جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 04:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أيمن عودة ، قائد مشتبك ليس بحاجة الى تلميع !
أسقطت الهيئة العامة للكنيست مساء الاثنين الفائت اقتراح اقصاء النائب أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير، بعد أن فشل المبادرون للاقتراح في الحصول على 90 صوتا، وهي الأغلبية المطلوبة في مثل هذه الحالات.
لقد شهدت الأيام التي سبقت الجلسة حراكًا سياسيا لافتا ومتوترا، لا سيما بعد أن استوعبت عدة جهات ومؤسسات ومنظمات وشخصيات يهودية خطورة اقصاء النائب عودة على مستقبل العمل السياسي والحزبي المنظم بشكل عام، وعلى حرية التعبير وسائر الحريات الفردية والجماعية داخل المجتمع الاسرائيلي ككل، لا على المواطنين العرب وحسب. لقد فهموا انها معركة شاملة وهم جزء منها، لانها ضد الفاشية وتبعاتها.
عندما عدد النائب أيمن عودة أسباب اسقاط اقتراح اقصائه، أكد على أن ثباته على موقفه كان من أهم تلك العوامل، وأن عدم خضوعه للضغوطات ورفضه للتراجع "عما قاله أو عن أي جملة أو كلمة أو نقطة أو فاصلة أو توضيحها " كان عاملا حاسما في ايصال المشهد السياسي الاسرائيلي الى حالة "طوارىء قصوى" أجبرت جميع الأحزاب الى حسم مواقفها وأدت، في نهاية الأمر، الى نتيجة لم تكن في صالح القوى اليمينية العنصرية والفاشية. من المؤسف أن نجد بين المصوتين على اقصاء ايمن عودة ثلاثة نواب عرب، من أبناء الطائفة المعروفية، هم أكرم حسون وعفيف عبد وحمد عمار، مسجلين موقفا مستهجنا تجدر معالجته في فرصة قادمة.
يحق للنائب عودة أن يحتسب نهاية هذه المعركة نصرا شخصيا له، بعد أن أدارها بحكمة وحنكة واصرار ؛ ويحق له أن يعتبرها انجازا سياسيا لمواقف قد تبناها منذ أن بدأ يعمل في السياسة على طريق معلميه والنضال الجبهوي. فمباشرة مع اطلاق نواب اليمين مبادرتهم سعى هو، مدعوما من حزبه وحلفائه داخل الكنيست، إلى توفير عناصر النضال الثلاثة الضرورية في هذه الحالات. لقد شرع بتأمين أكبر وحدة ممكنة بين المواطنين العرب، وتجنيد مؤسسات ومنظمات وهيئات العمل السياسي والمدني والاجتماعي وحضهم عل رفض محاولة الاقصاء واقناعهم بخطورتها على الجميع وليس عليه أو على حزبه وحسب. وفي نفس الوقت تواصل مع عدة جهات وقطاعات يهودية فنجح باقناع شرائح واسعة من بينها للتصدي لمحاولة اقصائه حتى غدت مسألة اقصائه قضية الساعة في اسرائيل وصورة لأزمة حقيقية داخل الفضاء العام اليهودي وفي الاعلام العبري. وبعد أن اتضحت معالم الازمة وأبعادها بدأت تتوارد تنديدات شخصيات وجهات عالمية مؤثرة، من داخل الكونغرس الأمريكي أو مؤسسات حقوقية ومدنية، حذروا من مغبة الخطوة ومن نتائجها الخطيرة.
لقد شكل خطاب أيمن عودة أمام هيئة الكنيست في جلسة الاقصاء إحدى العلامات الفارقة في المشهد الاسرائيلي السياسي الراهن. وأعتقد أن التاريخ سوف يحفظه كوثيقة هامة في تاريخ نضال الاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل وفضح عنصرية وفاشية هذه الحكومة ومن يدعم سياساتها. لقد عرّى الخطاب حجج النواب اليمينيين ووضع أمام الشعب اليهودي الحقيقة بجرأة وبموضوعية وبشفافية انسانية مطلقة. لقد كانت احدى محطات الخطاب اللافته حين خاطبهم، بدون مواربة أو فذلكة أو تأتأة، بصفته المتّهِم لا المتّهٓم، وأكّد على أن الصراع الدائر في اسرائيل وفي المنطقة "ليس صراعا بين العرب واليهود، ولا بين اليهود والعرب، بل هو صراع بين معسكر يسعى الى السلام والديمقراطية، وآخر يدفع نحو الفاشية والتطرف" وقال، رغم صراخهم وجنونهم "فقط معا، يهودا وعربا، يمكننا الانتصار على الفاشية والكاهانية، وبناء مستقبل يقوم على الشراكة والعدالة ". ولقد حاول نواب اليمين الفاشيون مقاطعته وتهجموا عليه بصراخ منفلت، لكنه استمر في توجيه كلامه لهم وللشعب اليهودي قائلا بحزم "يريدون إقالتي لأنهم لا يتحملون وجود عربي ديمقراطي في الكنيست. هذا يربك أيديولوجيتهم، ويعارض ما يحاولون تلقينه لأجيالهم القادمة. يريدون ابعادي لأنهم يدركون، في قرارة أنفسهم، أن الغالبية الساحقة في كلا الشعبين تتوق الى حياة طبيعية قائمة على المساواة والشراكة والسلام". كان المشهد غريبا والتوتر في فضاء الكنيست وصل حدّه الأعلى؛ فكلما تحدث عوده عن فاشيتهم واحتلالهم وعن فلسطينيته وحقه في المساواة بثقة صاحب البيت والأرض والحق والقوة، كانوا يجنّون، خاصة حين قال لهم بأن: "الديمقراطية ستنتصر على الفاشية، والسلام سينتصر على الاحتلال والمساواة ستنتصر على التفوق العرقي". لقد انهى خطابه واسدل الستار على فصل سيبقى علامة بارزة على صفحة ديمقراطية اسرائيلية كانت دائما منقوصة وعرجاء بحقنا نحن المواطنين العرب في اسرائيل، وأصبحت اليوم عليلة تنازع على سرير في غرفة الانعاش.
