|
فانتازيا صارخ وصريخ
أحمد مكتبجي
الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 18:07
المحور:
قضايا ثقافية
في هزيع الليل المظلم وبينما أبناء البلدة النائية الصغيرة بين راقد ونائم،بين هاجع وهائم،بين لاه وقائم،كانت عقارب الساعة الجدارية القديمة التي تتوسط غرفة الاستقبال الخاوية إلا من جسده الهزيل وظله المنعكس على صورة مؤطرة مُبَالغٌ بحجمها تزين الجدار المتصدع تعود لجده الباشا ببزته ونياشينه العسكرية ،وشاربه الضخم المفتول ،وطربوشه الأحمر وهو يتوكأ على سيفه وغمده الذهبي المحدودب،تشير الى تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل،ساعة ونصف مرت على الذكرى السنوية لليوم العالمي للطفولة،هزيم الرعد،وصريرالريح ينذران بقدوم شيء ما يستشعره وبالكاد يبصره، نباح الكلاب البعيدة،ومصباح الشارع الخافت يضفيان على الأجواء مسحة دراماتيكية كئيبة تشي بتوجسات يخفيها ولا يكاد يبديها،كيف لا وابنة عمه،زوجته الحبيبة على وشك انجاب أول طفل لهما منذ زواجهما قبل عشر سنين خلت،وقد أنفقا الغالي والنفيس من أجل هذه اللحظة الفارقة التي حرموا منها طويلا،ولربما لإسكات أصوات المتنمرين..لإخراس ألسنة المتطاولين..للإجابة على أسئلة الفضوليين..لإبعاد أنوف الحشريين..لكبح جماح العذال والشامتين! ساعة مضت بطيئة كسلحفاة عجوز،وزوجته الحامل في الغرفة المجاورة وحيدة تعاني الأمرين بمعية القابلة المأذونة وابنتها الكبرى وهما تواجهان ولادة متعسرة لم يسبق أن واجهتا مثيلا لها من قبل،حتى صدح صوت الحياة أخيرا ليلهب بكاء الوليد الجديد الذي جاء على غير العادة مزدوجا وليس أحاديا ،حماسة الأب الملهوف الذي استبد به الشوق لرؤية فلذة كبده ،رافع اسمه،وريث بيته الكبير المتهالك وأثاثه القديم علاوة على مزرعته وحظيرته،لقد استفز الصوت المزدوج مشاعره، شحذ همته، عصف بذهنه، حلق بمخيلته بعيدا تاركا كل الأفكار السوداوية تتزاحم على سجيتها في رأسه المثقل بالهموم أسوة بالانفعالات التي كانت تفور كبركان ثائر في صدره الذي تحول الى مرجل بخاري من كثرة التدخين،قبل أن تهمس القابلة المأذونة في أذنه وكل ظنه بأنها ستحدثه عن بدل أجور التوليد والأتعاب،وإذا بها تخبره وبصوت مبحوح متهدج"لقد جاءك توأم ذكر،ولكنه ليس كسائر التوائم،إنه توأم سيامي فعليك أن ترعاه جيدا،وأن تعتني به على غير العادة وكان الله تعالى في عونكما!". تسللت القابلة وابنتها بخطى حثيثة الى خارج المنزل كشبحين يبصران كل شيء من حولهما ولا يبصرهما أحد من دون أن يتقاضَينَ أجرا نظير أتعابهما لأن المولود الجديد ليس كبقية المواليد ممن يُسَر بولادتها،أو يبتهج بمقدمها