|
أحمد محمد نعمان، قراءة فكرية سياسية 3-4
قادري أحمد حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 09:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أحمد محمد نعمان .. بين المقابلة والمذكرات والسيرة قراءة فكرية سياسية (٣ـ ٤) - أ ـ
ـ الأحرار اليمنيون والحزبية:
أحمد محمد نعمان، هو أول من تحزّب ومن أدخل الحزبية والتنظيم الحزبي، والعمل الحزبي بمعناه ومفهومه المعاصر الأولي الجنيني إلى اليمن.
ألم يُطلق على أول تنظيم سياسي له/للأحرار اسم "حزب الأحرار اليمنيين" (عام 1944م)، ثم بعد رفض نشاط الحزب من قبل الاستعمار بطلب من الإمام، لجأ إلى تسمية "الجمعية اليمنية الكبرى"، عام 1946م، ثم ماذا نُسمي "الاتحاد اليمني"، بلوائحه وانظمته في عدن وفي القاهرة؟
وهي نقلة فكرية وسياسية وتنظيمية لمرحلة نوعية جديدة في تاريخ كفاح الأحرار السياسي والعملي .. نقلة من حالة نظام العجز الشامل .. نظام العزلة والجمود والتحجر، إلى أول خيط في إرادة الفعل .. نقلة من الإمامية الطائفية/ القبلية، القروسطية، إلى المدينة الحديثة والمدنية والحزب .
أشرنا إلى ذلك لأن الأستاذ أحمد النعمان، والزبيري، بدرجات مختلفة، وجدا نفسيهما مع صعود دور ومكانة الأحزاب السياسية المعاصرة، ( الحركة السياسية الديمقراطية), لا يقفان مرحّبين بها، بل وضعا نفسيهما في مواجهتها، وفي حالة صراع واختلاف معها، كما تضمنتها فقرات عديدة في المقابلة/المذكرات/السيرة.
لا يتسع المقام والمقال لإيرادها.
وحول هذا المعنى يكتب د. أحمد القصير، أحد شهود العيان على تلك المرحلة في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952م، التالي:
"كانت الحركة الطلابية اليمنية دائمة الانتقاد للزبيري ونهجه (...) المحافظ، وشهد مقهى "العجمعي" بباب اللوق اجتماعات وصراعات يومية تقريباً بين الطلاب اليمنيين والزبيري بوصفه مسؤولاً عن فرع تنظيم "الاتحاد اليمني" بالقاهرة، وتركزت هذه الصراعات حول مستقبل اليمن، وحول المواقف التي ينبغي أن يتخذها الاتحاد اليمني بما يتوافق والمرحلة الجديدة التي بلغتها الحركة الوطنية (...) وقد انتقد الاتحاد اليمني في عدن الزبيري حينما أصدر دستور "آمالنا وأمانينا"، تطور موقف الزبيري بعد فرار أحمد محمد نعمان، وحضوره إلى القاهرة في أغسطس 1955م، ومشاركته في قيادة فرع الاتحاد اليمني بالقاهرة" (1)
والحقيقة أن خطاب ورؤية الحركة الطلابية اليمنية في القاهرة: كان ليس متجاوزاً لرؤية وفكر حركة الأحرار اليمنيين، بل ومتقدماً على رؤية الأحزاب الوطنية والقومية والتجمعات اليسارية الاشتراكية في حينه.
ولذلك وجد الأحرار أنفسهم، كفكرة وممارسة، في وضع ذاتي وسياسي صعب، بدا معه وكأن الحالة أو الظاهرة الحزبية، إنما بدأت وتوقفت مع وعند "حركة الأحرار اليمنيين" في شمال البلاد، الذين كانوا يتحركون وينشطون انطلاقاً من عدن، ولذلك دخل النعمان والزبيري في حالة اختلاف سياسي مشروع ومفهوم مع الطلاب اليمنيين في القاهرة.
الطلاب الذين توزعت انتماءاتهم الأيديولوجية والسياسية الحزبية، على مختلف الأحزاب الجديدة الصاعدة: البعث، الماركسيون، حركة القوميين العرب، الناصريون.
