أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي القسيمي - الدين والعنف... بين المعتقد والدمار















المزيد.....

الدين والعنف... بين المعتقد والدمار


سامي القسيمي

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 11:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لمن فاته الجزء الأول، يمكنكم قراءته هنا:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=874619

2.1 العنف باسم الإله: الحقيقة المرّة

لا يُخفى على أحد أن التاريخ البشري يشهد على عدة حالات استُخدمت فيها الأديان كذريعة للعنف والدمار. يرى هيتشنز أن أحد أكثر الانعكاسات وضوحًا لهذه الظاهرة هو استخدام الدين لتبرير حروب لا تنتهي من أجل السلطة والمعتقد. ففي كل زمان ومكان، نجد أن النزاعات الدينية كانت سببًا رئيسيًا لاقتلاع أرواح بلا عدد، وأن الأديان تُستخدم لتبرير أفعال لا تُعقل في سياق آخر. منذ محاكم التفتيش في العصور الوسطى، مرورًا بالحروب الصليبية والصراعات الطائفية، وانتهاءً بالإرهاب الحديث، يتجلى هذا الوهم بأن الدين يمنح للمؤمن سلطةً أخلاقية على تصرفاته. ففي كثير من الأحيان، يشعر من يمارس العنف باسم الدين أنه ينفذ إرادةً إلهيةً، فيراها مبررًا أخلاقيًا يتجاوز حسابات العقل والمنطق. هيتشنز ينتقد هذه العقلية بحزم، معتبرًا أن تحويل الأعمال الإجرامية إلى ”طقوس دينية” لا يغير في حقيقتها، بل يزيد من خطورتها وتأثيرها السلبي على المجتمعات.

2.2 الدين والسلطة السياسية

يرى هيتشنز أن العلاقة بين الدين والسلطة السياسية هي علاقة متأصلة في التاريخ، حيث يُستخدم الدين كأداة لتوطيد السلطة والتحكم في المجتمعات. فمنذ القدم، شكل الدين ذريعة للملوك والحكام لتأصيل نفوذهم وفرض سياساتهم على السكان، سواء كانت هذه السياسات تتعلق بتوحيد الشعوب أو بتقييد الحريات. فتاريخ البلدان التي شهدت استبدادًا دينيًا، هو تاريخٌ محفوفٌ بمآسي إنسانية، منها اضطهاد الأقليات، والفصل العنصري، وحتى استخدام الدين لتبرير الاستعمار والاستغلال. تُظهر الأمثلة العديدة في التاريخ كيف أن الدين قد صُغ لخدمة مصالح السلطة، وكيف أن الخطاب الديني تم استغلاله لتبرير الممارسات القمعية. إذ يصبح النقد أو الاختلاف في الرأي بمثابة جرمٍ يعاقب عليه القانون الديني؛ فينبثق من ذلك ما يُعرف بـ ”الإيمان المطلق” الذي لا يترك مجالًا للحوار أو للنقاش. هنا، يصبح الإيمان أداةً سياسية تُستخدم لتفكيك الأصوات المعارضة وتحويلها إلى شرور دينية يجب القضاء منها.

2.3 الدين والعنف الطائفي

من المحاور التي يتطرق إليها هيتشنز هو دور الدين في تأجيج العنف الطائفي والتمييز بين الناس بناءً على الانتماءات الدينية. فهو ينتقد بشدة فكرة أن يكون لكل دين ”خطيئته” ومجموعة المعتقدات التي تُرسخ فكرة التفوق والانفراد على حساب الآخرين. في هذا السياق، يستعرض هيتشنز أمثلة من التاريخ المعاصر، حيث أسهمت الاختلافات الدينية في إشعال فتيل الحروب الطائفية والاضطرابات داخل الدول المختلفة. يمكن القول إن الدين، في كثير من الأحيان، يُسهم في خلق جدارٍ عقائديٍّ بين الشعوب؛ جدارٍ يُمحي الفروق الإنسانية الدقيقة ويضع الجميع في قالبٍ نمطي يؤدي إلى التمييز والتحامل. ومن هنا، يرى هيتشنز أن الدين لا يقتصر تأثيره السلبي على الجانب الشخصي والفكري فقط، بل يمتد إلى البنية الاجتماعية والسياسية، مما يؤدي إلى تفشي الفوضى وعدم الاستقرار في المجتمعات.

