أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاصم محمود أمين - - هل حقاً الحضارة الغربية نُسجتْ ونُتجتْ بروح ومعرفة شرقية!!! -















المزيد.....

- هل حقاً الحضارة الغربية نُسجتْ ونُتجتْ بروح ومعرفة شرقية!!! -


عاصم محمود أمين

الحوار المتمدن-العدد: 4164 - 2013 / 7 / 25 - 12:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



تدل كلمة الحضارة في المعجم الفلسفي على" أنها ضد البداوة وتقابل الهمجية والتوحش،وهي مرحلة سامية من مراحل التطور البشري "1.
و"الحضارة في مفهومها العام هي ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته سواء أكان المجهود المبذول للوصول إلى تلك الثمرة مقصودا أو غير مقصود وسواء كانت الثمرة مادية أم معنوية". 2
وقد يجوز لنا أيضا أن نصف الحضارة بأنها تلك الجموع أو النتاجات البشرية من فلسفة وأدب وفن ودين بنظامه الأخلاقي والسلوكي. ولعل من النافل أيضا أن نصف الثقافة بأنها إخضاع الأنا لتلك الجموع أو النتاجات وتقمصها فعلا وسلوكا.
ومن المدرك أن العلم والعمل والسلوك الأخلاقي العقلي والروحي هم أساس بناء المجتمعات وتقدمها وتطورها ، وهي التي تنقل الإنسان من حالة الفوضى إلى حالة النظام، من حالة الجهل إلى حالة المعرفة،من حالة الطبيعة إلى حالة الحضارة والتمدن .
وعند العودة إلى معظم الشرائع والسنن الدينية والدنيوية سوف نجد أن كلها قامت وتأسست دعواتها على أسس عقلية ومعرفية ،وسنجد أن الكتب السماوية لم تكن متأخرة عن هذه الدعوة – خاصة الدعوة إلى العلم والعمل و السلوك القويم - ولا تخلو من هذه الإشارة . فالدين الإسلامي مثلا دعا إلى العلم والمعرفة، بل جعل الله للعلم والعلماء مكانة سامية،و أول ما تعلمه أبو البشر آدم من الله هو العلم(وعلم آدم الأسماء- أي المعرفة) وقد ورد في القرآن الكريم ،في أكثر من إشارة ومكان مثال ( وهل يستوي اللذين يعلمون والذين لا يعلمون ....( أولي الألباب....اللذين يعقلون ... أهل الذكر ....الخ) .

ولا يغفل أن الله جعل للعلماء منزلة في الجنة أعلى منزلة من الإنسان العادي، وهنالك أحاديث نبوية متعددة لامكان لحصرها وذكرها، إضافة لأحاديث الفقهاء والعلماء،كلها تدعو إلى العلم والمعرفة،خلاصة القول:العلم والعقل يشيدان أرقى المجتمعات ويبنيان الأوطان و يسعن مدارك الإنسان، لصناعة حضارات وثقافات ونتاجات تدوم بدوام الزمان.

والشرق منطقة متعدد الأديان والقوميات ومساحة جغرافية غنية بالحضارات والشعوب المتنوعة منذ فجر التاريخ، ومنه انطلق أولى الإشعاع الروحي والعقلي الذي ملا المعمورة بالنور والمعرفة، حيث انتقل منها النور المسيحي و الإسلامي وامتدت جذورهما إلى كل بقعة في هذا العالم، و"إذا رفضنا أن الغرب ماهية جغرافية،ونظرنا إليه باعتباره حالة فكرية متجهة نحو السيطرة على الطبيعة والناس،وجدنا أن مثل هذه النظرة إلى العالم ترقى إلى الحضارة الأولى المعروفة،تلك التي ظهرت في دلتا (دجلة والفرات) في بلاد الجزيرة " 3.

وما نشهده من انجازات وتقدم علمي و صناعي وتقني حديثا في العالم الغربي ،ليست سوى حركة معرفية بشرية مادية تقودها جدلية خفية وروحاً مشبعة بثقافة دينية –الذات الغربية -تعود بجذورها إلى الشرق بكل تجلياتها الفكرية وتعاليمها الدينية والأخلاقية والسلوكية،وفق قاعدة الخير والشر، إذ يرى (روجيه غارودي) :أن أوربة الغرب " هي وليدة ثلاثة تقاليد وأولها الأخلاق المسيحية وخاصة الكاثوليكية....4. فالسيد المسيح مثلا لم يظهر في الغرب ولا في القارة الأمريكية او الاسترالية، وإنما ولـــِد داخل بيئة شرقية سورية –سوريا بمفهومها الكبير قديما – وتلقى لغتها وتنفس هواءها وجاءت تعاليمه وخطابه منسجمة تماما مع العقل والروح الشرقيتين.

