أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حاتم الجوهرى - جيوثقافية الشرق المأزوم: بين المثقف العمومي والمثقف التأسيسي















المزيد.....

جيوثقافية الشرق المأزوم: بين المثقف العمومي والمثقف التأسيسي


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 12:01
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تبدو اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة العربية والعالم أبعد ثقلا بكثير، من فكرة المثقف التقليدي الذي نشأ في القرن العشرين متمركزا حول فكرة الاشتباك مع الشأن العام، وضرورة ربط المعرفة والاطلاع والآداب والفنون بموقف ما من الحياة، غالبا كان هذا الموقف هو موقف جاهز ويقيني ومحدد المعالم بوضوح، بما يجعل دور المثقف التاريخي ينحصر في فكرة اختيار موقف ما أو جبهة ما والانضمام إليها وتشجيعها، في وقت لم يكن فيه تعدد حقيقي في العالم للاختيار من بينه.
فكان المثقف يختار ما بين أيديولوجيا الماركسية بسطوتها التنظيمية وقدرتها الهائلة على الدعاية والحشد، والترويج لمقولات النضال وحقوق العمال وما إلى ذلك. أو يختار أيديولوجيا الليبرالية بشعاراتها الكلاسيكية القديمة حول الحرية الفردية والاقتصادية والحقوق الشخصية، التي كانت تستخدم آليات الدبلوماسية الثقافية وسيطا تنظيما متمثلا في المراكز الثقافية، والمنح العلمية والفنية وفروع الجامعات الغربية في العالم العربي وغير العربي، والمعاهد الأكاديمية في الغرب التي قد تستقطب بعض المثقفين الأكاديميين لأنشطتها.
إجمالا كان المثقف في القرن العشرين يمثل ما يمكن أن نطلق عليه "المثقف العمومي"؛ أي المثقف الذي يهتم بالانشغال بالعموميات والتموضع معها أو ضدها، انطلاقا من موقف أيديولوجي أو فكري يحركه ويدفعه دفعا نحو هذا الاتجاه، كان المثقف مثقف الانفعال والتعاطف والحشد والصوت الاحتجاجي المرتفع.
لكن في القرن الحادي والعشرين وفي العقد الثالث منه ووسط كل تلك التحديات المحلية والإقليمية والدولية، هل ما زالت النظريات التي تحكم المثقف تلك قادرة على مواكبة المتغيرات الضخمة! وإعادة تشكيل العالم وفق تصورات جديدة!
أعتقد أن الأمر أصبح شديد الصعوبة، لم تعد هناك اصطفافات أيديولوجية صلبة جاهزة يمكن الالتفاف حولها، أو الحشد من أجلها، أو رفع الصوت احتجاجا بسبها، نحن في عالم جديد تماما يعيد تشكيل نفسه بقوة الحديد والنار، وفق رؤى وتصورات جديدة، ويستعد لابتلاع كل من لا يقدر على الدفاع عن نفسه، وإعادة تشكيل ذاتها وتقديمها في تمثلات جديدة.
بعبارة أخرى؛ "المثقف العمومي" الذي كان يملك اليقين إزاء المواقف الجاهزة واصطفافاتها ربما تجاوزته اللحظة التاريخية، ذلك المثقف الذي كان يكتفي بفكرة الاحتجاج على مظاهر الظلم العالمي واحتكار السلطات المحلي وارتباك النظام الإقليمي، لم يعد احتجاجه كافيا بل نحن في حاجة إلى مثقف يؤسس لبديل شامل، ويعيد تقديم الذات العربية من جديد.
نحن في حاجة إلى مثقفين فاعلين من نوع آخر، يمكن أن نطلق عليهم "المثقفين التأسيسيين" الذين تكون مهمتهم بناء تصورات جديدة للوطن قادرة على طرح بدائل فاعلة أمام الناس مجددا، حتى يمكن أن يلتفوا حولها ويمارسوا الحشد والتأييد، مثقف تأسيسي قادر على تجاوز فكرة الانفعال والاشتباك التقليدي، والانشغال بمنطقة التأسيس النظري لسردية جديدة للذات العربية بعدما انسدت سردياتها التاريخية القديمة سلطة ومعارضة.
العالم القديم الذي كان يدافع عنه مثقف القرن العشرين اختفى تماما، وإذا لم تظهر فئة جديدة من المثقفين العرب يمتلكون الموهبة والقدرة العلمية والنظرية على مجاراة السرديات الثقافية الجديدة القادمة من الشرق والغرب (روسيا والصين وأمريكا)، فإن مصير العرب سلطة ومعارضة ومثقفين وجماهير سينتهي إلى الذوبان والاستلاب والهزيمة، لصالح السرديات الإقليمية والعالمية المتنافسة.
لم تعد هناك فرق أو اتجاهات ما ليشجعها "المثقف العمومي" التقليدي المنشغل بالاشتباك والانفعال مع كل شيء، والصوت الاحتجاجي فقط قد يجذب بعض الأصوات التي تجد فيه متنفسا أو شعورا بإبراء الذمة والتعبير عن الرأي او الغضب تجاه الأزمة المستمرة دون حل أو أفق لحل ، لكن هذا ليس هو ما تحتاجه الظرفية التاريخية الراهنة، للوقوف في وجه التمدد الحضاري الكاسح وسردياته الكبرى الجديدة القادمة من الشرق ومن الغرب.
بل نحن الآن في حاجة لبناء فرق أو اتجاهات أو سرديات عربية جديدة، تخرجنا من حالة التيه الذي نعاني منه في كل المجالات، لم تعد هناك أعلام أو رايات لننتقي منها ما نرفعه ونشعر براحة الضمير والخلاص وأداء الواجب، إنما علينا الكد والعرق سعيا لبناء رمز وعلم وراية جديدة يرى فيها الناس المشترك الجامع، القادر على تجاوز الاستقطابات والتناقضات التي ضربت الذات العربية وأوصلتها لحالة التفكك والأزمة الراهنة.
