أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحيم كمال - رواية تشير: -صلاة القلق-.. لن تختفي من حياتنا















المزيد.....

رواية تشير: -صلاة القلق-.. لن تختفي من حياتنا


عبدالرحيم كمال
كاتب

(Abdulrahim Kamal)


الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


للوهلة الأولى.. تبدو هذه الرواية "قلقة"، يسيطر القلق على سطورها، الشخوص والأحداث، وتعكس إحساسا جماعيا، بحالة القلق التي تلف الجميع، مند هزيمة 1967 وامتدادا للحظة الراهنة التي يمر بها الشرق الأوسط كله، وفي القلب منه العالم العربي، لكن، ومع توالي الفصول يتسلل لنفس القارئ نوع من الاعتيادية، فالأحداث تضرب بجذورها في أرض الواقع، ومازالت محفورة في اذهان ملايين المصريين ممن عاصروا زمن الرواية أو تأثروا به أو سمعوا عنه، لأن نكسة 1967 هي أكبر زلزال سياسي هز مصر في تاريخها المعاصر –وما يزال-.
واقعية وغرائبية
يبني المؤلف روايته "صلاة القلق" على مكان حقيقي واقعي، لكن يضفي عليه نوعا من الغرائبية ما تتسم به الشخصيات وطريقة تصرفاتها التي تنبع من عدم المعرفة، ليجمح خيال كل منهم في تفسير ما يحدث.. والرواية –رغم تعدد الأصوات- تأتي سردا على لسان شخص واحد معوق لايستطيع الكلام بعد قطع لسانه، هو "عبدالحكم"، الذي تكشف الرواية أنه مريض نفسي، ويشكل المؤلف فصوله من جلسات الفحص الطبي النفسي الذي يخضع له "عبدالحكم"، وتبسبب عدم قدرته على الكلام يتم التواصل بيتهما على الكتابة لتكون المحصلة هي فصول الرواية.
مناوشات فكرية
إتخذ المؤلف للمكان إسما يُسهم في التعمية والنسيان هو "نجع المناسي"، ليكون رمزا لأي مكان بالداخل المصري، ليقول أن هذه الأحداث حدثت وتحدث في كل مصر، وهو ما يذكره في الصفحة الأولى من الرواية بقوله: "الأحداث –قد- تكون مستمرة حتى كتابة هذه السطور".. ومنذ البداية يهدي المؤلف روايته إلى "جموع الصامتين الذين شهدوا على كل تاريخ لم يُكتب بعد".. بهدف مشاركة الجميع معه –جميع من عايش الحالة منذ النكسة وحتى اليوم- وكل من تنطبق عليهم حالات شخوص الرواية.
إنفجار الأحداث
تبدأ أحداث "صلاة القلق" حين يحدث انفجار كبير مصحوبا بضوء باهر وتسقط صخرة على النجع لا يعرفون مصدرها، لكن الثابت لدى الجميع هو أن الحرب دائرة بين مصر وإسرائيل –نكسة 1967- وهو ما يدعو الدولة لاستدعاء الشباب في سن التجنيد للمشاركة في الحرب، لكن لا أحد من هؤلاء الشباب يعود إلى أهله ولو لإجازة قصيرة، يرافق ذلك تعمية عامة على الأحداث، يقوم بها "الخوجة" الذي يمثل الدولة في نجع المناسي، فعن طريقه يتم استدعاء الشباب للتجنيد، وهو مركز التموين الوحيد بالنجع، وتقصده سيارات الجيش المموهة حاملة الجنود المستجدين، وهو يصدر صحيفة "صوت الحرب" اليومية من صفحة واحدة، وإليه يتوجه كل صاحب سؤال، ولكن دون إجابة لأنه –الخوجة- لا يعلم شيئا.
وإمعانا من المؤلف في إضفاء بعض الأهمية على "الخوجة" يجعله يحتفظ في منزله بتمثال للزعيم "جمال عبدالناصر" –بما يشي برسمية المكان-، لكن التمثال يتعرض لكسر طولي، تختفي معه ملامح التمثال –أو ملامح الزعيم- لكن أهالي "المناسي" يضفون على التمثال –أو على الزعيم "جمال عبدالناصر"- كثيرا من الغيبيات التي تحدث دون تفسير، فالبعض يقول إنه رأى التمثال متجولا في النجع، بل ينسبون إليه مضاجعة النساء الشبقات، مما يدفع الراغبات للتأخر خارج منازلهن لما بعد المساء، علّ التمثال يصادفهن.