وعلى هذا فان أي مقولة تشير إلى التمييز أو الاختلاف،والفصل روحيا وجسديا بين ذات شرقية وأخرى غربية هي محض وهم و سوء قراءة ،ولا محل لها في قاموس العقلاء الموضوعيين ، كون الإنسان الغربي تقوده تلك الروح الدينية الشرقية-الروح كجدلية- نفسها بنظرتها إلى العالم والكون والوجود.
أن ما يميز كلتا الذاتيتين -رغم اختلاف الهويات واللغات وبعض الرؤى الأخلاقية-وتجعل احدهما متفوقة على الأخرى، هي آلية وعي العقل، والفهم الحسي للطبيعة المادية، اللذان يعودان اختلاف نمطهما وطرائق عملهما إلى البيئة الاجتماعية الموروثة،وطبيعة النظم الحاكمة، والمناخ السياسي والقانوني، و الديمغرافيا العرقية المتنوعة،ونوعية العلم وطرائق التعليم من جهة، ومساحات الحرية والإنتاج الفكري والاقتصادي والخصوصية الفردية(الأنا الحرة) ...من جهة أخرى.

نافلا على ذلك الصراعات التاريخية التي ألقت بكل منهما روحيا وعقليا في صيرورتين تاريخيتين منفصلتين، جعل من احدهما وجودا مشوها ومتسولا حضاريا ومفلسا فكريا ومتقاعساً خمولاً لا يعيش وفق طبيعته، والآخر له وجود طبيعي عقلي مدرك يعيش حاضره بنمط اقرب إلى الجشع الاقتصادي والتخمة التقنية والعلمية، وروحه تتعين بكل تجلياتها ومراحلها .
"لقد بدأ الغرب يشعر منذ النصف الثاني للقرن السابع عشر أن العالم العربي والإسلامي جملة يمر بعهد تأخر وأزمة انحطاط وكان العالم الغربي حتى القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر يتغذى من ثمار الفكر العربي والإسلامي تغذية ثمينة"5.
وتأكيدا على ذلك يقول روجيه غارودي "ثمة ينبوع آخر لحضارتنا،نجد جذوره تتراوح بين فينيقيا وكريت ومصر،ولقد كان الفلاسفة والمؤرخون اليونان يعجبون بمصر إعجابا عظيما،وتدين آراء أفلاطون الثنائية لها بالشيء الكثير" 6.
لكن ما جعل الشرق متأخراً عن الغرب حضاريا وعلميا هو مسالة بنى، ووعي عقلي ومعرفي،وانغلاق ذاتي، وثقافة معادة ومتراكمة، وطبيعة تعين كل مجتمع وهيكليته، وتكونه السلطوي و السياسي والإداري ، وكلها تندرج تحت تاريخ مديد من الصراعات الفكرية والمذهبية،ويمكن القول أن الإنسان الشرقي الحقيقي مازال في طور التعين والتشكل،محاولاً إزالة تلك القشور والطمي والموروث المترسب فوق كاهله وملكات عقله،ساعيا إلى تغيير واقعه طالما يمتلك ويتشارك تلك الروح ذاتها التي تحرك بنية العقل الغربي.