مع أن الطلاب في القاهرة ، كانوا يرون في النعمان والزبيري – وظلوا كذلك – عنوانًا للوحدة الوطنية اليمنية، ومثالًا سياسيًا ووطنيًا يُحتذى به، على اختلافهم أو تعارضهم مع رؤيتهما وطريقة تفكيرهما حول كيفية وسبل حل المشكلة اليمنية.
الأحزاب اليمنية الجديدة (الصاعدة)، ليست تعبيراً عن اتجاهات فكرية وسياسية وطنية وثورية، ( على طريقة الموضة ), بل هي تعبير وتجسيد لنشأة وبروز قوى اجتماعية وطبقية جديدة، هي القوى الحاملة لراية الحداثة والتحديث في تاريخ اليمن المعاصر (شمال/جنوب)، وكلما تعززت وترسخت مكانة هذه القوى في الواقع، تراجع دور ومكانة القوى التقليدية: من الجمعية العدنية، إلى رابطة أبناء الجنوب العربي، إلى حركة الأحرار اليمنيين، فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، وهو التاريخ الذي بدأ يعلن عن نفسه بوضوح، مع خطابات وبيانات الحركة الطلابية في القاهرة، و"لجنتها التنفيذية"، منذ منتصف العام 1956م، وما بعد ذلك التاريخ.
"كانت الحركة الطلابية تدعم "الاتحاد اليمني" لكنها دأبت في نفس الوقت على انتقاده والضغط عليه لكي يتبنى مواقف أكثر حسماً. وعلى الرغم من هذه المواجهة المستمرة والتي كانت تأخذ طابعاً حاداً في بعض الأحيان، فإن الطلاب كانوا يلجأون إلى الاتحاد اليمني برئاسة النعمان والزبيري كلما واجهوا مشكلة مع السلطات المصرية". (2)
أي أن العلاقة هي صلة انفصال واتصال، وحدة واختلاف، وتحديداً خلال أواخر النصف الثاني من الخمسينيات.
كانت الحركة الطلابية الصاعدة ترى فيهم الآباء الكبار الرواد المؤسسين، يأخذون منهم، ويقدمون لهم جديدهم ضمن جدلية حوارية/صراعية تاريخية، وهو ما كان.
حركة شبابية طلابية سياسية وحزبية تقدمية ثورية في طور صعود تاريخي، وحركة رائدة/مؤسسة تاريخياً لبدايات حركة المعارضة المعاصرة، قدمت كل ما تستطيع، بل وخلاصة عمرها من أجل إصلاح وتقدم اليمن، ووصلت ضمن جدلية حركة التاريخ إلى سدرة منتهاها، بعد إنجازها دورها السياسي التاريخي.
لقد رأى النعمان، والزبيري، بدرجات وصور مختلفة، أن الأحزاب الجديدة هي المشكلة، وكأن الأحزاب القومية واليسارية والاشتراكية، والوطنية الصاعدة، جاءت نفياً ونقضاً لحركة الأحرار، ومع أن في هذا الرأي/القول والمعنى شيء من الصحة التاريخية، بالمفهوم التاريخي للزمن، فقد بالغ قادة الأحرار في ذلك الاستشعار مبكراً قبل أوانه، ودخلوا مع الطلاب الحزبيين في اختلاف، فقد كان وما يزال في حينه لحركة الأحرار دور سياسي ووطني كبير في سياق ذلك التاريخ. والتجربة التي شهدتها اليمن شمالاً وجنوباً تقول ذلك.
على أن الأستاذ النعمان، كما ورد عنه في المقابلة/المذكرات، لم يفتح صدره وفكره، وكذلك الزبيري، لقبول حالة التعددية الأيديولوجية والحزبية الجديدة/الصاعدة. ولذلك سجل في مقابلته/مذكراته التالي:
"تواجدت فئة كانت قد أصبحت بعثية. اعتبروا أن فكرة الأحرار قد انتهت وجاءت تيارات جديدة: الناصرية، البعثية، والشيوعية، والقومية. أصبح الطلاب منتمين لأحزاب متفرقة، أما نحن فبقينا يمنيين". (3)
وكأن "الهوية اليمنية" مقتصرة ومرتبطة فقط بالأحرار، ومَن والاهم من الشباب، وأصبحت الحزبية بعد تحميلها بالدلالات السلبية التي ألمح إليها من بعيد الأستاذ النعمان، في أكثر من موضع، مقصورة على الأحزاب السياسية المعاصرة: الناصرية، والبعثية، والشيوعيون، والقوميون.
