد بدون الثاني و في صراع دائم من أجل السيطرة والسادة .

ـ تحولات الكم و الكيف : إن الحركة الإجتماعية في تحولات دائمة مع وجودها في بنية معينة/ نوعية معينة ، و التي في تعيرها و تحولها يؤدي إلى التحول الكمي الذي لا يمكن ملاحظته إلا عندما يصل إلى مستوى معين ، و الذي يتحول فيه التحول الكمي إلى تحول نوعي إبتداء من ذلك المستوى المعين ، و لا يحصل ذلك بكيفية تدريجية بل يحدث في شكل قفزة نوعية يبرز فيها التحول النوعي نتيجة التحول الكمي الذي وصل إلى سقف معين يحتم ضرورة التحول النوعي / الكيف، فالتحول الكمي للصناعة بالمدينة في القرن 17 عندما وصلة مستوى معين حدث تحول نوعي/ الكيف في الحياة الإجتماعية و ظهرت الطبقة العاملة و ظهر معها الصراع الطبقي بين العمل و الرأسمال.

ـ النفي و نفي النفي : إن الحركة الإجتماعية في تناقضاتها تسعى إلى تخطي بعض ظواهرها التي تشكل عائقا في سيرها أي تخطي تناقضاتها الداخلية ، و التي تسمح بعد نفيها إلى الرقي بها إلى مستوى أعلى الذي يليه نفي آخر و هكذا يحدث التماسك الإجتماعي و التضامن و التعاون حفاظا على كلية الحركة الإجتماعية التي تسعى إلى نفي تناقضاتها الداخلية من أجل البقاء و الإستمرار ، فالرأسمالية في تحولاتها من التنافسية و الإحتكارية و الإمبريالية و العولمة تسعى إلى تخطي تناقضاتها الداخلية من أجل البقاء و الإستمرار ، لكن دون الحسم مع تناقضها الأساسي و هو نفي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج التي تتناقض و الصفة الإجتماعية للقوى المنتجة، و هكذا تتحول الرأسمالية إلى نظام اجتماعي تناحري لن ينتفي فيه التناقض الأساسي إلا بحسم الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة و البورجوازية لصالح الطبقة العاملة.
و الحركة الإجتماعية يحكمها منطق الجدلية بين العمل و النظر الذي يحيلنا إلى الجدلية بين النظرية الثورية و الممارسة العملية ، حيث نجد أن في كل حركة اجتماعية عمل و نظر و في كل نظر عمل و نظر ، فالمفكرون المبدعون حينما يصنعون إبداعاتهم الفكرية تصبح عملا ملموسا الذي ينطلق من الفكرة إلى الإنجاز، كما أن في كل عمل نظر و عمل حيث أن الفئات المحسوبة على العمل أثناء إبداعها تفكر و تعمل و تضع لعملها نظرا في تفاعل دائم مع العمل الذي يغني النظر و ينفي تناقضات الحركة الإجتماعية ، و لتطور العمل تأثير عظيم على تطور النظر الذي يسعى إلى التوافق مع العمل في حركة دائمة من أجل تطوير الحركة الاجتماعية.

فوجود الطبقات في النظام الرأسمالي يحتم وجود الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة و البورجوازية و هو صراع تاريخي لا يزول إلا بزوال أسبابه / وجود الطبقات المتناقضة في المجتمع البورجوازي ، و تتناول المادية الجدلية و المادية التاريخية الحركات الاجتماعية بالدرس و التحليل و تقر بوجود قوانين مشتركة بين مختلف التكوينات الاجتماعية ، تلك القوانين التي يمكن اكتشافها و استخدامها دون القدرة على تعديلها و هدمها ولا يدوم مفعولها مدة طويلة ، نظرا لكون الحركة الإجتماعية تتخلص من تناقضاتها الداخلية و هي في تحول دائم ، و من أهم هذه القوانين قانون التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج الإجتماعية و صفة القوى المنتجة الإجتماعية، حيث يعتبر أسلوب الإنتاج القوة الأساسية في تطور الحركة الاجتماعية ، و كل تطور يطرأ على أسلوب الإنتاج ينعكس على النظام الاجتماعي ككل .

قوانين تطور التكوينات الاجتماعية :

إن نظرية المادية التاريخية لدى ماركس تقول بوجود قوانين مشتركة بين مختلف التنظيمات الاجتماعية هذه القوانين يمكن اكتشافها واستخدامها دون القدرة على تعديلها وهدمها ولا يدوم مفعولها مدة طويلة، فإذا تبدلت الشروط الاقتصادية ظهرت قوانين جديدة على أساس علاقات اقتصادية جديدة فالصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في المجتمعات التناحرية يولد حتما ثورة اجتماعية كما أن الوجود الاجتماعي يحدد الإدراك الاجتماعي، والأفكار الاجتماعية والسياسية والحقوقية والفنية والفلسفية... هي انعكاس للشروط المادية في الحياة الاجتماعية أي في الوجود الاجتماعي.
ومن أهم هذه القوانين قانون التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج وصفة القوى المنتجة ومستواها، وخلافا للمثالية التي تقول بأن تطور المجتمعات قائم على الأفكار الاجتماعية والإدراك الاجتماعي و السياسي، فإن المادية التاريخية تعتبر أسلوب الإنتاج القوة الأساسية في التطور الاجتماعي فإذا توقف الإنتاج مات المجتمع، وأسلوب إنتاج الخيرات المادية يحدد تركيب المجتمع وسماته وأفكاره وأوضاعه ومؤسساته وبالتالي تحولاته وتطوراته. فكل تطور يطرأ في أسلوب الإنتاج ينعكس على النظام الاجتماعي ككل.
ويقول ماركس في كتابه : " نقد الإقتصاد السياسي" : " ... ما أن يتغير الأساس الاقتصادي حتى يطرأ على البنيات الفوقية الواسعة تحول سريع جدا ، وفي دراسة أمثال هذه التحولات ينبغي علينا دائما أن نميز بين التحول المادي في أوضاع المجتمع الإقتصادية الميسور تقريره بمثل دقة العلم الطبيعي ، وبين الأشكال التشريعية والسياسية والجمالية والفلسفية وبكلمة مختصرة الأشكال الإيديولوجية التي يدرك فيها الناس ... التضارب ويقاومونه حتى النهاية " .
ويتضح التصور الماركسي للواقع الاجتماعي حيث يعتبر بالأساس التناقض الموجود بين الطبقات، بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، بين العمل والرأسمال، و يدرس الواقع الاجتماعي لتحديد قوانين تطوره.

