حسني إبراهيم عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 04:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تمثل دراسة المشكلات الاجتماعية جزءا من الجانب التطبيقي لعلم الاجتماع، فعلم الاجتماع لا يقتصر على فهم الواقع الاجتماعي وتفسيره والوصول إلى القوانين العلمية التي تحكمه، وإنما يعمل بناء على هذا الفهم على تشخيص المشكلات الاجتماعية واقتراح الحلول العلمية السليمة لها. وبناء على ذلك تمثل المشكلات الاجتماعية الجانب الواقعي التطبيقي في علم الاجتماع.
ويختص أحد مجالات علم الاجتماع بدراسة الجوانب غير السوية في السلوك الإنساني، ويطلق على هذا المجال مصطلح الباثولوجيا الاجتماعية Social Pathology ، أي الدراسة العلمية للأمراض (المشكلات) الاجتماعية كالجريمة والإدمان وتلوث البيئة والتمييز العنصري إلخ. تعني كلمة Pathology علم الأمراض وهو أحد فروع علم الأحياء والطب الذي يعنى بالدراسة العلمية للأمراض، وتحليل أصول الأمراض ومسبباتها، وقد استعار علماء الاجتماع هذا المصطلح للتعبير عن الأمراض أو المشكلات الاجتماعية. وقد تم تقديم مصطلح الباثولوجيا الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية في الأساس كمدخل لدراسة المشكلات الاجتماعية، وقد أسهمت مدرسة شيكاغو بدرجة كبيرة في تطوير المصطلح، ففي خلال الفترة من 1925 – 1951 تم نشر ستة كتب تحمل عنوان Social Pathology استعرضت تلك الكتب العديد من المشكلات الاجتماعية في المجتمع الأمريكي مثل تعاطي المخدرات، الطلاق، الفقر، الانتحار، البغاء، التشرد، المشكلات الصحية كالعمى والصمم، والاضطرابات النفسية. (Gerhardt 1997) ويمكن تعريف الباثولوجيا الاجتماعية بأنها أحد المجالات الفرعية في علم الاجتماع تختص بالدراسة العلمية للمشكلات الاجتماعية التي تظهر في المجتمع، وهناك مجموعة واسعة من المشكلات التي تعاني منها مختلف المجتمعات الإنسانية مثل الفقر والجريمة، والإدمان الأمية، البطالة، تلوث البيئة، الانفجار السكاني . . . الخ.
وعلى الرغم من اتفاق معظم علماء الاجتماع على أهمية دراسة المشكلات الاجتماعية، إلا أنهم يختلفون حول تحديد مفهوم قاطع وواضح للمشكلة الاجتماعية كمفهوم سوسيولوجي، ومع ذلك حاولوا صياغة تعريفات معينة تحدد الإطار العام لهذا النوع من الظواهر الاجتماعية. وهذا ما سنناقشه في هذا المقال. والواقع أنه يصعب صياغة تعريف واحد يصلح لتفسير كافة المشكلات الاجتماعية؛ لأن المشكلة أمر يخضع للقيم والمعايير السلوكية السائدة في المجتمع وللظرف التاريخي للمجتمع (تختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر) كما يختلف التعريف حسب التوجه الفكري للباحث ورؤيته.
كلمة مشكلة في اللغة العربية مشتقة من الفعل (أشكل) بمعنى التبس، والأمر المشكل هو الملتبس، وبالتالي تعني كلمة مشكلة - والجمع مشكلات ومشاكل - قضيّة ملتبسة تحتاج إلى معالجة مثل مشكلة الشرق الأوسط أو مشكلة التلوث، أو الطلاق، وتعني الكلمة أيضا صعوبة يجب تذليلها للحصول على نتيجة ما.