ليس من الصعب أن نتكهن ماذا كانت التداعيات اللاحقة بالمجتمع العربي وباليهود الديمقراطيين لو نجح الفاشيون باحراز عملية اقصاء النائب عودة من البرلمان. ومن يتعذر عليه أن يتخيل ذلك، فليقرأ كيف سقطت برلمانات بعض الدول الاوروبية في أيادي الفاشيين وماذا فعل هؤلاء بعدها مع معارضيهم في البرلمان وخارجه.
قد لا يُلوّم من يجهل التاريخ ؛ ولكن كيف نعفو عمّن يعرفون ويستهترون أو يتغاضون بالمتغيرات السياسية الخطيرة الجارية داخل اسرائيل، أو عن أولئك المزايدين السياسيين لأنهم يرفضون أصلا التعامل مع برلمان الصهاينة "الكفار" ويفترضون أنهم محصنون من تبعات اكتمال الفاشية وتسيّد كتائبها على المفارق وفي الشوارع والجوامع وتوغلهم في كل ناد وجيب وهاتف وحاسوب.
وماذا مع أولئك الذين كتبوا بثقة "الثوار" وبايمان صناع "الشعارات المعلبة" بأن كل ما حصل بقضية اقصاء النائب عوده كان مجرد مسرحية مصطنعة وهدفها "تلميعه" وترميم أسهمه السياسية وتحويله الى "بطل" أمام أبناء شعبه. ماذا يمكن أن يقال لهم وفيهم، خاصة عندما نجد أن من بينهم من يعتبرون قادة في مواقعهم الحزبية، أو مثقفين "مشتبكين" حتى الارتباك والارباك، ومدفوعين بأحقاد سياسية دفينة ومصالح فئوية دخيلة وهجينة. أعرف ان ظواهر المزايدة الوطنية والتشكيك المغرض والارباك المقصود ونشر ادعاءات" التلميع" موجودة داخل المجتمع الفلسطيني بشكل عام وبيننا نحن المواطنين العرب . لقد مارستها عناصر متخصصة بهذا العمل داخل جميع الاحزاب السياسية تقريبا، وتخصصت فيها بعض الجهات المدربة التي عملت في خدمة السياسية الاسرائيلية. أكتب اليوم عنها، واتذكر قضية اعتقال القائد مروان البرغوثي من قبل سلطات الاحتلال بتاريخ 15/4/2002. حينها، بعد اعتقاله مباشرة ، انطلقت وأطلقت جوقات المشككين والمفسدين، وبدأوا يبثون فكرة أن اسرائيل اعتقلت مروان بهدف "تلميعه"واعداده "كبطل" تمهيدا لاستلامه القيادة الفلسطينية بمباركة اسرائيلية. ذاكرة الناس قصيرة؛ فقد مر 23 عاما ولم يزل مروان البرغوثي يعاني في سجنه؛ ولا زال، للأسف، الذين حاولوا ايذائه وتشويه النضال الفلسطيني، واشباههم بيننا في الداخل، يقومون بنفس الدور ويؤدون نفس المهام خدمة لاجندات أسيادهم أو ارضاءً لنزواتهم ولاحقادهم السياسية. لجميع هؤلاء أسمع أيمن عوده يقول إن " أفضل العقل ما كان رشادا". فالقائد الحق يمتحن في مقدرته على فهم متغيَرات الزمان والمكان وهو الذي ينجح بتحريك عجلات التاريخ في الاتجاه الصحيح. والراشد هو الذي ينجح في تشخيص التحديات التي تواجه شعبه ويعرف بحنكة وحكمة النطاسي الحاذق انها تحديات وجودية وغير مسبوقة. والقائد المشتبك هو من يسعى الى مواجهتها بادوات نضالية مبكترة بعيدة عن قدسية شعارات مكرورة والاتكاء على غيبيات هشة. قائد يلجأ الى وسائل كفيلة بتحقيق الغايات حتى لو كانت تؤدي الى انتصارات صغيرة مثلما حصل في معركة الاقصاء الاخيرة. لمثل هؤلاء القادة وضع النشيد وغنى الحادي وقال "دوس على كل الصعب وسير". فايمن عوده اثبت في هذه المعركة انه قائد بحق وحقيقة وليس في حاجة الى أي تلميع.
#جواد_بولس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