أهداف متضاربة
فيما تدور شخصيات النجع في حلقات مفرغة بسبب الجهل والتجهيل والحصار.. الحصار مادي بسبب بُعده وبسبب الألغام التي زرعها الجيش حول النجع –لحمايته-، ومعنوي حيث يقع فريسة للجهل بكل شئ، فإن بعض الشخصيات تحاول أن تكون فاعلة، فيما يستسلم آخرون، فـ "محجوب النجار" يبدأ تنفيذ أكبر فعل إيجابي وهو حفر نفق للخروج من النجع وكسر الحصار حوله -وإن كان لهدف شخصي هو إنقاذ نفسه وزوجته وطفلهما المنتظر من الحصار أملا في أن يولد الطفل في فضاء من الحرية-.. ومن ناحيته يحاول "الخوجة" وضع هالة على نفسه بأنه يمثل الدولة، بما لديها من إمكانات ومعلومات، و"شواهي" تتمثل سلطتها في ما تملكه من أسرار عن أهل النجع، فهي راقصة يشاع عنها ممارسة الرذيلة مع رجال النجع.. من ناحيته يعيش "جعفر الولي" دور الولي الصالح مستثمرا صيت موته ثم عودته للحياة.. ويبقى "عبدالحكم" الأكثر غموضا بين أهل النجع هو وهو ابن "الخوجة" الذي تختفي أمه فجأة، ويتعرض لقطع لسانه وهو صغير مما يفقده القدرة على الكلام، لكنه يحصل على قسط من التعليم سيتسخدمه في محاولة إيقاظ أهل النجع من أوهامهم.
تعمية مستمرة
تكتنف النجع تفسيرات متضاربة لما يحدث حولهم، كلها لا تكشف عن السبب الحقيقي للأحداث، فالانفجار قد يكون لجسم سماوي، وقد يكون انفجارا لقنبلة أطلقها الجيش لكنها أخطأت طريقها نحو العدو لتسقط في "المناسي" الآهلة بالسكان، وقد يكون غضبا من الله، ليصحو السكان ذات يوم، ليجدوا حوائط بيوتهم قد تحولت لمنشورات عن أهالي النجع، حاملة أوصافا واتهامات لكثير منهم، فتتهم عاكف الكلّاف بمضاجعة بهائمه، وأن محروس الدباغ يواقع ابنته المخبولة، وأن الداية وداد تعمدت في كثير من حالات توليد نساء النجع في قتل المواليد فور ولادتهم وتدعي أنهم ولدوا ميتين.. مع تأكيد المؤلف على قلة من يعرفون القراءة في النجع لتستمر حالة التعمية، مع غياب بعض أشخاص النجع غيابا مفاجئا وتاما لتتزايد التساؤلات دون إجابة.
يتراوح مناخ الرواية بين خط أولي واقعي يتم البناء عليه بدرجة من الواقعية السحرية والغرائبية والديستوبيا، بشكل لا يمكن فصل أحدها عن الآخر، فالمكان واقعي، والأحداث الرئيسية حقيقية –الانفجار والحرب والتمثال (المادي لا الرمز) وأغنيات عبدالحليم- لكن المعالجة توجهها اتجاها آخر، لتختلط عناصر الواقع في محاولة سَحر المعالجة حتى التلاشى.
وفيما يُنهي المؤلف أحداث الرواية بتعدي الأهالي على منزل "الخوجة" –أو الجهة الرسمية في النجع- ونشوب حريق كبير فيه، فإن الرواية لا تنتهي إلا بتقرير رسمي –صورة زنكوغرافية صادر من وزارة الصحة وتنشره جريدة الأهرام- في 15 أبريل 1977، -وهي إضافة واقعية محورية- بحدوث تمرد بمستعمرة الجذام– مما قد يعني تعرض سكان المنطقة لإشعاعات ضارة –بالإشارة إلى الانفجار، لكن التقرير يضيف أن بعض المصابين بأمراض عقلية شاركوا في التمرد والتخريب وإشعال النار في المستعمرة، مما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل: هل كانت المستعمرة تضم المجذومين وأصحاب الأمراض العقلية، وهل مرضى الأمراض العقلية أصيبوا بالمرض تأثرا بالإنفجار وقد حارت عقولهم في تفسيره مما أدى بهم للجنون؟ ثم هل يجوز طبيا جمع المرضى بهذين النوعين من الأمراض في مكان واحد؟ أم أن الأمر كله متروك للنسيان؟، ومن الواضح تأثر المؤلف "سمير ندا" بماركيز –مائة عام من العزلة" و"العمى لساراماجو، ، وجورج أورويل في الأخ الكبير.
