أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم محمود أمين - السوريون من الرفض للجولاني الى التطبيع والتكيف معه














المزيد.....

السوريون من الرفض للجولاني الى التطبيع والتكيف معه


عاصم محمود أمين

الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 12:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عاصم محمود أمين:
السوريون من رفض للجولاني الى التطبيع والتكيف معه.

يشهد المشهد السوري في الأشهر السبعة الأخيرة تحوّلات عميقة في البنية الذهنية والسياسية لمكونات عدة داخل المجتمع الثوري والمعارض، لا سيما في موقفها من شخصية أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الذي بات يحتل موقعًا مركزيًا في السلطة الحاكمة في سورية. ما كان يُعتبر سابقًا حالة شاذة وخطرًا وجوديًا على الثورة السورية، تحوّل تدريجيًا –وبصورة مقلقة – إلى ظاهرة يُتعامل معها كأمر واقع، بل ويُناقش أداؤها على المستوى الشرعي والقانوني والاخلاقي والسياسي والوطني وكأنها جزء طبيعي من المشهد السياسي السوري .
لقد كانت المعارضة تجاه الجولاني حتى وقت قريب قائمة على أسس مبدئية وقانونية واخلاقية واضحة: خلفيته الجهادية، علاقاته بتنظيم القاعدة والنظام السوري، سجله الدموي في سورية والعراق، إضافة إلى طبيعته المبهمة والمتهمة والمشكوكة في ولاؤها للاستخبارات الخارجية ووجودها السلطوية التي تُقصي الآخرين وتُعيد إنتاج منطق الدولة الأمنية الارهابية.
غير أن هذه الاعتراضات الصلبة أخذت بالتآكل بمرور عدة أشهر، ليس نتيجة ( تحوّل إيجابي في سلوك الجولاني أو قواه)، بل نتيجة تعب سياسي ونفسي، وانكسارات سورية متتالية من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات الامريكية، أدت إلى تراجع الخطاب النقدي من الرفض الجذري لوجوده كظاهرة إرهابية مسوخة إلى نوع من التعايش السلبي والتكيف معه.
ما نرصده اليوم ليس فقط تغيرًا في مستوى الخطاب، بل تحوّلًا عميقًا في البنية الفكرية لبعض الفاعلين في الوسط المعارض. فبينما كان الجولاني يُرفض بوصفه تهديدًا وجوديًا على قيم الثورة السورية ومنطلقاتها عن الديمقراطية والعدالة الانتقالية وحقوق الانسان، أصبح اليوم يُنتقَد من حيث الكفاءة الإدارية، أو آلية صنع القرار، أو طبيعة التحالفات. وهذا الانزياح ليس مجرد إعادة تموضع سياسي، بل يعكس انزلاقًا خطيرًا نحو "تطبيع رموز الاستبداد الجديد"، عبر القبول بهم كقادة أمر واقع، دون مساءلة حقيقية عن ماضيهم وسلوكهم الحالي.
إنه تحوّل من الممانعة السياسية الواعية إلى تكيّف غامض وغير واعٍ، لا تفرضه قناعة بجدوى هذا النموذج السلطوي، بل إحباطٌ من (انسداد الأفق)، وعجزٌ عن صياغة بدائل وطنية جامعة. وهذا ما يجعل من هذا التكيّف شكلًا من أشكال "التطبيع الداخلي"، الذي لا يختلف في جوهره عن التطبيع بين دول وأنظمة، إذ يقوم على القبول الصامت، أو غير المعلَن، بأطرافٍ كانت مرفوضة لاعتبارات أخلاقية وسياسية جوهرية صرفة.
المفارقة أن الجولاني لم يتغير، لا في خطابه ولا في مشروعه السلطوي ولا في فكره الايديولوجي، ولا حتى في بنيته التنظيمية التي ما زالت تقوم على الإقصاء وتفكيك الفصائل، والهيمنة على المجال المدني والسياسي والديني والعسكري والاقتصادي والخدمي والصحي
. لكن (المتغير) الحقيقي كان في البيئة التي كانت تعتبر نفسها معارضة، والتي انتقلت من موقع الرفض الصارم إلى موقع التفاوض الضمني على شروط البقاء تحت حكمه.
إن هذه الحالة تعبّر عن لحظة انهيار أخلاقي في الخطاب الثوري والوطني بل حتى الحضاري، لحظة يُعاد فيها تعريف ما هو "قابل للقبول" في السياسة السورية، ويُعاد فيها تأهيل أطراف فقدت مشروعيتها منذ اللحظة الأولى لارتكازها على منطق السلاح والوصاية والقهر.
وهكذا، يتحول الجولاني، شيئًا فشيئًا، من حالة استثنائية تفرض المواجهة، إلى واقع سياسي يتم التعايش والتطبيع والتكيف معه، وربما لاحقًا البناء عليه، وكأن تاريخه الدموي وأيديولوجيته المتطرفة وممارساته السلطوية أصبحت تفاصيل ثانوية، أو "تكاليف ضرورية" لبناء كيان إداري في الجمهورية السورية.
ما يجب الالتفات إليه بجدية هو أن المشكلة لم تعد في الجولاني كفرد، بل في تهاوي معايير المعارضة نفسها. إنها الأزمة الأخلاقية والسياسية في أن يتحول خطاب المعارضة من مقاومة الاستبداد بكافة أشكاله، إلى مفاضلة بين أنماطه، والقبول بالأقل سوءًا وفق منطق براغماتي مفخخ.
وهذا التواطؤ الصامت يهدد، من حيث يدري أصحابه، بإعادة إنتاج كل ما خرجت الثورة السورية ضده من سلطة غير شرعية، تستند إلى القوة لا إلى التمثيل، وتبني مشروعها على الإكراه لا على التوافق والدستور الحضاري، وتُقصي مَن يخالفها، وتحتكر تعريف الثورة والشرعية والوطنية والديمقراطية والمؤسساتية من منظور ايديولوجي ديني.
إن التطبيع مع الجولاني داخلياً اليوم ليس فقط خطأً سياسياً، بل خيانة ثورية ووطنية و فشلًا جماعيًا في الدفاع عن المبادئ المؤسسة للثورة السورية العلمانية الحقيقية. إنه تأقلم مع التشوه، وتبريرٌ للاستثناء، وقبولٌ باستمرار الطغيان في صورة جديدة. وهذا التطبيع، سواء تم باسم (الواقعية السياسية) أو "الضرورة الأمنية"، لا يغيّر من حقيقة واحدة: انه اعادة تدوير الاستبداد لكن بحلة شرعية دينية وفق مبدأ (أميرٌ إرهابي خيرٌ من علماني مستبد)، ولو بزيٍّ مختلف ولهجةٍ جديدة.