الى هذا العالم الفاني، والى تلكم الدنيا الزائلة! كان البرق وبين الفينة والأخرى يُضيء الوجنتين المتوردتين للتوأم السيامي الملتصق ببعضه جانبيا من أسفل الأبط وحتى الخاصرة في موقف لا تحسد الأم والأب المكلومين عليه،موقف كل ما فيه يهيب بهما لفعل شيء ما، لنظم قصيدة رثاء ،لرسم لوحة قاتمة سوداء، لذرف دموع عزاء، لكتابة كلمات صماء،لإطلاق العنان لصرخة مدوية تزلزل الأرض قبل أن تشق عنان السماء،ولسان حالهما فضلا عن مقالهما يرددان نظير هذا البلاء كما يصفه بعضهم،والإبتلاء كما ينعته آخرون"لقد صبرنا على معاناة العقم طويلا،وأنفقنا من مدخراتنا لعلاجه كثيرا،لننجب في نهاية المطاف مسخا بشريا مثيرا للشفقة عند أناس، وللاشمئزاز لدى آخرين ؟!". لم تطق الأم الثكلى الآم المخاض،لم تحتمل صدمة الحلم الوردي المجهض كسفينة تائهة وسط بحر لجي متلاطم الأمواج ماله من قرار تحطمت على صخرة صماء وكأداء تتوسط سواحل جزيرة جرداء، لم تستوعب خبر الولادة الصاعق المفجع الذي تلاهما،ففارقت الحياة ودموع الحزن المرير لما تزل تبلل جفنيها الذابلين،وتغرق خديها الشاحبين،ليظل الأب ساهما لا يلوي على شيء ،وقد أسقط في يده كليا، ولم تعد ساقاه تحملانه فتسمر في مكانه بعد أن عقد هول الصدمة لسانه،و زلزل وقع المصيبتين المتعاقبتين كيانه ! حمل الأب توأمه السيامي بعد أن استجمع قواه الخائرة،وخرج يسير به بخطى متثاقلة تحت زخات المطر الغزير لا يلوي على شيء متوجها الى مسجد ناء في أقصى المدينة،ليضعه ملفوفا بملاءة قرب بوابته الخارجية لعل خادم المسجد ومؤذن الفجر يعثر عليه فيسلمه للشرطة ،أو إلى من يبدي استعداده لكفالته ورعايته من أهل البر والإحسان،وفي فؤاده رجاء بأن لا تعثر الكلاب السائبة على توأمه لتنهشه وتمزقه إربا فيتحول الى وجبة عشاء شهية لها قبل أن تتلقفه الأيادي الحانية ،وتحتضنه القلوب الرحيمة! ومع اطلالة الفجر وصياح الديك عثر خادم المسجد على التوأم السيامي فأطلق ولكثرة بكائهما وصريخهما وبما علا على صوت الأذان وغطى عليه ،على أولهما اسم صارخ،وعلى ثانيهما اسم صريخ، قبل أن يعقد العم صالح ،أقدم مسؤول في مكتبة المدينة المركزية ،وفور سماعه بالخبر الصادم العزم على كفالة التوأم الغريب ولاسيما وأنه يعيش وحيدا مع حرمه المصون بعد زواج بناته الثلاث وسفرهنَّ بمعية أزواجهن الى العاصمة حيث يعملون هناك ، لعل التوأم يؤنس وحدتهما،ويعوض غياب بناتهما، ويشغل أوقاتهما،والأهم هو أن تحل بركات كفالته ورعايته عليهما. مضت ثمانية عشر عاما سريعة كفهد مرقط يطارد غزالا وسط البرية،كبر صارخ خلالها وصريخ واشتد عودهما وقد علمهما أبوهما الكفيل،أو بالأحرى