مظاهر أسلوب الإنتاج :

و تحدد المدرسة الماركسية الأسس القانونية التي تتحكم في الإنتاج في مظهرين أساسيين وهما:
القوى المنتجة وهي مجموعة أدوات الإنتاج والناس الذين يعملون أي علاقات المجتمع بالطبيعة.
علاقات الإنتاج وهي مجموع العلاقات التي يقيمها الناس فيما بينهم أثناء عملية الإنتاج.
يقول ماركس في هذا الصدد : " في الإنتاج لا يؤثر الناس في الطبيعة فقط، بل يؤثر كذلك بعضهم في بعض إنهم لا ينتجون ما لم يتعاونوا في مشكل معين و ما لم يتبادلوا بينهم نشاطاتهم، وفي سبيل الإنتاج، يدخلون في علاقات وارتباطات معينة فيما بينهم ولا يوطد تأثيرهم في الطبيعة : أي الإنتاج، إلا في حدود هذه العلاقات والارتباطات الاجتماعية ".
إن الإنسان يعيش حياة اجتماعية وما يحققه من نجاح في المجال الحضاري والثقافي يكون بفضل المجتمع وبالمجتمع و لا يمكن أن تكون الإنسانية خارج المجتمع، وجوهر الإنسان يكمن في مجموع العلاقات الاجتماعية في زمن معين من تاريخه و التي ترتكز أساسا وقبل كل شيء إلى مجموع علاقات الإنتاج. وهذه العلاقات تستمد صفتها من الشكل الذي تتخذه ملكية وسائل الإنتاج ووضع الفئات والطبقات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية أثناء عملية الإنتاج، وأشكال توزيع الثروات أو ما يمكن تسميته بصفة عامة : علاقات الناس بالطبيعة والعلاقات التي تربطهم خلال عملية الإنتاج.

روابط التوافق بين المظهرين :

تختلف القوى المنتجة عن علاقات الإنتاج بكونها تتصف بالحركة والثورة فهي إذن عنصر الإنتاج الذي لا يستقر على صفة معينة لمدة طويلة، وهو الحاسم في أسلوب الإنتاج، هاتين الخاصيتين اللتين تميز القوى المنتجة تجعلها تملك القدرة على تحديد صفة علاقات الإنتاج، التي يجب أن توافق درجة تطور القوى المنتجة حيث لا يمكن اختيار نوع علاقات الإنتاج بين الناس الذين تربطهم صلات يجب أن توافق بالضرورة طبيعة وصفة ودرجة تطور القوى المنتجة .
وعلاقات الإنتاج بدورها تؤثر في تطور القوى المنتجة، هذا التأثر والتأثير يمكن له أن يسرع في تطور القوى المنتجة كما يمكن له أن يؤخر تطورها ويعرقله ، والقوى المنتجة تسبق علاقات الإنتاج في التطور كما أن علاقات الإنتاج في جميع التكوينات الاجتماعية تتأخر عن تطور القوى المنتجة، حيث تتولد بينهما علاقات متبادلة تصبح فيها القوى المنتجة هي المضمون وعلاقات الإنتاج هي الشكل.

تأثير أساليب الإنتاج على التكوينات الاجتماعية :

إن تاريخ تطور المجتمعات هو تاريخ تطور القوى المنتجة والتحولات التي تلاحق أشكال علاقات الإنتاج وأنواعها وهي مشروطة بتحولات القوى المنتجة ، ومن خلال دراسة تاريخ تطور المجتمعات الذي عرفته الإنسانية نرى أن المجتمعات المشاعية البدائية عرفت علاقات الإنتاج فيها صفة الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، وذلك بسبب توافق صفة القوى المنتجة في ذلك الزمن ) الفأس الحجري، القوس، السهام...( لما تفرضه على الجماعة ضد قوى الطبيعة والوحوش المفترسة من ضرورة العمل المشترك، عمل اجتماعي بالدرجة الأولى، وأدى ذلك الأسلوب في الحياة إلى خلق ملكية جماعية لوسائل الإنتاج والمنتوجات.
والانتقال من الأدوات الحجرية إلى الأدوات المعدنية وتربية المواشي والزراعة والمهن اليدوية وتوزيع العمل بين مختلف فروع الإنتاج و الذي يعني تطور القوى المنتجة، أدت هذه التحولات إلى تبادل المنتوجات بين الأفراد والجماعات وانتقال وسائل الإنتاج من جماعية إلى ملكية خاصة ، وتراكم الثروات في أيدي قليلة من الناس وتحولت الأكثرية من المجتمع إلى عبيد وبروز نظام الرق، وارتكز آنذاك التوافق بين علاقات الإنتاج وصفة القوى المنتجة على أساس آخر، فلم يعد هناك عمل مشترك حر يقوم به جميع أفراد المجتمع خلال عملية الإنتاج وساد تكوين اجتماعي يعتمد على العبيد.
من هنا نستنتج أن التحول الذي وقع على القوى المنتجة أثر على علاقات الإنتاج وتحول النظام الاجتماعي من نظام العمل المشترك / الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج إلى الملكية الخاصة لهذه الوسائل وظهر نظام العبيد، ومرت الملكية الخاصة من عدة تحولات منذ ظهور شكلها الأول من نظام الرق والنظام الإقطاعي حتى الشكل الذي نراه اليوم في النظام الرأسمالي الذي يعتمد على الملكية الخاصة واستغلال الفرد للجماعة، هذا النظام الذي سمي بعدة مسميات من حرية الأفراد في المبادرة الحرة إلى الليبرالية إلى نظام السوق إلى النظام العالمي الجديد والعولمة ، و التي تشكل نتيجة للرأسمالية الإمبريالية.
و عرف تطور النظام الرأسمالي عدة محطات تاريخية بدءا بالرأسمالية التنافسية و مرورا بالرأسمالية الاحتكارية و الإمبريالية ، و عرف الرأسمال في كل مرحلة من هذه المراحل عدة أزمات هيكلية يتم حلها على حساب قوة عمل الطبقة العاملة ، مما يجعلها نظاما تناحريا يستمد قوته من استغلال الإنسان للإنسان و تدمير البيئة من أجل مزيد من تراكم الإموال في أيدي أقلية من البورجوازية بينما جماهير الطبقات الشعبية تعيش الفقر و القهر ، و تعاظم هذا الإستغلال في ظل الأنظمة السياسية التابعة في دول المحيط و التي ترعى مصالح الرأسمال المركزي .
و يعتبر بناء الحزب الثوري اليوم ضرورة تاريخية من أجل مواجهة هجوم الرأسمالية الإمبريالية المتسلط على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، كما أن مصالح البورجوازية الوسطى و الصغرى أصبحت مهددة ، الشيء الذي يطرح الضرورة التاريخية للتحالف بين هذه الطبقات شريطة أن فئة البورجوازية المتوسطة و الصغرى ثورية ، و يطرح بإلحاح على اليسار الثوري باعتباره الامتداد التاريخي للحركة الماركسية اللينينية العمل على إرساء هذا التحالف.
مبررات هذا التحالف :

