أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء 131)














المزيد.....

جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء 131)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 00:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الوحي والتجسد
هذا الصيرورة-إنسان أو التجسد ( Menschwerdung ) للجوهر الإلهي هو "المضمون البسيط للدين المطلق". فيه، يصير الله آخر، مع بقائه مساوٍيا لذاته، في عملية كشف عن الذات، حيث لا يكون الإلهي أساسا جوهريا خارج العرضية والمحدودية، بل يكون هو نفسه فقط في هذه العرضية، كفاعل أو ذات، لا تحتوي على سرّ ولا غموض، لأنها ببساطة فعل إظهار الذات ومعرفة ذاتها كما هي، في حقيقتها الروحية. وهكذا، يستطيع هيجل أن يعارض المسيحية الحقيقية باللاهوت العقلاني، ويؤكد، كما نجد في المقدمة، أن الله، بعيدا عن كونه أساسا ثابتا لا يتحرك يكفي أن تُنسب إليه محمولات كالخير والعدل والقداسة، إلخ..، فهو ذات فقط لأنه عملية إظهار ذاته على هذا النحو، من خلال أن يصبح آخر - هذا الإنسان المتفرد الذي هو المسيح - ومن خلال بقائه مطابقا لذاته في هذا الاختلاف.
بهذا المعنى، فإن الدين المسيحي هو الدين الذي يتطابق فيه المضمون (تجلي الإلهي) والشكل (معرفة هذا التجلي)، لأنه ليس سوى فعل الروح المطلق الذي يعرف ذاته في مطلقيته، بحيث إن ما قد يبدو سقوطا أو فقدانا (نزول الله إلى قلب الحقيقة الإنسانية) هو على العكس ما يشكل رفعة ومجدا أسمى للجوهر الإلهي الذي، بهذا فقط، "بلغ جوهره الأسمى". إن ما هو أدنى هو في الوقت نفسه أعلى، ولا يكون  الله "أعمق " إلا بقدر ما يظهر نفسه تماما ودون أي توقف، من خلال "الخروج كليا إلى السطح " . من هنا جاءت الطبيعة الظاهرة للدين المسيحي، حيث يكون الله موجودا، في الوجود الأكثر مباشرة وتجريبية، كما هو في ذاته، كروح، أي كالمعرفة الخالصة بكونه مطلقا، أو كالمعرفة النظرية الخالصة، التي تأتي لتحقيق آمال وتوقعات العالم السابق، من خلال توفير له فرحة الحدس بما هو الجوهر المطلق وإيجاد الذات فيه.
يبقى أن هذا "الوجود-هنا المباشر [...] ليس مجرد وعي مباشر"، بل هو أيضا "وعي ديني"؛ ما يعني أن التجسد ليس مجرد حقيقة، بل هو أيضا الحدث التأسيسي لدين، والذي لا يُفهم معناه الحقيقي أو "مفهومه المُتطور" خارج نطاق الخطاب الذي تُتداوله الجماعة المسيحية عنه. هذا ما يُشير إليه هيجل بتذكيره بأن الروح، في مباشرتها الحسية، تُقدم نفسها أولًا كوعي مُفرد (شخص المسيح) أو كـ"واحد حصري"، مُجرد من كل كونية؛ ومن هنا تأتي ضرورة "الظهور المباشر" لهذا الوجود المُفرد، أي موت المسيح وقيامته كروح تعيش في الوعي الذاتي الشامل للجماعة: من كان مجرد إنسان مُفرد يفقد شكله الحسي، أي الوعي.
"يتوقف عن رؤيته وسماعه، فقد رآه وسمعه، ولأنه رآه وسمعه فقط، أصبح هو نفسه وعيا روحيا. [...] تبقى الروح ذاتا مباشرة للواقع الفعلي، ولكن كوعي ذاتي كوني للمجتمع، وعي يرتكز على جوهره، تماما كما أن هذا الأخير، في مثل هذا الوعي، ذات كونية". من الواضح، مع ذلك، أن هذا الارتقاء إلى الكوني ينطوي على مجازفة: مجازفة اعتبار الكونية المفاهيمية هي كونية التمثيل، التي هي العمومية التجريبية، "المجموع الكلي للذوات"، تماما مثلما أن الـ"هذا المحسوس الملغى" في بداية الرحلة الظاهرياتية "في البداية مجرد شيء إدراكي، وليس بعدُ كليّ الفهم".
بعبارة أخرى، يواجه الدين المسيحي دائما خطر التمسك، في إطار "جوهري" يُجسّد الكلّي بفصله عن المفرد، أو يُختزله إلى بُعدٍ وحيدٍ من عمومية تجريبية، بالحركة التي تشهد على الكونية الفعلية، أو على روحانية المسيح، كوحدة المفرد والكلّي. وهذا ما يحدث عندما تُدرك المسيحية نفي الحاضر المباشر في شكلٍ يبقى محسوسا، وهو البعد في الزمن، سواءً اتخذ هذا شكلَ توافقٍ في الماضي أو توافقٍ في المستقبل:
"الماضي والبعد ليسا إلا الشكل الناقص الذي يُعبَّر فيه عن أسلوب الوجود المباشر، أو يُفترض فيه طابع كوني: هذا الأسلوب من الوجود منغمسٌ سطحيا فقط في عنصر الفكر، محفوظٌ فيه كأسلوب وجود محسوس، ولا يُفترض في وحدة مع طبيعة الفكر نفسه. لا يوجد سوى ارتقاء إلى مستوى التمثيل، لأن هذا هو الارتباط التركيبي بين المباشرة المحسوسة لكونيتها أو للفكر. إن هذا النقص الذي يعبر عنه بوجود "انقسام غير متصالح بين دنيا وآخرة"والذي سيكون من غير المجدي علاجه بالعودة إلى المسيحية البدائية، أو بمحاولة إعادة اكتشاف كلمات المسيح ذاتها، بواسطة نزعة تقليداتية، أو أصولية تعتمد بالتأكيد على "غريزة" تجاوز التمثيل و"الذهاب إلى المفهوم"، ولكنها، من خلال فصل المسيحية بشكل تجريدي عن إدراكها التاريخي، بعيدا عن إعادتها إلى حياتها الروحية، على العكس من ذلك، تخلد "الذاكرة الخالية من الروح لشخصية مفردة لا نعمل سوى على التوجه إليها، وبلماضي الذي هو ماضيها".
(يتبع)
نفس المرجع