البديل،القراءة والكتابة ليقرر وبعد رفض مدارس المدينة قبولهما للالتحاق بمقاعدها الدراسية على خلفية قبح منظرهما،وغرابة شكلهما ،وبشاعة هيئتهما،أن يقضيا حياتهما بين أكوام الكتب داخل المكتبة التي يديرها وينظم شؤونها منذ أربعين عاما ليساعدانه في عمله تارة، ولينهلا من ألوان المعارف والعلوم النظرية والتطبيقية ويغرفا من معينها الثر الدافق تارة أخرى. كان صارخ منكبا على قراءة كتب الاجتماع والأداب والفنون، فيما تفرغ صريخ لالتهام كتب الاقتصاد والقانون وعلم النفس، إلا أنهما قد أبديا اهتماما مشتركا ومنقطع النظير بقراءة أدب الرحلات، أسرار وخدع الحروب، مذكرات كبار القادة العسكريين، علاوة على كتاب "فن الحرب"، وذلك بخلاف قواميس ومراجع العلوم السياسية التي اختلفا في اختيار عناوينها،وقراءة مضامينها،فبينما كان صارخ يقلب طرفه على مدار الساعة بكتب الاشتراكية واليسار والراديكالية والبروليتاريا وتحرير الطبقات عبر سياسة خذ من هذا وأمِّم جل ما يملك وأعط لذاك ،أو"من كل بحسب قدرته لكل بحسب حاجته" كان صريخ يمعن نظره بلا كلل ولا ملل بكتب الرأسمالية والليبرالية والبراغماتية والبرجوازية والكولونيالية والامبريالية وكيف سيطرت على العالم تحت شعار"خذ بالقوة من كُلٍ لبعض وهات"، أو "من كل بحسب انتاجه لكل بحسب نزوته ورغبته"! فجأة وعلى حين غرة وفي صبيحة ذات ضياع قرر التوأم ذو الرأسين المتماثلين شكلا، المتنافرين توجها واتجاها الرحيل إلى العاصمة ليبدأ بعد بلوغهما سن الرشد حياتهما الخاصة هناك بعيدا عن أعراف وتقاليد وقيود الأسرة التي رعتهما وصبرت عليهما،شاكرين للعم صالح وزوجته كفالتهما وحسن تربيتهما كل هذه السنين التي مرت سراعا كطيف بحلوها ومرها،بكدرها وصفوها،بحزنها وفرحها . وفي أحد فاركونات القطار الحديدي القديم المتجه تحت جنح الظلام الى العاصمة،تعاهدا عهدا،وأبرما اتفاقا يلزم كلا منها بأن يعيش حياته الخاصة أفقيا وعموديا حرا طليقا برغم قضبان وسلاسل السجن الإنفرادي المتمثل بجسدهما المرتبط بوحدة اندماجية لا فكاك لها جبرا،الحائل من دون إطلاق سراح أي منهما من أسرهِ قسراً،ولا التخلص من ذل وربقة عبوديته قهراً،بلا أدنى تدخل من الثاني،ولا وصايته ولو همسا البتة مع وضع شريط لاصق على فم أحدهما مرسوم على واجهته إيموجي ضاحك عندما يشرع الآخر بممارسة هواياته ونشاطاته ،وإذا ما سئل أحدهما عن سر الشريط اللاصق فعلى الثاني أن يجيب على الفور لتدارك الموقف"إنه يعاني من التهاب حاد في اللثة مع تسوس كامل للأسنان،وبالتالي فإن الأخ الرفيق أبخر ورائحة أنفاسه أشد هولا من السلاح الكيمائي المزدوج،وأمضى فتكا من غاز السارين!".
