هاني صالح الخضر
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 23:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"من لم يفهم أن الإسلام حفظ العرب من الزوال، وأن العروبة كانت الوعاء الأول لرسالة التوحيد، فقد ابتلع الطُعم الذي صاغته مخابر الهيمنة وألقت به في جوف أمتنا."
بين العروبة والإسلام… من تَكامل الرسالة إلى تفكيك الذاكرة
ليست العروبة والإسلام جبهتين متقابلتين في معركة صفرية، بل هما نهران التقيا عند منبع الرسالة، وتدفّقا معًا نحو تشكيل أمة. لم تكن العروبة شعارًا قبليًا، بل هوية لسانٍ وشعور جمعي، اتسعت بالوحي، وتشكلت بمداد القرآن، حين نزل بلغة العرب، لا ليمجّد العرق، بل ليخاطب الفطرة.
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، لكن الإسلام في المقابل أنقذ العرب من تشرذمهم القبلي، ومن ثقافة الثأر والجاهلية والاغتراب الكوني. لم يكن التوحيد بديلاً عن العروبة، بل كان بعثًا لها.
النهضة المغيَّبة: عندما اتحد اللسان والرسالة
في قلب القرن التاسع عشر، وحين كانت الأمة تنهض من تحت ركام الاستعمار العثماني ثم الغربي، لم يرَ المفكرون النهضويون أي تعارض بين الإسلام والعروبة. محمد عبده كتب في الإصلاح الديني والاجتماعي بلغة عربية أصيلة، والكواكبي رأى الاستبداد العدو الأكبر للأمة، لا الإسلام. وشكيب أرسلان صرخ: "لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟"، رابطًا تأخرنا بالانفصال عن روح الإسلام، لا بتمسّكنا به.
كانوا عربًا ومسلمين، بلا عقد انفصال، ولا خطابات هوية مشطورة.
حين دخل البعث… خرج الإسلام
لكن مع صعود التيارات القومية المتأثرة بالاشتراكية الأوروبية، تغيّرت المعادلة. حزب البعث العربي، الذي بدأ بشعار "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة"، سرعان ما جرّد هذه الأمة من روحها. تغرّبت العروبة، وصارت هوية صلبة، علمانية، مفرغة من الروح التوحيدية. وهكذا، أُخرج الإسلام من المعادلة، وصار مشبوهًا، رجعيًا، أو على الأقل "شخصيًا". ( راجع المقال : العروبة والإسلام: وحدة الرسالة أم انقسام الهويات؟)
حين دعمت الإمبراطوريات تفكيك الروح
الغرب الاستعماري لم يقف مكتوف اليدين. لقد فهم مبكرًا أن المشروع الوحدوي الأخطر، هو ذاك الذي يجمع بين لغة مشتركة، ورسالة توحيد تتجاوز الحدود. ومن هنا، دعمت القوى الاستعمارية النماذج التي تفصل بين الدين والقومية.
في إيران، تمت إعادة اختراع الهوية الشيعية كقومية فارسية مغلقة، تنظر للإسلام العربي بعين الشك.
1. إعادة اختراع الهوية الشيعية في إيران الحديثة
الدولة الصفوية (1501–1736) هي أول من حوّلت التشيّع إلى هوية رسمية لدولة قومية، بعد أن كان التشيع مذهبًا دينيًا دون طابع قومي. وقد فرضت التشيع الاثني عشري بالقوة وأسست لهوية متمايزة عن الإسلام السني السائد في العالم العربي[1][2].
2. قومية فارسية مغلقة مغلّفة بالدين
في عهد الدولة البهلوية (1925–1979)، تم تهميش البعد الديني لصالح تأكيد الهوية القومية الفارسية العلمانية. وبعد الثورة الإسلامية (1979)، جرى دمج المذهب الشيعي مع القومية الفارسية في نموذج أيديولوجي جديد يزاوج بين ولاية الفقيه والتفوق الرمزي للتراث الفارسي[3][4].
3. النظر إلى الإسلام العربي بعين الشك
أدبيات الثورة الإيرانية ميزت بين "الإسلام المحمدي الأصيل" و"الإسلام الأمريكي"، في تلميح إلى الإسلام السني التقليدي باعتباره متواطئًا مع الإمبريالية. وأظهرت الخطابات الرسمية أحيانًا نزعة تشكيك في "عروبة الإسلام"، مع التركيز على أن كربلاء هي الأصل، لا مكة[5][6].
العودة إلى الأصل: هوية لا تُجزَّأ
ما نحتاجه اليوم ليس الدفاع عن الإسلام ضد العروبة، ولا تبرير العروبة أمام الإسلام، بل تفكيك المعركة الكاذبة التي زُرعت في وعينا.
الهوية الحضارية الأصيلة لهذه الأمة، ليست "ثنائية"، بل توحيدية: لسان عربيّ، ورسالة ربّانية، وتاريخ جمع الشعوب لا فرّقها.
"الأمم لا تنهار حين تُهزم بالسلاح، بل حين تُقنع بأن تاريخها عالة، ولغتها عبء، ورسالتها خرافة. لهذا تبدأ النهضة حين يستردّ الوعي تماسكه، وتتصالح الأمة مع اسمها الأول."
* الهوامش:
Hamid Dabashi, Shi ism: A Religion of Protest, Harvard University Press, 2011.
Vali Nasr, The Shia Revival, W.W. Norton, 2006.
Nikki R. Keddie, Modern Iran: Roots and Results of Revolution, Yale University Press.
Abbas Amanat, Iran: A Modern History, Yale University Press, 2017.
Mehdi Khalaji, The New Order in Iran: The Rise of the Revolutionary Guards, The Washington Institute.
Ali Mirsepassi, Iranian Islam and Democracy: The Secular and the Sacred, Syracuse University Press.
* يمكنك أبضا الرجوع إلى :
"جعل إسماعيل الصفوي التشيّع المذهب الرسمي، وفرضه بالقوة على السُنة، وأسس بذلك هوية إيران الحديثة"
Wikipedia
"في عهد رضا شاه، سعت الدولة إلى توحيد إيران ثقافيًا عبر فرض اللغة الفارسية، والقضاء على التنوع العرقي والمذهبي"
Cambridge University Press & Assessment
"الهوية الشيعية أصبحت القاعدة الأساس في الجمهورية، بينما السُنّة والعرب ظلوا في هامش الحكاية العقائدية" — تحليلٌ لمضمون الخطاب الثوري الإيراني عبر الرموز والمراسم
The Washington Post
#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.