2.4 أمثلة حيّة: من سلمان رشدي إلى البوسنة ومدريد

سلمان رشدي... جريمة مؤجلة باسم الله
في عام 1988، أصدر الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي روايته الشهيرة "الآيات الشيطانية"، التي أعادت تخيل بعض الوقائع الدينية في الإسلام بأسلوب روائي معقد وعبثي. أثارت الرواية غضبًا عالميًا في الأوساط الدينية، ما دفع الخميني لإصدار فتوى في 1989 تُهدر دمه وتدعو لاغتياله. وبعد أكثر من 30 عامًا من المطاردة، وبينما كان رشدي يُلقي محاضرة في نيويورك يوم 12 أغسطس 2022، تعرض لهجوم بطعنات خطيرة أفقدته إحدى عينيه، وتسببت في شلل بإحدى يديه. المنفّذ شاب يُدعى هادي مطر، تربى على خطاب ديني متطرف.

الهجوم أدى إلى:

•فقدان رشدي لإحدى عينيه.
•إصابة دائمة في يده.
•ودخول طويل في العناية المركزة.

بالنسبة لهيتشنز، هذا الحدث يُجسد بالضبط ما حذّر منه:
"حين يتحول الكتاب المقدس إلى دليل اغتيال، لا يمكننا بعدها أن نعتبر الدين مجرد مسألة روحية."

حروب البوسنة: عندما يصبح الدين ذريعة للإبادة

في قلب أوروبا، وتحديدًا في جمهورية البوسنة والهرسك، اندلعت واحدة من أكثر الحروب دموية في العصر الحديث (1992–1995)، بعد تفكك يوغوسلافيا. رغم أن الحرب كانت متعددة الأبعاد (سياسية، قومية، تاريخية)، فإن البعد الديني كان وقودًا مركزيًا لها:

•المسلمون (البوشناق) كانوا الأغلبية في البوسنة.
•الكروات كاثوليك، والصرب أرثوذكس.
•ظهرت فصائل مسلحة تستخدم الخطاب الديني لتبرير التطهير العرقي.

الأبشع كان ما عُرف بـ مجزرة سريبرينيتسا، في يوليو 1995، حين قامت قوات صربية تحت قيادة راتكو ملاديتش بقتل أكثر من 8,000 رجل وفتى مسلم خلال أيام، أمام أعين العالم.

يصف هيتشنز هذا بأنه:
"تحالف قاتل بين القومية والدين، يُحوّل العقيدة إلى ترخيص بالإبادة."

مدريد ولندن: حين تصبح الجنة مكافأة للدم

في 11 مارس 2004، هزّت العاصمة الإسبانية مدريد تفجيرات مروعة استهدفت أربعة قطارات، نفذها تنظيم إسلامي متطرف مستلهم من فكر "القاعدة"، وأسفرت عن مقتل 193 شخصًا وجرح أكثر من 2000.
المنفذون تركوا خلفهم تسجيلات تتحدث عن "الجهاد" و"نصرة الإسلام" و"الرد على دعم إسبانيا لحرب العراق". بعد أقل من عام، في 7 يوليو 2005، تعرضت لندن لأربعة تفجيرات انتحارية استهدفت المترو والحافلات. قتل فيها 52 شخصًا وجرح أكثر من 700. المنفذون كانوا شبانًا بريطانيين مسلمين ولدوا ونشأوا في بريطانيا، ما فجّر نقاشًا عميقًا حول "التطرف من الداخل".