صارخ وصريخ ولكونهما مولودين في مدينة شرق أوسطية،كانا يفضلان تسميتهما بـ "توأم باب الأزج" بدلا من مصطلح "السيامي" وذلك مناهضة للعولمة،ونكاية بالمصطلحات الأجنبية التغريبية الوافدة،ونظيراتها المتسللة عبر الفضاء السيبراني والعابرة للحدود،ومما زاد في رغبتهما تلك هو عثورهما على اشارة واضحة لتوأم مناظر سبق التوأم التايلندي الشهير بقرون طويلة مولود في رصافة بغداد، ورد ذكره بكتاب الكامل في التاريخ. كان صارخ وبعد أن يلصق فم توأمه بلاصق الايموجي الضاحك يطلق العنان للسانه المفوه صباحا لتحريض العمال في مصانعهم على الاعتصام والتظاهر والإضراب مع دعوتهم أحيانا للعصيان المدني للمطالبة بحقوقهم المغتصبة،وزيادة الأجور،وتحسين ظروفهم المعاشية ،ليتبعه صريخ ظهرا وبعد لصق فم توأمه بدعوة أصحاب الشركات الخاصة والمصانع لتخفيض الرواتب ، وزيادة ساعات العمل ،والاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتطوير الصناعة، وزيادة الانتاج،والتخلص من الأيدي العاملة البشرية الزائدة عن الحاجة ! ليلا كان صارخ يؤذن لصلاتي المغرب والعشاء بصوته الرخيم العذب عبر مكبرات جامع الحي الشرقي الكبير ومن حوله عشرات المصلين وهم يهللون ويسبحون ويكبرون ويتضرعون،ومن خشية الله تعالى يبكون، قبل ساعتين بالتمام والكمال من اطلاق صريخ العنان لحنجرته الذهبية ،ولصوته الشجي الرقراق لأداء أغاني الهافي ميتال،والروك أند رول،والراب في ديسكو الحي الغربي الصاخب ومن حوله مئات العبثيين واللامنتمين وهم يتعاطون المخدرات الطبيعية منها والصناعية ،يعاقرون الخمر المغشوش ويثملون،كالبهائم بدافع الغريزة الفوضوية وغير المقننة يتسافدون، كالمجانين الغائبين عن الوعي كليا يتمايلون ويتراقصون! كان جهاز اللابتوب الوحيد الذي أهداهما إياه العم صالح كتذكار وداع يرسل في رابعة النهار عشرات الرسائل النصية والبوستات والتغريدات الـ صارخية الداعية الى الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية،والى المساواة بين سائر الطبقات والقوميات والأجناس والأعراق البشرية،ثم ما يلبث ذات الجهاز وبعد منتصف الليل أن يبعث برسائل صريخية عنصرية تدور بمجملها كقطب رحى حول تفوق الغرب،وسيادة العرق الأبيض،ونبذ الملونين،مع الدعوة الى استعمار الدول اللاتينية والافريقية والهندو صينية والشرق أوسطية جيو سياسيا لتعضيد الغزو الفكري والثقافي ،وتسريع وتيرة زحف القوى الناعمة وتسللها البطيء ! زادت شعبية صارخ بمرور الايام بين صفوف الكسبة والعمال والكادحين والمسحوقين علاوة على الميليشيات الثورية،في ذات الوقت الذي تحول فيه صريخ الى أيقونة رجال الأعمال والانتهازيين والاحتكاريين وعصابات المافيا،وأخذ كل فريق يستأجر لسان أحد طرفي التوأم،ويستعير حنجرته،ويوظف مواهبه ،ويستغل قلمه للترويج لرؤيته ورسالته وأهدافه على النقيض من خصمه، وكان التوأم وكما في كل مرة لا يُخَيبَ ظن مستأجريه ليجيد الأداء ،ويحسن الوفاء وبما عزز من ثقة النقيضين المتنافرين ليضعانها بممثل واحد عنهما يحمل رأسين وفكرين ولسانيين وقلمين متضادين يضمهما جسد واحد ليخوضا حرب وكالة لكسر العظم بالنيابة عن كل منهما ومن دون