لقد خلف النظام الرأسمالي النظام الإقطاعي بعد الانتقال من الاقتصاد الحرفي الذي يعتمد على العمل اليدوي إلى إقامة المصانع الكبرى والمعامل المجهزة بالآلات العصرية من جهة، ومن الاقتصاد الفلاحي الذي يستخدم أدوات إنتاج بدائية لاستغلال الأراضي لصالح الإقطاع إلى الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد على التقنية الزراعية المجهزة بالآلات العصرية التي تتطلب من العامل المعرفة العلمية لإدارتها، وهكذا برزت قوى منتجة جديدة تطلبت من الرأسماليين استخدام عمال متحررين من العبودية الإقطاعية والذين يتوفرون على مستويات ثقافية كافية تؤهلهم لاستعمال الآلات الحديثة.
و قد كانت علاقات الإنتاج الرأسمالية في حينها قد توافقت والقوى المنتجة المتطورة وحفزت المزيد من الإنتاج ، مما شجع المنتجين الرأسماليين على الركوض وراء المزيد من الربح بشكل جشع وقاس وغير إنساني وهو في نفس الوقت عمل جبار في بعض النواحي ، خاصة وأنه في أول الأمر قضى على الأساليب التقليدية للنظام الإقطاعي الذي يرتكز على العبودية ، ولكنه رغم مساهمته في تطور وسائل الإنتاج ظلت هذه الأخيرة حبيسة الملكية الخاصة التي تسعى إلى المزيد من الربح والخوف من الإفلاس والخراب ويقول ماركس في هذا الصدد:
"إن الرأسمال ينفر من فقدان الربح أو من الربح الزهيد كما تنفر الطبيعة من الفراغ ، إن الرأسمال يبدي من الجرأة والإقدام حين يتعلق الأمر بربح يوافقه، فهو يرضى بكل شيء في سبيل 10% من الربح المضمون ، وفي سبيل 20% يصبح شديد الحيوية ، وفي50 % يصبح مغامرا جريئا، وفي سبيل 100% يدوس بالإقدام جميع القوانين البشرية ، وفي سبيل 300% لا تبقى ثمة جريمة لا يكون مستعدا للمغامرة على ارتكابها ولو كلفه ذلك مجابهة المشنقة ".
لقد ساعد التوافق الحاصل بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج النظام الرأسمالي على ضمان تطور القوى المنتجة وازدهارها لمدة أزيد من قرن من الزمن ، وذلك بعد الثورات البرجوازية التي حطمت علاقات الإنتاج الإقطاعية وأقامت علاقات إنتاج بورجوازية التي أصبحت فيما بعد عائقا وحجرة عثرة في طريق القوى المنتجة ، لأنها لم تعد توافق تطور هذه القوى التي تجاوزت نطاق علاقات الإنتاج الرأسمالية ، ودخلت في صراع واضح معها لآن القوى المنتجة في النظام الرأسمالي أصبحت اجتماعية بينما ظل التملك خاصا رأسماليا ، مما يتعارض مع طبيعة القوى المنتجة ذات صفة الإنتاج الاجتماعية التي توفرها الحشود من العمال داخل المصانع التي تتطلب الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، مما يتعارض والصفة الخاصة لها في النظام الرأسمالي ، كما أن الثروات التي ابتدعها ملايين الشغيلة المأجورين أصبحت في أيدي أقلية تملك وسائل الإنتاج ، و أسست بذلك رأسمالا على حساب بيع قوة عمل العمال المبدعين ، ووقعت الرأسمالية في العديد من التناقضات بسبب التناقض الحاصل بين صفة الإنتاج الاجتماعية للقوى المنتجة والملكية الخاصة للرأسمالية.
إن الازدهار الاقتصادي الذي حصل في الولايات المتحدة الأمريكية متزعمة الرأسمالية الأمريكية حصل نتيجة إشاعة العسكرية في الاقتصاد الرأسمالي ، خلال الحربين الإمبرياليتين وفي الحروب اللصوصية في الشرق الأدنى و الشرق الأوسط وغيرها ، مما شجع الدول الرأسمالية للحفاظ على نظامها بإنتاج وسائل الدمار وافتعال بؤر الحروب لتكديس أكبر عدد ممكن من الربح على حساب سحق الطبقات الشعبية ، ويسعى المجتمع البورجوازي والطبقات الرجعية للإبقاء على نظام الملكية الخاصة والدفاع عنها بكل ما يملك من وسائل باعتمادها على آلة الدولة الرأسمالية ، وهكذا تأخرت علاقات الإنتاج على تطور القوى المنتجة وأصبح النظام الرأسمالي نظاما اجتماعيا تناحريا ، تستولي فيه الطبقة البورجوازية على الخيرات بينما الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء و الكادحون يظلون يوفرون القيمة المضافة بجهدهم الجبار ، و أصبحت البئات الوسطى من بورجوازية صغرى و متوسطة متقهقرة .