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية أشرف حكيمي وبيان نادي المحامين بالمغرب الذين يرافعون من ...
- جان كريستوف بايلي: “الأسماء المشتركة- و-الرواية الواقعية-
- جان كريستوف بايلي: الأسماء المشتركة والرواية الواقعية (3/3)
- جان كريستوف بايلي: “الأسماء المشتركة” و”الرواية الواقعية” (3 ...
- ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين على مشارف روسيا ردا على تصري ...
- أحمد التوفيق يعفي محمد بن علي من مهامه على رأس المجلس العلمي ...
- جان كريستوف بايلي: -الأسماء المشتركة- و-الرواية الواقعية- (2 ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- سعد برادة يجلس مع النقابات التعليمية على طاولة الحوار تفاديا ...
- خريبگة: ساكنة المدينة بين سندان المرضى النفسيين والمختلين عق ...
- ألمانيا تمعن في تزويد أوكرانيا بالأسلحة وتستعد لدق طبول الحر ...
- باتريسيا لومبار كوساك: الناطق باسم الاتحاد الأوروبي يؤكد أن ...
- فرنسا تبلور المراجعة الاستراتيجية الوطنية 2025 تحسبا للسينار ...
- الحزب الاشتراكي الموحد يعقد مؤتمره الجهوي الثالث بجهة بني مل ...
- الجيش الإسرائيلي يعترض سفينة حنظلة الإنسانية وعلى متنها الصح ...
- الهواتف المسروقة في المملكة المتحدة ينتهي المطاف بجزء منها ف ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- إصلاح نظام التقاعد في المغرب: جبهة نقابية واقتصادية ضد “الثا ...
- اليمن، عشر سنوات من الحرب. مقابلة مع لوران بونفوا
- أكثر من 100 منظمة إنسانية تحذر من “مجاعة جماعية” في غزة


المزيد.....




- ترامب لـCNN: لم أعلم بنقل غيسلين ماكسويل إلى سجن إجراءاته ال ...
- ما خيارات الحكومة اللبنانية للتعامل مع قضية سلاح حزب الله؟
- الاحتلال يصيب 3 فلسطينيين برام الله ويعتقل صحفية بالخليل
- خبراء أمميون يدعون إلى تفكيك -مؤسسة غزة الإنسانية- فورا
- محللون: نتنياهو يؤجل عملية احتلال غزة أملا في التوصل لاتفاق ...
- ملفات جيفري إبستين.. -النواب- الأمريكي يستدعي مسؤولين سابقين ...
- أول تعليق لترامب على التقارير بشأن -اعتزام إسرائيل احتلال قط ...
- قطع رأسه ووضعه في ثلاجة.. جريمة صادمة تهز لشبونة بعد لقاء غر ...
- السودان: الفاشر تُنذر بكارثة إنسانية وسكان يعيشون على العلف ...
- زوجان بريطانيان يكسران صمت السجن الإيراني باتصال هاتفي بعد 2 ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء 131)