أحمد مكتبجي
الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 02:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية دعوني ألفت عناية الجميع الى أن ما ستقرأونه تاليا عبارة عن عصف لتحفيز الأذهان الخاملة على التساؤل المنطقي البناء، وحث الضمائر النائمة على الاستيقاظ من رقدتها قبل فوات الأوان،أكثر منه مقدمة أو توطئة يمهدان لطرح أمنيات مجهضة شخصية،أو مقترحات حالمة طوباوية،إذ لم يساور الحكماء والخبراء أدنى شك من أن حصيلة المخاطر الهائلة في غضون الأشهر العصيبة الماضية كادت أن تهدد الأمة بكل أركانها ومفاصلها لتطيح بثوابتها وأخلاقياتها وقيمها ،ولتمزق آخر ما تبقى من نسيجها ولحمتها،وبما جعلنا جميعا نضع أيدينا على قلوبنا من شدة الخوف والتوجس ونحن نقف على شفير الهاوية السحيقة، وقاب قوسين أو أدنى من الضياع والتشرذم والفوضى غير الخلاقة العارمة ذات الطريق الجهنمي اللانهائي الواحد الذي لا عودة الى الحياة بعده تماما كالموت البتة ، والتي لن تترك في حال وقوعها لا سمح الله تعالى شيئا قط إلا وستطاوله بشررها لتقلب عاليه سافله، لولا لطف الباري عز وجل وستره وحده،وبما يستدعي نفيرا عاما موجها ضد"ظاهرة الخلاف الطائفي والإختلاف الفضائي"،التي تؤجهها وجوه كالحة صفراء،وألسنة دموية حمراء،وقلوب حاقدة سوداء،وفضائيات مأجورة رعناء، وأقلام مأجورة حمقاء، وعناصر مرتزقة بلهاء تعمل في الجهر وفي الخفاء على حد سواء ، وبما تبين جليا بأنها مجتمعة وبخلاف ما يزعمه بعضهم وعلى مدار 22 عاما هي الأسوأ في تاريخ العراق والمنطقة لن تكون و بأي حال من الأحوال أنموذجا للديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي كما يروج لها ، ولن تكون رحمة تفضي الى تعايش سلمي هش على الاطلاق،ولا سيما بوجود السوشيال ميديا ، والفضاء السيبراني ، والذباب الالكتروني ، والتزييف العميق ، والـ دهاء الاصطناعي ، اضافة الى الوحدة 8200 الصهيونية الالكترونية التي تصب الزيت على نيران العصبيات والطائفيات كلما خمدت قليلا لتشعلها مجددا،وبما حول الخلافات الصغيرة المألوفة بين القوميات والطوائف،وإن كانت مقيتة الى حد بعيد ومستهجنة ما قبل حقبة الإنترنت ،الى جائحات وبائية افتراضية ، والى ديناصورات 3D مرعبة، والى خلافات شائكة على رؤوس الاشهاد بعد أن دخل على خطها وتنافس في مضمارها الرويبضات والإمعات وصغار الأسنان وسفهاء الأحلام من كل المشارب والمذاهب ، ومن جميع النحل والملل، ولكل منهم هدفه ونيته ووجهته ومحركه من وراء الأكمة ومن خلف الكواليس ولا سيما مع قرب موعد اجراء الانتخابات، وبما يرافق ذلك كله ويعقبه من طعن ولعن وشتم وقذف وهمز وغمز ولمز بحق الأولين والآخرين، الأحياء منهم والأموات ، ولطالما حذرنا من أن "تأثيرات النقاش العلمي الرصين الهادىء في المسائل المختلف عليها داخل المجالس والدواوين العامرة ، أسوة بالحلقات العلمية ،والندوات الثقافية، والمؤتمرات الفكرية المعتبرة ما قبل عصر الانترنت، يختلف كليا عن تأثيرات الجدال الكارثية بشأنها على السوشيال ميديا وأمام عامة الناس، وكثير منهم من الجهلة والأميين والمراهقين واللامنتمين واللا دينيين واللا أدريين والمغرضين والمأجورين - ما بعد عصر الانترنت - " فهل سيتنبه المعنيون الى هذا الخطر الداهم ،أم لا ؟ هذا ما ستبينه لنا الأيام عاجلا غير آجل ، وعلى الجميع – لطم – الفضائي الطائفي على وجهه ،وإخراسه من فوره وإلقامه كلما عوى حجرا من قبل مقدمي البرامج كافة وعدم السماح لهم ببث السموم المركبة والمتراكمة على الهواء مباشرة ، ومنعهم من إيقاظ الفتن الهائمة والنائمة عبر الأثير في شارع محتقن للغاية بانتظار القشة التي تقصم ظهر بعيره ، حيث أيدي كثير من "قره قوزاته" المتنعمة بكامل ثرواته،والمستفيد الوحيد من كل خيراته على الزناد ،بعضهم يضعها بالأصالة بأوامر مباشرة من الفاعل الدولي أو الاقليمي، وبعضهم يفعلها بالوكالة،وبعضهم يضعها على صوت الزمر والطبل ،إما تملقا وتزلفا ،وإما سفالة وسفاهة ونذالة !