تطور التكوينات الاجتماعية و نشأة الحركة العمالية :
عرف تطور التنظيمات الاجتماعية عبر المراحل التاريخية التي عرفتها الإنسانية صراعا مريرا من اجل التغيير و خاصة في مراحل معينة من تاريخ البشرية، وذلك من خلال التحولات المتواترة التي طرأت على المجتمعات البشرية عندما وصل التناقض مداه بين الطبقات الشعبية و الأنظمة السائدة ، فباستثناء عصر المشاعة الذي شهدت فيه الإنسانية تكافؤا نسبيا للفرص، فإن نظام الرق و النظام الإقطاعـي اللذان أسسا للملكية الفردية لوسائل الإنتـاج و العبودية في علافات الإنتاج قد عرفا عبر امتدادهما استغلالا واضحا للعاملات و العمال الزراعيين الذين استعبدهم الإقطاع ، و عاشت المرأة العاملة استغلالا مزدوجا بالبيت و المزرعة بعدما فقدت مركزها الاقتصادي و الاجتماعي الذي احتلته في عصر المشاعة ، و استمر النظام الإقطاعي لعدة قرون تم فيها تركيز صفة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج في يد الإقطاع الذي يستغل الإنسان و الأرض .
ومع حلول القرن 14 تطور نظام العمل المأجور في أوربا مع الثورة الصناعية وذلك نتيجة التحول الهائل في وسائل الإنتاج ، مما نتج عنه الانتقال من الاقتصاد الحرفي الذي يعتمد على العمل اليدوي إلى إقامة مصانع كبيرة مجهزة بالآلات العصرية ، ومن الاقتصاد الفلاحي الذي يستخدم أدوات إنتاج بدائية في استغلال الأراضي لصالح الإقطاع إلى الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد على التقنية الزراعية المجهزة بالآلات العصرية ، مما يتطلب من العاملات و العمال نسبة معينة من المعرفة العلمية للتأهيل للعمل في المجالين الصناعي و الفلاحي اللذين برى فيهما الرأسمال مشاريع استثمارية من أجل الريح الوفير ، مما أثر على علاقات الإنتاج السائدة في النظام الإقطاعي و فرض عليها تحولات جذرية و ذلك بالانتقال من العبودية الإقطاعية إلى النظام الرأسمالي الذي يتطلب طبقة عاملة متحرر نسبيا تتوفر على مستويات ثقافية كافية لاستعمال الآلات الحديثة .
و ظهر النظام الرأسمالي الذي احتفظ على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و نشأت معه طبقة بورجوازية تتحكم في وسائل الأنتاج و طبقة عاملة بالمدن الصناعية ، والمنحدرة أصلا من البوادي التي هاجرها العاملات و العمال الزراعيين الذين يفرون من قيود العبودية الإقطاعية و خاصة النساء منهم و من الفلاحين الفقراء الذين تم انتزاع أراضيهم من طرف الإقطاع و المستغلين الرأسماليين ، و كان لركوض الرأسماليين وراء الربح و جشعهم البشع التأثير الكبير في تحويل جماهير العمال بالمعامل إلى عبيد يتم استغلال قوة عملهم مقابل أجر زهيد لتنمية الرأسمال ، الشيء الذي ضرب في الصميم شعارات البورجوازية التي طالما بشرت بالرفاهية للإنسانية بعد انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع ، و شكلت جماهير العمال بالمدن قوة في مواجهة استغلال الرأسمال مع بروز مفاهيم الاشتراكية التي تعتمد الصراع الطبقي في النضال من أجل تحرر الطبقة العاملة من قيود الرأسمال .
و مع انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع نشأت علاقات إنتاج رأسمالية توافقت في حينها مع تطور القوى المنتجة ، و إلى جانب الطبقة العاملة نشأت طبقة بورجوازية بالمدن الصناعية تدافع عن تصورات النظام الرأسمالي في مواجهة مخلفات الإقطاع ، لكن سباق الرأسمال وراء الربح بشكل جشع و غير إنساني انتج علاقات إنتاج لا تتوافق و الصفة الاجتماعية للعمل الذي يقوم به جماهير العاملات و العمال بالمعامل ، حيث إن وسائل الإنتاج ظلت حبيسة الملكية الخاصة التي ورثها الرأسمال من بقايا الإقطاع ، رغم أن النظام الرأسمالي قضى على الأساليب التقليدية للإنتاج التي تطبع النظام الإقطاعي.
و عرف القرن 19 حركة عمالية متصاعدة نتيجة إشاعة المفاهيم الإشتراكية التي ترتكز إلى الصراع الطبقي الذي وضع ماركس و إنجلس أسسه النظرية بصياغة مفهوم الحركة التطورية الضرورية لتطور المجتمعات البشرية ، و ذلك بوضع مفهوم التكوين الإقتصادي للمجتمع الذي يرتكز إلى مجموعة معينة من وسائل الإنتاج و علاقات الإنتاج والتي تحدد صفة الصراع الطبقي القائم بين العمل و الرأسمال ، و صاغا معا الأسس التاريخية و الاجتماعية لهذا الصراع في نظريتهما حول المادية الجدلية و المادية التاريخية من خلال كشف الصفة التناحرية التي تميز علاقات الإنتاج في النظام الرأسمالي ، باعتباره نظاما يستمد فوته و استمراريته من استمرار استغلال الإنسان للإنسان.
تطور التكوينات الإجتماعبة و نشأة النقابات :
في نهاية القرن 18 بدأت المراحل الأولى من النضال البرولتاري في مواجهة الإستغلال الرأسمالي مع شيوع المفاهيم البورجوازية التحررية ، و قام العاملات و العمال بتأسيس التنظيمات النقابية بعد الإنفراج الذي عم أوربا مع انتصار الثورة البورجوازية بفرنسا ، لكن نضالات الطبقة العاملة لم ترق إلى مستوى بلورة مفهوم الصراع الطبقي حيت إن العاملات و العمال في احتجاجاتهم على أوضاعهم الإقتصادية و الإجتماعية يتمردون على الآلات باعتبارها مصدر معاناتهم ، وذلك ناتج عن تخلف الوعي الطبقي لديهم حيث ما زالوا لم يستوعبوا بعد الوعي بأعدائهم الطبقيين.
وبرزت الروابط المهنية و الحرفية و الفكرية في أوربا و واجهها نظام الحكم المطلق بالمنع و القمع ، و شهدت تلك المرحلة التاريخية منع الحريـات الشخصية و حرية الإعتقاد و الرأي و بالتالي ضرب الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية ، و وصل التناقض مداه بين علاقـات الإنتــاج المتخلفة و القوى المنتجة المتقدمة ذات الصفة الإجتماعية التي توفرها الآلات و جماهير العاملات و العمال ، الشيء الذي يشكل تناقضا صارخا بفعل الصفة الخاصة لوسائل الإنتاج في ظل النظام الرأسمالي ، حيث أصبحت الثروات التي يبتدعها العاملات و العماال في أيدي أقلية تملك وسائل الإنتاج و تحصد أموالا طائلة على حساب بيع قوة عمل الطبقة العاملة و تراكم القيمة المضافة في جيوبهم .
و بالموازاة مع الحركة العمالية تمت حركة نقابية تنظم نضالات الطبقة العاملة عبر العالم ، فبعد الصيحة التاريخيى التي أطلقها ماركس " يا عمال العالم اتحدوا "التي تبرز أهمية التنظيم في مواجهة استغلال الرأسمال ، شهدت سنوات 1919 إلى 1921 حملة شرسة ضد العمال الثوريين من طرف زعماء الإصلاح في النقابات الغربية مما دفع بالطبقة العاملة إلى تأسيس الأممية النقابية ، التي ساهمت في تكتل الطبقة العاملة في البلدان المساندة للثورة البولشيفية و التي تهدف إلى وحدة الحركة النقابية العالمية في مواجهة الرأسمالية الإمبريالية ، تحالف فيها العمال الشيوعيون و الإشتراكيون و الديمقراطيون و المستقلون و استمرت إلى حدود سنة 1937 ، و في المقابل تأسست أممية أمستردام لمساندة البورجوازية و الإمبريالية من طرف الأوساط الرجعية بالنقابات الغربية .
و كان للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد نهاية الحرب الإمبريالية العالمية الثانية أثر كبير في إبراز الصراع بين المنظومتين الإشتراكية و الرأسمالية ، و ذلك حول أهمية الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تنادي بها الأنظمة الإشتراكية و محاربتها من طرف الرأسمال الذي يعطي الأولوية للحقوق السياسية و المدنية في مستواها الشكلي ، و كان لمنظمة العمل الدولية دور هام في بلورة مجموعة من الإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطبقة العاملة خاصة بعد إصدار العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية و الإجنماعية و الثقافية منذ سنة 1966 ، إلا أن الحقوق المعترف بها للطبقة العاملة بفضل نضالاتها يتم التراجع عنها في ظل المرحلة الثانية من تطور الرأسمالية الإمبريالية بعد سقوط المنتظم الإشتراكي بالإتحاد السوفياتي و شرق أوربا.
و يتم اليوم سن قوانين تراجعية ضد حقوق الطبقة العاملة في جل الدول التابعة و بإملاءات من الإمبريالية الأمريكية و التي تنص على مرونة الشغل و النقابة المواطنة ... و ذلك لضرب الحق في الشغل القار و تسهيل طرد العاملات و العمال و تفويت المؤسسات الوطنية الصناغية و الفلاحية للرأسماليين و انتقال الرساميل عبر العالم و استغلال ثروات الشعوب دون قيد و لا شرط ، و تعتبر سياسة مناطق التبادل الحر شكلا من إشكال الإستعمار المباشر الذي تقوده أمريكا ضد الشعوب ، و ما التوقيعات على التجارة الحرة/ التجربة بالدول الثلاث المغرب و الأردن و الكيان الصهيوني ليست إلا مدخلا لتطبيق المشروع الإستعماري الإمبريالي .
الحركة العمالية الإشتراكية في مواجهة الرأسمال :