مع أن الحركة الطلابية، "ولجنتها التنفيذية"، والأحزاب القومية، واليسارية الاشتراكية، لم تقل كلمة ذاتية سلبية، عن حركة الأحرار، وعن زعماء الحركة، على الرغم من الاختلاف حد التناقض في الرؤية فيما بينهم.
هذا بعد أن حصر معنى ومفهوم اليمن واليمنية كسياسة وموقف وهوية في حزب "حركة الأحرار"، في القول:
"لكن نظرتنا كانت يمنية" و"نقول اليمن ولا شيء غيرها" و"الحزبية عندي – حسب قول الأستاذ النعمان – لا شيء وليس لها أي محل عندي، أكرهها وأمقتها، لم أتحزب قط" (4)!!
وستلاحظون كم هي الصياغة واللغة المسجلة في المذكرات حادة، وعالية النبرة حد الانفعال في تعبيرها عن نفسها، حول قضايا ليست راهنية، أي بعد قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م.
مع أنه هو – الأستاذ النعمان – من أدخل المفهوم الحزبي المعاصر إلى حياة اليمنيين السياسية.
وتبقى تلك الرؤية/القراءة حول الحزبية الجديدة، هي قراءته/الذاتية الخاصة، لها كل التقدير والاحترام.
مع أن من يعود إلى كتابات الأستاذ النعمان المختلفة، خارج سياق المذكرات، لن يجد هذه اللغة الحدية والانفعالية في الموقف السياسي من الآخر، ومن الشباب تحديداً، ففي إجابته على أسئلة كتيب "من وراء الأسوار"، سنجده يؤكد على أهمية دور الشباب في أكثر من أربع مرات في الثلاث الصفحات من إجابته، مؤكدًا على ضرورة وجودهم في "الهيئة العليا" (٥)، وبروز اختلافه مع الطلاب/الحركة الطلابية إنما ظهر مع بداية النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين.
وتحديدًا مع بروز وظهور الخطاب الأيديولوجي والسياسي الوطني، والتقدمي الواضح في النظرة للمسألة الاجتماعية، والمسألة الوطنية اليمنية، والوحدة اليمنية "الطبيعية"، وفي النظرة للاستعمار البريطاني في جنوب البلاد، وضرورة مقاومته، الخطاب الذي سبقت فيه الحركة الطلابية في القاهرة حتى خطاب الحركة الوطنية اليمنية الصاعدة.
إنها سنة التطور والتقدم في حركة الفكر والسياسة والواقع والتاريخ، التي فجّرت حالة من الاختلافات والانشقاقات في قلب "حركة الأحرار/الاتحاد اليمني" مع الجناتي، والمقبلي، والخزان، ويحيى زبارة، وهو ما أشار إليه الزبيري بوضوح في كتيبه (نعمان الصانع الأول لقضية الأحرار). ومع الحركة الطلابية، و"لجنتها التنفيذية" في القاهرة، كانوا – الطلاب – ينظرون بإكبار وتقدير عاليين لحركة الأحرار، وخاصة للأستاذين: النعمان والزبيري، مع استمرار نقدهم لما يرونه جوانب قصور أو تراجع أو مهادنة في فكر وممارسة الأحرار. بقيت الانشقاقات الداخلية تغزو بنية حركة الأحرار، في صور، الاتحادين اليمنيين في القاهرة، وبدرجة أقل الاتحاد اليمني في عدن. وقد عبّر الأستاذ النعمان عن ذلك شعرًا في المذكرات في قوله:
وتمزق الأحرار شر ممزقٍ يتبادلون الشك بالأقلامِ وتفرقوا شيعًا فكل جماعةٍ سبقت إلى صنمٍ من الأصنامِ فبلادُ يعربَ أصلُها وثنيةٌ أوثانُها أربتْ على الأغنامِ واليوم بالأحزاب تزخر أرضُها شرًا من الأنصابِ والأزلامِ في كل ناحيةٍ وكل مدينةٍ وكرٌ لحزبٍ مفسدٍ هدّامِ وزعامةٌ ونقابةٌ وقيادةٌ ومنظماتٌ للصراعِ الدامي في هذه الفوضى تمزق شملُنا وبها دخلنا بحرَ جهلٍ طامِ حتى غزتنا روسيا بعنينها وتجذبتْ خلفي ومن قدامي.