وقدم علماء الاجتماع مجموعة من التعريفات للمشكلة الاجتماعية نعرض أهمها فيما يلي:
- المشكلة الاجتماعية انحراف عن موقف مرغوب فيه:
يشير مصطلح المشكلة الاجتماعية Social Problem إلى موقف منحرف عن موقف مرغوب فيه، فهي تمثل انحرافًا Deviation عن حالة السواء Normality التي ارتضاها المجتمع. (غيث 1990)
ويشير "براين تيرنر" B. Turner (1945 - ) إلى أن المشكلة الاجتماعية هي: موقف واضح يتناقض مع القيم التي يتبناها عدد كبير من الأفراد، الذين يتفقون على أن هذا الموقف لابد أن يتغير. (Turner 2006)
ويعرف مارشال Marshal المشكلة الاجتماعية بأنها انحراف عن المعايير والقيم التي تعارف عليها المجتمع للسلوك المقبول اجتماعيا. (غربي 2020)
فالمشكلة الاجتماعية هي انحراف عن المعايير والقيم المتفق عليها في ثقافة المجتمع تظهر في سلوك الأفراد والجماعات، فعلى سبيل المثال إذا كان التعاون بين الناس أمرا مقبولا ومتفقا عليه فإن عدم التعاون والصراع والتفكك يعد مشكلة، وإذا كان من المعتاد في مجتمعاتنا ان نقبــــــل على الزواج فإنه من المســـتهجن وغير المقبول العزوف عن الزواج أو التأخر في إتمامه.
المشكلة الاجتماعية تمثل تهديدا للمجتمع وتتطلب معالجة وإصلاحا:
يعرف بوبلين Poplin المشكلة الاجتماعية بأنها نمط من السلوك يشكل تهديدا للجماعات والمؤسسات التي يتكون منها المجتمع.
ويرى ريتشارد فولار R. Fuller في كتابه التاريخ الطبيعي للمشكلة الاجتماعية The Natural History of a Social Problem أنها "حالة تؤثر على عدد كاف من الناس بطريقة غير مرغوبة، وأن شيئاً ما يجب عمله تجاه هذه الحالة من خلال عمل اجتماعي جماعي
ويرى "هنري فيرتشايلد" Henry Fairchild أن المشكلة الاجتماعية هي موقف يتطلب معالجة إصلاحية، وينجم عن ظروف المجتمع وإمكانياته، ويتحتم معه تجميع وتوجيه الوسائل الاجتماعية والاقتصادية لمواجهته وتحسـينه. (الحوات 1994)
ويرى كل من هورتون وليسلي Horton and Leslie أن المشكلة الاجتماعية هي ظرف غير مرغوب فيه يؤثر في عدد كبير من الناس، مما يوحد الشعور بأنه يمكن القيام بعمل ما من خلال الفعل الجمعي لتجاوز ذلك الظرف. (Reasons 1974)
- المشكلة الاجتماعية هي ما يحددها البحث العلمي:
يذهب مانيز Manis في تعريفه للمشكلة الاجتماعية إلى أنها حالة اجتماعية يتم تحديدها وتعريفها من حلال البحث العلمي، بعيدا عن الأحكام العامة، ويعد هذا التعريف من التعريفات الدقيقة لأنه يحدد دورا لعلماء الاجتماع وغيرهم من العلماء الاجتماعيين في تعريف المشكلة الاجتماعية، والابتعاد قدر المستطاع عن الاعتماد على الرأي العام أو شعور أفراد المجتمع في تحديد المشكلة الاجتماعية. (الجوهري 2004)
ويعرف كليرانس مارش Clarence Marsh المشكلة الاجتماعية بأنها موقف اجتماعي يجذب انتباه عدد لا بأس به من الملاحظين المختصين داخل المجتمع، ويسترعي اهتمامهم بما يتطلب إعادة التوافق أو العلاج بعمل جماعي من نوع أو آخر. (استيتية، دلال ملحس، و سرحان عمر موسى 2012)
ويميز لويس ويرث في مؤلفه المشكلات الاجتماعية المعاصرة Contemporary Social Problems بين المشكلة الاجتماعية والمشكلة العلمية أو السوسيولوجية، فالمشكلة الاجتماعية – كما ذكرنا – هي موقف منحرف عن موقف مرغوب فيه، أما المشكلة العلمية أو السوسيولوجية فهي مشكلة معرفية تظهر عندما تكون العلاقات بين المتغيرات غير معروفة. (لطفي 1997)
ويمكن القول بناء على التعريفات السابقة إن هناك خمسة جوانب أساسية يتضمنها تعريف المشكلة الاجتماعية:
- أنها عبارة عن موقف أو حالة أو شكل متكرر من السلوك الاجتماعي.