قامت عدة ثورات وانتفاضات عمالية أبرزها ثورة 1848التي يقول عنها إنجلس : " لقد انطلق غضب الشغيلة على مداه ضد الوزارة و البرلمان اللذين لم يلبيا أيا من آمال الشغيلة ، بل كانا يتخذان كل يوم قرارات لصالح البورجوازية و معادية للعمال " ،و قد تميزت ثورة حزيران هذه بكونها محض عمالية و تختلف عن سابقاتها التي رفعت شعار: " الموت في سبيل الوطن"، حيث إن شغيلة حزيران " كانوا يقاتلون في سبيل حقهم في الحياة" و تمت مواجهتهم بالرصاص ، و منذ ذلك التاريخ لم تكن هناك ثورة لم تقدها الطبقة العاملة كما هو الشأن في سنوات 1871 و 1905 و أروعها ثورة أيلول 1917 التي أحدثت تحولات جذرية في تاريخ البشرية مع انتصار الثورة العمالية بقيادة الحزب الشيوعي في أفقر دولة في أوربا ، و رغم هجوم الإمبريالية فقد استطاعت الطبقة العاملة بلورة حركات ثورية عبر العالم خاصة في أمريكا اللاتينية.
و بعد تجربة الدول الإشتراكية التي أقرت دساتيرها حقوقا اقتصادية و اجتماعية واسعة النطاق بادرت الدول الرأسمالية الغربية بالتدخل في الفعاليات الإقتصادية و الإجتماعية دون أن يصل ذلك إلى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، لكن تناقضات الرأسمالية باعتبارها نظاما تناحريا أدت إلى الحرب الإمبريالية الثانية و التي دفعت فيها الطبقة العاملة الثمن غاليا حيث تحول العمال إلى جنود للإمبريالية يقاتلون بعضهم بعضا ، و لم يسترجعوا حيويتهم إلا أثناء حركة التحرر الوطنية ضد الكولونيالية الإمبريالية في آسيا و أفريقيا و الثورات الإشتراكية بأمريكا اللاتينية ،إلا أن القيادات البورجوازية التي تسلمت السلطة بالدول المتحررة من الإستعمار المباشر أصبحت عرقلة أمام تقدم الطبقة العاملة و تطورها من أجل الوصول إلى الحكم .
كان لنشر الأفكار الإشتراكية بعد نجاح الثورة البولشيفية دورا هاما في التأثير على الرأسمالية الإمبريالية في الدول الغربية التي سارعت إلى إدخال إصلاحات شكلية على أنظمتها ، خاصة في المجالات الإقتصادية و الإحتماعية من أجل حماية الرأسمال من الإنهيار و الحفاظ على جوهر النظام الرأسمالي و تشجيع الطبقة العاملة و تحفيزها على العمل ، كما عملت على تشجيع المبادرة الحرة و تقويتها و تحفيزها على المزيد من المغامرة من أجل المزيد من الربح و تراكم الأموال ، و كان للصناعة الحربية أثر كبير في تنمية الرأسمال بفعل إفتعال بؤر التوتر و خلق الصراعات في مختلف بقاع العالم خاصة بالدول الفقيرة ، وذلك من أجل إيقاف إمتداد حركات التحرر الوطنية عبر العالم و إسقاط الأنظمة الإشتراكية الناشئة لإضعاف المنتظم الإشتراكي بصفة عامة وعلى رأسه الإتحاد السوفياتي والصين الشعبية ، و استطاعت الرأسمالية الإمبريالية الحفاظ على توازناتها و تطوير آلياتها و محاربة نقيضها الذي يتجلى في الأنظمة الإشتراكية و المد الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، و كان لانهيار الأنظمة الإشتراكية بالإتحاد السوفياتي و أوربا الشرقية أثر كبير في التحولات التي عرفها العالم منذ بداية التسعينات ، و طغيان الرأسمال المالي على حساب تصفية المؤسسات الإنتاجية و خاصة منها الوطنية التي يتم تفويتها للرأسماليين و تشجيع الخوصصة بضغط من المؤسسات المالية الدولية و الشركات متعددة الإستيطان و طرد العمال.
إن النظام الرأسمالي باعتباره يتسم بالصفة التناحرية لا يرى إستمراريته إلا في استمرار التناحر بين الطبقات الشعبية و على رأسها الطبقة العاملة ، التي يتم توظيفها في الحروب اللصوصية التي تقودها الرأسمالية كما نرى اليوم في ظل الإمبريالية الأمريكية التي تستهدف الثروات الطبيعية للشعوب خاصة بالشرق الأوسط ، و ليس بالغريب أن تكون الحرب الأولى التي دشنت بها الرأسمالية الإمبريالية مرحلة الإستعمار المباشر تدور رحاها بأرض العراق منذ أزيد من عقد و نصف من الزمن ، و التي تستهدف ضرب المقاومة الفلسطينية و اللبنانية اللتان تقودان الصراع ضد الهيمنة الإمبريالية و الصهيونية مما يضع على عاتق الشعوب مساندتهما بقيادة قوى اليسار الثوري ، و ليس بالغريب أن تكون هذه المنطقة مستهدفة ليس فقط لكونها تتوفر على أكبر احتياطي عالمي من الطاقة بل كذلك نظرا لكونها عرفت تجارب بطولية في مواجهة الإمبريالية و الصهيونية ،خاصة تجربة الثورة الفلسطينية و المقاومة اللبنانية اللتان تعبران عن مدى قدرة الشعوب على التحدي و الصمود و المقاومة، رغم خيانة الأنظمة الرجعية لقضايا شعوبها خاصة القضية الفلسطينية .
في ظل الأوضاع الإقتصادية و الأجتماعية و الثقافية المزرية التي تعيشها الطبقات الشعبية يأتي اليسار الثوري في مقدمة المعنيين بالصراع الطبقي ، على اعتبار أن مشروعه في التغيير مرتبط بمصالح الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين التي يمسها بشكل مباشر هجوم الرأسمالية الإمبريالية ، و هي لا تملك إلى حد الآن حزبها السياسي الذي يستطيع قيادة صراعها ضد الرأسمال ، و لأن جميع الطبقات الإجتماعية تملك أحزابها السياسية التي تعبر عن مصالحا بما في ذلك الطبقات الوسطى ، و التي لم تستطع بعد بلورة تحالف حقيقي مع الطبقات الشعبية ، و من هنا تأتي أهمية بناء حزب الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين في استراتبجية النضال الثوري .