أن يظهر أي من المتصارعين أصالة على مسرح الأحداث التي تخاض فوق خشبته بالوكالة ! تحسنت أحوال التوأم المادية والاعتبارية إلا أن مشاعر الجوع والحرمان القديم ،مذيلة بذكريات الإقصاء الجبري والتهميش القسري اللئيم ،زيادة على عقد الثأر المستحكمة في لاوعي كليهما كانت تفرض نفسها وبقوة فقررا وبما يمتلكانه من مواهب خطابية،وحناجر ذهبية،وخلفيات موسوعية وفي شتى العلوم الجغرافية والعسكرية والسياسية الشروع بالتحريض على طول الجبهات المتناحرة حول العالم متخذين لهما اسمين حركيين للتمويه ،صارخ اتخذ لنفسه اسم "أبو ظلام العتمتي" أما صريخ فـ" أبو إعصار الغباري" عاقدين العزم على التنقل بين الجبهات المتضادة المختلفة بطائرة شراعية مبتكرة عصية على رصد المخافر الحدودية،واكتشاف النقاط الجمركية،والمضادات الأرضية ،والرادارات،وأجهزة الاستخبارات ! شرع العتمتي والغباري وهما يرفعان شعار"إشتدي أزمة تنفرجي" بتنفيذ خطتهما الجهنمية في دول النزاعات الحدودية المستعصية على الحل على مدار عقود طويلة،لينطلقا من الجبهة الروسية الأوكرانية،وليثنيا بصب الزيت على النار في الجبهة الكورية الجنوبية - الشمالية،ويثلثا بالجبهة الصينية التايوانية،ومن ثم الهندية الباكستانية ، فالأرمينية الأذربيجانية ، فكوسوفو وصربيا،فأثيوبيا وأرتيريا، فرواندا والكونغو الديمقراطية ، معرجين على أزمة جزر الفوكلاند،مرورا بمعضلة التبت، ومن ثم عقدة قبرص اليونانية- التركية ،واشكالية الصحراء الغربية، وسبتة ومليلة، وحرب البرهان وحميدتي في السودان ، وهلم جرا ، مستثنين الصراع العربي – الصهيوني، وأزمة الإيغور في شينجيانغ،والروهينغيا في ميانمار، لأنها صراعات وجود،لا حدود! كان العتمتي = صارخ يحث الشعوب التي يشرع بإيغار صدور أبنائها وشحذ هممهم للتطوع والانخراط في صفوف حركات الأنصار إن وجدت،والقتال ضد الأعداء ببسالة يتفاخر بها الأبناء والأحفاد كابرا عن كابر، مذكرا إياهم بحضارة وألق ممالك الأسلاف الغابرة،وبالإعتداءات المعادية السافرة، ليتولى الغباري = صريخ ،التحريض بالضد من شقيقه داخل أراضي الدول المقابلة ليحثهم على استعادة الأحفاد لأمجاد وامبراطورية الأجداد التي سادت ثم بادت، مستدعيا الى عقولهم الخاملة ،والى ذاكرتهم الضعيفة التي تريد أن تتناسى هول الحروب،وتتجاهل ما تثيره من مآس وأحزان،حقد العدوان ومجازر الجيران،داعيا إياهم للتطوع في صفوف الجيش لحماية الشعوب والذود عن حياض الأوطان، وهكذا دواليك حتى ذاع صيتهما كأخطر مرتزقين دوليين منافقين يهددان السلم العالمي،والأمن المجتمعي على سطح الكوكب المبتلى بالكوارث الطبيعية والجائحات الوبائية ،المصطلى بأتون الحروب والنيران . أصدرت منظمة الانتربول مذكرة قبض دولية بحقهما استجابة لمئات الشكاوى الرسمية التي تلقتها تباعا من حكومات دول عدة،وبينما أطلقت نيودلهي مكافأة وقدرها 100 مليون روبية للقبض على العتمتي مرفقة بتوزيع صور وجهه مكشوفا والى جانبه شقيقه التوأم ولكن بكمامة ولاصق ضاحك تحول دون رؤية وجهه وتشخيص ملامحه، بكين بدورها وعلى النقيض من جارتها الحدودية اللدودة أطلقت جائزة مرفقة بصورته وهو مكشوف الوجه وقدرها 10 ملايين