أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم محمود أمين - بين نزعة الجولاني الاستبدادية وتجربة الإدارة الذاتية المدنية: من يحتكر السلطة، ومن يخضع لها














المزيد.....

بين نزعة الجولاني الاستبدادية وتجربة الإدارة الذاتية المدنية: من يحتكر السلطة، ومن يخضع لها


عاصم محمود أمين

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 15:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين نزعة الجولاني الاستبدادية وتجربة الإدارة الذاتية المدنية:
من يحتكر السلطة، ومن يخضع لها؟
عاصم محمود أمين:
في المشهد السوري الراهن، لا يدور الصراع، كما يظن البعض، حول خرائط النفوذ العسكري أو خطوط السيطرة الجغرافية، بل يتموضع في قلب سؤال فلسفي وسياسي عميق: من يمتلك سلطة تعريف الهوية، ومن يمتلك مشروعية تمثيلها؟ إننا أمام مفارقة أنطولوجية وأخلاقية بين مشروعين يتنازعان الحاضر، ويحاولان تشكيل ملامح المستقبل، أحدهما يعيد إنتاج ماضٍ قد ولى، والآخر يجتهد في ولادة مشروع مدني لم يولد بعد.
مشروع الجولاني ليس سوى استدعاء قسري لذاكرة سلطوية أُنهكت بالدم والطائفة، وقد أُعيد تشكيلها بهيئة دينية متطرفة تحت عباءة "إمارة"، تحكم بمنطق الفتوى لا الدستور، وتؤسس شرعيتها على إلغاء الآخر، واحتكار المقدّس، ونبذ كل ما لا يندرج تحت عباءتها العقائدية. إنه مشروع يقوم على فكرة الهيمنة الرمزية والمادية معًا، حيث لا يُنظر إلى الفن أو الرمز الجمالي إلا بوصفه خطرًا على "نقاء العقيدة" و"طهارة الجماعة".
لقد كان تحطيم تمثال الشهداء في ساحة سعد الله الجابري بحلب، لحظة رمزية كاشفة. لم يكن فعلًا عشوائيًا أو خطأً تقنيًا كما حاول الإعلام التبريري التابع للجولاني أن يُظهر، بل كان فعلًا أيديولوجيًا بامتياز. لقد مثّل هذا المشهد إعلانًا صريحًا عن نموذج سلطوي يرى في الرمزية الجمالية خصمًا وجوديًا، ويخشى من الفن لأنه يفتح أبواب التأمل، ويزعزع سلطة النص المغلق.
في هذا النموذج، الإعلام نفسه يتحوّل إلى جهاز تبرير لا مساءلة، إلى آلية للتجميل القسري للعنف، لا فضاء حر للجدل والمراجعة. وما الإعلام المعولب الخارج من أحشاء المال الخليجي إلا أحد أذرع هذا الاستبداد المقنّع بالدين، الذي لا يختلف، في جوهره، عن الاستبداد البعثي الذي حكم سوريا لعقود تحت شعارات قومية زائفة.
وعلى النقيض، تبرز حادثة الرقة – المدينة الواقعة تحت سلطة الإدارة الذاتية في روج آفا – كمشهد دال على إمكان ولادة نمط آخر من العلاقة بين السلطة والمجتمع. حين قُتل طفل برصاص عنصر من قوى الآسايش، لم تُغلق أبواب المؤسسة، ولم يُدارِ الناطق الرسمي فعل القتل خلف خطاب النفي والإنكار، بل اعترف، واعتذر، وأدان.
قد يبدو هذا التفصيل صغيرًا، لكنه في سياق البنية السياسية السورية التي تأسست طويلًا على ثقافة الإنكار والتقديس المرضي للسلطة، يمثل تحولًا عميقًا. الاعتراف بالخطأ هنا ليس مجرد سلوك أخلاقي، بل تجلٍ لمفهوم جديد للسلطة، يقرّ بأن الدولة ليست كيانًا مطلقًا فوق القانون، بل هي نتاج تعاقد إنساني، خاضع للنقد والمحاسبة والمساءلة.
إننا لا نقارن بين طهر وعهر، أو بين خير وشر مطلقَين. بل نُقارن بين مشروعين متغايرين في منطلقاتهما الوجودية:
في "إمارة الجولاني"، السلطة امتداد لعقيدة ترى في المختلف خطرًا، وفي التنوع تهديدًا، وفي الدولة وسيلة للهيمنة الدينية لا لضمان الحقوق.
أما في روج آفا، فثمّة محاولة، رغم التناقضات البنيوية، لتأسيس منظومة مدنية تعددية، تُمارس السلطة بوصفها وظيفة اجتماعية لا حقًا مقدّسًا، وتخضع للنقد لأنها لا تدّعي الكمال.
وهكذا، يتمحور السؤال الفارق:
هل السلطة فوق المجتمع، أم في خدمته؟
في المشروع الأول، يُمارَس التدمير باسم "التطهير العقائدي"، ويُشرعن الإقصاء بوصفه إصلاحًا.
وفي الثاني، يُعترف بالخطأ، لا لأنه ضعف، بل لأنه تعبير عن نضج سياسي يرى في الإنسان غاية لا وسيلة.
ما يجري في سوريا اليوم، هو أكثر من صراع سياسي. إنه صراع بين أنماط وعي، بين ذهنية تريد إعادة إنتاج الاستبداد بثياب دينية أو قومية أو ثورية، وأخرى تحاول – برغم عثراتها – أن تُرسي أسس دولة حديثة، يُصاغ دستورها من خلال العقد الاجتماعي، لا الوحي المُحتكر.
الفرق الجوهري لا يكمن في مدى قوة السلاح، بل في قدرة السلطة على تقبّل النقد، وعلى الاعتراف بأن لا أحد يحتكر الصواب، وأن الدولة لا تُبنى بالرعب، بل بالثقة والمساءلة.
لهذا، فإن روج آفا، بما لها وما عليها، تُقدّم مشروعًا حيويًا لا لأنه مثالي، بل لأنه غير مكتمل، لأنه قابل للتطور، ولأنه لا يخشى أن يرى نفسه في مرآة النقد.
في النهاية، لا يُقاس تحرّر الشعوب بعدد البنادق، بل بمدى تحرر السلطة من أوهام العصمة.
وبين من يهدم تمثالًا لأنه يخالف عقيدته، ومن يعترف بجريمة لأنه يحترم إنسانية الضحية،
يتحدد سؤال سوريا القادم:
هل نُعيد إنتاج الاستبداد بأقنعة جديدة، أم نؤسس لوطن يتسع للجميع؟