بناء الحزب السياسي الثوري :
إن الحديث عن تأسيس أي تنظيم سياسي يتطلب ملامسة القضايا السياسية والجماهيرية المطروحة في الساحة السياسية والجماهيرية بارتباطها بمتطلبات الوضعية السياسية و الجماهيرية، لذا فإن بناء التنظيم السياسي الثوري يجب أن يتلاءم و المتطلبات السياسية و الجماهيرية على المدى القريب و المتوسط و البعيد ، و بكيفية تجعله قادرا على بلورة الحلول الملائمة للقضايا السياسية والجماهيرية وهي :
النضال الثوري ومتطلبات بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
الممارسة الديمقراطية الاشتراكية المرتبطة بتقرير مصير الشعوب.
النضال ضد هجوم الرأسمالية الإمبريالية على الثروات الطبيعية والتراث التاريخي والحضاري و الثقافي للشعوب.
محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة السياسية والإقتصادية و الإجتماعية.
إقرار الحقوق المشروعة للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين وخاصة منها الحق في الشغل القار والحق في الأرض والماء و استغلال الثروات الطبيعية والحق في الصحة والتعليم والسكن.
مناهضة القوانين المجحفة في حق الشعب المغربي وخاصة منها مدونة الشغل الرجعية وقانون الإضراب القمعي و قانون الاحزاب.
إقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية ودسترة الامازيغية كلغة رسمية.
النضال من أجل الوحدة السياسية والاقتصادية للشعوب المغاربية.
مساندة الشعبين الفلسطيني والعراقي و النضال من أجل تحريرهما من الامبريالية و الصهيونية.
إن القضايا السياسية المطروحة أعلاه باعتبارها قضايا تهم الشعب المغربي انطلاقا من مبدأ تقرير مصيره بنفسه تتطلب بناء الحزب الثوري من أجل تحقيقها والدفاع عنها و لكن لن يتأتى ذلك إلا في ظل المبادئ الأساسية التالية :
ـ وعي الطليعة الثورية ووفاؤها لمبادئ النضال الثوري وذلك بنضالها وروح التضحية لديها.
ـ الارتباط الجذري بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين.
ـ سداد القيادة السياسية الثورية لهذه الطليعة وصحة خطها واستراتيجيتها السياسيين.
ـ إقتناع الجماهير الشعبية بصحة الخط والاستراتيجية للحزب الثوري انطلاقا من تجربتها الخاصة.
ـ حشد أوسع الجماهير للالتفاف حول البرنامج العام للحزب الثوري والنضال من أجل تحقيقه.
الأحزاب الإصلاحية و الرجعية :
إن الساحة السياسية بعد الهيكلة الجديدة للنظام القائم بالمغرب قد أفرزت خريطة سياسية للأحزاب المتواجدة بها والطبقات التي تعبر عنها وهي :
الأحزاب الرجعية ذات الارتباط الوثيق بالمشروع السياسي بالنظام القائم وهي وليدة حقبة القمع الأسود وتعبر عن مصالح البورجوازية وكبار الملاكين العقاريين.
الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية ذات الارتباط بالنظام القائم وهي وليدة النضال من أجل الاستقلال في مرحلة الاستعمار المباشر ، إلا أنها تخلت عن مصالح الطبقات الشعبية التي تعبر عنها وتلعب اليوم دور الوسيط في استمرار النظام القائم ، وتضم في صفوفها طبقة البورجوازية وكبار الملاكين العقاريين و البورجوازية الصغرى و المتوسطة.
الأحزاب المنشقة عن أحزاب الحركة الوطنية ذات الارتباط النسبي بمصالح طبقة البورجوازية المتوسطة والصغرى وهي تعترف بالنظام القائم كضرورة تاريخية و تتبنى الاشتراكية.
أحزاب اليسار الديمقراطي والتي ما زالت في طور المخاض وهي إما ذات الارتباط بالنظام القائم بشكل من الأشكال وهي لا تخرج عن دائرة الإصلاح ، وإما أنها لا تملك خطا سياسيا واستراتيجية واضحة ، وتضم في صفوفها الطبقة البورجوازية المتوسطة والصغرى و تتبنى الماركسية في مرجعيتها و تتنكر للماركسية اللينينية.
الأحزاب الإسلاموية التي تحمل المشروع الأصولي ذات الارتباط بالنظام وهي تلعب دورها في تكريس الوضع السائد رغم وجود فصيل معارض للنظام القائم ، إلا أنه لا يشكل تعبيرا حقيقيا لمصالح الشعب بقدر ما يعمل على تكريس الوضع بنشر الفكر الأصولي في أوساط الجماهير والمعادي للفكر الماركسي اللينيني .
إن المطلع على الخط والاستراتيجية السياسيين لهذه الأحزاب يلاحظ أنها تذهب في اتجاه الاعتراف المطلق أو الضمني بمشروع النظام القائم خاصة في القضايا الجوهرية (النظام ، الرأسمالية ، الصحراء، الأمازيغية) والذي يتناقض ومصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين مما يضعها في تناقض مع مبدأ بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، ويشرعن للاستمرار في ارتكاب الجرائم السياسية والاقتصادية و عدم محاسبة المسؤولين عنها.
انطلاقا مما سبق ذكره يتضح الجواب عن سؤال المرحلة : أي تنظيم سياسي نطمح إليه؟ والجواب واضح بطبيعة الحالة وبالانسجام مع المرجعية التاريخية و الايديولوجية و السياسية التي تعتمد الارتباط بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين ، إذ إن جميع الطبقات سواء منها البورجوازية و الملاكين العقاريين الكبرى و البورجوازية المتوسطة و الصغيرة لديها أحزابها التي تعبر عنها وعن مصالحها إلا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين، فإلى متى ستبقى هذه الطبقات بدون حزبها السياسي المستقل الذي سيقود الثورة ؟
سؤال مشروع يفرض نفسه اليوم وبإلحاح على اليسار الثوري باعتباره الإستمرار التاريخي للحركة الماركسية اللينينية و خاصة منظمة إلى الأمام التي وضعت أسس بناء الحزب الثوري ، و نحن اليوم نعيش في ظل ما تحقق من مكاسب بفضل نضال هذه الحركة العتيدة والذي يتجلى في الحق في الوجود والتعبير الحر عن هذا الوجود ، وينتظرنا مزيد من النضال من أجل بناء الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين في أفق بناء المجتمع الاشتراكي .
المبادئ الأساسية للحزب السياسي الثوري :
بالارتكاز إلى الشروط الأساسية لبناء الحزب الثوري التي وضعها لينين يمكن بلورة تصور حول الشكل التنظيمي للحزب السياسي الثوري الذي نطمح إليه و الذي يجب أن يرتكز إلى المحددات الأساسية التالية :
وعي الطليعة الثورية ووفاؤها لمبادئ الثورة :
إن الحديث عن الوعي خارج التحديد الماركسي اللينيني لمفهوم الوعي لا يمكن أن يكون إلا ضربا من الكلام ، وخارج المفهوم الطبقي للوعي لا يمكن الحديث عن الطليعة الثورية، لذا فالصراع الطبقي مرهون بامتلاك الوعي الطبقي الذي يتم بلورته عبر التحليل الملموس لواقع الطبقات الاجتماعية ومعوقات بروز الوعي الطبقي لدى الطبقات الشعبية ، والتي تعتبر الطبقة العاملة من الطبقات الاجتماعية الأساسية التي تشكلها خاصة في المدن باعتبار نمط الانتاج السائد نمط إنتاج رأسمالي تبعي للرأسمال المركزي ، وهو تبعي لأنه يخدم مصالح الرأسمال المركزي و يحمل في علاقاته سمات الإقطاع ولا توجد بداخله طبقة بورجوازية وطنية ، لكون المتحكمين في الاقتصاد تحكمهم عقلية إقطاعية تتعارض مصالحها ومفاهيم البورجوازية التي قطعت مع مصالح الإقطاع منذ زمن طويل ، وتشكل طبقة الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين بالبوادي الحليف التاريخي للطبقة العاملة المستقرة بالمدن والمنحدرة من البوادي ، والتي تربطها علاقات اجتماعية بالفلاحين الفقراء مما يجعل من البوادي السند النضالي للمدن.