يوان للقبض على الغباري حيا أو ميتا، ليرفع كل من البيت الأبيض والكرملين وبعد تفعيل الخط الساخن بينهما شكويين عاجلتين الى مجلس الأمن الدولي وضعاها في سلة واحدة لتلافي استخدام أحدهما لـ حق النقض"الفيتو" خشية إجهاض قرار أحدهما للآخر،ولاسيما وأن شعوب الأرض برمتها تعلم يقينا مدى تعسف الجانبين باستخدام حق الفيتو ولا جديد في ذلك تحت الشمس يُروى،ولا قَديمَ فوق أديم الأرض يعاد ماخلا الشكويين الأخيرتين وقد مثلتا فارقة تاريخية بين الكيانين النوويين الأخطر منذ الحرب الباردة، مطالبين بعقد جلسة طارئة للتصويت على مشروع قرار يقضي بفصل التوأم بعملية جراحية قسرية تمهيدا لاعتقال ومحاكمة كل طرف منه على حدة . قبض على التوأم بمكيدة دبرها جاسوس مزدوج بالتنسيق مع أجهزة مخابرات دولية ليخضعاه إلى عملية جراحية كبرى أجريت في مستشفى دولية محايدة تحت حراسة أمنية مشددة استمرت عشر ساعات متواصلة،وفور نجاح العملية أحيل صارخ بعد فصله الى محكمة أمريكية لينال جزاءه، فيما أحيل صريخ الى محكمة روسية ولنفس الغرض،الأول بتهمة تحريض الطبقات واشعال الثورات العمالية وحروب الأنصار،والثاني بتهمة الترويج للأفكار العنصرية،وتأجيج النزعات الرأسمالية ،ونشر التوجهات الليبرالية ، ليصدر الحكم بسجن كل منهما عشر سنين داخل زنزانة السجن المركزي في كلا البلدين . أصيب طرفا التوأم المنفي والمبعد والمفصول بقرار أممي حظي بتصويت أغلبية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ،بخيبة أمل كبيرة مصحوبة بتأنيب ضميرحاد،وجلد عنيف للذات لعدم توافقهما ولا اتفاقهما فكريا ولا عاطفيا طيلة السنين الماضية، فأخذ كل منهما يقرأ مصادر الآخر وينكب على مراجعتها بإمعان بعد السماح لهما بارتياد مكتبة السجن للاطلاع على كل ما كان يؤمن به رفيق دربه ، وحبيس جسده ويعتقده من نظريات وفرضيات وأفكار،وجل ما كان يعتنقه شقيقه من أدبيات وميثولوجيات وأيديولوجيات وأسرار . قلصت مدة محكوميتهما لحسن السيرة والسلوك أولا،وللضغط الجماهيري الكبير المطالب بإطلاق سراحهما ثانيا، زيادة على تدخل جميعات حقوق الانسان،وتوسط منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في هذا الشأن لتنقضي المدة قبل ثلاثة أعوام من نهايتها فخرج التوأمان وهما يعانيان وبرغم تنسمهما عبق الحرية ، حالة من الإحباط والإكتئاب الشديدين مع انكفاء على الذات، وانسحاب الى الداخل ، فما كان من نقابات المتقاعدين والضمان الاجتماعي والكادحين والعمال، فضلا على اتحادات المصارف ورجال الأعمال،كذلك روابط التجار والمحتكرين وأصحاب رؤوس الأموال،إلا أن نظمت تظاهرات حاشدة أمام مبنى الأمم المتحدة للمطالبة باعادة توحيد طرفي التوأم العالمي والعمل على دمجه مجددا بجسد واحد ليديرا شؤونهما،وليعيشا حياتهما ،وليناصرا قضاياهما ،وليعبرا عن أفكارهما، وليقولا ما يختلج في صدريهما كما هو العهد بهما إن لم يكن فدراليا،فكونفدراليا على الأقل . أخضع التوأمان الى عملية جراحية ثانية هدفت الى خياطتهما ولصقهما وإدماجهما ببعض مجددا لتكون أول عملية إدماج بشري من نوعها لشخصين منفصلين في جسد واحد عبر التاريخ، أطلق عليه اسم"التوأم