وصدق رسول الله ﷺالقائل "ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ " ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ ﷺ الآيةَ " مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ" .
وعلى المستوى الشخصي فلن أثق من الآن فصاعدا بأي مخلوق مهما علا شأنه وكبر عنوانه يثير قضية خلافية ما ، قومية ، إثنية ، عشائرية ، فكرية ، طائفية على مواقع - التلاسن -الاجتماعي وإن زعم بأنه يثيرها لتبصرة الناس وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ،أو تعضيدا للحق ونصرة للحقيقة ،لأن كثرة الاختلافات ،وشدة الخلافات طوال العام على الأصول والفروع، انتهى بنا الى فقداننا لهويتنا ، بغضنا لبعضنا ، عدم قدرتنا على الاتفاق ورص الصفوف لمواجهة الفتن والكوارث والملمات، وبما أفقدنا القدرة على الثبات أمام النوازل والمستجدات والحادثات، مع عدم القدرة على ادراك العلل ، واستيعاب الحِكَم ، وفهم المقاصد ، فضلا على الفشل في استنباط العبر والعظات المستلهمة من مجمل الوقائع والاحداث الكبرى المتتابعة كقطع الليل المظلم، مع فشلنا الذريع في صياغة مناهج عمل رصينة وموحدة تهتم بالاولويات والاصول والضرورات والحاجيات على حساب الفرعيات والتحسينات والكماليات،ولا غرو بأن هذا هو بيت القصيد المبيت والهدف الحقيقي غير المعلن الذي يقف وراء كل من يشيع الخلافات بيننا وباصرار شديد طوال العام على أقل المسائل شأنا،وعلى أصغرها حجما ، ليفقدنا الثقة بأنفسنا أولا ، وبأعلامنا وعلمائنا ثانيا ،وبموروثنا الفكري والاخلاقي والمجتمعي ثالثا، وبانتمائنا الوطني لبلدنا رابعا، وباعتدادنا بهويتنا العربية والاسلامية خامسا ، وبكل شيء من حولنا سادسا وعاشرا ، وكأنه يقول لنا بلسان الحال فضلا على المقال" أمة تبدأ عجافها الاربع ومنذ 22 عاما بصراع على الموازنات المالية ، وعلى الحقائب الوزارية ، وعلى المقاعد النيابية ،وعلى الجوازات الدبلوماسية ، وعلى رواتبها ومخصصاتها الشهرية ،وعلى العقود المليونية والصفقات المليارية، لتختمها بخصام وتسقيط مماثل ضمن الاستعدادات المبكرة للتنافس على أربع سنين عجاف مقبلة لن تكون بوجودهم المشؤوم جدا أفضل على العراقيين من سابقاتها على الاطلاق،أتريد منها أن تبصر عدوها الحقيقي المتربص بها والمتآمر عليها ، علاوة على رصدها كطائرة إنذار مبكر للاخطار المحيقة بها من كل حدب وصوب ومن النظرة الاولى ؟!! " وانظروا بأنفسكم ماذا فعلت بنا الخلافات المتتالية على منصات السوشيال ميديا والتي أصبحت نتائجها المفرقة للجموع جبالا شاهقة بمرور الوقت ،مصداقا لقول الشاعر :
لا تَحقِرَنَّ صَغيرَةً ..إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى
ومصداقا لقول الشاعر :
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة ...إن البعوضة تدمي مقلة الأسد
ومصداقا لقول الشاعر :
فإن النارَ بالعودين تُذْكى .... وإن الحربَ مبدؤها كلام
فإن لم يطفئها عقلاءُ قومٍ .... يكون وقودَها جثثٌ وهامُ