يرى هيتشنز أن هذه الأحداث تُظهر أن الإيمان الأعمى لا يحتاج حدودًا أو دولًا ليصبح تهديدًا، بل يكفيه نصٌ دينيٌ يُفَسَّر حرفيًا، ووعدٌ بالجنة بعد القتل. هيتشنز لا يعتبر هذه الحوادث استثناءات، بل يؤمن أنها نتاج طبيعي لمنظومات فكرية تؤمن بأن للحقيقة مالكًا واحدًا، وأن من يخالفها عدو يجب القضاء عليه. كلما طغى الإيمان على التفكير، وكلما غاب السؤال وحضر "التكليف الإلهي"، تحوّل الدين إلى مشروع عنف مهيكل، لا عَرَضًا عابرًا.

يقول هيتشنز:
"حين يُمنح القاتل وعدًا بالجنة مقابل القتل، لا يعود العنف انحرافًا، بل يصبح عبادة."

ترقّبوا في الجزء القادم:

الجزء الثالث: النصوص المقدسة بين الأسطورة والواقع
هل كُتبت الكتب المقدسة بوحيٍ إلهي مباشر؟ أم أنها نصوص بشرية خضعت للتعديل والتفسير والتناقض عبر الزمن؟ في الجزء الثالث، يفتح كريستوفر هيتشنز صفحات التوراة والإنجيل والقرآن، لا ليهاجمها، بل ليقرأها بعين الباحث لا المؤمن.



#سامي_القسيمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يكفّ الإله عن العظمة: قراءة تمهيدية في فكر كريستوفر هيتش ...
- الصراع بين الدين والعبثية
- لماذا نحن، ولماذا هم؟
- السعودية والإمارات: خمسون عامًا من الظلال - التطرف، الاغتيال ...
- دور المملكة العربية السعودية في تمويل الإسلام ونشوء الجماعات ...
- برنامج الحج عبر الإنترنت: تجربة الحج في عالم الواقع الافتراض ...
- الحيوانات المتفوقة: تحديات وجودية في ظل عبثية الخلق
- تحليل فلم صاحب المقام للكاتب ابراهيم عيسى
- بائعة جسد متطرفة
- السبايا في القرآن والسنة
- فنون المسلمون في إذلال الذميين
- الحشيش بديلا عن القات في اليمن – رؤية إقتصادية وصحية - جزء ث ...
- الحشيش بديلا عن القات في اليمن – رؤية إقتصادية وصحية - جزء أ ...
- أين هو قبر النبي محمد ؟
- الأمثال والتعابير التي إقتبسها القرآن من الكتب المقدسة
- الحجر الأسود والوثنية
- الحرق وداعش في التراث الإسلامي
- محاولة إنتحار (محمد) وعلاقتة بمرض BPD
- إعصار تسونامي وأسطورة المساجد الصامدة
- فضيحة الزنداني - الكاسيت المرعب


المزيد.....




- “ثبتها على جهازك خلال ثواني” تردد قناة طيور الجنة 2025 الجدي ...
- كيف ضخّم كتاب -مدينة القدس زمن الحروب الصليبية- الوجود اليهو ...
- الجهاد الإسلامي: إبادة غزة لن تمر دون انعكاسات على المنطقة ا ...
- تغيير مسمى مكتب الشؤون الفلسطينية إلى التواصل مع الجمهور.. ...
- المتحدث باسم حركة فتح: تصور اليوم التالي للحرب بغزة أصبح خطة ...
- المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية يدعو إلى طرد إسرائيل من ال ...
- التصوف بالحبشة.. جذور روحية نسجت هوية الإسلام في إثيوبيا
- ماليزيون يطالبون حكومتهم بعدم قبول سفير أميركي يهاجم الإسلام ...
- من هو حكمت الهجري الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز؟
- نتنياهو أبلغ بابا الفاتيكان بقرب التوصل لاتفاق لإطلاق الأسرى ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي القسيمي - الدين والعنف... بين المعتقد والدمار