موجع هو الواقع، ومؤلمة هي الحقيقة، لكن دوام الحال من المحال، ومن كان يعتقد أن القرن العشرين وتصوراته هي ذروة الوجود البشري ومنتهاه الأبدي، أو نظريته المطلقة التي لا توجد بعدها نظرية! لابد سيصاب بحالة من الإنكار والرفض للتعامل مع هذا الواقع الجديد.
وهذا الإنكار ينطلق على الجميع وليس على رجال الأيديولوجيا فقط، ينطلق على كل أبنية السرديات الكبرى التي استمرت معنا من القرن العشرين، دون قدرة على الاعتراف بأنها سرديات انسد بها الطريق ولابد من قرارات جذرية ومؤلمة تشبه العمليات الجراحية القاسية، لكي نستيقظ من حالة الخدر والحنين أو النوستلجيا إلى الماضي الجميل والمألوف واليقين الذي يمنحه بصحة مواقفنا النسبية ضد الآخر، وأقصد بالآخر السلطة بالنسبة للمعارضة وتياراتها الفكرية والحزبية، والمعارضة بالنسبة للسلطة ومؤسساتها الرسمية وأجهزتها.
فهذه الأنا السياسية وذلك الآخر السياسي سويا كان يشكلان معا النظام السياسي وسردياته الموروثة من القرن العشرين، وما لا يريد الطرفان الاعتراف به أن تلك السرديات السياسية انسد بها الطريق، ولم تعد البروباجندا السياسية تشويها لهذا الطرف أو ذاك الطرف، تكفي للجماعة المصرية والعربية للنجاة في مواجهة السرديات الثقافية الجديدة في القرن الحادي العشرين، سواء السرديات الإقليمية المتنافسة معها (السريدة الشيعية الإيرانية- سردية العثمانية الجديدة التركية) أو المعادية لها (سردية الصهيونية- سردية المركزية العنصرية السوداء من أثيوبيا)، أو السرديات الدولية التي تسعى لاحتكار الهيمنة العالمية (الصدام الحضاري من أمريكا- الأوراسية الجديدة من روسيا- الحزام والطريق من الصين).
كلما أسرع الجميع بالاعتراف بانسداد السرديات التاريخية كلما قصرنا الطريق للعبور للمستقبل، وكلما أنكرنا وتشبثنا بمواقعنا الأيديولوجية أو السلطوية أو الثقافية المستقرة، أو كافة "التراتبات الاجتماعية" المرتبطة بالقرن العشرين ودولة ما بعد الاستقلال وبنيتها و معارضتها على السواء، كلما زاد اتساع الهوة التي نغرق فيها.
ما أحلى "المثقف العمومي"! وما أيسر الاحتجاج ضد الوضع الراهن ورفع الصوت ضد مظاهر الأزمة المتنوعة والمتعددة، ولكن ما أصعب دور "المثقف التأسيسي" الذي يسعى للخروج من المأزق التاريخي ويحمل هموم أمته برمتها على عاتقه، ويبحث عن طريق النجاة للجميع.
ما المطلوب من "المثقف التأسيسي" في لحظة تفككت فيها السرديات السياسية الكبرى التي كانت تمسك بها الذات العربية! وما المطلوب من الثقافة في اللحظة التاريخية تلك! في واقع الأمر تحتاج الثقافة إلى تعريف جديد وفلسفة تقدمها بوصفها المكون الإنساني الأكثر قدرة عندما تفشل كل التمثلات الأخرى، وتصبح المنصة الجامعة التي يلتف حولها الجميع.
ومن هنا يأتي مفهوم "الجيوثقافي" الذي نربطه بـ"جيوثقافية الشرق المأزوم"؛ أي الوعي بدور الثقافة الاستراتيجي في الفضاء الجغرافي الخاص بالذات العربية، وتقديم سردية بديلة تدفع "سردية الشرق الأوسط الجديد" للوراء وتواجه أزمة الهزيمة الحضارية التي تلوح في الإفق بشدة.
"المثقف التأسيسي" هو مثقف استراتيجي يسعى لانتشال أمته من مأزقها التاريخي، في لحظة يجتمع عليها فيها كل الخصوم والمتنافسين والأعداء، "المثقف التأسيسي" هو الذي يقدم نقطة اتفاق جديدة تصلح لبناء "مشترك ثقافي" جامع يتجاوز الاستقطاب والتناقضات التي تفجرت، ويمهد لسردية جديدة بـ"فرز اجتماعي" جديد يضع المواهب والأفراد المنتمين لـ"الكتلة الجامعة" لمستودع الهوية في الأمام.
"الكتلة الجامعة" هي تلك الكتلة الشعبية التي رفضت وترفض الاستقطابات، وتمسكت بالمشترك الثقافي الجامع لمستودع الهوية العربي والمصري، ولا تقبل بتقسيمات او تصنيفات الهوية التي قدمتها تيارات القرن العشرين، أي تضع مكونات الهوية معا وفق طبيعتهم التاريخية، ما هو ديني إلى جوار ما هو تاريخي، وما هو قومي أو عرقي إلى جوار ما هو وطني جامع وحاضن، مرتبطة بفكرة القيم الإنسانية العليا التي تقوم على العدل والصالح العام والمثل الكبرى للخير والحق، وتسعى لبناء اجتماعي يقوم على العدالة وإتاحة الفرص والفرز الطبيعي لأفضل المواهب، بهدف الوصول لـ"تمفصل ثقافي" فاعل ينتج تراكما حضاريا وتقنيا، ونهضة تجبر الآخر على احترام الذات العربية والجماعة المصرية.
حقيقة كلما أسرعنا بمواجهة حالة الإنكار السائدة كلما اختصرنا الطريق للمستقبل.. وكلما وعينا لدور الثقافة و"المثقف التأسيسي" كلما وضح الطريق وبانت معالمه التائهة.. ويبقى الأمل