.



#عاصم_محمود_أمين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الوعي الكُردي في سوريا بواقعهم الاجتماعي والسياسي وطموحهم-
- - هل حقاً الحضارة الغربية نُسجتْ ونُتجتْ بروح ومعرفة شرقية!! ...
- عن غياب دور المثقفين ودور الكرد وبقية المكونات عن الثورة الس ...


المزيد.....




- مليارديرات وميليشيات وحقوق تعدين.. من قلب صفقة ترامب الجديدة ...
- مسؤول في -حماس- يوضح لـCNN مدى -جدية واستعداد- الحركة لاتفاق ...
- المحكمة العليا البريطانية ترفض دعوى لوقف تزويد إسرائيل بقطع ...
- ما تداعيات الحكم الجديد الصادر بحق المحامية التونسية سنية ال ...
- قراصنة يهددون بنشر رسائل بريد لمساعدي ترامب وأميركا تتهم إير ...
- وفد أوروبي بكفر مالك يدعو لوقف اعتداءات المستوطنين بالضفة
- نتنياهو يترأس اجتماعا أمنيا ثلاثيا وواشنطن تؤكد أولوية صفقة ...
- -لسنا جمهورية موز-.. كيف قوبلت دعوة ترامب لوقف محاكمة نتنياه ...
- المقاومة ترفع تكلفة -عربات جدعون- والاحتلال يمهّد للانسحاب
- لماذا تتركز كمائن المقاومة في -عبسان الكبيرة- بخان يونس؟


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاصم محمود أمين - السوريون من الرفض للجولاني الى التطبيع والتكيف معه