#عاصم_محمود_أمين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجولاني حاكماً للفراغ في بلد تبوأه المهزلة بعد المأساة.
- السوريون من الرفض للجولاني الى التطبيع والتكيف معه
- -الوعي الكُردي في سوريا بواقعهم الاجتماعي والسياسي وطموحهم-
- - هل حقاً الحضارة الغربية نُسجتْ ونُتجتْ بروح ومعرفة شرقية!! ...
- عن غياب دور المثقفين ودور الكرد وبقية المكونات عن الثورة الس ...


المزيد.....




- -البرغندي- يرفض قواعد الموضة المؤقتة ويصنع مساره الخاص مع ال ...
- ترامب عن وزير دفاعه: لم يأمر بشن غارة ثانية على سفينة المخدر ...
- طائرة كهربائية عمودية لشخص واحد..الصين تكشف عن ابتكار فريد ف ...
- نيجيريا.. إطلاق سراح 12 شابة مختطفة
- عاجل.. مراسل الجزيرة: قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف المناطق الشر ...
- بعد طلبه العفو.. نتنياهو بين النجاة الشخصية والانهيار السياس ...
- أوروبا ترفع دروعها في بروكسل... واستنفار دفاعي غير مسبوق
- البابا من لبنان: المصالحة ضرورة ومصلحة الوطن فوق الطوائف
- النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع وتتحدى فرنسا
- وداعا للتجسس على بياناتك.. الذكاء الاصطناعي يدخل عصر السرية ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم محمود أمين - بين نزعة الجولاني الاستبدادية وتجربة الإدارة الذاتية المدنية: من يحتكر السلطة، ومن يخضع لها