أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - شهربان معدي - لن تنزف الشّمس بعد الآن.. قصّة قصيرة شهربان معدّي















المزيد.....

لن تنزف الشّمس بعد الآن.. قصّة قصيرة شهربان معدّي


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 09:28
المحور: حقوق الانسان
    


مهداة لمن يصنعون الوحوش، ويتجرّدون من انسانيّتهم، ويبرّرون العنف بحجة الدين والأيديولوجيا..

عندما صعد كريم إلى الحافلة، كان وجهه شاحبًا؛ وكاد ارتعاش يديّه واصطكاك أسّنانه يفضحه! وحاول دون جدوى، تجاهل قطرات العرق الباردة التي كانت ترشح من جبينه اللجين. بحث بعينيه المحمومتين عن مكان شاغر، ولكن الحافلة كانت مزدحمة بالمسافرين المتوجهين صوب السوق الشعبية، شهر رمضان في أوجه..؟ ورُغم الحرّ القائظ والازدحام الشديد، أظّهر المسافرون من أطفال ونساء وشيوخ تفهّمًا وصبرًا! كيف لا وهم في شهر رمضان الكريم..؟

تساءل كريم الشاب الصغير الذي لم يرتشف رحيق الحياة بعد..؟ لماذا ألقوا على كاهله هذه المهمّة الصّعبة التي لا تستطيع أن تتحملها حتّى الجبال؟ كان قلبه مفعمًا بالهموم كحقيبته الصّغيرة المملوءة بالمتفجرات والتي ستنفجر بعد دقائق معّدودة، شعر كريم بقشرة روحه تتشقق وهو قاب قوّسين، أو أدنى من الموّت، كان يتخبط بين الإرادة واللاّ إرادة..؟ بين الحياة والموت..

تذكر وصايا أمه المربية الفاضلة التي ذوّتت فيه قيمًا إنسانية عالية؛ “لا تفرق بين بني البشر يا كريم حتى لو اختلفوا عنك، بالدين أو الجنس أو العرق أو الطبقة!”

– كلّنا على باب كريم يا ابني..! والدين..؟ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، بأي وجه سيقابل والدته يوم القيامة..؟ لطالما رددت أمامه مقولة غاندي الشهيرة: “لا تستحق أي قضية مهما سمت أن أقتل إنسانًا من أجّلها..” ربما سيرجعونه إلى والدته الغالية بكيس قمامة أسود مثل فعلته السوداء هذه..؟ التي ستُّنهي في غضون دقائق حياة أناس عزل، أصبحوا مشّروعا للقتل والسلب والنهب بسبب انتمائهم الديني أو الطائفي، أليّس الدين أمرًا شخصيا يصل الإنسان بخالقه؟ لا يُفرض أو يغيّر بالقوة! وشهر رمضان شهر الخير والبِرّ والإحسان..؟

أخذ قلبه يخفق بشدة؛ بل كاد يقف لصاعقة المفاجأة، عندما سمع صوتا أنثويًا ناعمًا يناديه:

- أخي كريم تعال لهنا ثمة مكان بجانبي..

اسّتدار للخلف ونظر كالملسوع مستغربا! من يعرف اسمه من بين هؤلاء المسافرين..؟ اسمه الجميل الذي انتقته له والدته من بين مئات الأسماء! كان هذا صوت ميّس صديقة أخته التي كانت تجلس لوحدها تتأبط سلة كبيرة بجانبها؛ إذ زاحتها قليلا وطلبت منه الجلوس، وأردفت قائلة بأدب:

-الحافلة مزدحمة يا كريم وأنت بمكانة أخي الكبير! تعال..؟ اجلس بجانبي..

حشر كريم جسده المرتجف في المكان الصغير الضيق، حيث فصلت السلة الكبيرة بينه وبين ميّس صديقة أخته التي نظرت إليه بخجلٍ، وأخبرته بأنها مُسافرة لجدتها المريضة، وتحمل لها بعض الحاجيّات والحلويات وأرّدفت قائلة:

– بالرغم من الوضع الأمني السيئ فلا بد أن تصل لجدّتها التي في أمسّ الحاجة لرعايتها..

كان يصّغي إليها وكأنّه يراها للمرة الأولى..! تفرّس بوجهها الذي يشّبه وجّه القمر وتعلّقت عيناه بعينيها التي انعكست فيهما غابات لوّزٍ، شعر أن ثمة شيء..؟ أزهر في قلبه.. انتاب كريم شعورًا بالخزي والعار عندما تذكر قصّة “ليلى الحمّراء والذئب” التي كانت تقصّها له دائما أخّته الكبيرة، عندما كان طفلاً صغيرًا، لطالما كره الذئب المتوحش التي أبتلع ليلى الحمراء وجدّتها وها هو يتحول لذئب بشريّ..؟ لن يبتلع ميّس وكل من بالحافلة.. بل سيُمزّقهم إربًا إربًا!