"هكذا قلت – والكلام ما يزال للأستاذ النعمان – إن الأحرار تشتّتوا، هذا بعثي وذاك قومي، وآخر ناصري. يعني أفكار كثيرة.
كان الزبيري منفعلاً، وكانت تثيره هذه الحركات، فكان يحاول مجاملة الطلاب، مجرد تملّق لعواطف الطلاب، وليس أكثر. فكان يحاول مجاملتهم، ويطلب مني أن أجاملهم، فأرفض. كنت أرفض أن أجامل أو أن أتعايش مع هؤلاء الظالمين الكافرين باليمن. منهم من يعبد البعث وبلاده تتدمر، لا يقرأ ولا يكتب عن بلده ولا عن أرضه، ويريدني أن أتحمس. قلت له – أي للزبيري – الباحث: "أقسم بالله أنني لن أكون معهم. سأفارقك. اذهب معهم". اتخذت هذا الموقف". (٦)
المقطع الطويل السالف الذي أوردته نقلاً عن مذكرات أو سيرة الأستاذ/ أحمد محمد نعمان المسجلة، أجده كقارئ وباحث ومطّلع على أغلبية كتابات النعمان، أجدها بعيدة الصلة عن روح وفكر النعمان – هذا تقديري – مع أنها قوله ورأيه المسجل والمنشور في المقابلة/المذكرات، ومن خلال الأسئلة "الموجهة"، وفي تلكم الظروف الذاتية والإنسانية الصعبة والمعقدة التي عاشها النعمان في تجربة السجن، ومرارة سحب الجنسية، وفي وقتٍ ما تزال حالة البلاد كلها مجهولة المصير ومفتوحة على كل الاحتمالات – كما سبق أن أشرت – أتصوّر لو أن الفقرة المذكورة/المنشورة – وغيرها في بعض المواضع التي لا يتسع الوقت لإيرادها – لو قُدّمت على لسان النعمان بعيدًا ومفصولاً عن سياق المذكرات المسجلة والموجهة، في النص/النصوص الواردة، لكان الكثير، ليس من محبّيه وقرّائه، بل ومن المقرّبين منه، قد يتشككون في أن النص له، لما فيه من توتر ومن حدّة في القول. خطاب يبتعد عن روح وفكر النعمان قراءةً وفكرًا وحياةً، ناهيك عمن كانوا مقتربين أو مقرّبين منه معايشةً وفكرًا وسلوكًا. وهو الرائد، المربي، والمعلم، صاحب الخبرة الطويلة في السياسة وفي الإنتاج المعرفي والفكري.
هناك من قد يرى في ردّه على ما ذهبت إليه من قراءة واستنتاج وتحليل، أن الأستاذ النعمان في كل ما سجله في المذكرات/المقابلة، إنما يعكس لحظة صدق ذاتية كاملة، وجدت طريقها للبوح عما في النفس، من خلال ما تم في التسجيل. وردّي المباشر على من يذهب إلى هذا القول، ما عليك/عليكم سوى مقاربة مؤلفاته/ تراثه الفكري والسياسي والثقافي ببعض ما ورد في المذكرات لترون البون الشاسع بين منطق الفكر والتفكير والكتابة في الحالتين.
هي – في تقديري – لحظة غضب (ردّ فعل)، وما أكثر لحظات تداعيات الغضب (الانفعال)، كحالة إنسانية، في المقابلة/السيرة النعمانية التي سبقت أوانها، وقطعت الطريق على السيرة الذاتية الحقيقية التي كنا ننتظرها عن ومن النعمان.