الصارخ الصريخي المدمج " نجحت العملية التي استمرت 14 ساعة متتالية نجاحا ساحقا وبما أبهر وألهب حماس الجماهير المحتشدة برغم تضادها خارج مبنى المستشفى بمئات الألوف والكل يرفع لافتات كتب عليها"أدمجوا ما فككتموه واتركوه وشأنه"، "أعيدوا توحيد التوأم فالعالم بأمس الحاجة إليه"، " قطب أصيل واحد برأسين وفكرين ولسانين وقلمين مختلفين،خير من أقطاب دخيلة متعددة برأس ولسان وفكر وقلم واحد"، قبل أن تصدح الحناجر بهتافات صاخبة ومتقاطعة، "يا صارخ ياشجاع أنصر المسحوقين في كل البقاع" تلاها " يا صريخ يا مقدام اسحق جموع العبيد والخدام" وهكذا دواليك حتى منتصف الليل ،ولم تخل التظاهرات الاحتكاكية من تبادل الشتائم بين مؤيدي ومعارضي أحد طرفي التوأم المدمج،مشفوعة بقذف القناني الفارغة وقلب الحاويات ، توجيه اللكمات والركلات،تمزيق الصور واللافتات،اطلاق العنصري من الهتافات ،والاستفزازي من الشعارات، قبل أن يصطدم الطرفان بقوات مكافحة الشغب،أعقبها الاعتداء على المارة،وحرق المركبات،وتحطيم نوافذ البنايات،وصولا الى نهب المحال التجارية وتخريب الممتلكات في وقت وقف فيه التوأم المدمج في شرفة الطابق الخامس والعشرين من المستشفى وهو يحيي الجماهير الحاشدة ملوحا بالأيدي تارة،وراسما قلب الحب بالأكف تارة أخرى ! لم تكد شمس اليوم التالي تشرق حتى شوهد صارخ وهو يدعو وسط الميدان الأحمر وبعد تكميم فم صريخ باللاصق الضاحك الى نصرة العمال والكادحين،والى مصادرة ثروات الأغنياء والمتنعمين ،تأميم ممتلكات البرجوازيين والإقطاعيين ،زيادة معدل الضرائب على الموظفين والمترفين،أتبعه صريخ وبعد لصق فم شقيقه التوأم قبيل غروب الشمس الى جوار تمثال الحرية وهو يدعو مليارديرات العالم المصنفين ضمن قائمة فوربس الى طرد المهاجرين واللاجئين،وقطع رواتب الرعاية الاجتماعية عن المسحوقين والمحرومين،ايقاف المعونات العينية والمالية عن دور الأيتام والمسنين،الإستغناء عن الأيدي البشرية العاملة وفصلها من كل الشركات والمصانع الانتاجية وبالأخص الغرباء منهم والملونين،استبدالهم جميعا بالروبوتات الآلية التي تعمل بلا كلل ولا ملل وبلا اجازات اسبوعية أو سنوية ،ولا وقت مستقطع مخصص لتناول الطعام والشراب،ولا استراحات متقطعة أثناء العمل بين الحين والحين لممارسة عادة الثرثرة مع بعض التنمر والتحرش والتدخين ! طراااااخ دوى صوت اطلاق رصاصة واحدة من بندقية قناص اوتوماتيكية مرت على بعد مليمترات قليلة من صدر التوأم دون أن تصيبه، فاتهمت جماعة صارخ ،الرأسماليين والترامبيين والمصرفيين بمحاولة إسكات الصوت الاشتراكي العالمي الصادح بالحق، فيما اتهمت جماعة صريخ ، اليسار ومحاولته النيل من أبرز الرأسماليين الشعبويين في العالم وبدلا من مطاردة القناص وإلقاء القبض عليه للتحقيق معه ومعرفة الدوافع والاسباب التي أغرته بإطلاق الرصاصة القاتلة اضافة الى الجهات التي تقف خلفه وتخطط له ، هب الفريقان من دون وعي تجاه المنصة لفصل التوأم بالايدي المجردة عن بعضه بعضا في محاولة من قبل كل فريق منهما للاستئثار بالقائد والزعيم والرمز الذي يمثله ويدافع عن حقوقه ويرفع شعاراته .. انشق التوأم بفعل افراط وتفريط