حاول أن يخفي ارتباكه وألمه في حقيبته المُفخخة، التي ستنفجر في غضون الدقائق القليلة القادمة! الويّل لهم هؤلاء القساة كحطّابِي الليل.. هؤلاء..؟ الذين أرّسلوه لتنفيذ هذه الجريمة النكراء بحق أطفال ونساء وشيوخ عُزّل وفي شهر رمضان الكريم..؟ واوهموه بأنّه سيحظى باثنتين وسبعين حورية في الجنة!

هل ستستمر سادية الرجل ونرجسيته حتى في الجنة؟ يصغّرون المرأة لتعّظيم أنفسهم؟ لماذا لا يكتفي بإنسانة طيّبة وجميلة على الأرض مثل ميّس مثلاً، يؤّمن لها العيش الكريم ويسكُب عليّها كوثر حنانَه واحترامه!

الوقت يمرّ سريعًا؛ يلتهم كل شيء، أنت الآن سيّد الموقف يا كريم! كن شجاعًا؟ ولا تستخف بوالدتك يا كريم، والدتك التي تتنفس من خلالك! هي لا تريدك أن ترحل بهذه الطريقة البربرية! تريدك أن تحيا من أجل الوطن، لا أن تموت من أجّله! وهي لن تزغرد لرحيلك! ستحرق كبدها يا كريم.. ولن تحظى قط بشاهدة قبرٍ، أو ينصب لك عزاء.. كما أوهمك هؤلاء الذين يقبعون في جحورهم كالفئران، ويساومونَ على حياة الناس العُزّل، وفي شهر رمضان المُبارك..؟ "شهر التسامح الذي فيه أُنزل القرآن" هؤلاء الذين يعتبرون أنّفسهم يد الله على الأرض، من سوّغ لهم أن يمارسوا طقوسهم دون رحمة أو تفعيل ضمير، ويزهقون حياة الأبرياء؟ متجاهلين أن الروح لا ثمن لها، الروح..؟ لا تقدّر بثمن.. هذه الوصفة السحّرية التي جرّعوك إياها، ستفتك بروحك وجسدك يوم القيامة! ترجّل يا كريم، إنهض! كن شجاعًا.. الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا، وهو أرومة كل الديانات التي تصب في بحر نعّمته العظيم..

"من سوّغ لنا نحن البشر أن نسقي كأس الحِمام لإخوتنا في البشرية، كي نحظى بنعيم الجنان..! لماذا لا نصوم عن المحرّمات ونعمل الصالحات لنفوز بالداريّن؟"

نظر كريم لميّس نظرة يائسة كنظرة المستجير الذي يقول: أعتقني من الأسر.. وشعر أن فؤاده سقط في غمازتيها العميقتين، عندما ابتسمت له ابتسامة بريئة، صافية، صاغت حوله عبيرًا وريحان..

– ساعة النهاية تقترب! قم يا كريم.. ميّس صبية يافعة.. مثل أختك تمامًا..؟ هل تسمح لأحدهم بأن يسلب أختك نعمة الحياة؟ هيّا.. تحرك.. كنْ شجاعا.. لا تستجيب بما لا يليق بكرامتك، ولا يمليه عليّك ضميرك! إنت طيّب يا كريم.. هيّا.. العد التنازلي بدأ والعملية سوف تنتهي عند وقوف الحافلة لإنزال الركاب في مدخل السوق الشعبية، ومعّها ستنضم للمقبرة الكُبرى..

نظر كريم عبر النافذة الكبيرة، ثمة أشّجار وارفة الظل وأعمدة كهرباء مزينة بفوانيس رمضان، وسماء زرقاء صافية الأديم، أطفال صغار يتراكضون بسعادة على الأرصفة التي تكاد تبتسم لقدسية الشهر الفضيل.

نهض كريم من مكانه كالمجّنون؛ هرّول لسائق الحافلة وصرخ بصوتٍ كدويّ الرعد:

– توقف يا سيدي أرجوك..؟ ثمة حقيبة مليئة بالمتفجرات سوف تنفجر في كل لحظة دعني أرمِها خارجا هيا.. أسرع..

سادت الفوضى، وانتابت المسافرين حالة من الهلع والخوف ولكن هذا لم يزعزع ثقة كريم بنفسه، أو يثّنيه عن عزمه، نزِل من الحافلة بسرعة البرق بعد أن ترك المسافرين بحالة رعب كبيرة.. ركض عدة أمتار ورمى الحقيبة في شارعٍ جانبي خالٍ من المّارة لتنفجر في الفضاء الرحب..

