أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم محمود أمين - الجولاني حاكماً للفراغ في بلد تبوأه المهزلة بعد المأساة.















المزيد.....

الجولاني حاكماً للفراغ في بلد تبوأه المهزلة بعد المأساة.


عاصم محمود أمين

الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 17:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في فضاء السياسة السورية الراهنة لا يمكن الحديث عن تحوّل حقيقي ما دامت بنية العقل السلطوي تمارس حضورها كما لو أنها خارج التاريخ، تقيم في زمن دائري يعيد إنتاج ذاته بلا هوادة. فما تزال مؤسسات الدولة تُدار بعقلية استبدادية جامدة، ترفض التحول الديمقراطي، وتخشى التجديد، وتستبدل الجوهر الحر بالشكل ، والروح بالقشور. تتغيّر الوجوه، تتبدل الأزياء، وتتنوع الشعارات والإدعاءات، لكن الذهنية التي تُسيّر الآلة السلطوية بقيت هي نفسها القديمة الجديدة، ليس فقط محكومة بعقيدة أمنيّة بل امتزجت بالشريعة التي تُقدّس السيطرة وتُنتج العنف كلما اهتزّ عرش الهيمنة .
بإمكاننا أن نستحضر المقولة الشهيرة للمفكر الفلسفي الالماني كارل ماركس:
"إن التاريخ يعيد نفسه مرتين: في المرة الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة"
بهذا المعنى، ما نشهده اليوم في سوريا ليس سوى تكرار لتاريخ مأساوي لم يُفهم وقائعه، ولم يُحاسب مَنْ حكمه واداره، فتقمّص شكلًا جديدًا ليعود لا كمأساةٍ كما كانت، بل كمُهزلةٍ سياسية تُدار بعقل أمنيّ وشرعي ديني فقد حسّه بالواقع، واستحال إلى مُخرج فاشل يعيد كتابة سيناريوهاته من أرشيف تاريخ مهزوم و نظام بائد حكم بالموت والرصاص.
أن جريمة تفجير كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة، وفق هذا المنظور، لا يمكن قراءته كحادثة أمنية منعزلة، بل كمشهد جديد من مسرحيةٍ قديمة، تكتبها ذات الأيدي العاجزة والفاشلة التي لطالما برعت في صناعة الأعداء وشيطنتهم. السيناريو ذاته يُعاد، بلا ابتكار: "انتحاريون" قادمون من (مخيم الهول)، يمرون بمحاذاة العشرات من الكنائس والأديرة وهم في طريقهم إلى قلب العاصمة دمشق، متجاهلين كل ذلك، ليختاروا هدفًا واحدًا فقط في دمشق لينالوا شرف الجهاد فيها... ثم تُتَهم خلية من خلايا داعش المسبقة الصنع بارتكابها ودون اي اجراء جنائي وبوقت خرافي يتم القبض عليهم.
هنا تفقد الرواية الأمنية لإمارة الجولاني مصداقيتها، وتتحول الواقعة من حدث مأساوي إلى نص كوميدي هزلي رديء.
إذ أن عبارة "قد جاؤوا من الهول" على لسان وزير داخلية إمارة الجولاني، ليست مجرد توصيف جغرافي، بل خطاب مُقَنّع يُعيد توجيه بوصلة العداء نحو الكرد في روج آفا، دون أن يُعلن ذلك صراحة. إنها لغة رمزية تُغلف التلميح بالإدانة، وتُمارس التفكيك على ما تبقى من نسيج وطني ممزق أصلاً. في هذا السياق، لا تُقال العبارة عرضاً، بل تُستخدم كأداة إيديولوجية لتأليب القطيع، وترسيخ الاصطفافات ما دون الوطنية، حيث يُدير فيه النظام الجديد–القديم اللعبة بعقلية تجاوزها الزمن، ويكشف عجزه عن صياغة رواية منطقية، متماسكة، أو حتى مقنعة. إنها المهزلة، حينما تصبح السلطة عاجزة حتى عن الكذب بذكاء.
لكن التفجير من منظور الفلسفة السياسية لا يُقرأ فقط داخل الإطار المحلي، بل يحمل شيفرة إقليمية لا تخفى على المتابع .اذ تتجه انظار النقد والسك الى تركيا الغير الراضية عن أداء الجولاني في دمشق، لربما أرادت أن توصل رسالة من تحت ركام الفوضى والدم السوري: "الشرعية ليست مجانية(أوغلم)، والفوضى ممكنة ما لم تلتزم بما نرسمه نحن واصدقاؤنا الداعمون لك من خطوط ورسوم"، فتوقيف وسيم الأسد، برمزيته العائلية كفرد من آل الأسد بتهمة ملاحقة المتورطين في سفك الدم السوري وفلول النظام السابق كتهمة مؤكدة وجاهزة لتبرير كل فعل اجرامي او انتقامي، قد يكون لحظة فارقة في حسابات الصراع والتدخل التركي وحلفاؤوه الاقليميين. وتفجير الكنيسة ما هو إلا "اللغة الثانية" التي تُكتب بها الرسائل السياسية حين تفشل الكلمات.
الجولاني، الذي يسعى لأن يتقمص دور(الرجل المختار،القوي للمرحلة)، الحاكم بأمر الاستخبارات الدولية المألوفة، الذي يضبط العاصمة طائفياً وأمنياً معتمدا على قوى وفصائل ارهابية متوحشة عابرة للحدود ، وجد نفسه فجأة في مواجهة واقع لا يُشبه الدعاية التي ينشرها من يلتف مَنْ حوله من اللقاليق والانتهازيين وبياعي الوهم والتضليل للغوغاء والغارقين في نوم الخطابات الدوغمائية السردية . العاصمة ليست مُسيطراً عليها، والأمن ليس محكومًا بقبضته، والشرعية التي يحاول صناعتها تذوب في أول لحظة ارتباك سياسي أو أمني. الرسالة واضحة: من لا ينصاع للخط التركي–القطري (الاخوانية)، سيُواجه بالفوضى.
ليس الصمت، في علم سياسة (ابو محمد الجولاني) موقفاً محايداً، بل هو فعل محمّل بالمعاني، لا سيما حين يكون في وجه الاحتلال وتوسيعه. فالجولاني، الذي يتصدر مشهد الحكم في شمال سوريا، يلوذ بصمت ثقيل تجاه التغلغل الإسرائيلي المتصاعد في الجنوب السوري، حيث استحوذت تل أبيب فعلياً على عشرات الكيلومترات والقرى داخل العمق الجغرافي الوطني، دون أن يُقابل ذلك بأي موقف يُذكر، لا اعتراضاً ولا حتى خطاباً رمزياً.
تتفاقم المفارقة في ظل الحرب الإسرائيلية على إيران، إذ يغدو التفرج موقفاً، ويُعاد إنتاج الصمت كسياسة، واللاموقف يُقدّم بوصفه نوعاً من "الحكمة الباردة"، أو فلسفة التوازن في زمن اللاسيادة. هذا التخاذل المقنّع، في لحظة تمر بها الجغرافيا السورية بالتحولات، لا يمكن فصله عن الأحاديث المتصاعدة حول تقاربات غير معلنة بين الجولاني وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي قد تفضي إلى أشكال تطبيع مستترة، على نمط اتفاقات أبراهام التي جعلت من "السلام مقابل الصمت" خياراً استراتيجياً.
في ضوء ذلك، لا يبدو تفجير كنيسة مار إلياس مجرد حدث أمني أو عرضي، بل يمثل مشهداً اختبارياً لإعادة تشكيل المشهد السياسي برمّته، تحت سقف سلطة ولدت من رحم الاستبداد، وورثت عن أسلافها استخدام الإرهاب لا كأداة للردع، بل كغاية سياسية بحد ذاتها. إنها دويلة داخل جسد دولة، تحكمها عقلية ايديولوجية أمنية، سلطة تتخفى خلف قشرة من التنظيم والسلطة، بينما تقايض السيادة بالصمت، والوطن بالمسرح التراجيدي الهزلي.