وألفت عناية الجميع الى أهمية تبني مفهوم"النخبوية الشعبوية الوطنية" لقيادة الجماهير مستقبلا وبنجاح ساحق،وعدم فك الارتباط بين أركان هذه المصفوفة ، والعمل على ترسيخها في العقل الجمعي كمتلازمة يكمل ويُجَّمِلُ بعضها بعضا من دون أن يتقاطع بعضها مع بعض، فمن خلال التجارب المتراكمة تبين لنا وبما لا يدع مجالا للشك بأنه لا الوطنية ولا النخبوية ولا الشعبوية بمقدورها النجاح على إنفراد بمعزل عن بقيتها ولاسيما حين يغرد كل منها خارج السرب بعيدا عن البقية المكملة للدور،والمحسنة للاداء،السادة للذرائع ، الجالبة للمنافع ، الدافعة والمحصنة والدارئة للمفاسد ، وبما من شأنه أن يأسر القلوب ، ويخلب الالباب ، ويحقق المصلحة العامة ، ويذلل الصعاب ليردم الهوة التي باتت تتسع يوما بعد آخر بين القيادات التقليدية التي فقدت جزءا من كاريزما ألقها وبريقها، وبين قواعدها الجماهيرية التي انحسر وتضاءل وتراجع الكثير من حجم اندفاعها وكم حماسها بالتدريج ، اتحاد حتمي بين أضلاع الثالوث يفرضه الواقع ، وليس ترفا ذهنيا يتيحه تعدد الخيارات من شأنه وفي حال تحققه وانسجامه وتعضيده أن يفتح المغلق من النوافذ، والموصد من الأبواب، مع الأخذ بنظر الإعتبار أهمية مغادرة النخبوية لمكاتبها المكيفة الوثيرة والتنازل عن بعض بيروقراطيتها من خلال النزول الى الشارع بين الفينة والأخرى،مقابل تسامي الشعبوية قليلا ومغادرتها للشارع الذي أدمنت استنشاق غباره ، وألفت تعفير جباهها بترابه ، هذا الشارع الضاج بالعواطف الجياشة ، الغارق بالأهواء المتباينة ،والعصبيات المتضادة ، الشارع الجامع للغث والسمين ،المتخم بالمتناقضات بوجود كم لا يحصى من السوقة وشذاذ الافاق وسقط المتاع ممن يحسنون إذا أحسن سادتهم وكبراؤهم، ويسيئون إذا أساؤوا،لتتخلى الشعبوية عن بعض ديماغوجيتها الانحيازية المتماهية مع عواطف الجمهور وإن كانت خاطئة خطبا لوده ، وضمانا لدعمه، مع تخلي الشعبوية قليلا عن ثوريتها الحماسية ومعظمها – ظاهرة صوتية لا رجع صدى لها ولا أثر - وبما أفقدها الكثير من تحالفاتها وفصم عرى العديد من صداقاتها، والاطلاع على الخطط والبرامج النخبوية الهادئة والرصينة بدلا من الانكفاء التام على العواطف والعصبيات والتحرك ضمن سياقها وبمقتضاها ، كذلك الحال مع الوطنية التي تستلزم الظروف الموضوعية والمتغيرات الدولية والاقليمية المتسارعة تحليها ببعض البراغماتية بين الحين والآخر، وبما لا يفت في عضد مبدئيتها ، ولا يخرم في مروءتها، ولا يقلل من شأن ثوابتها ليلتقي الثلاثة " النخبويون ، الوطنيون ، الشعبويون " في نقطة وسط تمثل بيضة قبان المرحلة المقبلة، وناظم سلكها لكي لا ينفرط عقدها،ولا تتبعثر خرَزاتها بالتتابع وبما يصعب معه لملمة الشعث ،وتنظيف الغبار ، واعادة الأمور الى نصابها الصحيح ، آملين بظهور قادة وساسة ونشطاء يجمعون بين " النخبوية والشعبوية والوطنية " في شخص واحد ، وفي آن واحد ، أكثر من رغبتنا بجمعها في بوتقة تحالف ،أو تيار ، أو تجمع ، أو حزب سياسي واحد " .
وعلى الجميع التفكير مليا ،والتحرك جديا لاعتماد النظام الرئاسي بدلا من البرلماني المحاصصي التوافقي الذي لن يأتي بخير أبدا،على أن يكون هذا الرئيس من التكنوقراط ،ومن أصحاب النزاهة والخبرة والكفاءة، وأن يكون عراقيا أصيلا ،وأن يحمل جنسية عراقية واحدة ،وجواز سفر عراقي واحد، ساعة انتخابه ، وأن لا يكون متورطا بالوقوف بالضد من بلده وشعبه وتحت أية ذريعة أو شعار كان، وأن يكون مستقلا ،نظيف اليد ، حسن السيرة والسلوك ، نقي السريرة ، حازم الرأي،عريق الحسب والنسب ، لم تدنس صحائفه البيضاء يوما ملفات فساد ولا خوارم مروءة قط ، وأن يكون سليل أسرة شبعت ثم جاعت ،أو ظلت على شبعها ففي أمثال هؤلاء عادة ما يكون الخير غزيرا وأصيلا ، لا دخيلا ،ولا ضئيلا ، ولا عميلا ، والله من وراء القصد .
#أحمد_مكتبجي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