وتعتبر تجربة النضال الثوري ضد الاستعمار المباشر والذي تحالفت فيه البوادي والمدن بعد زمن من الفصل بينهما بعد القضاء على مقاومة الفلاحين الفقراء ، وتفكيك الملكية الجماعية للأراضي وتركيز الملكية الفردية الرأسمالية وبالتالي تفكيك نمط الإنتاج الجماعي وتركيز نمط الإنتاج الرأسمالي وسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية التبعية ، وتعتبر تجربة تحالف المدن والقرى/الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ضد تحالف الاستعمار والإقطاع من بين التجارب الرائدة والناجحة في تاريخ الصراع الطبقي بالمغرب، لذا فالصراع القائم اليوم هو صراع طبقي على الرغم من أنه يحمل بداخله صراعات اجتماعية ذات صبغة ما قبل-طبقية ، نظرا لكون العلاقات الاجتماعية السائدة ليست بعلاقات اجتماعية رأسمالية محضة لكونها تحمل بداخلها علاقات اجتماعية ما قبل رأسمالية وما يصاحبها من علاقات التبعية للرأسمال المركزي ، والتي تبرز تجلياتها أساسا لدى الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين في الصراع مع كبار الملاكين العقاريين بالبوادي ولدى الطبقة العاملة والكادحين بالمدن مع الرأسماليين ، لكن بناء التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين سيقدم بشكل إيجابي الصراع الطبقي والذي يتطلب بناء الحزب الثوري .
الارتباط الثوري بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين :
إن امتلاك الوعي الطبقي لدى الطليعة الثورية لا يكفي عندما يفتقد للممارسة العملية للمحترفين الثوريين المرتبطين جذريا بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين، أولا عبر تنظيماتهم الذاتية للدفاع عن المصالح الطبقية لهذه الطبقات في إطار بناء تحالف بين هذه التنظيمات ، من أجل مواجهة الهجوم على مصالحها ومناهضة الانحرافات ومفاهيم البورجوازية والسلوكات ما قبل-طبقية التي تبرز في الأوساط الشعبية ، و من أجل تطوير الوعي لديها للمرور إلى مرحلة الوعي السياسي والممارسة السياسية من الموقع الطبقي الذي تنتمي إليه هذه الطبقات ، وثانيا عبر الممارسة السياسية و المساهمة في بناء الحزب الثوري ، و تحمل المسؤوليات السياسية في هياكله لتطوير الوعي السياسي لديها من أجل امتلاك الوعي الطبقي الآلية الوحيدة الكفيلة لحسم الصراع لصالحها.
ولن يتم ذلك إلا في ظل بناء الحزب السياسي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين الذي يجب أن يرتكز أولا إلى النضال الثوري ، الذي تعتبر فيه الطليعة الثورية قائدة للصراع الطبقي في ظل وضوح الخط السياسي الذي يجب أن يهدف إلى إشراك أوسع الجماهير لبناء تحالف سياسي و جماهيري ، وثانيا إلى استراتيجية الأفق الثوري لبناء المجتمع الاشتراكي بالارتباط الجذري بمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين داخل حزبهم الثوري.
سداد القيادة السياسية والخط والاستراتيجية السياسيين :
ولبناء الحزب الثوري لابد من قيادة سياسية ثورية تمتلك الوعي الطبقي والنظرية الثورية اللذان يستمدان أسسهما من الماركسية اللينينية كفكر وممارسة ، واللذان يجب أن يرتكزا إلى العلاقة الأفقية العمودية بالجماهير بالارتباط اليومي بأوضاعهم وفق القراءة النظرية و الممارسة العملية للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم ، من اجل وضع الخط والاستراتيجية السياسيين السديدين للنضال الثوري ، وذلك بالممارسة الديمقراطية الاشتراكية الإطار الأساسي لفلسفة الحزب السياسي الثوري ، لفتح المجال أمام الجماهير الشعبية للتعبير عن آرائهم وبلورة أفكارهم التي يجب أن يرتكز عليها بناء الخط والاستراتيجية السياسيين للحزب الثوري.
وتعتبر حرية النقد التي تعتمدها النظرية الماركسية اللينينية في الممارسة السياسية وفي التعامل مع قضايا الجماهير الشعبية والنضال من أجلها، وبلورة الخط السياسي الثوري من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لبناء تحالف أوسع للجماهير الشعبية ، لحشد أوسع الجماهير للالتفاف حول الخط والاستراتيجية السياسيين للحزب السياسي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين ، ولن يتم ذلك إلا باقتناع الجماهير بصحة الخط والاستراتيجية السياسيين وبتجربتها الخاصة.
اقتناع الجماهير بالخط والاستراتيجية السياسيين :
تعتبر التنظيمات الذاتية للجماهير ) النقابات و الجمعيات و التعاونيات ( الحلقة الوسطى بين الحزب الثوري وأوسع الجماهير التي تناضل من أجل الدفاع عن مصالحها ضد الرأسمال ، و التي يجب أن يرتكز داخلها النضال الجماهري الثوري الذي يهدف إلى بناء تحالف جماهيري من خلال هذه التنظيمات ، ويعتبر تواجد المناضلين الثوريين المتشبعين بالنظرية الثورية والممارسة العملية أساسيا داخل هذه التنظيمات لبلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساط أوسع الجماهير ، و ذلك من أجل تنمية الوعي الطبقي لديها و تحفيزها لتبني الخط والاستراتيجية السياسيين للحزب الثوري ، وذلك عبر النضالات الجماهيرية والحركات الاحتجاجية التي يجب أن يشارك في إقرارها وتنفيذها أوسع الجماهير لتعميق الوعي الطبقي لديها ، و الذي يجب إدراكه من طرفها وبتجربتها الخاصة ، للانتقال من درجة النضال الجماهيري اليومي إلى الممارسة السياسية اليومية من أجل الثورة في إطار الممارسة الديمقراطية الاشتراكية.
ولن يتأتى ذلك إلا عندما تستطيع الطليعة الثورية أن تنغرس في أوساط أوسع الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء ، والتي يجب أن تفرز قيادات ثورية تشارك في صنع القرار السياسي وبلورة الخط السياسي والاستراتيجية السياسية في أفق بناء المجتمع الاشتراكي.
حشد أوسع الجماهير حول البرنامج العام الثوري :
يعتبر البرنامج العام للحزب الثوري أهم المراحل التي يجب الانطلاق منها بعد التحليلات السياسية الدقيقة للوضع السياسي و الإتصادي ، ووضع الأهداف الأساسية ذات الأولوية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية انسجاما مع الخط والاستراتيجية السياسيين ، بهدف حشد أوسع الجماهير للنضال من أجل تحقيق المطالب السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية الملحة التي يجب أن تكون في صالح القوى الجماهيرية المتحالفة ، عبر التنظيمات الذاتية للجماهير بمختلف فئاتها في إطار تحالف سياسي ثوري .
إن النضال من أجل الدفاع عن القضايا الجماهيرية المطروحة على الساحة النضالية يجب أن يكون ذا أهداف واضحة تلامس معاناة أوسع الجماهيري، والتي يمكن أن ترتكز إلى قضايا الطبقة العاملة في شقها الاقتصادي والاجتماعي وقضايا الفلاحين الفقراء في حقهم في الأرض والماء والقضايا الثقافية واللغوية الأمازيغية...، إن بلورة البرنامج العام بالارتكاز إلى القضايا ذات الأولوية والتي تهم مصالح أوسع الجماهير سيساعد على حشد تأييد قوى الجماهير الواسعة من أجل تبنيه والدفاع عنه والنضال من أجل تحقيقه ، مما يفتح المجال أمام الصراع من أجل الثورة و من أجل تحقيق الديمقراطية الاشتراكية بالانضمام إلى الحزب السياسي الثوري في أفق بناء المجتمع الاشتراكي .
المركزية الديمقراطية و الاستقلالية الجهوية :