- هذا السلوك يحدث لأسباب اجتماعية أو غير اجتماعية.
- يمس هذا السلوك عددا غير قليل من أفراد المجتمع.
- يقابل هذا السلوك بالرفض لأنه ضد قيم المجتمع ومعاييره السلوكية.
- هذا يقود أفراد المجتمع إلى تحمل المسؤولية المشتركة، والقيام بإجراءات جماعية لحصار تأثير هذا السلوك وتخفيف حدته.
ويرى بعض العلماء أن هناك أربعة أبعاد أساسية لفهم استجابة المجتمع للمشكلة الاجتماعية:
البعد الأول: الوعي الاجتماعي:
هناك وجهتان للنظر فيما يتعلق بقضية الوعي الاجتماعي، الأولى تذهب إلى أن المشكلات الاجتماعية تكون قائمة حتى إذا لم يكن الجمهور على وعي بها، والأخرى تقول إن الوعي بالمشكلة هو الذي يظهرها كمشكلة اجتماعية، والحقيقة أن الرأيين متكاملان، فربما تكون هناك مشكلات اجتماعية قائمة وأفراد المجتمع لا يدركونها، مثل قضاء الأطفال ساعات طويلة في مشاهدة أفلام الكرتون وما لذلك من تأثيرات سلبية على الأطفال، ولكن مع الوقت يبدأ وعي المجتمع يزداد في بخطورة هذا الأمر ويدرك أن ثمة مشكلة حقيقية قائمة.
البعد الثاني: بُعد الرفض الاجتماعي:
حينما يحدث الرفض الاجتماعي تكون غالبية أفراد المجتمع متشاركة في مجموعة من القيم التي تعرف الموقف على أنه مرفوض، وبالتالي فإن الوعي بالمشكلة والرفض الجماعي لها يعد دليلا على أن الظاهرة أصبحت "ظاهرة اجتماعية مرضية" أي مشكلة اجتماعية.
البعد الثالث: بُعد العمل الاجتماعي:
يرى علماء الاجتماع أن أي تهديد للقيم الاجتماعية يؤدي إلى رغبة الأفراد في العمل الجماعي للتقليل من تأثير موقف معين قد يتسبب في ظهور مشكلة. وبناء على ذلك يؤيد المجتمع الجهود الجماعية لعمل شيء ما بخصوص هذه المشكلة (توفير الموارد، وتصميم برامج للتغيير وتنفيذها، وبدء حملات جماعية منظمة، ...الخ).
البعد الرابع: بُعد المسؤولية المشتركة:
ثمة سؤال مهم: من هو المسؤول عن محاولة عمل شيء ما بخصوص المشكلة الاجتماعية (هل الذين يضارون؟ أم المجتمع ككل؟) في الحقيقة أن هناك جدلا بين موقفين: موقف يرى أن المجتمع ككل ليس له مسؤولية مشتركة (معاناة الأفراد من مشكلة ما لا تعطيهم الحق في أن يتوقعوا من الآخرين أن يساهموا في حل تلك المشكلة) وموقف آخر يرى أن المجتمع يجب أن يأخذ على عاتقه المسؤولية". غير أنه في الوقت الراهن يقبل الجميع أن للمشكلات الاجتماعية جذورها في البناء الاجتماعي وأن المجتمع له مسؤولية في مواجهتها وحصر آثارها.
وهناك العديد من المشكلات الاجتماعية التي يهتم بها علم الاجتماع مثل الفقر – النزاعات والحروب – النزوح واللجوء – الطلاق والتفكك الأسري – إدمان المخدرات والخمور – الجريمة – التمييز العنصري – عدم المساواة الاجتماعية – التفاوت الطبقي الصارخ – الرفض الاجتماعي – التلوث البيئي – عمالة الأطفال – التشرد – ضعف الرعاية الصحية – الأمراض المتوطنة – الأمية – المعاملة الأبوية السيئة – الفساد – محدودية إمدادات الطاقة – الانحلال الأخلاقي – مشاكل الاتصال الجماهيري – الانفجار السكاني – مشاكل الشيخوخة – وفيات الأطفال – سوء التغذية – العبودية. وغيرها
#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