ختامًا، في ضوء ما سبق، يمكن القول إن ما يحدث في سوريا اليوم ليس تكرارًا للمأساة، بل استنساخٌ هزليّ لها. السلطة (القديمة الجديدة) تُعيد إنتاج أدواتها بالتحالف مع من ادعت معارضة الاستبداد والظلم واعلاء الهوية الوطنية محل الهوية الضيقة. والإقليم يُعيد إنتاج نفوذه. كل شيء يدور في حلقة مفرغة من المآسي القديمة، لكن بوجوه تُتقن التهريج السياسي أكثر من إدارة الدولة. إننا لا نعيش فقط ما قاله ماركس، بل نتجاوزه إلى ما هو أكثر مرارة: تاريخٌ لا يتكرر كمأساة أو مهزلة، بل كفشل مستمر في إدراك الدرس.



#عاصم_محمود_أمين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوريون من الرفض للجولاني الى التطبيع والتكيف معه
- -الوعي الكُردي في سوريا بواقعهم الاجتماعي والسياسي وطموحهم-
- - هل حقاً الحضارة الغربية نُسجتْ ونُتجتْ بروح ومعرفة شرقية!! ...
- عن غياب دور المثقفين ودور الكرد وبقية المكونات عن الثورة الس ...


المزيد.....




- فيديو متداول لحشود -عشائر سوريا- بطريقها إلى السويداء.. ما ح ...
- هل يُحوّل نظام الطائرات المسيّرة الأوكرانية الحرب إلى -لعبة- ...
- تقرير يكشف: إسرائيل تسعى للحصول على دعم أميركي لنقل فلسطينيي ...
- إحدى -أقسى عقوبات- أوروبا: خفض سقف سعر النفط الروسي
- ما دلالة تحريم شرب القهوة في أعراف العشائر السورية؟
- حماس تتهم إسرائيل بعرقلة جهود التوصل لوقف إطلاق النار في غزة ...
- هل تخدم تحركات العشائر مساعي الحكومة لفرض سيطرتها على السويد ...
- الضحك قد ينقذ حياتك.. لماذا نميل للمزاح في الأوقات الصعبة؟
- لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمص ...
- عاجل | الرئاسة السورية: ننطلق في موقفنا من أحداث الجنوب السو ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم محمود أمين - الجولاني حاكماً للفراغ في بلد تبوأه المهزلة بعد المأساة.