أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جواد الديوان - العودة من الموت: يومٌ اختطف فيه الزمن – شهادتي عن عام 2006














المزيد.....

العودة من الموت: يومٌ اختطف فيه الزمن – شهادتي عن عام 2006


جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 10:35
المحور: سيرة ذاتية
    


قد تمرّ السنين، لكن الذاكرة لا تُشفى، ولا الكوابيس تنقضي. في عام 2006، حين بلغت الطائفية في العراق ذروتها، لم أكن إلا رقمًا جديدًا في مسلسل الخطف الذي مسخ وجه الوطن. خُطفت، وعشت ساعاتٍ لا تُنسى، بين السلاح والسؤال، بين العقيدة وسوط الجهل.
كثيرون قالوا لي حينها: "اكتمها..". كأن الألم إذا كُتم زال، أو كأن البوح خيانة. صمتُّ، لسنواتٍ طويلة، حتى جاء يومٌ تذكرت فيه المتنبي:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهمُ... إذا رأى غير شيءٍ ظنه رجلا
فقد تركتَ الأُلى لاقيتَهم جَزَراً... وقد قتلتَ الأُلى لم تلقَهم وَجَلا
فشعرت أن صوتي الذي كتمته طويلاً، قد آن له أن يُروى.
فخّ في وضح النهار
في أحد أيام عام 2006، كنت أمرُّ بمنطقة ازدحام. فتشَ مراهقون سيارتي بدقة غريبة: الصندوق، المحرك، المقاعد. سمحوا لي بالمرور ثم ما لبثوا أن أعادوا التفتيش. قادني مراهقان إلى من اعتبروهم "القيادات".
أُنزلنا بالقوة أمام أنظار الناس، وأمام نقطة تفتيش فيها أفراد من الحرس الوطني والشرطة، يستقلون سيارة لاندكروزر حديثة. لم يتدخل أحد. نُقلنا إلى منطقة نائية حركة الناس فيها قليلة، وشاعت معلومات العثور على جثث مجهولة الهوية، معصوبة الأعين، مكبّلة، عليها آثار التعذيب.
وُضعت عصابة على عيني، ويدي خلف ظهري. حينها داهمتني ذكريات قمع البعث حين اعتُقلت في 1978 ولأسباب معروفة للعراقيين. أدخلوني من باب ضيّق، وسمعت أصوات نساء يتحدثن عن خضار وأسعار، وأطفال يلعبون. مشهد عادي جدًا بالنسبة لسكان ذلك المكان، وكأنهم تعودوا على أن يؤوي بيتهم خطفًا وتعذيبًا. كان ذلك مصدر رزقهم.
________________________________________
تحقيق يشبه محكمة ظلامية
بدأ الاستجواب، وتحوّل سريعًا إلى امتحان عقائدي. سألني شيخهم عن طائفتي، ثم تحداني أن أذكر أسماء الأئمة الاثني عشر بالتسلسل. فعلت. أما زميلي، فعجز، فتهموه أنه "سني".
ثم انتقل الشيخ إلى أصول الدين وأركانه، إلى آيات الحفظ، إلى الفقه، وكأنّ الامتحان مفتوح والمصير يتحدد بدرجة الإجابة.
نسوا —كما ينسى من يتخذ الدين وسيلة عنف لا هدى— أن حفظ القرآن لم يمنع جيش يزيد من قتل الحسين (ع). ولا من منع القرامطة من ذبح الحجاج في بيت الله، ولا الخوارج من استباحة الدماء. الحفظ وحده لا يعني الفضيلة، بل كم من حافظ رفع سكينًا على الأبرياء، وكبّر باسم الله. عرضوا علينا فيديو لذبح رجل، بحماسة بشعة. ومن الحفظة من ترحّم على الزرقاوي، وزغردوا لمرور "قنبلة بشرية" نحو الجنة.
درس في الفقه بأخمص البندقية
اعترضت على تجنيد المراهقين. قالوا إنّ التكليف الشرعي يبدأ في الخامسة عشرة. ناقشتهم: تلك سنّ المراهقة، والانفعالات، وعدم السيطرة. قال لي أحدهم: "هم بهذا العمر واجهوا الأمريكان، ونفذوا أحكام الإعدام"، ثم نزلت ضربة بكعب البندقية على ظهري، وتكررت اثناء تحقيقهم عندما لا تعجبهم اجاباتي.
أضفت: "وهل من المقبول تزويج الفتيات في هذا العمر؟" أجابوا بأن ذلك جائز شرعًا، وعليّ أن أتعلم الفقه، ولو بالقوة. فكان درسي اليومي في العقيدة مشفوعًا بألم جسدي.
________________________________________
بين الحياة والموت
تُركنا لفترة "للمداولة" كما يسمونها. ثم عاد الشيخ ليبلغ زميلي بالحكم: الإعدام. وأنه سيكون جثة مجهولة تُرمى في النفايات.
أما أنا، فقد قال الشيخ " لن نتركك جثة مجهولة"، ثم وضع في جيبي بطاقة تعريف بلاستيكية، وعليها اسمي وبياناتي. في لحظة، أصبحت بطاقة... هي الفارق بين أن أُدفن في مقبرة، أو أن أُلقى في القمامة.
ما بعد الحكاية
ما زالت آثار ذلك اليوم تسكنني: في الأحلام، وفي الخوف الدائم، وفي القلق حين يرن الهاتف بعد منتصف الليل. الكتم لم يُشفني. أما البوح، فربما يكون البداية. بداية لفهم أعمق لما مررنا به، وتوثيق يُثبت أن الجرحى لم يصمتوا إلى الأبد.



#جواد_الديوان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سامي سلمان ومحطات حياته 2
- سامي سلمان ومحطات حياته 1
- الامراض المزمنة لدى أطفال الولايات المتحدة الامريكية
- من السودان الى ليبيا عبر الصحراء مرة اخرى
- الى والدي العزيز جمال
- جمال الايجاز
- الى والدي العزيز رفاق
- التوحد 1
- الى والدي العزيز رعد
- الى والدي العزيز شكري
- من السودان الى ليبيا عبر الصحراء
- الى والدي العزيز - علاء
- الى والدي العزيز 3
- الى والدي العزيز 2
- الى والدي العزيز 1
- الصحة العقلية للشباب العراقي: ملاحظات خاصة
- مناقشة سياسة صحية للرئيس ترامب 1 داء السكر 2
- الشرق الاوسط الجديد
- نشر البحوث الطبية
- علم الاحياء المصنع (الاسلحة البيولوجية الحديثة) 3


المزيد.....




- السعودية.. ضجة وفاة -الأمير النائم- بين تداول تصريح سابق لوا ...
- مصر.. رد علاء مبارك على تعليق ساويرس عن عمر سليمان نائب حسني ...
- سوريا.. السفارة الأمريكية بعد لقاء مع مظلوم عبدي: الوقت قد ح ...
- أسرار الحياة المزدوجة لـ-السلطان- زعيم المخدرات المولع بالبو ...
- هجوم على النائب العربي أيمن عودة.. كسروا زجاج سيارته وبصقوا ...
- بالفيديو.. الجزيرة نت داخل سفينة حنظلة المتجهة لكسر حصار غزة ...
- إسرائيل تستهدف صيادين حاولوا دخول بحر غزة
- تداول فيديو لـ-الشرع بين أنصاره على تخوم السويداء-.. ما صحة ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية -مطرقة منتصف الليل-
- العشائر السورية تعلن إخراج كافة مقاتليها من السويداء


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جواد الديوان - العودة من الموت: يومٌ اختطف فيه الزمن – شهادتي عن عام 2006