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الممثل الرئاسي لشئون مساعدات غزة وإدارتها
- متغيرات استراتيجية.. وضعف عربي في الاستجابة
- في ذكرى ميلاد مؤسس الصهيونية الماركسية
- الشرق الأوسط الجديد: النووي والوزن النسبي ولماذا ضَربتْ إسرا ...
- زيارة ترامب إعلان غير رسمي للشرق الأوسط الجديد
- الجماعة المصرية: جدل الأمن القومي والمشترك الجيوثقافي العام
- زيارة ماكرون: أوربا ترد على ترامب في ملف فلسطين
- مصر وجدل الاستراتيجية والمعرفة: الدروس الجيوثقافية لمآلات حر ...
- الحداثة الأبدية قراءة نقدية مقارنة للمشروع الغربي
- مصر والاستراتيجية زيرو: تدافع الموانع والممكنات
- هل خسرت المقاومة أم تخاذلت الحاضنة العربية الإسلامية!
- السودان ومصر: إلى أين، سيصل كل منا على حده!
- النمط العسكري للاحتلال: التصعيد ثم التوزان واحتمال اشتعال ال ...
- حروب اليوم وعالم الغد: بين الجيوحضاري والجيوسياسي والجيوثقاف ...
- دور الإسناد الجيوثقافي في الحضور المصري بالصومال
- استراتيجية الأمل: أي تجديد من أجل التجديد الثقافي العربي!
- الوعي الجيوثقافي و دور الدبلوماسية الثقافية في رفد الدبلوماس ...
- الثقافة بوصفها مشتركا مجتمعيا عند التحولات التاريخية
- فوق صفيح ساخن: بيانان ثلاثيان ومذبحة ورد منتظر
- استجابات استراتيجية نتانياهو البديلة: مصر وتركيا وإيران


المزيد.....




- مساعد رفيع في الكرملين عن اتفاق لقاء ترامب وبوتين: -في الأيا ...
- أجود زيت زيتون مستخرج من أشجار -خالدة- في هذه الدولة
- تحليل.. فخ بوتين هل يسقط ترامب خلال لقائهما القريب؟
- صحة محمد صبحي ومحمد منير وأنغام.. إليكم ما نعلمه عن حالتهم
- تحد جديد ينتشر بسبب تيك توك يثير قلقًا وتحذيرات.. شاهد أحدث ...
- بعد سنوات من التشكيك.. الأدلة الوراثية تبوح بسر التعب المزمن ...
- روما توافق على بناء أطول جسر معلق في العالم يربط صقلية بالبر ...
- آخر المستجدات بشأن الحريق الهائل في منطقة أود جنوب فرنسا
- ما الذي يعيد جمع دمشق وموسكو على الطاولة؟
- 22 شهيدا في قصف إسرائيلي لشقق سكنية وخيم نزوح بغزة


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حاتم الجوهرى - جيوثقافية الشرق المأزوم: بين المثقف العمومي والمثقف التأسيسي