إنني على يقين أن إنصافه سيأتي من آخرين يقدّمون مقاربات ذاتية وفكرية وثقافية وسياسية وتاريخية، عن حياة النعمان السياسية والاجتماعية والثقافية، والإنسانية، قد تكون هذه السيرة، المقابلة المنشورة/المسجلة، خلفيةً لسيرة لم تكتمل... خلفيةً لسيرة تُكمل وتقول الكثير مما لم تقله السيرة أو المذكرات المسجلة بالصوت، على الأسئلة "الموجّهة". ذلك أن كل كتابة هي شكل من أشكال السيرة، دون أن تأخذ طابع وشكل السيرة.
عُرف عن الأستاذ/ أحمد محمد نعمان أنه رجل حوار وسلام، وتسامح في سيرته الحياتية الخاصة والعامة، وهو المربي والمعلم، وهو ما سمعته من بعض طلاب اليسار الكبار في تلك الفترة، د. أبو بكر السقاف ود. محمد علي الشهاري، وكتابة د. الشهاري في أربعينية النعمان تقول الكثير من هذا المعنى، خلافًا لبعض كتاباته السابقة عن الأستاذ/ النعمان، وهو ما سمعته كذلك، من أستاذي القدير حسين علي الحبيشي، عميد كلية بلقيس، المحب للنعمان من الأعماق، ومن الأستاذ/ عمر الجاوي، الذي أخبرني ببعض الحكايات الجميلة والطريفة ذات الطابع الإنساني، عن النعمان رجل الحوار، والأستاذ، والمعلم، وغيرهم كثير، عرفت منهم هذا المعنى حول سيرة النعمان، حتى من نساء/فتيات كان بمثابة الاب والمربي المؤتمن على رعايتهن وحياتهن الخاصة، في جميع مناطق تواجده، وخاصة في مصر.
يكفي أن أقول إنني سمعته حتى ممن لا يودونه سياسيًا ولا يكنّون له حتى عاطفة شخصية.
إن السيرة/المذكرات عن حياته الثقافية والسياسية ظلمته كثيرًا، في الكثير من المواضع، حتى وإن جاء ذلك على لسانه. وهو الذي ينصح بعدم الحديث والكلام والكتابة في حالة الغضب، وفي حالة عدم استراحة الأعصاب وهدوء البال والنفس.
هناك أشياء كثيرة جميلة أخرجها غضب وانفعالات خطاب المذكرات/السيرة، وهي غير المتصلة بالشأن السياسي الحاد، أقصد فترة الصراع السياسي المحتدم، 1964–1968م، وتحديدًا فترة السجن العاصفة على ذاته كفرد وإنسان.
هناك الكثير من جمال الفكر والتفكير الذي احتوته المذكرات/السيرة، وكان يمكن أن تخرج وتظهر بصورة أوسع وأعمق وأشمل، فيما لو أُتيح لها أن تخرج في وقتها، وبعيدًا عن الأسئلة الموجّهة.
أنا هنا لا أتحدث عن رأي وموقف النعمان من الثورة العنيفة، فهذا موقف فكري سياسي متسق مع طبيعة تفكيره وسلوكه وتكوينه الذاتي ونهجه الخاص والعام في النظرة للواقع وللحياة. هو موقف/رؤية تُحسب له وليست عليه... تُحسب له، أنه كان صادقًا إلى حد اللامعقول مع نفسه فيها ومع الناس من حوله، اقتداءً بقول السيد المسيح، عليه السلام: "ما الفائدة أن تكسب العالم، وتخسر نفسك؟".
قال رأيه وموقفه الفكري والسياسي الذي كان عليه في فترة الإمامة، وقبل قيام الثورة السبتمبرية مباشرة، وبعد قيامها، وكم كان صادقًا وواضحًا في إعلان موقفه كما هو، دون زيادة ولا نقصان، كحالنا مع البعض بعد قيام الثورة، مع الذين لبسوا جميع الأقنعة والقفازات الأيديولوجية والسياسية.
وكما قلت، كان واضحًاً وصادقًاً في أشياء ومواقف عديدة، منها موقفه الرافض من قتل الإمام يحيى، وكذلك موقفه الرافض من الثورة العنيفة، والذي لم يراوغ أو يداور ويناور حوله، وهو ما أصر على تكرار القول به.