وعلى هذا فان اعتماد الشرق على الغرب كمنتج ومصدر للحضارة والمدنية وأشكال النظم السياسية والاقتصادية والفكرية، ليست بوصفها تبعية وانتماء للغرب ، على العكس نجد ان الغرب مدينون بالفضل للشرق، أن كل النتاجات الغربية تنتمي بروحها الفكرية والقيمية والأخلاقية إلى الشرق، كون الغرب يحملون كل القيم الدينية والروحية المسيحية الشرقية، والفلسفة الإسلامية-فهْمَ أرسطو عن طريق ابن رشد،ومنهج ابن خلدون في تأسيس علم الاجتماع وغيرهم من المفكرين والعلماء في مختلف مجالات العلوم....الخ- ،نتيجة احتكاكهم المعرفي والفلسفي والديني بالشرق،من خلال حروبهم وعلاقاتهم. كان لزوماً لهذه النتاجات أن تظهر وتتجسد في الشرق،وكونها لم تجد البيئة والطريق للتحقق . فاغتربت عن موطنها الأصلي،متجسدة في أناس يملكون وعياً وتحرراً عقلياً قادرين على خلقها،فظهرت في الغرب بحضارة لا مثيل لها.
وحين تستورد الشرق حضارة الغرب وتحتك بهم وتتأثر بمقولاتهم ومعارفهم ونظرياتهم الاجتماعية وأشكال نظمهم السياسية، هذا لا يعني أن الشرق فاقد أو سيفقد هويته الثقافية أو الدينية أو القومية ...الخ وإنما هي عودة الابنة المغتربة إلى أحضان الأم التائهة ،هي ليست غريبة عن وعيها،هي علاقة تعرف - تركيا مثلاً جمهورية قومية وإسلامية،لا تخشى من ضياع هويتها القومية والدينية في سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، كذلك دول الخليج العربي مثالاً آخر على ذلك- وبدليل أن جوهر الحضارة الغربية التي تقوم على حرية الأفراد والجماعات ونظرياتهم الاجتماعية والحقوقية والقانونية حول تنظيم الأسرة والمجتمع وشكل النظام السياسي وغيرها، تعود بأصولها إلى الفكر الديني الشرقي بتعاليمه وأخلاقياته (أليس هذا ما يقوله مفكرو الدول الشرقية ومناهجهم المدرسية،ومنهم الدول العربية...) ،وما جاء في جوهر نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسو ليست إلا محاكاة لماء جاء في الكتب الدينية الشرقية حول علاقة الإنسان بأسرته و المجتمع وحقوقه وواجباته تجاه الآخرين وتجاه الحاكم والقانون وواجب الحاكم تجاه الرعية، أليست نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز وتأييده لسلطة النظام الملكي المطلقة مقابل توفير الرعاية والأمن والاستقرار للمحكومين، هي محاكاة وتمثل للناظم الخليفة والسلطان في العهد الأموي والعباسي.....الخ.
بالإضافة إلى أن روح الشعوب الشرقية تحاكي هذه الحضارة بمقولاتها وقيمها،بل تتوق إلى العناق معها-نستثني منها بعض رجالات السياسة وبعض الحكام الشرقيين الذين يحرضون شعوبهم على محاربتها ونبذها بذرائع أخلاقية كونها تنافي مصالحهم وعادات العرش و الحكم لديهم .
لذلك كان لزاماً للعقل الشرقي كي يتحرر من وهم الخرافة والرمزية السياسية والسياسية الدينية، واعتناق حريته والعودة لذاتيته والسير في خطه الروحي والمادي الطبيعي، أن يمتلك واقعا سياسيا حرا ، ودولة تعبر عن هويته الوطنية كحل جذري بدل الهوية الدينية والقومية الشموليتين الفاشلتين تاريخيا واجتماعيا،دولة القانون و المجتمع المدني العلماني الديمقراطي لا دولة العرف وسنن القبيلة والطائفة،إذ أن المجتمع المدني هو مجتمع الروابط الاجتماعية الراقية والأخلاق والنظم السياسية الحرة والغير مستبدة وهي المرحلة المتمدنة على حد تعبير آدم فيرجسون.

ومن هنا باستطاعتنا الإدراك، أن دعوة مفكرين وفلاسفة عصر النهضة الغربيين،لفصل الدين عن الدولة والسياسة، ليست إلا محاولة لإعادة الدين والدولة إلى خدمة الأفراد والمجتمع كل على حده،والفصل بين الديني والدنيوي حتى لا يستغل ماهو ديني لأغراض دنيوية ، وإطلاق تلك الروح نحو فضاءها اللانهائي من جهة-بعد سلبها من قبل رجال الدين- ولسحب بساط السلطة الدنيوية من الكنيسة وكُهانها الذين جعلوا من الدين ساحة لمقاصدهم ومصالحهم و سجنا لروح الإنسان الغربي ومصيره من جهة أخرى.وكانت النتيجة هي هذه الحضارة المذهلة بكل تجلياتها وأشكالها وقيمها الخالدة بغض النظر عن سلبيات بعض القائمين عليها سياسياً، وسواء اتفقنا عليها أولم نتفق ، فهي واقع متعين وهي ظاهرة متحققة للباحث ،وما التحليل والقراءة إلا مجرد منهج قائم على المعطيات والملاحظات قد تلامس الحقيقة أو تعريها.............

الهوامش:
1- المعجم الفلسفي،الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية،القاهرة،عام 1983م.
2-د.حسين مؤنس ،الحضارة دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها،عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية،الكويت عام 1978م،ص13.
3-روجيه غارودي،في سبيل حوار الحضارات،تعريب د.عادل العوا،عويدات للطباعة والنشر،بيروت لبنان،ص16
4-روجيه غارودي ،نفس المرجع،ص 15.
5-حافظ الجمالي،بين التخلف والحضارة ،منشورات كتاب العرب ،دار الأنوار للطباعة،دمشق عام 1978م،ص72.
6- روجيه غارودي،مرجع سابق،ص17

*عاصم أمين باحث و كاتب كردي من سوريا



#عاصم_محمود_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن غياب دور المثقفين ودور الكرد وبقية المكونات عن الثورة الس ...


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاصم محمود أمين - - هل حقاً الحضارة الغربية نُسجتْ ونُتجتْ بروح ومعرفة شرقية!!! -