وغلو وتطرف وحماسة المحبين الى نصفين ليفارق الحياة من فوره بينما حصل كل فريق على زعيمه ليقيم له متحفا يضم جثمانه المسجى داخل صندوق زجاجي مفرغ من الهواء فضلا على عدد من مقتنياته وصوره وأوسمته وكؤوسه وشهاداته وميدالياته .. لم يكن الأمر غريبا ولا استثنائيا في التاريخ البشري ذاك أن الزعماء الديماغوجيين والقادة الدوغماتيين الراحلين في أوج قوتهم ،وفي قمة عطائهم وبنظر العوام أشد إلهاما من الزعماء الأحياء المعرضين للتغيير ، للتحول الفجائي،للانقلاب على المبادىء ، للنقد الذاتي ، للمراجعات الفكرية ، للتملص من المنهج ،للنكوص وقلب ظهر المجن للاتباع مقابل التحالف مع الخصوم والاعداء، للمرض المُفسد ، للشيخوخة الثورية المُجهزة ، للهزال الايديولوجي، لفقدان الذاكرة العقائدية ،للجبن الميداني، للزهايمر الفكري ، للهرم المُفَنِد ، للعقم الفكري ، والكل يعتقد جازما بأن الملهم الميت إلا أنه الحي في الذاكرة الجمعية لهو خير مليار مرة من ملهم حي يعيش بين ظهرانيهم إلا أنه ميت سريريا بعد أن تحول الى مجرد ذكرى مهزوزة في عقولهم ، والى حب قديم ما لبث أن توارى بريقه في وجدانهم ليخفت صيته في رؤوسهم ،ويتلاشى عبقه من قلوبهم . وختاما ارجعلي زميلي المخرج وهلم لنحول تلكم القصة الكومي - تراجيدية الى فيلم سوريالي سينمائي ،أو الى عمل درامي تلفزيوني ،أو الى عرض مسرحي بعد سلسلة لقاءات وحوارات مكثفة عن الجدوى الفكرية والفنية والاقتصادية المتوخاة منها مع المنتج !
#أحمد_مكتبجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صبري وسي فورلنك التاسع عشر !
-
من الإنسان ال تنبلوني الى المدافعين عن حقوق القرد ال تابانول
...
-
لا لل نيرنجات في زمن التريليونات
-
فنجان قهوة افتراضية بمقهى الماسنجر الثقافي مع الدكتور حارث ع
...
-
القاصة والروائية العراقية الكبيرة ميسلون هادي بضيافة مقهى ال
...
-
ما زال عاشق العراق هناك وسيبقى !
-
جامع الجزائر الكبير بعيون وعدسات عراقية
-
دردشة أدبية وفنجان قهوة افتراضية مع الروائي المضيء سعد سعيد
-
تجارب ومقترحات إنسانية تطوعية لافتة جديرة بالتقدير و الإقتبا
...
-
-التعليم الإلكتروني..آمال وتحديات-كتاب جديد للدكتور حارث عبو
...
-
حوار لا يخلو من الصراحة مع نقيب أشراف -سُرَّ مَن رأى-البروفي
...
المزيد.....
-
بخطوات محسوبة بدقة.. شاهد ما يفعله فريق مختص لإعادة صغار الد
...
-
ماذا يتضمن المقترح الأمريكي الجديد لوقف إطلاق النار بين حماس
...
-
أنقرة تقترح استضافة قمة تجمع ترامب وبوتين وزيلينسكي... وموسك
...
-
دراسة: نصف البشرية تحت نيران التغير المناخي
-
“شهادة من قلب الانتفاضة: دمنات 1984 بعدسة مناضل تقدمي”
-
القضاء يجيز لإدارة ترامب إلغاء الوضع القانوني لنصف مليون مها
...
-
سوريا.. أهالي القنيطرة يطردون دورية إسرائيلية وينزعون علمها
...
-
-أدوات قذرة بيد العدو-.. قبائل وعشائر البادية بغزة ترفع الغط
...
-
القاهرة تستضيف اجتماعا ثلاثيا لدول جوار ليبيا بحثا عن حل للأ
...
-
صحيفة -هآرتس- العبرية: تغيير أماكن المختطفين بغزة يجعل الجيش
...
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|