عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 00:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التأهيل الإداري الاستباقي للترشيح: توسعة فلسفية في مفهوم الاستحقاق والمسؤولية
في عالمٍ تتداخل فيه الرغبات الذاتية مع مقتضيات الشأن العام، تبرز إشكالية فلسفية عميقة: من هو الأجدر بتحمّل المسؤولية؟ وهل يكفي الطموح أو الشعبية لتكون مقياسًا للاستحقاق؟ إننا نعيش في زمنٍ أصبح فيه المنصب هدفًا بحد ذاته، لا وسيلة لخدمة الجماعة، مما يستدعي إعادة التفكير جذريًا في معايير الترشيح والتعيين.
إن ترشيح النفس أو ترشيح الآخرين، حين يكون بمعزل عن التأهيل الحقيقي، يُشكّل ما يمكن تسميته بـ"العدوان الإداري الناعم" – إنه شكلٌ من أشكال التعدّي على كرامة المنصب، وعلى حقّ الجماعة في حُسن الإدارة. فكما أن الطبيب لا يُؤتمن على جسدٍ بلا معرفة، كذلك لا يُؤتمن غير المؤهَّل على شؤون الناس.
من هنا تنبع فكرة التأهيل الإداري الاستباقي بوصفها دعوة لتجاوز الطابع الموسمي أو الاحتفالي للترشيحات، نحو تأسيس ثقافة جديدة قوامها الاستحقاق القائم على المعرفة، والجدارة المسبوقة بالتأهيل. الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط شدد على أن الكرامة الإنسانية تكمن في القدرة على تحمّل المسؤولية العقلية والأخلاقية، والمناصب العامة لا تستثنى من هذا المعيار الأخلاقي.
ولا يقف الأمر عند حدود المعرفة التقنية، بل يتعداها إلى ضرورة امتلاك وعي إداري، وقدرة على التفكير الإستراتيجي، وفهم عميق لتعقيدات السياقات الاجتماعية والسياسية التي يُمارس فيها العمل العام. فالتأهيل الإداري ليس حزمة مهارات ميكانيكية، بل هو بناء لوعي يتقاطع فيه الأخلاقي بالعملي، والفردي بالجماعي.
وهنا، تبرز الحاجة إلى مجالس استشارية مجتمعية تمثل ضمير الجماعة، لا لمجرد النصيحة، بل كمؤسسات عقلانية تضمن التوازن بين السلطة والكفاءة، وتمنع الاختيارات العشوائية التي قد تهدم ما بُنِي بالتجربة.
إننا، في نهاية المطاف، لسنا في مسرح تُوزّع فيه الأدوار بالقرعة أو المجاملة، بل في عالم حقيقي تُصاغ فيه مصائر الناس بقرارات من هم في موقع المسؤولية. ومن لا يملك أدوات القيادة، لا ينبغي أن يُعطى مقود المركبة.
إن الفلسفة تدعونا دائمًا إلى طرح السؤال الأصعب: لا من يريد أن يقود، بل من يستحق أن يُقود؟ وبين الرغبة والاستحقاق، يكمن الفرق بين فوضى السياسة، وعدالة الإدارة.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