أستيقظ كريم من غيبوبته ليجد نفسه ملقى على الرصيف، وقد تجمهر حوله حشدٌ كبيرٌ، وكانت ميس تبكي كالأطفال.. عن رفّ الذاكرة..؟ سرق صورة أمه.. نعم! أمه التي كانت تتمنى له دائما الصحة والعافية وطول العمر، وها هو يحقق لها أمّنيتها! هو لن يكون الذئب الذي أبتلع ليلى الحمراء ولن يكون يوسف الذي القاه إخوته في الجُب؛ وهؤلاء الذين أرسلوه لهذه المهمة أشدّ ضراوةً من أخوة يوسف.. سيكون قوس القزح الذي تعانقه كل العيون، سيكون قنديل رمضان الذي تزدان به كل البيوت والمائدة المتواضعة التي تُشّبع كل الأيدي.. سيكون الزاد والدواء على عتبة المحتاج، والماء العليل على شفة العطشان!

نهض كريم من مكانه كان صوت المؤذن يعانق السماء؛ توجّه كريم للصلاة، نعم سيصلي بكل جوارحه..؟ بأن لا تمطر السّماء سحائب سوّداء في رمضان.. يُريدها أن تبتسم الشمس في رمضان.. كريم..؟ لا يريد.. أن تنزف الشمس بعد الآن..

*القصة مهداة: لكل ضحايا الإرهاب في كل زمان ومكان، بغض النظر عن دياناتهم وأصولهم وقوميتهم، ضحايا حُرموا نعمة الحياة، بسبب أُناس عمت الأثرة والأنانية بصيرتهم، وأظلم الحقد قلوبهم، وطمست الكراهية والتعصب الأعمى، معالم انسانيتهم.. وحين يسألونك عن الجهاد الحقيقيّ، أخبرهم أن أصدق جهاد، هو قدرتك على أن تجعل هذا القلب نقيًّا صالحًا، للحياة على الأرض، قبل كل شيء..



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هايكو: مفاتيح الجنّة.. مهداة لذكرى مجزرة مجدل الشّمس، حيث تح ...
- لو ينطق الحجر والشجر.. بقلم: شهربان معدّي -
- هايكو زهر اللّوز - بقلم: شهربان معدّي
- هايكو: شمس الشّتاء بقلم: شهربان معدّي
- *عتبات منسيّة
- قراءة نقدية في كتاب -فيمَ تحدّق العيون-
- باقة هايكو من سحر الخريف.
- *هدهدة..
- *كان يمكنها سماعي..
- عندما تُزهر ضفاف النهر..
- * ابن العازة -عُكّازة-؟
- * نمّلية ستّي؛ صيّدلية لكلّ العائلة.
- ولادة كتاب جديد - جود يحلّق في الفضاء بقلم: شهربان معدّي.
- لروح -المغنّي- الأديب الكبير، المرحوم الأستاذ إبراهيم يوسف. ...
- *حُطّي ابنك في كُمّك ولا تعيريه لأمك!
- ليست مجرّد لمّة زيتون وزعتر..
- لمن تركت آلاء وعدن؟ للناقد والأديب المرحوم شاكر فريد حسن
- كتاب -حارة السلام- طرح جديد يُعزّز قيمة الجيرة الحسنة وقبول ...
- لروحك السلام يا سنديانة الزابود وفتى الحقول.. لروحك السلام أ ...
- نوافذ الحُزن لا يفتحها غير العُظماء.. نثرية متواضعة، مهداة ل ...


المزيد.....




- إسرائيل.. اعتقال سيدة سبعينية خططت لاغتيال نتنياهو
- فنزويلا تفتح تحقيقا بأعمال تعذيب تعرض لها 252 مهاجرا رحلتهم ...
- -ليست حمية ولا رياضة-.. غزيون يوثقون أثر المجاعة على أجسادهم ...
- الداخلية السورية تنفي مزاعم بإعدام أسرى وتؤكد الالتزام باتفا ...
- مستشفيات غزة تسجل 10 وفيات جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية
- المجاعة تحصد أرواح 10 فلسطينيين في يوم واحد وارتفاع مقلق في ...
- في غضون 24 ساعة: وفاة 10 أشخاص بسبب المجاعة وسوء التغذية في ...
- حقوقية فلسطينية: الأسرى داخل معتقل راكيفت بإسرائيل في رعب شد ...
- فيديو.. مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: قتل الأبرياء لم يع ...
- أكثر من 100 منظمة إغاثة ومنظمة حقوقية تحذر من انتشار مجاعة ج ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - شهربان معدي - لن تنزف الشّمس بعد الآن.. قصّة قصيرة شهربان معدّي