فهو يشير إلى كتابته وتوقيعه برقية عزاء للإمام البدر في وفاة والده الإمام، قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م بأسبوع، ورفض الزبيري التوقيع عليها. كما يشير، بشجاعة القول واحترام النفس، إلى أنه لم يكن مع دعوة الزبيري لتنظيم المظاهرة الطلابية في الأيام الأولى لقيام الثورة، ورفض طلب الزبيري له بالمشاركة فيها.
فعلى اختلافنا أو تباين رؤانا ـ كتلاميذ ـ معه في الموقف السياسي هنا أو هناك، لا نستطيع إلا أن نقول كم كان إنسانًا نبيلًا وكبيرًا... إنسانًا جديرًا بالاحترام والتقدير، في أنه لم يدخل لعبة السياسة الرخيصة والمبتذلة في اللعب على ورقة المصالح الصغيرة كما تحددها موازين القوى المتغيرة على الأرض، وعلى حساب الأفكار والقيم والمبادئ والمواقف التي نؤمن بها كأشخاص.
وكما قلت، على اختلافنا معه في الموقف السياسي حول هذه القضية، والترحيب بموقف الزبيري السياسي حول هذه القضية/الموقف تحديدًا، لا يسعني سوى تقدير موقفه الصادق الذي كرر قوله حتى بعد انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م، وسقوط النظام الإمامي، في أنه ظل على ذات الموقف حتى رحيله.
#قادري_أحمد_حيدر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحمد محمد نعمان قراءة فكرية سياسية 2-4
-
الأستاذ محمد احمد نعمان بين المقابلة ولمذكرات والسيرة 1-4
-
الأستاذ أحمد محمد نعمان سيرة عطرة لم تكتب 1-4
-
ناجي العلي، الوطن والفن في الممارسة السياسية 3-3
-
ناجي العلي، الوطن والفن في الممارسة السياسية 2-3
-
ناجي العلي، الوطن والفن
-
الشرعية المتوهمة والشرعية الحقيقية 2-2
-
الشرعية المتوهمة والشرعية الحقيقية 1-2
-
سوريا بين النظام العائلي الاستبدادي والمستقبل المحهول الخلقة
...
-
سوريا بين الاستبداد الأسدي العائلي وسوريا المستقبل المحهول
-
مصطلحا اليمين واليسار في تجربة الحزب في جنوب اليمن 2-2
-
اليمين واليسار في الحزب في تجربة جنوب اليمن
-
المقاومة الفلسطينية في الواقع والخطاب الاستعماري 2-2
-
المقاومة الفلسطينية في الواقع وفي الخطاب الإستشراقي 1-2
-
المقاومة الفلسطينية بين الببطولة والنقد الخائن 3-3 الحلقة ال
...
-
المقاومة الفلسطينية بين البطولة والنقد الخائن 1, 2 من 3
-
محمد المساح إنسان فوق العادة
-
الثورتان اليمنيتان سبتمبر وأكتوبر الحلقة الثانية 2-2
-
جدلية السياسي والتاريخي في الثورة اليمنية 1-2
-
اليمن التاريخ والهوية الحلقة الأخيرة 4-4
المزيد.....
-
مصور نيجيري يحتفي بـ-وحوش صغيرة- في صور شديدة الوضوح
-
-وجبة للمفترسات-.. حديقة حيوانات دنماركية تفتح باب التبرع با
...
-
دخان كثيف يملأ قطارًا والركاب يفرّون وسط فوضى وصراخ.. شاهد م
...
-
مصر: فيديو استغاثة مواطنين من بلطجية ومقتل سائق توك توك.. وا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن إطلاق صاروخ من اليمن والحوثي يصدر بيان
...
-
روسيا تطلق وابلًا من المسيّرات على عشر مناطق أوكرانية قبيل و
...
-
إسرائيل ستسمح بدخول البضائع تدريجيا إلى غزة عبر تجار محليين
...
-
مواجهات في نابلس وتهجير صامت بتجمعات بدوية بالضفة
-
قرار وشيك من نتنياهو بتوسع العمليات في غزة وأنباء عن ضوء أخض
...
-
كاتب إسرائيلي: حكومة نتنياهو فتحت على إسرائيل أبواب الجحيم
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|