حكاية عبدالحليم
أغنيات "عبدالحليم حافظ" ملمح أساسي لجيل الخمسينات والستينات والسبعينات، ومن الطبيعي تسللها لوجدان شباب هذه الفترة لتكون مكونا رئيسيا من وجدانهم، تعبر عنهم وعن آمالهم وآلامهم.. ورغم أن الشخصية الرئيسية "عبدالحكم" يرفض موت "عبدالحليم" في 1977 –وهو رفض للواقع-، فإن المؤلف يربط 13 فصلا من الرواية بأغنيات عبدالحليم، مما يجعل القارئ يتوقع تماهي أحداث الرواية مع أغاني عبدالحليم، -وقليلا ما حدث، فقد جاءت الأغنيات وكأنها خلفية غير مؤثرة في الحدث، بل منفصلة عنه، حتى أن تاريخ بعض أغاني "حليم" التي يستدعيها المؤلف تكون أقدم من الحدث، ومنها ثلاثة أدعية دينية تعود للعام 1964.
يبدأ المؤلف فصله الأول من الرواية بعنوان "سهم الله في عدو الدين"، والأغنية التي تتصدر الفصل هي "المسيح"، بما يهيئ القارئ نفسيا لربط موضوعي بين الأغنية وموضوع الفصل، وهو ما يتكرر في الفصل الثاني "الجلسة الأولى: نوح النحال"، والأغنية هي: إبنك يقول لك يابطل هات لي نهار، وقد سجلت بعد النكسة، أما الفصل الثالث فقد تصدرته أغنية أدهم.. وفيما يسرد الفصل الرابع سيرة "وداد"، وهي قابلة النجع التي يُنسب إليها قتل بعض المواليد فور ولادتهم، بينما أن الفصل تتصدره إحدى أغنيات نصر أكتوبر 1973 وهي"لفي البلاد ياصبية".. وفي فصل السابع عنوان: سهم الله لم يصب عدو الدين، فيما أن الأعنية هي دعاء "أنا من تراب"، ثم في فصل " شواهي" وهي راقصة متهمة من الجميع بممارسة الأعمال المنافية للآداب، ما يجعها على معرفة تامة بكل شخصيات النجع وأسرارهم، فيما أن الأغنية هي: النجمة مالت ع القمر فوق في العلالي "وهي من الأغاني التي صدرت عقب نصر أكتوبر 1973.. وفي فصل آخر تكون الأغنية "سكت الكلام والبندقية اتكلمت"، وهي من الأغاني الصادرة بعد 67.. بينما عنوان الفصل: الثورة تلتهم الثوار.. والفصل الأخير تتصدره أغنية "عدى النهار والمغربية جاية بتتخفى ورا ضهر الشجر" -وصدرت بعد 67- والعنوان: هوامش كاتب الجلسات (وهي10 هوامش)، وربما أنها أكثر الاختيارات توفيقا للمؤلف في الربط بين الأغنية والموضوع، وهو هنا موضوع الرواية كلها وليس هذا الفصل فقط، بما يتوافق مع سرد المؤلف لموضوع الرواية.. لكن الملاحظة الأهم حول ارتباط "عبدالحليم حافظ" بالرواية تتمثل في تاريخ وفاة عبدالحليم في 30 مارس 1977، وتدمير منزل "الخوجة" –أو مستعمرة الجذام- بعدها بأسبوعين (15 أبريل 1977) بما يؤكد الاندماج التام لـ "عبدالحكم" مع أغاني "عبدالحليم"، وبوفاته يفقد "عبدالحكم" توازنه ليبدأ في الثورة والتدمير وإشعال الحريق.
• كاتب وصحافي مصري



#عبدالرحيم_كمال (هاشتاغ)       Abdulrahim_Kamal#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم في مصر.. -الترقيع- في -ثوب مهترئ-
- ..وماذا لو كان عبدالناصر أخوانيا؟
- حين تكون الثقافة “حيطة مايلة”.. يصبح الفن بالمزاد.. والإبداع ...
- لماذا يتحول -علاء الأسواني- للإحباط في -جمهورية كأنّ-؟
- هدم مقابر القاهرة.. خيانة الشعب والتاريخ
- رواية -وداد الحلبية- صراع الدين والوطن
- معنى العمل الفني
- “وعاظ السلاطين”.. الأزمة الدائمة في الأمة الإسلامية
- -بيت خالتي-.. رواية تفضح آلة التعذيب السورية
- موسى.. الجدل المتجدد بين الدين والعلم


المزيد.....




- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحيم كمال - رواية تشير: -صلاة القلق-.. لن تختفي من حياتنا