إن الحزب السياسي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين لايمكن أن يقوم بمهامه خارج النظرية الثورية التي ترتكز إلى الماركسية اللينينية فكرا وممارسة ، وانطلاقا من الديمقراطية الاشتراكية التي ترتكز إلى حرية النقد عبر الممارسة العملية التي تحكمها العلاقات الاجتماعية الاشتراكية بقيادة الطليعة الثورية التي تمتلك صحة الخط و الاستراتيجة السياسيين ، لفتح المجال أمام المركزية الديمقراطية لبلورة القرارات المصيرية شريطة أن تكون القيادة جماعية وتستجيب للتمثيلية الجهوية .
والديمقراطية الحقيقية ليست فقط مجرد انتخابات بل هي أيضا إمكانية التأثير الفعلي في السلطة ومراقبتها والمساهمة في القرار السياسي ، والديمقراطية الاشتراكية هي سلطة الشعب الحقيقية التي يجب أن تؤطر العلاقات الاجتماعية وتحكمها المركزية الديمقراطية بعيدا عن الفهم الرأسمالي للديمقراطية التي ترتكز إلى المبادرة الفردية و الانتخابات ، بل هي سيطرة الحزب الثوري الذي يستمد سلطته من بناء الدولة الديمقراطية الشعبية وبقيادته الثورية ، بالتفاعل الأفقي العمودي في اتخاذ القرارات السياسية في القضايا العامة والمصيرية التي تلعب فيها الأجهزة الجهوية دورا أساسيا لبلورتها انطلاقا من القرارات الجهوية ، وفي إطار استقلالية جهوية تحترم التوجهات العامة للحزب السياسي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين ، الذي تلعب فيه الجهة الحلقة الأساس لمتابعة وبلورة القرارات التي يتم صياغتها وطنيا انطلاقا من العلاقة الأفقية العمودية بين الأجهزة الوطنية والجهوية ، و فتح المجال أمام الأجهزة الجهوية في علاقاتها مع الأجهزة المحلية في اتخاذ القرارات السياسية في القضايا الجهوية ، وفق البرنامج الجهوي الخاص في ظل الأستقلالية النسبية التي تمنح الجهة قوة التأثير الفعلي في السلطة ومراقبتها والمساهمة في الإدارة الجهوية في أفق منح سلطة الحكم الذاتي للمناطق للجهات ، في إطار التكامل السياسي و الاقتصادي بين الجهات حيث تلعب الجهة الغنية دور السند للجهة الفقيرة.
انطلاقا مما سبق ذكره يعتبر بناء الحزب السياسي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين التعبير السياسي الناجع الذي تتطلبه المرحلة وذلك لعدة اعتبارات منها:
احتواء النظام القائم للتنظيمات السياسية التي أفرزتها النضالات الجماهيرية الشعبية ضد الاستعمار المباشر.
حاجة الجماهير الشعبية لبناء الحزب الثوري الذي يعبر عن مصالحها في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية على خيراتها الطبيعية ومكتسباتها التاريخية.
إن جميع الطبقات الاجتماعية لديها أحزابها التي تعبر عنها وعن مصالحها إلا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين.
إن الديمقراطية الاشتراكية الكفيلة بالقضاء على الفوارق الطبقية لا يمكن تحقيقها إلا في ظل الحزب السياسي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين.
إن اليسار الثوري باعتباره امتدادا للحركة الماركسية اللينينية وخاصة منظمة إلى الأمام و لا تنسجم تصوراته و مرجعياته التاريخية والأيديولوجية والسياسية إلا مع ما تطمح إليه الطبقات الشعبية من تغيير لأوضاعها المزرية.
لذا على اليسار الثوري وبالانسجام مع ظروف نشأته والأهداف التي تأسس من أجلها باعتباره متشبثا بالامتداد التاريخي للحركة الماركسية اللينينية و خاصة منظمة إلى الأمام فكرا وممارسة من أجل النضال الثوري الكفيل بالتغيير ، أخذ الاعتبارات التي تم ذكرها بعين الاعتبار في اتخاذ القرار السياسي المناسب للمرحلة والذي يجب أن يشكل فيه بناء الحزب الثوري كتنظيم سياسي جماهيري كفيل لتحقيق الديمقراطية الاشتراكية ، وذلك بالمساهمة الفعلية في توحيد النضال الثوري من أجل بناء الحزب السياسي للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، الطبقات التي لها المصلحة في التغيير.



#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حديث مع التحريفيين الجدد بالنهج الديمقراطي
- الرسالة النقدية للمناضل الماركسي اللينيني عزيز المنبهي إلى ق ...
- من أوراق منظمة إلى الأمام : الوضع الراهن والمهام العاجلة للح ...
- حركة النهج الديمقراطي إلى أين ؟
- من ثرات منظمة إلى الأمام : دور الشهيد القائد عبد اللطيف زوال ...
- من او راق منظمة إلى الأمام : لنبن الحزب الثوري تحت نيران الع ...
- من او راق منظمة إلى الأمام : سقطت الأقنعة فلنفتح الطريق الثو ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ا ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ا ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ا ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ...
- الحكم العنصري ليوم الخميس الأسود من أجل اختلاس المال العام ...
- المحاكمات الصورة من طبيعة النظام الحاكم بالمغرب
- الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء الحادي عشر
- الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء العاشر
- الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء التاسع
- الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء الثامن
- الصراع الطبقي بسوس بين الماضي و الحاضر الجزء السابع


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الحركة الثورية و بناء الحزب الثوري